خبر
أخبار ملهلبة

المثلبة (الرذيلة) السابعة والعشرون: غيابُ الضَميرِ والفَسادُ بِجَميعِ أَشْكالِهِ خاصَّةً السياسي والإداري والتَعامُلُ مَعَ الرِشْوَةِ كَإجْراءٍ عادي واسْتِغْلالُ ثَغْراتِ القانونِ وسُوءُ الظَنِّ بالغَيْر | سخصية مصر



القَضيَّةُ بُوش

 

                    

"يُسْري رَشْوانُ".. اسْمٌ لامِعٌ في سَماءِ المُحاماةِ بَزَغَ نِجْمُهُ واشْتَهَرَ بأَنَّه لا يَخْسِرُ أَبَداً أَيَّةَ قَضيَّةٍ يَتَوَلاّها، ومَعْروفٌ عَنْهُ قَبولُ قَضايا المُخَدِّراتِ والآدابِ والاخْتِلاساتِ والتَرافُعُ عَنِ المُتَّهَمينَ فيها رَغْمَ مَعْرِفَتِهِ بإدانَتِهِم وكَسْبُها دونَ وَجْهِ حَقٍ بَعْدَ اسْتِغْلالِ الثَغَراتِ القانونيَّةِ أَوْ نَتيجَةً لأَخْطاءٍ في الإجْراءاتِ الشَكْليَّةِ أَوْ بأَساليبٍ شَيْطانيَّةٍ غَيْرِ قانونيَّة.

وذاتُ مَساءٍ وهوَ في مَكْتَبِهِ الفَخْمِ اسْتَدْعَى سِكِرتيرَهُ وطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يِصْطَفي أَهَمَّ ثَلاثِ قَضايا جَديدَةٍ فَقَطْ ويُدْخِلَ أَصْحابَها واحِداً تِلْوَ الآخَرِ لِمُقابَلَتِهِ في عُـجالَةٍ حَيْثُ أَنَّه مُرْتَبِطٌ بِمَوْعِدٍ مَعَ رَئيسِ الحِزْبِ البَلَديِ الديمُقْراطي لِيَتَّفِقَ مَعَهُ بشَأْنِ التَرَشُّـحِ لأَحَدِ المَناصِبِ السياسيَّةِ الهامَّةِ في الدَوْلَة، وسَمِعَ السِكِرتيرُ وأَطاعَ فَسَمَحَ بِدُخولِ صاحِبِ القَضيَّةِ الأولَى وهوَ مُقاوِلٌ كَبيرٌ شَرَعَ في بِناءِ عِمارَةٍ دونَ تَرْخيصٍ في 11 شارِع الاسْتِقامَةِ بحَيِ "مِصْرَ القَديمَةِ" فَصَدَرَ لها قَرارُ إزالَةٍ مِنْ الحَي، وأُقيمَتْ ضِدَّهُ عِدَّةُ قَضايا مِنْها البِناءُ بدونِ تَرْخيصٍ وإشْغالُ طَريقٍ بِموادِ بِناءٍ وعَمَلُ صَرْفٍ لِمَجاري العِمارَةِ بدونِ إذْنِ الهَيْئَةِ العامَّةِ للصَرْفِ الصِحِّي وبدونِ دَفْعِ الرُسومِ المُقَرَّرَةِ ومِنْها سَرِقَةُ كَهْرُباءٍ وأَيْضاً اسْتِهلاكُ ميَّاهٍ للمَباني بدونِ عَدَّادٍ وقَضايا أُخْرَى عَديدَة.

وتَعَجَّبَ الأَفوكاتو "رَشْوانُ" مِنْ أَنَّ المُقاوِلَ لَمْ يَعْرِضْ أَيَّةَ رَشْوَةٍ عَلَى مُهَنْدِسِ أَوْ رَئيسِ الحَيِ أَوْ مُوَظَّفي الصَرْفِ الصِحِّي أَوْ مُوَظَّفي شَـرِكَةِ الكَهْرُباءِ ومِرْفَقِ المياه، ووَبَّخَهُ ساخِراً فَقال :

