خبر
أخبار ملهلبة

المثلبة (الرذيلة) العاشرة: كُرْهُ العَمَلِ وعَدَمُ تَقْديرِ قيمَتِهِ وعَدَمُ إتْقانِهِ وحُبُّ الكَسْبِ السَهْلِ بِدونِ مَجْهودٍ وإضاعَةُ الوَقْتِ في تَسْليَةِ النَفْسِ بتَوافِهِ | سخصية مصر


مجموعة من القرويين المصريين مجتمعين في قهوة بلدي في حي شعبي ليتابعوا شاشة التليفزيون

الحَشْو

 


صَلَّى الحاجُّ "سَميرٌ" السِمْسارُ صَلاةَ الظُهْرِ في المَسْجِدِ ثُمَّ تَوَجَّه مِنْ فَوْرِهِ إلي حانوتِهِ فَوَجَدَ صَبِيَّهُ قَدْ فَتَحَ الدُكّانَ وكَنَسَ أَمامَهُ ورَشَّ بَعْضاً مِنَ الماءِ وأَخْرَجَ كالمُعْتادِ كُرْسيَّيْنِ ومِنْضَدَةً عَلَيْها عِلْبَةُ "الدومينو" تَمْهيداً لِحُضورِ الحاجِّ وصاحِبِهِ الأسْطَى "وَجيه" حَيْثُ اعْتادا عَلَى تَمْضيَةِ يَوْمِهِما في الجُلوسِ عَلَى الرَصيفِ أَمامَ الحانوتِ يَلْعَبانِ "الدومينو" ويَتَجَرَّعانِ المَشْرُوبات ويتَناوَبانِ شُرْبَ النَرْجيلَةِ وبالمَرَّةِ يُشْرِفانِ عَلَى عَمَلِهِما، فَجَلَسَ الحاجُّ عَلَى أَحَدِ الكُرْسيَّيْن وعَلّقَ عَلَى ما وَجَدَهُ قائِلاً :

- الله ينَوَّر يا "طُلْبَه".. عَلَّق عَ الشاي وحَضَّر لِنا الشيشَة.. وطَلَّع لِنا كَمان التليفِزيون بَرَّه عَلَشَان نِتْفَرَّج عَلَى "روتانا زَمان" خَلّينا نِتْسَلّى.

- وَجَب يا معَلِّمي.. أَوامرَك.

ولَمْ تَكَدْ تَمُرُّ دَقيقَةٌ حَتَّى اتَّخَذَ الأسْطى "وَجيه" مَكانَهُ عَلَى الكُرْسيِ الآخَرِ وهوَ مُكْفَهِرُّ الوَجْهِ وتَبْدو عَلَى مَلامِحِهِ أَماراتُ الألَمِ وعَلاماتُ السُهادِ فبَادَرَ الحاجُّ بِسُؤالِه :

- يا عَمْ قول صَباح الخير.. مالَك عامِل كِدَه ليه؟.. وإيه اللي جابَك بَدْري النَهارْ دَه؟

- صَباح الخير.. واللهِ ما نِمْتِش مِنْ امْبارِح يا حاج.. طول الليل بابْرُم فِ الشَقَّة عَلَى كِعابي.. ضِرسي حَ يمَوِّتْني.

- لِسَّه حِكِايِة ضِرْسَك دَه؟.. ما تروح للدُكْتور يا أَخي.

- رُحْت امْبارِح للدُكْتور "مينا التاجي".. إدَّى لي بِنْج وقَعَد ينَخْوَّر فِ ضِرسْي بالشَنيور بتاعُه دَه وحَشَى لي الضِرْس.. ومَسافِة ما رَوَّحْت لَقيت الحَشْو طَلَع مِنْ مَكانُه ووَقَع فِ بُقّي.. رَجَعْت لُه تاني لَقيتُه قَفَل العِيادَة ورَوَّح.. حَ اروح لُه تاني الليلَة دي وابَهْدِل أَيْمَانُه.. إزّاي الحَشْو يُقَع فِ يوميها؟.. هُوَّ حَشْو قَطايِف؟

