خبر
أخبار ملهلبة

المنقبة (الميزة) الأولى: حُبُ الوَطَنِ والتَضْحِيَةُ في سَبيلِه | سخصية مصر



خُدوا بالْكُم مِنْها كوَيِّس
( قِصَّـــةٌ حَقيقـيَّةٌ )

 

 

بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيم

السَيِّد المُحْتَرَم والْدي، السِتْ والْدِتي الغاليَة، السِتْ زوجْتي الحَبيبَة، ابْنَتي الغاليَة "أَسْماء"، أَخَواتي وإخْواني :

بَعْد السَلامُ عَليكُم ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكاتُه وكُل عام وأَنْتُم بِخير.....

أُعَرِّفُكُم أَنَّني بِخير والحَمْدُ لله وكُل شئ عَلَى ما يُرام ولا يَنْقُصُني إلّا رُؤْياكُم الغاليَة حَيْثُ أَنَّكُم وَحَشْتوني جِداً وعايِز أَطَّمِّن عَليكُم خاصَّةً والِدي الذي أَرْجو أَنْ تَكون صِحَّتُه الآن كوَيِّسَة.. وعايْزكُم تاخْدوا بالْكُم مِنْ مِراتي وبِنْتي.. أَنا مِشْ جَنْبُهُم عَلَشَان اقْدَر احْميهُم.. فالبَرَكَة فيكُم.. أَنا هِنا باحْمي البَلَد كُلّها ومُمْكِن اموت عَلَشَان خاطِر البَلَد وعَلَشَان خاطِرْكُم.. فَوَصيِّتي الأَخَيرَة لُكُم هيَّ العِنايَة بأُسْرِتي.. أَنا باكتِب لُكُم الخِطاب دَه عَلَشَان تِطَّمِّنوا عَلَيَّ.. أَنا بِخير وإنْ شاءَ الله النَصْر لَنا ونرَجَّع أَرْضِنا ونحَرَّرْها مِنْ الصَهايْنَة الأَنْجاس.

زَوْجَتي الحَبيبة "حُسْنيَّة" : إنْتي واحْشاني جِداً لَكِنْ إنْ شاءَ الله لَمَّا نحَرَّر الأَرْض نِتْقابِل ونعَوَّض اللي فات.. أَرْجو إنِّك تاخْدي بالِك مِنْ نَفْسِك كوَيِّس عَلَشَان "أَسْماء" مِحْتاجَة لِك.. وخُدي بالِك مِنْها وما لكيش بَرَكَة غيرها فَرُبَّما تُصْبِح هيَ الذِكْرَى الخالِدَة بينَّنا.. عاوْزِك تِدِّيها الحَنان كُلّه وتعَوَّضيها حَنان الأَب.. وكَمان عايْزِك تقَرَّبي مِنْ ماما وتِحْفَظوني في غيابي.. عاوِز احارِب وانا مِطَّمِّن إنُّكُم إيد واحْدَة ومافيش حَدْ غَريب بينْكُم.

أَخَواتي وإخْواني : أُرْسِل لَكُم أَلْف مِلْيون سَلام مِنْ الأَرْض الحَبيبَة اللي كُلّنا بِنْبوس تُرابْها.. أَرْضِنا الغاليَة علينا كُلّنا.. أَنا مِنْ الفَرْحَة كُنْت باعَيَّط وانا باقوم بواجْبي في تَحْرير سِينا.. ليَّ رَجاء واحِد.. هوَ أَنْ تَقوموا بِواجِبْكُم نَحْوي فَهَذا حَقِّي عَليْكُم ولَيْسَ تَكَرُّماً مِنْكُم.. لازِم تاخْدوا بالْكُم مِنْ مراتي كوَيِّس ومِنْ "أَسْماء" وما تخَلّوهُمْش يحِسُّوا إنُّهُم لوَحْدُهُم وما تزَعَلوهُمْش.. وتُدْخُلوا عَليهُم بالفَرْحَة والابْتِسامَة وتِدُّوهُم الحَنان اللي انا كان مَفْروض إنّي أَعْطيه لُهُم.. وتعَوَّضوهُم عَنْ فُقْدانْهُم ليَّ.. ورَبِّنَا يخَلّيكَم لُهُم.

