خبر
أخبار ملهلبة

المثلبة (الرَذيلَة) الثانية: الإزْدواجِــيَّةُ ( الشــــيزوفرنيــا أَوْ الفُصام ) في الرُؤْيَـــةِ والفِـكْـرِ والمُعــــامَلات | "سخصية مصر"


نظارة طبية ذات إطار أسود تقوم بتكبير وتوضيح ما يقع أمامها

النظّارة الجَديدة

 


أَخذَ الحاجُّ "ميمى أَبو راسين" يَكِيلُ الصَفْعَاتِ والرَكْلاتِ لابْنِهِ بِكِلْتَا يَدَيْهِ وقَدَمَيْهِ ويَنْهَرُهُ صائِحاً:

- حِسَّك عِينَك اعرَف إنَّك بتكْدِب تاني.. واللهِ يا ابْن الكَلْب لاقطَّع جِتَّتَك نَسايِل نَسايِل.. كُلّه إلّا الكِدْب.. الكَدَّاب يقْدَر يعْمِل أَيْ مُصيبَة.. وانا مِشْ حَ اسْتَنَّى يبْقَى لي عَيِّل كَدَّاب يعِرِّني.. دَه انا اقْطَع دابْرَك مِ الدِنيا كُلَّها قَبْل ما اشوف اليوم دَه.

وكانَ الابْنُ ذو العَشَرةِ أَعْوامٍ يَنَزَوي في أَحَدِ أَرْكانِ الغُرْفَةِ مُحيطاً وَجْهَهُ بذِراعَيْهِ ليُحاوِلَ حِمايةَ نَفْسِهِ مِنَ الضَرْبِ ومُردِّداً وَسْطَ دموعِهِ وصُراخِه:

- خَلاص يا با.. آآآه.. حَرَّمت واللهِ.. مِشْ حَ اعمِل كِدَه تاني.. توبة اعْمِل كِدَه تاني.. آآآه.. آآآه.

- ما انْتَ قُلْت كِدَه بَعْد العَلْقَة اللي فاتِت وما اتَعَظْتِش.. وبَرْضُه بتزَوَّغ مِ المَدْرَسَة وتروح تِلْعَب كورَة فِ الشارِع يا حمار.

- خَلاص اتعَلِّمْت.. ولَوْ عَمَلْت كِدَه تاني إبْقَى مَوِّتني.. آآآه.

- روح يا كَلْب اغْسِل وِشَّك واتْشَطَّف.. وانا حَ اتِّصِل بأُسْتَاذ "ابراهيم" وعَلَى الله يقول لي إنُّه ما بيْشوفَكْش كُل يوم فِ المَدْرَسَة.

- حاضِر.. عَلَى فِكْرَة عمِّتي اتَّصَلِت بيك النَهارْ دَه وعَمَلْت زَيْ ما انْتَ قُلْت لنا وبَلّغْتَها إنَّك مِسافِر "طَنْطا" فِ شُغْل وحَ تِرْجَع بُكْرَه.

- جَدَع.. لَوْ اتَّصَلِت تاني فِ أَيْ وَقْت قول لها إنِّي حَ اقْعُد فِ "طَنْطا" أسْبوع.. ما اناش ناقِص وَجَع دِماغ كِفايَة اللي انا فيه.. ولَوْ قالِت لك عايْزَة نِمْرِة المَحْمول بِتاعْتي ادّيها النِمْرَة القَديمَة بتاعِة التِليفون البايِظ.. خَلِّيها كِدَه تِلِف حَوالين نَفْسَها كام يوم.. ياللا غور مِنْ وِشِّي يا كدَّاب يا معَفِّن.  

وأَطْلَقَ الوَلَدُ ساقَيْهِ للريحِ ليَخْتَفيَ عَنْ ناظِرَيْ أَبَيهِ في لَمْحِ البَصَرِ وهوَ يُكَفْكِفُ دَمْعَهُ ويَتَهَنَّفُ بِصَوْتٍ مَكْتوم، في حينَ الْتَفَّ الحاجُّ "ميمى" حَوْلَ نَفْسِهِ في حَرَكَةٍ خاطِفةٍ ليبْدِأَ جوْلةً في أَرْجاءِ المَنْزِلِ يتَفَقَّدُ فيها أَحْوالَ أَبْنائِهِ؛ فعَرَجَ أَوَّلاً عَلَى غُرْفَةِ ابْنتِهِ الكُبْرَى التي كانَتْ تَسْتَذْكِرُ دُروسَها اسْتِعْدَاداً لدُخولِ امْتِحانِ المُلْحَقِ في مادّةِ العُلومِ التي رَسَبَتْ فيها بتَفَوِّقٍ مُنْقَطَعِ النَظِير، وبَعْدَ أَنْ نَظَرَ إليْها شَزَرَاً مِنْ أَعْلَى إلى أَسْفَلِ قالَ لها مُشَجِّعاً بأُسْلوبٍ أَبويٍ حَنون:

- عَلَى الله تِفْلَحي وتِنْجَحي السَنَة دي يا فاشْلَة.. شوفْتي بَقَى آخْرِة الوقْفَة فِ البَلَكونة تِرْغي مَعَ البِت صاحْبِتِك الفاشْلَة اللي زَيِّك.

فطَأْطَأَتِ الابْنَةُ رَأْسَها لِتُعْلِنَ أَسَفَها ونَدَمَها عَلَّها تَسْتَدِّرُ عَطْفَ أَبيها فيَتَوَقَّفُ عَنْ إلقاءِ مُحاضَرَتِهِ اليَوْميَّةِ في التَأْنيبِ والتَوْبيخ، ولَكِنَّ ذَلِكَ لَمْ يُثْنِ الرَجُلَ عَنْ مُواصَلَةِ ما بَدَأَهُ مِنْ هُجومٍ بِلا هَوادَةٍ فاسْتَكْمَلَ قائِلاً:

- طَبَعَاً مِشْ لاقيَة حَاجَة تقوليها يا جَزْمَة قَديمَة.. دَه انا لَمَّا كُنْت فِ المَدْرَسَة كُنْت باكُل الكُتِب أكْل وكُنْت باطْلَع الأَوَّل عَلَى طول.

فلَمْ تَتَمالَكْ الابْنةُ نَفْسَها وانْدَفَعَتْ تَسْأَلُ أَباها في خُبْث:

- أومَّال ما اخَدْتِش الدِبْلوم ليه بَعْد ما سَقَطْت سَنَتين فِ الإعْدادِيَّة.

فأُسْقِطَ في يَدِ الأَبِّ المُتَفَوِّقِ ورَدَّ وهوَ يَتَلَعْثَم:

- آآآآآ.. عَلَشَان.. آه عَلَشَان ظُروف ابويا كانِت صَعْبَة وكُنْت باشْتَغَل واساعْدُه.. وبَعْدين بَطَّلي لَتْ وعَجْن وأَسْئِلَة هايْفَة ورَكِّزي فِ الكِتاب اللي قُدَّامِك.. جَتِك سِتِّين خيبَة.. مِشْ فالْحَة غير فِ اللَمَاضَة وطولِة اللِسان وبَسْ.. وقومي صَلِّي العِشَا يمْكِن رَبِّنَا يفتَحْهَا فِ وِشِّك.

واتَّجَهَ "أَبو راسين" إلى الصالَةِ حَيْثُ أَلْفَى زَوْجَتَهُ وباقيَ أَوْلادِهِ مُلْتَفِّينَ حَوْلَ التِلْفَازِ يُتابِعونَ إحْدَى القَنواتِ الغِنائِيَّةِ في شَغَف؛ فلَمْ يَسْتَطِعْ مَنْعَ نَفْسِهِ مِنْ تَعْكِيرِ صَفْوَ جَلْسَتِهِم الهادِئَةِ فتَمَدَّى عَلَى الأَريكَةِ إلى جِوَارِهِم وطَفَقَ يقول:

