خبر
أخبار ملهلبة

مصير صرصار | توفيق الحكيم | الفصل الثاني: كفاح الصرصار (1)


رسم لزوج وزوجته ينامان على سرير ويستيقظان بعد رن المنبه

الفصل الثاني (1)

 

 

(حجرة نوم بها سريرٌ وخِزانة ملابس ومِقعـدان ومٍنضدةٌ صغيرةٌ فوقها مُنبِّه، وأخرى كبيرة بين المقعديْن فوقها صحفٌ وكتب .. ولهذه الحجرة بابٌ صغيرٌ يفتح على حمامٍ به حوْضٌ كبير "بانيو" ثم حوْضٌ صغير فوقه مرآةٌ ورفٌّ موضوعٌ علیه فُرَش أسنانٍ وعلب معاجين .. وبحجرة النوم بابٌ آخر يفتح على داخل الشقّة .. الحجرة مظلمةٌ قليلاً إلّا من ضوء الصباح الذي أخذ يطلع وينتشر .. وعندئذٍ ينهض فجأة "عادل" ويخرج من السرير محرّكاً جسمه ببعض التمرينات الرياضيّة السريعة، وتتنبّه زوجته "سامية" فتنهض نصف نهوضٍ فى السرير، وتضيء مصباحاً كهربائيـّاً صـغيـراً "أباجور" بجوارها)

سامية ( ملتفتةً إلى زوْجها): استيقظت یا "عادل"؟ ..

عادل: طبعاً ..

سامية: هـل رن جرس المنبّه؟ ..

عادل: لا طبعاً .. قمت من تلقاء نفسي كالعادة ..

سامية: عجيبة أمر هذا المنبّه! .. ألم نضبطه معاً قبل النوم على السادسة؟!  ..

عادل: ضبطناه .. كالعادة كل ليلة .. لكنه ينتظر حتى أستيقظ أنا بنفسي ثم يرن ..

(جرس المنبه يرن .....)

سامية: ها هو رن! ..

عادل: قاصدها وحياتِك! ..

سامية: حصل خير .. ما دمت أنت .....

عادل: ما دمت أنا أرن بدلاً منه؟! .. أليس كذلك؟! ..

سامية: وتستيقظ في الميعاد ..

عادل: هذا هو المهم عندِك ..

سامية: إلى أين أنت ذاهب؟ ..

عادل: إلى الحمّام طبعاً ..

(يخطو "عادل" نحو الحمّام .....)

سامية (تقفز من السرير): ابعِد من فضلك .. أنا أوّلاً ..

عادل: نعم .. كالعادة .. أنا أنهض قبلِك .. وأنت التي تدخلين الحمّام قبلي! ..

سامية: هذه هي الأصول ..

عادل: أي أصول؟! .. أنا قمت من النوم قبلِك، لا بُد أدخل الحمّام قبلِك .. لن أتهاون في حقوقي بعـد اليوم ..

سامية: كل يوم تقول ذلك .. أسطوانةٌ سمعتها كثيراً! ..

عادل: لأنه حقي! .. حقي يا ناس! ..

سامية: ابعِد .. لا تضيع وقتي .. أنا أدخل قبلك؛ لأن عملي يدعوني ..

عادل: عملِك؟ .. وهل أنا عاطل؟! .. إذا كنتِ موظّفةً في شركة؛ فأنا موظّفٌ مثلِك في نفس الشركة .. وإذا كنت مستعجلة، فأنا مستعجل مثلِك ثم أنا لي ذقنٌ يجب أن أحلقها وأنتِ ليس لكِ ذقن ..

سامية: عندى ما هو أهم من الذقن! ..

عادل: ما هو هذا الأهم؟! ..

سامية: التواليت (المكياج) يا أستاذ! .. لا بد لي من الزينة والتواليت، وأنت لا تعمل زينة ولا تواليت! ..