أَمَّا عَنْ أَخْباري : فأَنا بِخير.. وبِنْحَرَّر الأَرْض شِبْر شِبْر مِنْ أَعْداء الله.. وإِنْ شاءَ الله يوم التَحْرير الشامِل قُرَيِّب جِداً.

أَحْبابي جَميعاً : أُعَرِّفُكُم أنَّني أَرْسَلْت مُنْذُ حَوالي أُسْبوع حِوالَة بِمَبْلَغ 125 جِنيه.. أَتَمَنَّى أَنْ تَكون وَصَلَتْكُم.. أَرْجو أَنْ تُرْسِلوا لي عَلَى العِنْوان القَديم اللي هُوَّ 34/7 ح 67.. رُبَّما اسْتَطيع أَنْ أَحْصُل عَلَى خِطاباتِكُم لأَطْمَئِن عَليكُم.

أَخي "إبْراهيم" : أَرْجو مِنْكَ التَكَرُّم بإبْلاغ الجَماعَة بتوع الأَخْ "عادِل" بإنُّه كوَيِّس وبِخير وبيهْديهُم السَلام وبإنِّنا بِنْحارِب رِجَّالَة فإمَّا النَصْر أَوْ الشَهادَة.. كَما أَرْجو إهْداء سَلامي إلى كُل مَنْ بِطَرَفْكُم وعَمَّاتي وأَوْلاد عَمَّاتي وأَهْل المَكان جَميعاً.

أَهْلي وأَحْبابي.. زَوْجَتي وابْنَتي.. لَكُم مِنِّي في الخِتام أَلْف أَلْف مِلْيون سَلام ومحَبَّة وأَشْواق مِنْ قَلْبي المُخْلِص لَكُم جَميعاً والطامِع

في حُبِّكُم والوِفاق بَيْنَكُم.. والسَلامُ عَلَيْكُم ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكاتُه.

** المُخْلِص "مُسْعَد عَبْد الصَبور محَمَّد".. في 11/10/1973 **

مَلْحوظَة : زَوْجَتي الحَبيبَة : أَرْجو إنِّك تِشْتِري لنَفْسِك فُسْتان شِتوي كوَيِّس.. وإنْ شاءَ الله سَوْفَ أُحاوِل أَنْ أَبْذُل قَصارَى جُهْدي واتْصَرَّف في أَيْ مَبْلَغ عَلَى أَوِّل الشَهْر وأُرْسِلُه لكِ لإنْ انا عارِف إنْ الشِتا دَخَل وانْتِ ما عَنْدِكيش حَاجَة شِتوي.. خُدي بالِك مِنْ "أَسْماء" وجيبي لها فُسْتان جَديد وكوَيِّس عَلَى العيد إنْ شاءَ الله.. ومين عارِف يِمْكِن رَبِّنَا يسَهِّل والحَرْب تِخْلَص قَبْل العيد وانْزِل "المَنْصورَة" واجيب لَها فُسْتان العيد وأَلَبِّسْهولْها بنَفْسي وكُل سَنَة وانْتُم طَيِّبين.. وخُدوا بالْكُم مِنْها كوَيِّس.