- هوَّ انْتَ أَوِّل مَرَّة تِشْتَغَل فِ كار المِقاوْلات دَه يا مَعَلِّم.. إنْتَ لازِم تِعْرَفْ تِمَشِّي أُمورَك يا إمَّا بصَراحَة حُطْ فلوسَك فِ البَنْك أَحْسَن.. المِقاوِل الشاطِر هوَّ اللي يعْرَف الدِنيا ماشيَة إزّاي.. الحِكايَة مِشْ عافْيَة.. أَهُو انْتَ حَبِّيت توَفَّر فلوس وتِبْني مِنْ غير تَرْخيص.. ماشي ما فيش مَشَاكِل.. بَسْ تِدِّي الناس حَقَّها الأَوِّل.. إنْتَ فِكْرَك الناس اللي شَغَّالَة فِ الحَيْ والكَهْرَبا والمَيّه عايْشين إزّاي؟.. ما هُمَّ عاوْزين ياكْلوا ويشْرَبوا ويرَبُّوا عيالْهُم هُمَّ كَمان.. تِفْتِكِر الكام مَلْطوش اللي بياخْدوهُم مُرَتَّب بيْكَفُّوهُم بَرْضُه؟.. اللي ياكُل لِوَحْدُه يزْوَر يا معَلِّم.. آديك حَ تِدْفَع الطاق اتْنين أَوْ تَلاتَة.. عُموماً اللي حَصَل حَصَل والبَني آدَم مِنِّنا ما بيتْعَلِّمْش بالساهِل.. حَ تِطْلَع دَه الوَقْت للسِكِرْتير تسيب لُه مِيت أَلْف جِنيه مِنْ تَحْت الحِساب ولَوْ عُزْنا فُلوس تاني حَ ابْقَى اقول لَك.. وانا حَ اعْرَف أَتْفاهِم مَعَ الناس دي ونعَدِّي المَوْضوع عَلَى خير.. وأَيْ مُوَظَّف يعَدِّي عَليك فِ المَوْقِع إبْعَتْهولي أَنا حَ اتْصَرَّف مَعاه.. وما تِقْلَقْش مِنْ حَاجَة.. كَمِّل بُنا عادي وكُل حَاجَة حَ تِتْحَل ورَبِّنَا يقَدِّم اللي فيه الخير.. وما تِنْساش تاخُد مِ السِكِرْتير إيصال بالمِيت ألْف.. حاكِم رَبِّنَا قال : "يا أيُّها الذينَ آمَنوا إذا تَدايَنْتُم بِدَيْنٍ لأَجَلٍ مُسَمَّي فاكْتُبُوه".. ما حَدِّش ضامِن الموت مِ الحَيا.. حَدَّ الله بيني وبين الحَرام.. هوَّ البَني آدَم مِنِّنا إيه غير نَفَس داخِل ونَفَس طالِع.

ثُمَّ قابَلَ الأسْتاذُ زَوْجَةَ صَديقِهِ وعَميلِهِ تاجِرِ المُخَدِّراتِ الكَبيرِ الذي تَمَّ القَبْضُ عَلَيْهِ مُتَلَبِّساً في قَضَيَّةِ إتِّجارٍ وتَمَّ تَحْريزُ نِصْفِ كيلو هيرويين كانَتْ مَعَهُ في سَيَّارَتِه، وطَمْئَنَها المِتْرُ بِقَوْلِه :