- ما بَقاش فيه ذِمَّة خَلاص.. كُل واحِد بيْكَرْوِت شُغْلُه بسُرْعَة ويلْهَف القِرْشينات مِنْ غير ما يراعِي ضَميرُه.. زَيْ الاُسْطَى "جِلْدَة" السَبَّاك لمّا كان بيشَطَّب لي شُغْل السِباكَة فِ عِمارْتي الحَمْرا.. ما كانْش بيقَلْوَظ المَواسير بتاعِة المطابِخ والحمّامات كوَيِّس.. ما كَمِّلِتْش كام شَهْر وراحِت مِسَرَّبَة مَيَّه والحيطان والأَرْضيَّات كُلّها نَشَعِت.. خَلاّني أكَسَّر القيشاني كُلّه واغَيَّر المَواسير مِنْ أَوِّل وجِديد.. الله لا يسامْحُه.

- مَعَ إنْ رَبِّنَا قال : "إنَّ اللهَ يَحِبُ إذا عَمِل أَحَدُكُم عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَه".

- لأ.. دَه النَبي اللي بيقول كِدَه.

- أَنا عارِف بَقَى.. ما انا أَصْلي مِتْلَخْبَط.. الله يخْرِب بيت الدَكاتْره كُلّهُم يا شيخ.

- روّق كِدَه وصَلّي عَ المُصْطَفَى وقوم افْتَح وَرْشِتَك وشوف وَراك إيه؟

- وانا مِنْ امْتَى بافْتَح الوَرْشَة بنَفْسِي ولّا حَتَّى باشْتَغَل بإيدي.. هوَّ انا اسْطَى معَلِّم أَوَنْطَة ولّا إيه؟.. ما الصُبْيان هُمَّ اللي بيعْمِلُوا كُل حَاجَة.. ولّا عايِزني امَرْمَط نَفْسي واتْشَحَّم وريحْتي تِبْقَى جاز وزيت زَيْ الاُسْطَى "مجاهِد" اللي عَلَى أَوِّل الشارِع؟

- أَبداً انا قُلْت عَلَشَان تِعَدِّي الوَقْت وما تحِسِّش بالوَجَع.

- ما انا اخَدْت مُسَكِّن جامِد.. ولّا انْتَ عايِز تِطَرَّأْني عَلَشَان ما اغْلِبَكْش فِ الدومينو؟

- يا راجِل ما انْتَ بتِتْغِلِب كُل يوم.. ياللا سَيَّأ وخُدْ لَك سَبَعَة والْعَب.. ولّا اقول لَك شوف الأَوِّل صَبِيَّك جاي عايِز إيه.

وحضر مساعد الأسطى "وجيه" وسأَله :

- صَباحُه حَليب يا اسْطَى.. أَنا فَتَحْت الوَرْشَة وحَ اوَدِّي عَرَبيَّة الباشْمُهَنْدِس "فَهيم" لبتاع الرادياتيرات.. تُؤْمُر بحَاجَة؟

- ولمّا بِتاعْ الرادياتيرات يشْتَغَل فيها حَ نِكْسَب إحْنَا إيه؟.. وحَ تِقْبَض يوميَّتَك مِنين؟.. مِشْ تِفَتَّح مُخَّك وتبَطَّل غَباوَة.

- أَصْل خَزْنِة الرادياتير مَشْرُوخَة ولازمِ تِتْغَيَّر.

- إلْحِمْها بأَيْ حَاجَة يا فالِح.. إنْ شا الله "بأَمير".

- بَسْ كِدَه اللِحام حَ يفُك مَعَ السُخُونِيَّة ويرْجَع الرادياتير يخُّر مَيّه تاني والعَرَبيَّة حَ توَلّع مِ السَخَونِيَّة.. دي مُمْكِن تجيب وِشْ السِلِنْدَر كُلّه بَعْد كِدَه.

- يبْقَى أَحْسَن يا حمار.. ساعِتها حَ نِشْتَغَل فِ وِشْ السِلِنْدَر والجُوَانات والتاكيهات والصَبَّابات والدَلايِل والرُودِيه إلخ إلخ.. يَعْني حَ ناخُد مَصْنَعِيَّة قَدْ كِدَه.. إتْلَحْلَح ما تِبقاش غَشيم.

- طَبْ وعَرَبيَّة عَمْ "بَشَنْدي" بِتاعْ الوِكالَة.. الطَنابير عايزَة تروح للخَرَّاط وتيل الفَرامِل عايِز يتْسَنْفَر.