وطَوَى المُلازِمُ أَوَّلُ احْتياطُ مُهَنْدِسُ "مُسْعَدُ" وَرَقَةَ الخِطابِ وأَوْدَعَها ظَرْفاً كَتَبَ عَلَيْهِ العُنْوانَ بوُضوحٍ وذَهَبَ لِفَرْدِ البَريدِ بالوِحْدَةِ حَتَّى يَتَوَلَّى إرْسالَهُ بَعْدَ عَمَلِ الإجْراءَاتِ المُتَّبَعَة، ثُمَّ تَوَجَّهَ مِنْ فَوْرِهِ إلى مَقَرِّ قِيادَةِ النَسَقِ الأَوَّلِ باللِواءِ 16 والذي يُمَثِّلُ الجَناحَ الأَيْمَنَ للفِرْقَةِ 16 مُشَاة المَسْئُولَةِ عَنْ تَأْمينِ رَأْسِ الكوبريِ الوَحيدِ في الجِهَةِ الجَنوبِيَّةِ الذي عَبَرَتْ عَلَيْهِ القُوَّاتُ المِصْريَّةُ الباسِلَةُ مِنْ غَرْبِ قَنَاةِ السُوَيْسِ لِشَرْقِها حَتَّى احْتَلَّتْ مِنْطَقَةَ "المَزْرَعَةِ الصينيَّةِ" ذاتِ المَوْقِعِ الاسْتِراتيجي في مَرْمَى إطْلاقِ النارِ الواقِعِ عَلَى الطَريقِ المُؤَدِّي إلى "أَبو طَرْطورِ"، وفي مَقَرِّ القِيادَةِ اسْتَمَعَ "مُسْعَـــدُ" إلى تَعْــليماتِ وأَوَامِــرِ قائِدِهِ ثُمَّ انْصَرَفَ لِتَنْفيذِها بِروحٍ مَعْنَويَّةٍ عالِيةٍ رَغْمَ مَسْئُوليَّاتِهِ الجِسام.

وفي 14 أكْتوبَر وبَعْدَ فَشَلِ عَمَليَّةِ تَطْويرِ الهُجومِ المِصْريِ للتَخْفيفِ عَنِ الجَبْهَةِ السوريَّةِ الشَقيقَةِ انْتَهَزَ الإسْرائيليُّون فُرْصَةَ وجودِ فَجْوَةٍ كَبيرَةٍ بَيْنَ خُطوطِ الجَيْشَيْن الثاني والثالِثِ المِصْريِّيْن عَلَى الضِفَةِ الشَرْقِيَّةِ للقَناةِ قُرْبِ "الدِفْرِسوارِ" وبَدَأُوا بِهُجومٍ مُضادٍّ بِقُوَّاتٍ يقودُها جِنِرالُهُم "أَريئيل شارون" فيما عُرِفَ آنَذاكَ بِعَمَليَّةِ "أَبْراي ليف" أَوْ "الثَغْرَة"، وانْهالَتْ القَذائِفُ الإسْرائيليَّةُ عَلَى المَزْرَعَةِ الصينيَّةِ لِمُحَاوَلَةِ الاسْتيلاءِ عَلَيْها لِضَمانِ نَجاحِ عَمَلِيَّتِهِم وحِرْمانِ المِصْريِّين مِنْ هَذِهِ المِنْطَقَةِ الهامَّة، ولَكِنَّ الأُسودَ المِصْريِّينَ - وفيهِم "مُسْعَدٌ" - دافَعوا عَنْ مَواقِعِهِم بِكُلِّ شَجاعَةٍ بَلْ وكَبَّدوا أَعْداءَهُم خَسائِرَ فادِحَة.

ورَغْمَ عَدَمِ تَزْويدِهِم بالإمْداداتِ البَشَريَّةِ والماديَّةِ إلّا أَنَّ أَفْرادَ الفِرْقَةِ 16 أَظْهَروا مِنَ الإقْدامِ والبُطولَةِ ما جَعَلَ العَدوَ يُزيدُ مِنْ شَراسَةِ هُجومِهِ في اليَوْمَيْنِ التاليَّيْن.