- ما تِقْلَقيش يا مَدام.. القَضيَّة دي بُوشْ.. يَعْني فالْصو.. حَ تِرْسَى عَلَى ما فيش.. والحاج جوزِك حَ ياخُد بَراءَة كِدَه كِدَه.. إحْنَا مُمْكِن بِفْلوسْنا نِعْمِل مِيت حَاجَة.. مُمْكِن مَثَلاً نِدِّي رَشْوَة للقاضي.. أَنا ما اعْرَفْش مين القاضي صَحيح.. بَسْ مِتْهَيَّأْ لي حَ نلاقي حَدْ يعَرَّفْنا سِكِّتُه.. ما هُو أكيد أَغْلَب القُضاة ووكَلاء النيابَة والمُحامين والدِنيا كُلّها بياخْدوا رَشاوي.. الرَشْوَة بَقِت شئ عادي اليومين دُول وما فيش مَصْلَحَة بتِمْشي مِنْ غيرها.. ومُمْكِن كَمان ندَوَّر عَلَى نُقْطِة ضَعْف للظابِط اللي مَسَك الحاج مُتَلَبِّس.. أكيد فيه فِ حَياتُه أَوْ شُغْلُه مُصيبَة عامِلْها ومكَرْتِن عَليها.. لَوْ عَرَفْناها نِقْدَر نَبْتَزُّه بيها ونخَلِّيه يغَيَّر أَقْوالُه فِ القَضيَّة.. وكَمان مُمْكِن نِدِّي رَشْوَة لمُوَظَّف وِزارِة العَدْل عَلَشَان يبَدِّل حِرْز الهيرويين ببودْرِة تَلْك.. أَوْ نِجيب ناس أَتْشَا.. شُهود زور يَعْني ياخْدوا لهُم قِرشين ويشْهَدوا بإنُّه وَقْت القَبْض عَليه كان الحاج معاهُم فِ مَكان بِعيد خالِص عَنْ مَكان التَلَبُّس.. أَوْ اجيب لُه شَهَادَة طِبِّيَّة مِنْ دُكْتور كِبير إنُّه كان مَحْجوز فِ المُسْتَشْفَى بتاعْته بَقَى لُه أسْبوع.. كُل الحاجات دي سَهْلَة وما بتِتْكَلِّفْش فُلوس كِتير.. بَسْ المُشْكِلَة إنَّها بتاخُد وَقْت طويل فِ المحْكَمَة.. وزَيْ ما انْتي عارْفَة فاضِل كام شَهْر عَ العيد الكِبير كُلْ سَنَة وانْتي طَيِّبَة.. وانا وجوزِك كُنَّا مِتِّفْقين نِطْلَع الحِج سَوا زَيْ كُل سَنَة.. رَبِّنا يكْتِبْها لنا.. عَلَشَان كِدَه سيبيني يومين بَسْ اقْرا أَوْراق القَضيَّة كوَيِّس واشوف حَ نعمل إيه يخَلِّي القاضي يُحْكُم فيها مِنْ أَوِّل جَلْسَة إنْ شاءَ الله.. واوْعي تِعْمِلي حســابِك فِ فـلــوس دَه الوَقْــت.. الحــــاج دَه اخــــويا.. أَنا حَ ابْقَى احاسْبُه لَمَّا يطْلَع بالسَلامَة.. ما بَيْنَ الخَيِّرينَ حِساب.

وأَخيراً دَخَلَ "زكيٌ" صاحِبُ القَضيَّةِ الثالِثَةِ وهوَ ضابِطٌ كبيرٌ بِجِهازِ الشُرْطَةِ مَوْقوفٌ عَنِ العَمَلِ ومُتَّهَمٌ مِنْ قِبَلِ وَزارَةِ الداخِليَّةِ بأَنَّه تَقَاضَى مَبْلَغاً كَبيراً مِنَ المالِ كَرِشْوَةٍ نَظيرِ تَسْهيلِهِ تَزْويرِ أَصْواتِ الناخِبينَ والتَلاعُبِ في صَناديقِ انتخاباتِ مَجْلِسِ الشَعْبِ السَابِقَةِ لِصالِحِ أَحَدِ السياسيينَ الكِبارِ في دَائِرَةِ قِسْمِ "السَيِّدَةِ زَيْنَبِ" إبَّانِ أَنْ كانَ مَأْموراً للقِسْم، وبَعْدَ أَنْ اطَّلَع الأسْتاذُ عَلَى قَرارِ الاتِّهامِ قالِ في ثِقَة :

- واللهِ ما اكْدِبْش عَليك يا فَنْدِمْ مَوْقِفَك فِ القَضيَّة مِشْ ولابُد.. بَسْ ما فيش حَاجَة كِبيرة عَلَى رَبِّنَا.. سيب لي المَلَف بتاعَك أَمَخْمَخْ لُه برَوَقان.. وانْ شاءَ الله بَراءَة.. بَسْ مَعْلِهش انا مِشْ باخُد أَقَل مِنْ رُبْع مِلْيون فِ القَضايا اللي مِ النوع دَه.. واسْأَل عَلَيَّ بَرَّه.. أَنا مافيش قَضيَّة باخْسَرْها.. شوف نَفْسَك كِدَه وانا تَحْت أَمْرَك أَيْ وَقْت.. مَعَ أَلْف سَلامَة.

وبَعْدَ عَدَّةِ أَسابيعٍ كانَ المُحامي قَدْ أَنْهَى الثَلاثَ قَضايا ببَراءَةِ المُتَّهَمينَ جَميعاً وتَقاضَى مِئاتِ الآلافِ مُكافَأَةً لَهُ عَلَى ذَلِكَ، ففي الأولى اسْتَطَاعَ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ 11 شارعُ الاسْتِقامَةِ لَيْسَ بِهِ عِمارةٌ تُبنَى بَلْ هوَ مَكانُ المَبْنَى الخاصِّ "بمَرْكَزِ المَعْلوماتِ ودَعْمِ اتْخاذِ القَرار" ولَيْسَ عِمارَةً سَكَنِيَّة، وكانَتْ الأَوْراقُ الرَسْميَّةُ التي أَثْبَتَتْ ذَلِكَ عِبارَةً عَنْ شَهادَةٍ بذَلِكَ صادِرَةٍ مِنَ الحَيِ نَفْسِهِ وفَواتيرٍ شَهْريَّةٍ مُتَعَدِّدَةٍ صادِرَةٍ مِنَ شَرِكَتَيِ الكَهْرُباءِ والمياهِ باسْمِ المَرْكَزِ وبِها العُنْوانُ المَذْكورُ مَعَ حَذْفِ كَلِمَةِ "مُكَرَّرٍ" في كُلِّ وَرَقَةٍ رَسْمِيَّةٍ فَقَدْ كانَ العُنْوانُ الحَقيقيُ للمَرْكَزِ هوَ 11 مُكَرَّرٍ شارعُ الاسْتِقامَة.