- دَه مُخَّك انْتَ اللي عايِز يتْسَنْفَر.. بَدَل ما نِعْمِل الشُغْل دَه كُلّه وتِطْلَع عينينا وناخُد فِ الآخِر مِيَّايَه خَلِّيه يشْتِري طَنابير جِديدَة وتيل جِديد ونرَكِّبْهُم عَلَى نِضيف مِنْ غير تَعَب وناخُد ميتين جِنيه.. غير تَمَن الطَنابير والتيل القُدَام اللي حَ يُدْخُل جيبنا لمّا نرَكِّبْهُم لِزْبون تاني.. ياللا اخْفَى مِنْ قُدَّامي اعْمِل اللي قُلْت لَك عَلَيه خَلِّيني ارَكِّز فِ اللِعْب.

وبَعْدَ هُنَيْهَةٍ مَالَ "طُلْبَه" عَلَى أُذُنِ مُعَلِّمِهِ الحاجِّ "سَميرٍ" هامِساً :

- باقول لَك إيه يا معَلِّمي.. الجَمَاعَة فِ البيت اتَّصَلوا وعايْزين خَمْسين جِنيه عَلَشَان يسْتَقْضوا بيها حاجات للعَشا الليلَة دي.

فرَدَّ عَلَيْهِ الحاجُّ وهوَ يَنْفُثُ دُخانَ النَرْجيلَةِ مِنْ فَمِهِ وفَتْحَتَيْ أَنْفِهِ بغَضَب :

- رَبِّنَا يحْرَقْهُم عَ الصُبْح.. ما لِسَّه واخْدين خَمْسَة وتَلاتين جِنيه امْبارِح.. هيَّ الفُلوس عَنْدُهُم ما لهاش قيمَة كِدَه.. ما بيْشوفوش الواحِد بيشْقَى ويتْعَب ويتْحَرَق دَمُّه فِ الشُغْل طول اليوم إزّاي؟.. إبْعَت لُهُم تَلاتين بَسْ يساووا بيها نَفْسُهُم.. وبَعْدين روح خُدْ المِقَدِّس "ناصِح" مِنْ دُكانُه وفَرَّجُه عَ المَحَل ابو بابين اللي عَ الميدان.. ولَوْ عَجَبُه خُدْ مِنُّه شَهْر مُقَدَّم وشَهْر تَأْمين وشَهْر عُمُولَة وخَلِّيه يعَدِّي عَلَيّ بَعْد المَغْرِب يمْضِي العُقود.. خُدْ المَفاتيح مِنْ دُرْج المَكْتَب وعَلِّي التِليفزيون دَه شويَّة.. زَمان بِرْنامِج المُسابْقات جاى كَمان شويَّة.. وهات المَحْمول مِنْ جُوَّه عَلَشَان اتَّصِل بِسُرْعَة أَوِّل ما يقولوا السُؤال.. يمْكِن تِضْرَب مَعايا واكْسَب الجايْزَة الأولى.. مَعَ إنّى باتَّصِل كُل يوم بخَمْسَة جِنيه وعُمْرى ما كَسَبْت.

وقَبْلَ أنْ تَنْتَهي فُورَةُ الدومينو فوجِئَ الحاجُّ "سَميرٌ" بابْنِهِ يجري تِجاهُهُ وهوَ يَصْرُخ :

- إلْحَق يا با.. سَخَّان الحَمَّام اللي اتصَلّح امْبارِح وَلّع والنار مَسَكِت فِ البيت والناس بيحاوْلوا يطَفُّوها.

فهَبَّ الحاجُّ واقِفاً وقال وهوَ يُهَرْوِلُ مُسْرِعاً :

- اسْتُر يا رَب.. اتِّصِل قوام يا اسْطَى "وَجيه" بالنَجْدَة والمَطافي والإسْعاف يلْحَقونا.. بَسْ عَلَى الله يرُدُّوا عَليك وييجوا بسُرْعَة.. ما هُو خَلاص ما بَقاش حَدْ عايِز يِشْتَغَل فِ البَلَد دي.. ولا حَدْ عايِز يراعي أكْل عيشُه.

google-playkhamsatmostaqltradent