عادل: وما الداعي إلى الزينة والتواليت وأنتِ ذاهبةٌ إلى العمل داخل معمل زيوتٍ وأصباغٍ وكيماويّات؟! ..

سامية: سؤالٌ سخيف! ..

عادل: جاوبي! ..

سامية: اسمع! .. لا تضيع الوقت أكثر من ذلك! .. ابتعد عن الحمام من فضلك .. ودعنى أدخل! ..

عادل : لا .. لن تدخلي .. لن أضعف اليوم، ولن أتهاون في حقوقي! .. لن أستسلم بعد اليوم! ..

سامية: رفعت راية العصيان؟! ..

عادل: نعم ..

سامية: وتقول نعم؟! ..

عادل: نعم ..

سامية: وتكررها؟ ..

عادل: نعم ..

سامية: أنذرك .. هذا إنذار! ..

عادل: ماذا ستفعلين؟! ..

سامية: ابعِد عن طريقي .. ابعِد بسرعة! ..

عادل: لن تمرّي إلّا على جسدي! ..

سامية: کده؟! .. وهو كذلك! ..

(تنحّيه "سامية" بشِدّة وتدفعه، فيكاد "عادل" أن يقع لوْلا إمساكه بالسرير .....)

عادل: الله! .. الله! .. أجننتِ يا "سامية"؟! .. تلقين بي هكذا على الأرض؟! ..

سامية: أنت الذي أردت العنف .. كان كل شيء بالذوق أحسن .. إلى اللقاء! ..

(وتدخل "سامية" الحمّام .....)

عادل (يسرع خلفها فتغلق باب الحمام في وجهه فيدق على الباب قائلاً): افتحي! .. افتحي! .. هذه ليست معاملة! .. المسألة إذن مسألة قوّة .. تأخذين حقِّك بالقوّة .. أقصد حقّي .. حقي أنا .. تأخذين حقّي أنا قوّةً واقتداراً .. افتحي .. افتحي! ..

سامية (داخل الحمّام أمام المرآة تساوي شعرها وتدندن): اسكت من فضلك .. لا تزعجني بهذا الدق! ..

عادل: بأي حقٍّ تدخلين قبلي؟! ..

سامية: لقد دخلت وانتهى الأمر ..

عادل: لكن المسألة مسألة مبدأ ..

سامية: مسألة ماذا؟! ..

عادل: مبدأ .. مفرد مبادئ .. ألا تعرفين المبادئ؟! ..

سامية: لم أقرأ بعد جرائد الصباح ..

عادل: ماذا تقولين؟ ..

سامية: أقول اشغِل نفسك بشيءٍ مفيد لحين فراغي من أخذ حمّامي ..

عادل: أشغِل نفسي؟ ..

سامية: نعم .. بأي شيء .. لأني أريد الهدوء .. هدوء ..

عادل: هدوء؟! .. تطلبين منّي أنا الهدوء؟! ..

سامية: اسمع يا عادل .. افتح الراديو! ..

عادل: أفتح ماذا؟! ..

سامية (وهي تفتح حنفيّة الحوْض الصغير): افتح الحنفية ..

عادل: الحنفيّة؟! .. أنا أيضاً الذي أفتح لكِ الحنفيّة؟ .. لكن الحنفيّة عندِك أنتِ! ..

سامية: قلت لك افتح الراديو! ..

عادل: الراديو؟ ..

سامية: طبعاً الراديو ..

عادل: أنتِ قلتِ الحنفيّة ..

سامية: حنفيّة؟! .. أأنا مجنونةٌ لأقول ذلك؟! .. قلت لك افتح الراديو .. الرااااديو .. هل  کلامي واضح؟! ..

عادل: أنا غلطان .. الحق عليَّ .. أنا دائماً الذي عليَّ الحق ..

سامية (ترطِّب فرشة أسنانها بالماء وتتناول علبة المعجون): معجون الأسنان صنفه رديء ..

مشتروات حضرتك! ..