وفي القَضيَّةِ الثانيَةِ تَمَّ التَلاعُبُ في المَحْضَرِ الأَساسيِ الذي كُتِبَ فيهِ أَنَّ كِميَّةَ الهيرويين كانَتْ "نِصفَ كيلو"، واضْطُرَّ القاضيُ للحُكْمِ بالبَراءَةِ بِسَبَبِ دَفْعِ المُحامي بأَنَّ الكِميَّةَ غَيْرُ مَعْروفَةٍ وغَيْرُ مُعَرَّفَةٍ فَقَدْ وُصِفَتْ بوِحْدَةِ أَطْوالٍ ولَيْسَتْ بوِحْدَةِ مَوازينَ بَعْدَ أَنْ اسْتَطاعَ عَنْ طَريقِ مُوَظَّفٍ مُرْتَشٍ أَنْ يُضيفَ وبخَطٍ مُقارِب ٍ كَلِمَةَ "مِتراً" لِكِميَّةِ الهيرويينِ المِضْبوطِةِ لِتُصْبِحَ "نِصْفَ كيلو مِتراً".

وفي الثالِثَةِ تَفَتَّقَتْ قَريحَةُ المُحامي الماكِرَةُ عَنْ فِكْرَةٍ جُهَنَّميَّةٍ جَبَّارَةٍ انْتَزَعَ بِها بَراءَةَ مُوَكِّلِه؛ فَقَدْ أَقْنَعَ المُتَّهَمَ بِتَغْييرِ اسْمِهِ الأَوَّلِ وبَعْدَ أَنْ تَمَّ ذَلِكَ عَنْ طَريقِ السُبُلِ القانونيَّةِ الرَسْميَّةِ اسْتَخْرَجَ لَهُ المُحامي شَهادَةً مُوَثَّقَةً مَخْتومَةً بذَلِكَ مِنَ السِجِلِ المَدَني بِوَزارَةِ الداخِليَّة، ولَمَّا كانَتْ هَذِهِ الوَزارَةُ هيَ التي أَقامَتْ الدَعْوَى ضَدَّهُ وهيَ الآنَ نَفسُها تُقِّرُ بأَنّه "بَرئ"؛ فَقَدْ أَصْبَحَتْ القَضيَّةُ كأنْ لَمْ تَكُنْ (أَيْ بُوشْ) بَلْ حَكَمَتْ المَحْكَمَةُ بِإجبارٍ وَزارَةِ الداخِليَّةِ عَلَى إعادَته لعَمَلِهِ مَعَ تَغْريمِها قِرْشِ صاغٍ واحِدٍ عَلَى سِبيلِ التَعْويض، وكانَ نَصُ هَذِهِ الشَهادَةِ المُعْجِزَةِ كَالتالي:

{ تُبْلِغُ وَزارَةُ الداخِليَّةِ جَميعَ الجِهاتِ الحُكوميَّةِ والغَيْرِ حُكوميَّةِ الرَسْميَّةِ مِنْها والغَيْرِ رَسْميَّةِ بأَنَّه إبتداءٌ مِنْ يَوْمِ الأَرْبِعاءِ المُوافِقِ الثَالِثِ مِنْ مايو 2006 أَنَّ السَيِّد "زكي" ابْنَ "عَبْدِ القابِضِ الزوراني" قَدْ أَصْبَحَ "بَرئ"، عَلَى أَنْ يَتِمُّ تَوْفيقُ أَوْضاعُهُ وتَعْديلُ جَميعُ الآثارِ الجِنائيَّةِ والغَيْرِ جِنائيَّةِ المُتُرَتِّبَةِ عَلَى ذَلِكَ وهَذِهِ شَهادَةٌ مِنَّا لِمَنْ يَهِمُّهُ الأًمْر}.

google-playkhamsatmostaqltradent