وفي صَباحِ يَوْمِ 16 أكْتوبَر وأَثْناءُ تَشَبُّثِ القُوَّاتِ المِصْريَّةِ بالمَوْقِعِ أَصابَتْ قَذيفَةٌ إسْرائِيليَّةٌ الخَنْدَقَ الذي تَتَمَتْرَسُ فيهِ فَصيلَةُ "مُسْعَدٍ" فَقَتَلَتْ مَنْ قَتَلَتْ وأَصابَتْ مَنْ أَصابَتْ، وبالرَغْمِ مِنْ إصابَتِهِ إصابَةً بَسيطَةً فَقَدْ تَحامَلَ "مُسْعَدٌ" عَلَى نَفْسِهِ وبَدَأَ في إخْلاءِ زُمَلائِهِ الجَرْحَى مِنَ الخَنْدَقِ ونَقْلِهِم لِمَكانِ النُقْطَةِ الطِبيَّةِ لإسْعافِهِم وإنْجاءِ أَرْواحِهِم، واسْتَطاعَ أَنْ يُنْقِذَ سِتَّةً مِنْهُم ولَمْ يَسْتَمِعْ إلى مُناشَدَةِ زَميلِهِ السادِسِ عِنْدَما حَمَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بأَلا يُعَاوِدُ الرُجوعَ إلى الخَنْدَقِ حَيْثُ اشْتَدَّ القَصْفُ ولَمْ يَعُدْ هُناكَ أَمَلٌ في العُثُورِ عَلَى ناجِين، وأَصَرَّ "مُسْعَدٌ" عَلَى مُواصَلَةِ ما بَدَأَ ولَكِنَّهُ عِنْدَما دَخَلَ الخَنْدَقَ اسْتَقْبَلَتْهُ قَذيفَةٌ مُدَويَّةٌ حَوَّلَتْ جُثْمَانَهُ الطاهَرَ إلى أَشْلاءٍ فَشَلَ زُمَلاؤُهُ في جَمْعِها لِدَفْنِها فيما بَعْد.

وفي 20 أكْتوبَر تَسَلَّمَ والِدُ "مُسْعَدٍ" شَهادَةَ اسْتِشْهادِ ابْنِهِ مَعَ نوطِ الشَجاعَةِ مِنَ الدَرَجَةِ الأولَى الذي مُنَحَ لَهُ تَقْديراً لِجِهادِهِ وتَضْحيتِهِ في سَبيلِ وَطَنِهِ الحَبيب، ورَغْمَ الفَخْرِ الذي شَعَرَ بِهِ الأَبُّ إلّا أَنَّه حَزِنَ كَثيراً عَلَى فَلْذَةِ كَبِدِهِ وابْنِهِ الأكْبَرِ خاصَّةً وأَنَّه لَمْ يَكْنْ يَعْرِفُ لَهُ قَبْراً ليَزورَهُ ويَقْرَأَ لَهُ الفاتِحَةَ عِنْدَهُ فَأُصيبَ بالعَمَى وتُوُفّيَ في غُضونِ خَمْسَةِ أَشْهُر.

وفي 26 أكْتوبَر - يَوْمُ وَقْفَةِ عيدِ الفِطْرِ - وَصَلَتْ رِسالَةُ "مُسْعَدٍ" إلى ذَويهِ فَقَرَأُوها وهُمْ يَتَعَجَّبونَ مِنْ إحْساسِهِ بِدُنُوِ أَجَلِهِ ولَكِنَّهُم لَمْ يَتَوَقَّفوا كَثيراً عِنْدَ عِبارَتِهِ الأَخيرَةِ "خُدوا بالْكُم مِنْها كوَيِّس".. فيا تُرَى مَنْ كانَ يَقْصُد؟.. هَل كانَ يَقْصُدُ ابْنَتَهُ "أَسْماءَ" أَمْ بَلَدَهُ "مِصْر"، سِيَّانَ كانَتا "هيَ" فالأَولَى تُمَثِّلُ الثانيَةَ والثانيَةُ تَمْثُلُ في الأَولَى.. ورَغْمَ أَنَّهُ صَدَقَ في وَعْدِهِ بأَنَّه سَيَبْذُلُ قَصارَى جَهْدِه - كَما قالَ في رِسالَتِه - إلّا أَنَّها "هيَ" ما زالَتْ تَنْتَظِرُهُ حَتَّى الآنَ لِيُلْبِسَها "فُسْتانَ العيد".

google-playkhamsatmostaqltradent