"سخصيّة مصر"
صدرت لي المجموعة القصصيّة "سخصيّة مصر" عام 2013، وقد شاركت بها بمعرض الكتاب الدولي بالقاهرة آنذاك وحازت على مبيعات جيّدة ممّا حدا بناشرها على الاشتراك بها في معرض الكتاب الدولي بدبي، ويحوي هذا الكتاب بين دفتيْه جميع صفات شعب "مصر" الجميل، وعن كل صفة كتبت قصة قصيرة تحكي عنها لتظهرها وتجليها، وقد أحصيت - للأسف الشديد- حوالي 32 صفة سيّئة و 15 صفة حسنة فقط.
إليكم اليوم تمهيدٌ للكتاب؛ على أن أنشر كل فترة قصة قصيرة من تلك القصص الساخرة.
إهْداء
إلى أَهْلي.. شَعْبِ "مِصْرَ" الجَميل.. بِكُلِ فَضائِلِهِ ورَذائِلِه.. بِكُلِ مَحاسِنِهِ ومَساوِئِه.. بِكُلِ خِصَالِه المَحْمودةِ والمَذْمومَة.. بِكُلِ مُتَناقِضاتِهِ وتَبايُناتِه التي جَعَلَتْ مِنْهُ شَعْباً فَريداً عَـجيباً سَاحِراً.
مُقَدِّمَة
في هَذا الكِتابِ مَجْموعَةٌ
مِنَ الصِفاتِ الإنْسانيَّةِ التي تَتَواجَدُ بالفِطْرةِ في أَيِ مَجْموعَةٍ
بَشَريَّةٍ بأيِ مِكانٍ بالعالَم، فَمَنْ مِنَّا يَنْكِرُ أَنَّ أَيَ بَلَدٍ في
العالَمِ مِثْلَ "أَميريكا" أَوْ "كينيا" أَوْ
"الهِنْدِ" تَضُمُّ أَفْراداً ذَوي نُعوتٍ عَديدَةٍ مُتَضارِبَة؛
فمِنْهُم الكَريمُ ومِنْهُم البَخيل، وفيهِم الشُجاعُ وفيهِم الجَبان، وضِمْنُهُم
الصادِقُ والكاذِب، ووَسْطُهُم المُتَدَيّنُ والكافِر.
ولَكِنَّ
لِكُلِّ شَعْبٍ مَآثرَهُ ومَناقِصَهُ الغالِبَةَ عَلَيْهِ والمُتَأصِّلَةَ فيهِ،
ولِكُلِّ بَلَدٍ مَكارِمَهِ التي يَفْتَخِرُ بِها وسَوْءاتِهِ التي يَخْجَلُ
مِنْها؛ فمَثَلاً مَعْروفٌ عَنِ الشَعْبِ اليَهودي أَنَّه بَخيلٌ ولَكِنَّهُ
مُتَدَيِّن، ويُحْكَى عَنِ الأَلْمانِ تَفانيهِم في العَمَلِ مُقابِل إغْراقِهِم
في الجَفاءِ والغِلْظَة، وتَشْتَهِرُ "فَرَنْسا" بالرومانْسيَّةِ
الحالِمةِ وأَيْضاً بالعَرْبَدَةِ المُتَسَيِّبَة.
ورُبَّما يَكونُ الشَعْبُ
المِصْريُ العَرَبيُ هوَ الوَحيدَ الذي يَحْوي هَذا الكَمَّ الهائِلَ مِنَ
السِماتِ الكَثيرةِ المُتَضارِبَةِ التي تَحَكّمَتْ في أَفْعَالِهِ وتَصَرُّفاتِه،
ويَعْزو بَعْضُ علماءِ الاجتِماعِ هَذا السُلوكَ إلى تَأثُّرِ المِصْريّينَ
باحْتِكاكاتِهِم الوَثيقَةِ مَعَ الشُعوبِ الأُخْرَى الكَثيرَةِ التي عَمَرَتْ
واسْتَعْمَرَتْ "مِصْرَ" طوالَ تاريخِها بِدايةً مِنَ الهِكْسُوسِ والآشوريّينَ
والفُرْسِ والإغريقيّينَ والرومانيّينَ والمَقْدونيّينَ مُروراً بالعَرَبِ
والصَليبيّينَ والعُثْمانيّينَ ونِهايةً بالفَرَنْسيّينَ والإنْجِليز، في حينَ
أَنَّ بَعْضَ العُلَماءِ الآخَرينَ يُرْجِعون هَذِهِ الحُزْمَةَ مِنَ الصِفَاتِ
العَدِيدَةِ المُتَناقِضَةِ إلى التَنَوُّعِ العَجيبِ في الأُصولِ العِرْقيَّةِ
والبيئيَّةِ والثَقافيَّةِ لطوائِفِ الشَعْبِ المِصْريِ فمِنْهُم المُسْلِمونَ
والأَقْباطُ واليَهود، وفيهِم الفَلاّحونَ والصَعايدةُ والبَدْوُ والغَجَرُ
والنوبيُّونَ والبَحاروَةُ وساكِنو المُدُن، ووسْطُهُم المُتَعَلِّمونَ وأَنْصافُ
المُتَعَلِّمين والجَهَلَة.
وإذا كانَتِ الصِفاتُ
الجَسَديَّةُ الفيزيقيَّةُ ( مِثْلَ المَلامِحِ والطولِ ولَوْنِ البَشْرَةِ )
يَتِمُّ توارُثُها جينيَّاً مِنَ الآباءِ إلى الأَبْناء؛ فإنَّ الصِفاتِ
السُلوكـيَّةَ الاجْتِماعيَّةَ ( مِثْلَ التُراثِ الثَقافيِ والأَفْكارِ
والخِبْرَاتِ) يَتِمُّ تَوْريثُها أَيْضاً - وإنْ كانَتْ بدَرَجَةٍ أَقَل - عَبْرَ
الأَجْيَال.
نَحْنُ هُنا بِصَدَدِ
اسْتِعْراضٍ لِبَعْضِ هَذِهِ السَجايا والطَبائِعِ في صورَةِ قَصَصٍ قَصيرَةٍ
ساخِرةٍ تُبْرِزُ لَنا عُيوبَنا حَتَّى نَضِعَ يَدَنا عَلَيْها بَعْدَ أَنْ
نَعْتَرِفَ بِها أَوَّلاً ثُمَّ نُحاوِلُ أَنْ نُزيلَها مِنْ مُعامَلاتِنا أَوْ
عَلَى الأَقَلِ نَغَيِّرَها حَتَّى تنْصَلِحَ أَحْوالُنا وتَتَحَسَّنَ ظُروفُنا
وتَتَهَذَّبَ أَخْلاقُنا، أَمّا مَزايانا فيَجِبُ عَلَيْنا أَنْ نُؤَكِّدَ
عَلَيْها ونُؤَصِّلَها في وِجْدَانِنا ونُعَمِّمَها في تَرْبيتِنا لأَولادِنا.
ادْعو اللهَ تَعالى أَنْ
يَهْديَنا إلى سَبيلِ الرَشادِ وأَنْ يوَفِّقَنا لِما فيهِ خَيرُ البِلادِ
والعِباد، واللهُ مِنْ وَراءِ القَصْد.