خبر
أخبار ملهلبة

المنقبة (الميزة) الثامنة: حُبُّ المُجامَلاتِ وعَمَلُ الواجِبِ في الأَفَراحِ والأَتْراح | سخصية مصر



عَنْبَرُ الفَرَح

 

 

- أَهْلاً وسَهْلاً.. يا أَلْف مَرْحَب.. إزَيَّك يا أَسْتاذ "مَبْروك".. أَهْلاً يا سِتْ "جَمالات".. برافو عَليكُم إنُّكُم عَرَفْتوا العِنْوان.

- أَهْلاً بيك يا خويا.. لأْ ما هوَّ العِنْوان ما يتَوِّهْش.. أَلْف مَبروك عَ الشَقَّة الجِديدَة.. بِسْمِ اللهِ ولا حَوْلَ ولا قُوُّةَ إلّا بالله.

- دي خَطْوَة عَزيزَة واللهِ.. فينَك يا "مَبْروك" ما شُفْتَكْشِ مِنْ ساعِة ما روحنا لكُم نِبارِك عَلَى نَجاح بِنْتَك.. وإيه اللي انْتَ عامْلُه دَه.. هوَّ احْنَا غُرْب بَرْضُه.. ما كانْش فيهِ داعِي تكَلِّف نَفْسَك كِدَه.

- يا سيدي لا تَكاليف ولا حَاجَة.. ما يجيش مِنْ بَعْد خيركُم.. دَه بِرْواز سيرْما هِنْدي عَليه آيِة "الكُرْسي".. تِبْقوا تَعَلّقوه فِ المَدْخَل عَلَشَان يمْلا لكُم الشَقَّة بَرَكَة.. أُمَّال فين المَدام؟

- بتِلْبِس الطَرْحَة وجايَّة حالاً.. أَهِي جَتْ.

- أَهْلاً أَهْلاً.. دَه احْنَا النَهارْ دَه زارْنا النَبي.. أَهْلاً يا سي "مَبْروك".. واحْشاني يا "جَمالات" يا حَبيبْتي.. هاتي بوسَة.

- واللهِ ليكي وَحْشَة يا حَبيبْتي.. إزَيِّك كِدَه وازّاي العِيال؟

- يبوسوا إيدِك يا خْتي.. البِتْ عَنْدَها دَرْس فِ السِنْتَر.. والواد طَـلَع لجــيرانَّا اللي فــوق إكْـمِـنِّي باعْتاه بِطَبَق "عاشورا" بالمِكَسَّرات.. كُل سَنَة وانْتُم طَيِّبين.

- وانْتي بصِحَّة وعافيَة.. مَبْروك عَ الشَقَّة.. بايِن عَليها ذوقْها عالي.. ما شاءَ الله.

- الله يبارِك فيكي.. قومي بينا لَمَّا افَرَّجِك عَليها.

ودَخَلَتْ السَيِّدَتانِ لِتَتَجَوَّلا بالشِقَّةِ تارِكَتَيْنِ رَجُلَيْهِما يَتَوَدَّدانِ بالحَديث، ورَغْمَ أَنَّ ذَوْقَ ديكوراتِ الشِقَّةِ وأَلْوانَ حَوائِطِها كانَ سَيِّئاً بَلْ كانَ أَقَلَّ ما يُوصَفُ بِهِ أَنَّهُ "بَلَدي وبيئَة" فَإنَّ "جَمالاتَ" لَمْ تُرِدْ أَنْ تُحْرِجَ أَوْ تَجْرَحَ صَديقَتَها بِرَأْيِها بَلْ أَبْدَتْ انْبِهارَها بِذَوْقِها الرَفيعِ وبالذاتِ حُسْنِ إخْتيارِها للأَلْوان، كَما لَمْ تُرِدْ أَنْ تُشْعِرَها بالخَجَلِ مِنْ سوءِ طَعْمِ "العَاشوراءِ" التي قَدَّمَتْها لَهُم والتي كانَ مَذاقُها قَريباً مِنَ "الكِشْكِ" بَلْ أَثْنَتْ عَلَى صُنْعِ يَدَيْها الماهِرَتَيْنِ وهيَ تَأكُلُ مَغْصوبَةً مانِعَةً نَفْسَها بالكادِ مِنَ التَقَيُّؤِ في حينَ أَنَّ "مَبْروكَ" - بَعْدَ أَنْ تَناوَلَ مِلْعَقَتَيْنِ مِنْ هَذا الخَليطِ العَجيبِ وأَشَادَ بِطَعْمِهِ الرائِعِ - تَحَجَّجَ بأَنَّهُ لا يَسْتَطيعُ أَنْ يُكْمِلَ الطَبَقَ حَتَّى لا يَرْتَفِعُ عِنْدُهُ السُكّر، ثُمَّ تَشَجَّعَتْ المُضِيفَةُ بِناءً عَلَى هَذا الإمْتِداحِ لِشَطارَتِها فَبَدَأَتْ في تَقْديمِ حَلْوَى كانَتْ قَدْ أَخَذَتْ طَريقَةَ عَمَلِها مِنْ قَناةٍ تِليفزيونيَّةٍ كوَيْتيَّةٍ وأَرادَتْ أَنْ تُجَرِّبَها مَعَ ضَيْفَيْها ليُبْديا رَأْيَهُما فيها، وما إنْ سَمِعَ الضَيْفانِ باسْمِ الحَلْوَى "بَلاليطٌ بالحَليبِ والبَيْضِ" حَتَّى أَسْرَعا بالاسْتِئْذانِ في الانْصِراف ليَلْحَقا بواجِبِ عَزاءٍ في مَيِّتٍ مِنْ أَهْلِ الجيرَةِ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهي الشادِرُ أَوْ قُلْ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقا بالمَيِّتَ بَعْدَ أكْلِ "البَلاليط".