عادل (وهو متّجهٌ إلى الراديو فوْق المنضدة): لماذا أنـا ضعيفٌ أمامكِ هكذا؟! .. لكن .. لكن أهو حقّاً ضعف؟! .. لا .. لا يمكن .. إنه مجرد تدليل .. إنى أدلّلكِ.. لأنك امرأة .. امرأةٌ ضعيفة .. جِنسٌ ضعيف!!

(ثم يفتح الراديو فينطلق المذيع .....)

المذيع (في الراديو): إليكم ملخص نشرة الأخبار: ثار الوطنيّون السود على أثر استيلاء المستعمرين البيض بالقوّة على .....

عادل (يخفِض صوت الراديو): ثاروا!! ..

سامية: قلت لك افتح الراديو

عادل: الراديو مفتوح ..

سامية: ولكني لا أسمع موسيقى ولا أغنية ..

عادل: نشرة الأخبار .. نشرة الأخبار .. هل أنا المسئول أيضاً عن برامج الإذاعة؟! ..

سامية: افتح محطةً أخرى يا أخى؟! ..

عادل: حاضر ..

(يفتح "عادل" محطةً أخرى وعندئذٍ تُسمَع أغنية: "وما نيْل المطالبِ بالتمنّي ولكن تؤخَذُ الدُنيا غِلاباً")

سامية (في الحمّام تدندن الأغنية): ولكن تؤخَذ الدُنيا غِلااابا ..

عادل: مبسوطة؟ ..

سامية: أغنيةٌ جميلة! ..

عادل: تؤخَذ الدُنيا غِلابا! ..

(ويخفِض "عادل" صوت الراديو .....)

سامية: لماذا خفضت الراديو؟ .. ...

عادل (بقوّة): اسمعي يا سامية .. افتحي .. افتحي سأقول لكِ شيئاً مهمّاً ..

سامية: لم آخذ حمّامي بعد ..

عادل: أريد أن أعرف؟ .. أريد تفسيراً سريعاً؟ .. مَن أنا؟! ..

سامية: ماذا تقول؟ ..

عادل: أسألكِ مَن أنا؟ ..

سامية: ما هذا السؤال؟ .. أنت "عادل" طبعاً ..

عادل: عادل مَن؟ ..

سامية: "عادل" زوْجي ..

عادل: فقط؟ ..

سامية: ماذا تقصد؟ .. تريد اللقب والوظيفـة وتـاريخ الميلاد؟! .. كل هذا مكتوبٌ عنـدك في بطاقتك الشخصيّة! ..

عادل: عارف .. لا أسأل عن ذلك .. أنا أسأل عن حقيقتي .. أتعرفين ما هي حقيقتي! ..

سامية: لا .. قُل لي أنت! ..

عادل: أنا الدُنيا ..

سامية: الدُنيا؟! ..

عادل: نعم .. الدُنيا التي تؤخَذ غِلاباً .. تأخذين كل ما هو لي، ولا آخذ شيئاً مما هو لكِ .. تستوْلين على كل مرتّبي، ولا أستطيع أنا أن ألمس مليماً من مرتّبِك .. كل المدفوعات والنفقات والفواتير والأقساط مـن جيْبي أنـا .. خيّاطتِك.. كـــــوافيرِك .. قسط سيارتِك .. بنزينِك .. ثلاجتِك .. غسالتِك .. بوتاجازِك ..

سامية: بوتاجازي؟! .. على ذِكْر البوتاجاز؛ اسمع يا "عادل"! .. لا تنسَ أن تتّصل بهم ليرسلوا لنا أنبوبة ..

عادل: وأنا الذي أتّصل! ..

سامية: أنا عندي شُغلٌ كما تعلم ..

عادل: وأنا ليس عندي شُغل! .. وظيفتكِ شُغل .. ووظيفتي لعب! ..

سامية: ألن تكف عن اضطهادي بثرثرتك؟! ..

عادل: وأنا الذي أضطهدِك!!! ..

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent