خبر
أخبار ملهلبة

المنقبة (الميزة) السابعة: الصَبْرُ عَلَى البَلاءِ واحْتِمالُ تَصاريفِ الدَهْر | سخصية مصر



المِفْتاح

 

 

- اللي بَعْدُه.

- أَيْوَه يا دُكْتور.

- إنْتَ "أَيُّوب عَبْد الصَبور"؟.. ودَه دَفْتَر التَأْمين بتاعَك؟

- تَمام يا باشا.

- خير يا حاج؟.. بتِشْتِكي مِنْ إيه؟

- أَنا كُنْت جيت الأُسْبوع اللي فات للأَخِصَّائي وكُنْت باشْتِكي مِنْ إنْ الضَغْط ما بينْزِلْش وعَنْدي غَمَمان نِفْس ومِشْ قادِر حَتَّى أَبُص للُقْمَة وتَعْبان عَلَى طول.. ما بَقْدَرْش اقوم مِنْ عَ السِرير وساعات باتُوه كِدَه.. ولامُؤَاخْذَة البول ريحْتُه نَشادِر جامْدَة بِتْفَوَّقْني مِ التَوَهان اللي انا فيه لَمَّا بادْخُل الحَمَّام.. والدُكْتور قال لي عَلَى تَحاليل.. عَمَلْتَها هِنا ونَتيجِتْها أَهِه.

- وَرِّيني كِدَه.. إنْتَ ماشي عَلَى علاج يا حاج؟

- آه.. عَنْدي السُكّر والضَغْط والقَلْب والكِبْد والروماتيزم.. دَه انا ماشي عَلَى ييجي حِداشَر نوع بُرْشام وكَبْسولات.

- ياه.. كُل دَه.. عُموماً أُشْكُر رَبِّنَا لحَدْ كِدَه.

- لأَه طَبَعَاً.. مِشْ حَ اشْكُرُه.. ما هُو رَبِّنَا قال : "لَئِنْ شَكَرْتُم لأَزيدَنَّكُم".. وانا كفاية عَلَيَّ كِدَه مِشْ ناقِص.. بزيادَة.

- اسْتَغْفِرُ اللهَ العَظيم.. إنْتَ حَ تِكْفَر يا راجِل انْتَ؟

- أَعوذُ بالله يا باشا.. أَنا بَسْ باضَحَّك مَعاك.. الحمْدُ لله عَلَى كُل اللي يجيبُه.. إحْنَا أَحْسَن مِنْ غيرنا ياما.. دَه رَبِّنَا قال: "ولَئِنْ صَبَرْتُم لَهُوَ خَيْرٌ للصابِرين" و"ولَنَجْزِيَنَّ الذينَ صَبَروا أَجْرَهُم بأَحْسَنِ ما كانوا يَعْمَلون" و"وجَزاهُم بِما صَبَروا جَنَّةً وحَريرا" و"وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ".. والنَبي قال: "مَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرُهُ اللهُ فَما أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطاءً خَيْراً مِنَ الصَبْر" و" إنَّ عِظَمَ الجَزاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاءِ وإنَّ اللهَ إذا أَحَبَ قَوْماً ابْتَلاهُم فَمَنْ رَضَيَ فَلَهُ الرِضا ومَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَخَط".. حَتَّى فِ الكِتاب المُقَدَّس: "إنْتَظِرِ الرَبَّ واصْبِرْ لَه".. وكَمان المَثَل بيقول: "الصَبْر مُفْتاح الفَرَج".

- ما شاءَ الله دَه انْتَ مُثَقَّف اهُه.

- أُمَّال.. مَحْسوبَك ساقِط تَوْجيهيَّة وكُنْت باشْكاتِب زَمان.

- طَبْ بُصْ يا عَمْ "أَيُّوب".. إنْتَ البَوْلينا والكِرياتينين عَنْدَك عاليّين جِداً.. ومِحْتاجين نِعْمِل غَسيل كَلَوي تَلات مَرَّات فِ الأُسْبوع.. خُدْ الوَرَقَة دي وروح بيها قِسْم "أَمْراض الكِلَى" فِ مُسْتَشْفَى "شبين" الجامِعي.. عارِفْها؟

- أَيْوَه يا باشا.. أَحْمِدَك واشْكُر فَضْلَك يا رَب.. فوتَّك بعافية.

وبَدَأَ عَمُّ "أَيُّوبٌ" في جَلَساتِ غَسيلِ الكُلَى بَعْدَ إجْراءِ تَحاليلٍ أُخْرَى وتَدَخُّلٍ جِراحيٍ لإدْخالِ قَسْطَرَةٍ وَريديَّةٍ مَوْضِعيَّةٍ ثُمَّ عَمَلِ وَصْلَةٍ وَريديَّةٍ / شُرْيانيَّةٍ لِتَوْصيلِ أَطْرافِ ماكينَةِ الغَسيلِ الكُلَويِ وكانَ أَثْناءَ هَذِهِ المُعاناةِ رابِطَ الجَأْشِ ثابِتَ الجَنانِ راسِخَ الإيمان. 

وفي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ أَتاهُ هُوَ وجيرانَهُ إنْذارٌ بإخْلاءِ العَقَارِ الذي يَسْكُنونَ فيهِ نَظَراً لِكَوْنِهِ آيِلاً للسُقوط، وتَمَّ تَسْكينُهُم بِمَساكِنِ الإيواءِ "بشِبينِ الكَوْمِ" حَيْثُ كانَ نَصيبُ كُلِ أُسْرَةٍ شِقَّةً مُكَوَّنَةً مِنْ غُرْفَتَيْنِ ومَطْبَخٍ وحَمَّام، أَمَّا عَمُّ "أَيُّوبٌ" وزَوْجَتُهُ المُسِنَّةُ المَريضَةُ فكانَ نَصيبُهُما شِقَّةً مِنْ غُرْفَةٍ واحِدَةٍ ومَطْبَخٍ وحَمَّامٍ مُشْتَرَكٍ بِحُجَّةِ أَنَّهُما اثْنانِ فَقَطْ ولَمْ يُنْجِبا أَوْلاداً، ومَرَّةٌ أُخْرَى بَلْ قُل عاشِرَةَ بَعْدَ المائَةِ لَمْ يَعْتَرِضْ عَمُّ "أيّوبٌ" أَوْ يشكو بَلْ تَقَبَّلَ الأَمْرَ بِصَدْرٍ رَحِبٍ وبَدَأَ يَتَعايَشُ مَعَ حَياتِهِ الجَديدَةِ في مَساكِنِ الإيواءِ المُزْريَةِ والتي تُحيطُها القُمامَةُ والإهْمالُ مِنْ كُلِّ جانِب، ونَظَراً لأَنَّ ظُروفَه الصِحيَّةَ كانَتْ سَيِّئَةً ولَمْ يَكُنْ في اسْتِطاعَتِهِ القيامَ بأَيِ عَمَلٍ مُجْهِدٍ فَقَدْ اعْتَمَدَ عَمُّ "أَيُّوبٌ" عَلَى مَعاشِهِ الشَهْريِ بجانِبِ بَيْعِهِ لبَعْضِ الأَصْنافِ القَليلَةِ الرَخيصَةِ مِنَ البُخورِ والسِبَحِ التي وَضَعَها عَلَى قَفَصٍ خَشَبي بجوارِ جامِعِ الحَيِ وكانَ كَثيراً لا يَجِدُ ما يَلْزَمُهُ مِنْ مالٍ يَكْفي نَفَقاتِهِ فَيَسْتَقْطِعُ مِنْ ثَمَنِ دوائِهِ ما يَسْتَطيعُ بِهِ شِراءَ ما يَكْفي زَوْجَتَهُ مِنْ غِذاءٍ ودَواءٍ ويَتَحَجَّجُ أَمامَها كَذِباً بأَنَّه قَدْ تَناوَل أكْلَهُ وعِلاجَهُ أَثْناءَ تَواجُدِهِ خارِجَ المَنْزِل.

واسْتَمَرَّتْ بِهِما الحالُ هَكَذا سِنيناً يَصْحُوانِ فَجْراً ويُصلِّيانِ فَرَضَ اللهِ وسُنَّةَ نَبيِّهِ ثُمَّ يَجْلِسانِ ليَتَناوَلا لُقَيْماتِ الفُطورِ وهُما يَتَجاذَبانِ أَطْرافَ الحَديثِ الباسِمِ الضَحوكِ ويَحْمِدان رَبَّهُما ثُمَّ يَتِّجِهانِ إمَّا للوقُوفِ بالتَناوُبِ بِجانِبِ الجامِعِ ليَعْرِضا بِضاعَتَهُما الهَزيلَةَ وإمَّا للذِهابِ معاً إلى المُسْتَشْفَى لإجْراءِ جَلْسَةَ الغَسيلِ الكُلَويِ المُرْهِقَةِ ثُمَّ يَعودانِ إلى مَنْزِلِهِما المُتواضِعِ فَيَتَناوَلانِ طِعامَ الغَذاءِ ويِجْلِسانِ مَعاً في حَميمِيَّةٍ يَرْتَشِفانِ كوبَيْنِ مِنَ الشايِ الأَخْضَرَ الغَيْرِ مـُحَلّى بِجِوارِ النافِذَةِ ويَتَنَسَّما عَبيرَ النَسيمِ حَتَّى يُؤَذَّنَ للمَغْرِبِ فيَقومانِ ليُصَلِّيا ويَقْرَآ وِرْدَهُما مِنَ القُرْآنِ الكريمِ إلى ما بَعْدَ صَلاةَ العِشاءِ ثُمَّ يَناما قَريرَا العَيْن، حَتَّى جاءَ اليَوْمُ الذي اسْتَيْقَظَ فيهِ عَمُّ "أيُّوبٌ" فَوَجَدَ فيهِ زَوْجَتَهُ وقَدْ أَسْلَمَتْ الروحَ لِبارِئِها وهيَ عَلَى الأَرْضِ في وَضْعِ السُجودِ فَبَكاها كَثيراً فَقَدْ كانَتْ رَفيقَتَهُ وأَنيسَتَهُ الوَحيدَةَ في دَرْبِ الحَياةِ الطَويلِ المُضْني، وبَعْدَ أَنْ واراها التُرابَ مَعَ جيرانِهِ عادَ إلى غُرْفَتِهِ وهوَ يَتَخَيَّلُ زَوْجَتَهُ في كُلِّ مَكانٍ بالمَنْزِلِ أَوْ يَتَوَهَّمُ أَنَّها تُحادِثُهُ وتُسامِرُهُ أَوْ يَتَذكّرُ ما كانَ بَيْنَهُما مِنْ أَحْداثٍ وحَوَادِثَ أَوْ تَتَراءَى لَهُ في مَناماتِهِ القَصيرَةِ عَلَى هَيْئَتِها الأُولَى وهيَ شابَّةٌ نَضِرَة.

وظـَلَّ عَمُّ "أيُّوبٌ" وَحـيداً عَلَى هَذِهِ الوَتيرَةِ كانَ أَثْناءَها مُجافِياً للنَوْمِ والرُقادِ والكَرَى صَديقاً للسُهادِ والفِكْرِ والأَرَقِ زاهِداً في الطَعامِ والدَواءِ والحَياةِ كُلِّها وكَأَنَّهُ يُعاقِبُ نَفْسَهُ عَلَى الحَياةِ بِغَيْرِ زَوْجَتِهِ الحَبيبَةِ إلى أَنْ سَلَّمَ أَمْرَهُ إلى اللهِ واعْتادَ عَلَى غيابِها وعادَ إلى حَياتِهِ السالِفَةِ مِنْ ذِكْرٍللهِ وقُنوتٍ وصَلاةٍ وصيامٍ ودُعاءٍ عَلَى أَمَلِ أَنْ يَجْمَعْهُما اللهُ في الحَياةِ الأُخْرَى.

وبَعْدَ شُهورٍ قَليلَةٍ فوجِئَ عَمُّ "أَيُّوبُ عَبْدُ الصَبورِ" بِجيرانِهِ مِنْ أَهْلِ الحَيِ يُبَشِّرونَهُ بأَنَّهُم قَدْ رَشَّـحوهُ بالإجْماعِ ليَقومَ بالحَجِّ عَلَى نَفَقَةِ الجَمْعيَّةِ الخَيْريَّةِ بِمَسْجِدِ "الأَنْصارِ" بالحَيِ القِبْلِي "لِشِبينِ الكَوْمِ" فـَخَـرَّ الرَجُلُ ساجِداً للهِ شاكِراً لَهُ فَضْلَهُ مُتَذَكِّراً قَوْلَه تعالى:

بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيم: "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ الله كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ الله لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا". صَدَقَ اللهُ العَظيم.

google-playkhamsatmostaqltradent