وعِنْدَما رَجَعا لِمَنْزِلِهِما سارَعَ "مَبْروكٌ" و"جَمالاتُ" اللَذانِ شَعَرا بمَغَصٍ شَديدٍ بالذِهابِ إلى بَيْتِ الأَدَبِ - وقَدْ أَدْرَكا الآنَ سَبَبَ تَسْمِيَتِهِ - ثُمَّ بَدَّلا مَلابِسَهُما فَارْتَدَيا مَلابِسَ سَوْداءَ تَليقُ بالعَزاءِ في جارِهِما بالعِمارَةِ التي تَقَعُ وَراءَهُما والذي تُطِلُّ نافِذَةُ حَمَّامِهِ مِنَ الخَلْفِ عَلَى نافِذَةِ مَطْبَخِهِما، ثُمَّ ذَهَبا مَعاً للشارِعِ الخَلْفيِ وافْتَرَقا هُناكَ فَدَخَلَ "مَبْروكٌ" سُرادِقَ العَزاءِ المُقامَ في الشارِعِ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ عَلَى أَقارِبِ المُتَوَفَّى وشاطَرَهُم الأَحْزان، أَمَّا "جَمالاتُ" فَقَدْ صَعَدَتْ لِشِقَّةِ الجارِ المَيِّتِ حَتَّى تَأْخُذَ بِخَاطِرِ زَوْجَتِهِ وهيَ تَحْزَقُ لَتَعْصُرَ عَيْنَيْها حَتَّى تَسْتَدْعيَ الدُموعَ باكِيَةً عَلَى المَرحومِ - بإذْنِ رَبِّهِ - الذي كانَ مِثالاً للطيبَةِ وحُسْنِ الخُلُقِ رَغْمَ أَنَّها حاوَلَتْ جاهِدَةً أَنْ تُفَتِّشَ في ذاكِرَتِها عَنْ واحِدَةٍ مِنْ مَحاسِنِهِ فَلَمْ تَجِد.

وبَعْدَ انْتِهاءِ واجِبِ العَزاءِ آبَ الزَوْجَانِ لبَيْتِهِما وبَدَّلا مَلابِسَهُما مَرَةً أُخْرَى فَارْتَدَى "مَبْروكٌ" بِزَّةً بَيْضاءَ لامِعَةً ولَبِسَتْ "جَمالاتُ" فُسْتاناً أَحْمَرَ مِنَ السَتانِ البَرَّاق، وبَعْدَ أَنْ وَصَّيا أَوْلادَهُـما بألّا يَفْـتَحا الراديو والتِلفـازَ حِـفاظاً عَلَى مَشَاعِـرِ أَهْلِ المُتَوَفَّى نَزَلا يَتَسَلَلانِ كاللُصوصِ حَتَّى لا يَشْعُــرَ بِهِما أَحَدٌ فَيَعيبُ عَلَيْهِما ثِيابَهُما وزينَتَهُما التي تَتَنافَى وتَعاطُفِهِما المَفْروضِ مَعَ حالَةِ الوَفاةِ بالمَنْطِقَة، وعَـجَّلا بالانْطِلاقِ نَحْوَ فَرَحِ إحْدَى قَريباتِهِما وهُما يَحْمِلانِ ساعَةَ حَائِطٍ مَلْفوفَةً بوَرَقٍ مُزَرْكَشٍ كَهديَّةٍ كانا قَدْ أَعَدَّاها للعَروسَيْن، وفي العُرْسِ أَظْهَرا ابْتِهاجَهُما الشَديدَ وسُرورَهُما البالِغَ ليُشارِكا أَهْلَ العَروسَيْن فَرْحَتَهُم، وبَعْدَ أَنْ ارْتَفَعَ صَوْتُهُما بالغِناءِ مَعَ المُطْرِبِ وتَمايَلَ جَسَدُهُما مَعَ الراقِصَةِ وبَعْدَ انْتِهاءِ الوَليمَةِ ومَراسِمِ الزِفافِ رَجَعا مُنْهَكَيْنِ إلى المَنْزِلِ وهُما يَسْتَعْرِضانِ جَدْوَلَ أَعْمالِهِما الاجْتِماعيَ في الغَد.