- إيه اللي انْتُم بتِتْفَرَّجوا عَليه دَه؟.. واللهِ ما انْتُم فالْحين طول ما بتِتْفَرَّجوا عَ الكَلام الفاضى دَه.. إنْتي لَمَّة العيال حَواليكى وبتفَرَّجيهم عَلَى إيه يا وليَّه؟.. إيه المَسْخَرة وقِلِّة الأَدَب دي؟.. كُل دي بَنات مايْصَة بِتُرْقُص عِريانَة؟.. الله الله الله شُوفي المُخْرِج مرَكِّز الكاميرا عَلَى إيه؟.. دَه مِشْ بيصَوَّر البَنات دَه بيعمِل لهُم الأَشِعَة دي اللي اسمَها السونار.. الله يخرِب بيوتْهُم حَ يبوَّظوا الجيل كُلّه أكْتَر ما هُو.. مِشْ كِفاية الأَفْلام الخارْجَة العَرَبي والأَجْنَبي اللي بيجيبُوها.. هيَّ المَشْرَحَة ناقْصَة قُتَلَى.. هاتي يا بِت الرِيموت دَه خَلِّيني اغَيَّر المَسْخَرَة دي.

وتَناوَلَ الأَبُّ الخَلوقُ جِهازَ التَحَكّمِ عَنْ بُعْدٍ وَسْطَ مُعارَضَةٍ مَكْتومَةٍ مِنَ الأَغْلَبيَّةِ الصامِتَةِ في المَنزِل، وضَغَطَ عَلَى زِرِ قَناةِ "الأُسْرَةُ العَرَبيَّة" وهوَ يُكْمِلُ حَدِيثَهُ مَعَ أُسْرَتِه:

- خَلِّينا نِتْفَرَّج أَحْسَن عَلَى مُسابقِة مَلِكات جَمال العالَم.. حَ تيجي بَعْد رُبْع ساعَة.. دَه انا ما رُحْتِش القَهْوَة النَهارْ دَه مَخْصوص عَلَشَان اتْفَرَّج عَلَيها.. قوم ياض يا "حَمادَه" هات لي عِلْبِة السَجايِر والوَلاّعَة مِنْ عَ الكومودِينو.. وهات النَضَّارَة الجِديدَة بالمَرَّة عَلَشَان اتْفَرَّج بيها.. مَعَ إنَّها بتخَلِّيني اشوف الحَاجَة اتْنين بَسْ ارْحَم مِ القَديمَة المَـكْسُورَة.

ونَهَضَ الوَلَدُ وأَحْضَرَ الأَشْياءَ المَطْلوبَة، ولَكِنَّهُ ما إنْ ناوَلَها لأَبيهِ حَتَّى صاحَ فيهِ الأَبُّ مُهَدِّدَاً:

- العِلْبَة دي مِتهيَّأْ لى ناقْصَة سيجارْتين أَوْ تَلاتَة.. إوعَى ياض تكون بتِشْرَب سَجايِر مِنْ وَرايا؟.. إنْتَ ما تِعْرَفْش إنْ السَجايِر بتجيب السَرَطان.. دَه غير أَمْراض الصِدْر المِنَيِّلَة اللي بتيجي للمُدَخِّن واللي قاعْدين حَواليه.

- وحِياتَك يا با ما حَطِّيت سيجارَة فِ بُقِّي.

- دَه بموتَك.. فاهِم؟.. تعالي بَقَى يا "امُّ حَمادَه" شوفي البَنات اللوز بِتوع برَّه.. الـمُسابْقَة حَ تِبْتِدي أَهِه.

وأَمضَتُ الأُسْرَةُ أُمْسِيتَها في مُشَاهَدَةٍ سعيدةٍ للمُسابَقةِ لَمْ يَشُبْها إلّا اعْتِراضُ "أَبو راسين" الشَديدُ عَلَى نَتيجِةِ المُسابَقَةِ النِهائِيَّةِ حينَ قال:

- واللهِ حَرام.. لَجْنِة الحُكَّام دول بيضَبِّشوا ما بيشوفوش.. بَقَى البِتْ بتاعِة "كوستاريكا" المفَعَّصَة دى تِكسَب البِت الروسيَّة الفَرَس أُمْ مايوه بِكيني فُزْدُقي!.. مَعْقولَة!.. مُسابْقَة كوسَة صَحيح.

google-playkhamsatmostaqltradent