وبِمُجَرَّدِ عَوْدَتِهِما قُبَيْلِ مُنْتَصَفِ اللَيْلِ فَاجَأْهُما أَوْلادُهُما بأَنَّهُم تَلَقُّوا مُكالَمَةً مِنْ زَوْجِ عَمَّتِهِم يُبْلِغُهُم فيها بأَنَّ العَمَّةَ قَدْ تَمَّ نّقْلُها للمُسْتَشْفَى للعِلاجِ مِنْ كِريزَةِ المَغَصِ الكُلَويِ التي تَأْتيها مِنْ وَقْتٍ لآخَر، فَهُرِعَ "مَبْروكٌ" وزَوْجَتُهُ لِتَبْديلِ مَلابِسِهِما مَرَّةً ثالِثَةً فخَلَعا مَلابِسَ الفَرَحِ ولَبِسا ثياباً عاديَّة، وقَبْلَ أَنْ يَسْتَقِلّا السَيَّارَةَ الأُجْرَةَ عَرِجا أَوَّلاً عَلَى الحَلْوانيِ قَبْلَ أَنْ يُغْلِقَ حانوتَهُ فاشْتَريا مِنْهُ عُلْبَةً مِنَ الشوكولاتَةِ حَتَّى لا يَدْخُلا عَلَى شَقيقَةِ "مَبْروكٍ" وأَيْديهِما خاويَة، وعِنْدَما وَصَلا للمُسْتَشْفَى فوجِئا بأَنَّ المَريضَةَ قَدْ تَمَّ نَقْلُها لمُسْتَشْفَى "القَصْرِ العيني الفَرَنْساوي الجَديدِ" لِســوءِ حَـــالَتِها فَرَكَــضا إلى هُـناكَ حَيْثُ دَخَلا بَعْدَ جُهْدٍ جَهيد، وظَـلَّ الزَوْجَانِ بجانِبِ العَمَّةِ حَتَّى انْتَهَتْ مِنَ المَحْلولِ والحُقَنِ التي أَخَذَتْها في الوَريدِ وبَدَأَ الأَلَمُ في الزَوال، وأَثْناءُ ارْتِشافِهِما كوبَيْنِ مِنَ المياهِ الغازيَّةِ قَدَّمَهُما لَهُما زَوْجُ العَمَّةِ أَحَسَّتْ "جَمالاتُ" بِمَغَصٍ شَديدٍ وسُرْعانَ ما تَقَيَّأَتْ وأُصيبَتْ بإسْهالٍ مُتَكَرِّرٍ ولَمْ يَكَدْ الطَبيبُ المُناوِبُ بالمُسْتَشْفَى يَنْتَهي مِنْ كَشْفِهِ عَلَيْها وتَشْخيصِهِ بأَنَّها مُصابَةٌ بِحالَةِ تَسَمُّمٍ حَتَّى كانَ "مَبْروكٌ" هوَ الآخَرُ قَدْ بَدَأَ يَشْعُرُ بِنَفْسِ هَذِهِ الأَعْراضِ فَتَمَّ نَقْلُ كُلٍ مِنْهُما إلى مَرْكَزِ عِلاجِ السُمومِ فَدَخَلَتْ هيَ عَنْبَرَ الحَريمِ ودَخَلَ هوَ عَنْبَرَ الرِجال، وقَبْلَ أَنْ يَسْأَلَ أَيٌّ مِنْهُما عَنْ مَصْدَرِ التَسَمُّمِ وهَلْ هيَ "العاشوراءُ" في الزيارَةِ الأولَى أَمِ القَهْوَةُ السادَةُ في الزيارَةِ الثانيَةِ أَم وَليمَةُ الفَرَحِ في الزيارَةِ الثالِثَةِ أَم المياهُ الغازيَّةُ في الزيارةِ الرابِعة جاءَتْ الإجابَةُ والحَلُّ سَريعاً فَقَدْ رَأَى الزَوْجَيْنِ مَعازيمَ الفَرَحِ يَدْخُلونَ عَنْبَرَيْ مَرْكَزِ عِلاجِ السُمومِ أَفْواجاً فَسَبَّحا بِحَمْدِ اللهِ عَلَى نَجاتِهِما واسْتَغْفَراهُ عَلَى سوءِ ظَنِّهِما بأَصْحابِ الزيارَاتِ الأُخْرَى، وعِنْدَما بَدَآ في التَحَسُّنِ طَفِقا يَزورَانِ باقي مَعارِفِهِما المـُقيمينَ في المُسْتَشْفَى لِيَطْمَئِنَّا عَلَيْهِم ويُؤَدِّيا الواجِبَ نَحْوَهُم، كَما كانَ عَنْبَرَيْ مَرْكَزِ السُمومِ يَكْتَظَّانِ وَقْتِ الزيارَةِ بِأَهْلِ ومَعارِفِ المَسْمومينَ مِنْ كُلِّ مَكانٍ للدَرَجَةِ التي اشْتَهَرَ بِها العَنْبَرانِ آنَذاكَ بِعَنْبَرَيْ "الفَرَح".

google-playkhamsatmostaqltradent