خبر
أخبار ملهلبة

"سفاح كرموز" | الفصل التاسع والأخير (1)


سفاح كرموز سعد اسكندر يرتدي ملابس السجن وقيود الكلبشات في يديه يجلس نادماً بعد القبض عليه والحكم بإعدامه

"سفاح كرموز" | الفصل التاسع والأخير (1)

 


وقف "سعد" أمام النيابة ورجال التحقيق مهذباً رقيقاً يجيب على أسئلتهم بكل هدوءٍ واتزان ورباطة جأش وبذهنٍ حاضرٍ وبديهةٍ سريعة وكأنما أعد إجاباته من قبل وحفظها عن ظهر قلب، وبناءً على نصيحة محاميه القديم الجديد "ألبرت بدّار" فقد أنكر "سعد" كل التهم الموجه إليه وادعى أن لديه شريكاً يُدعى "حسبو عبد النبى" هو المسؤل عن الجثث التى وجدوها فى مخزنه والتي لا يعرف عنها شيئاً، وطلب "سعد" من النيابة الإفراج عنه لمدة شهرٍ واحدٍ فقط ليساعد رجال المباحث خلاله فى القبض على شريكه الذي اختفى تماماً خوفاً من إلصاق التهمة به لكن النيابة رفضت طلبه ولم تأبه لكلامه.

أُودع السفّاح فى السجن حتى تكتمل جوانب القضية وأثناء هذه الفترة طلب "سعد" من ادارة السجن بنطالاً جديداً فوافق مأمور السجن وأرسل له ترزياً لتفصيله على حسابه الخاص فقد كان السفّاح محافظاً دائماً على أناقته وحُسن مظهره، كما طلب نسخةً من الإنجيل فأحضرتها له الإدارة وسمحت أن يزوره أحد القساوسة ليلقى بعظاته عليه.

اكتمل ملف القضية أمام محكمة الجنايات أوّل درجة وأُدين "سعد" فى جميع التهم التي وُجِّهت إليه فصدر ضده حكمان بالأشغال الشاقّة المؤبّدة في قضيتي قتل "بَمبَة" ومحاولة قتل "قطقوطة"، كما أُحيلت أوراقه إلى المفتي في قضيتي مقتل "وزيري" و"عويضة" وباقي الضحايا المجهولين، وفور صدور الحكم هلّل كل من في قاعة المحكمة الكائنة "بالمنشيّة" بينما انهار المتهم داخل القفص الحديدي مما اضطر حرس المحكمة إلى أن يحملوه حملاً إلى سيّارة الترحيلات لنقله إلى سجن "الحضرة" حيث كان السفاح في حالةٍ يُرثى لها بعد أن حكمت المحكمة بخلعه لملابس الحبس الاحتياطي البيضاء وإلباسه ملابس الإعدام الحمراء بلون الدماء التي أراقها، واستكمل محامي "سعد" إجراءات التقاضي لدرجة الاستئناف ثمّ النقض فاستطاع بذلك أن يعطّل تنفيذ الإعدام لوقتٍ طويل كان خلاله "سعد" نجماً في الإعلام حيث أجرت معه الصحف والمجلات (أهمها المصوَّر) واحداً وخمسين لقاءً صحفيّاً فشدت انتباه القرّاء ونفذت أعدادها في ساعاتٍ قليلة.

ولم تكن الليالي تمر بسهولةٍ على "سعد" وهو في زنزانته فقد كانت لياليه الطويلة أكبر مثالٍ على العذاب والألم، فلا يُسلّم الليل رايته إلى الصباح التالي إلّا بعد أن تتراءى له أشباح من قتلهم منفردين أو مجتمعين وهم في أشكالٍ مرعبة سواء في صحوه أو منامه:

فها هي "لواحظ" تأتي إليه والسكين مغروسٌ في عنقها، و"منيرة" تظهر له وفي يدها كمّاشةٌ تريد أن تنتزع بها أسنانه، و"وزيري" الذي يأتيه من بعيد وهو بلا رأس والدماء تفور من رقبته المقطوعة، و"عزيزة" وهي تعطيه الشكمجيّتيْن وقد تهشّمت رأسها وضاعت ملامحها، و"نواعم" وهي حاملٌ تتوسّل إليه أن يسترها ويُصلِح زلّتها معه، ويد "ليلى" وهي تقبض على وصل الأمانة، و"إبراهيم زلط" الذي صرخ مستغيثاً وكاد أن يفضحه، و"بَمبَة" التي ترفع يديْها للدعاء عليه وقد فقدت أصابع يدها اليسرى التي ما زالت تقطر دماً، و"زينات" التي لا تفارق يدها كأس الخمر وهي تقترب منه في مشيةٍ مترنّحةٍ مرعبة، و"تيريز" التي أحبّها من كل قلبه فقتلها دون أن يشعر فتحوّلت إلى جثّةٍ باردة، و"عويضة" يجري هارباً في الحوش وهو يلحق به ويقتله.

وبعد شهورٍ من تداول أوراق القضيّة والتمعّن فيها وبحث ظروفها بدقّة أيّدت محكمتيْ الاستئناف والنقض حكم المحكمة أوّل درجة فأصبح لا مندوحةٌ من تنفيذ حكم الإعدام الذي حُدِّد له الساعة الثامنة من صباح يوم الأحد 25 فبراير 1953.

وجاء اليوم الموعود وقبل الموعد المحدّد بساعةٍ إلّا رُبع اكتمل حضور اللجنة المشرفة علي تنفيذ حكم الإعدام: البكباشي "حسن عبدالمقصود" مأمور سجن "الحضرة" ووكيله واللذان أشرفا تواً علي إجراء تجربةٍ حيّة علي حبل المشنقة في تمام السابعة من صباح هذا اليوم، وانضم للجنة أيضاً الأميرلاي "أحمد علي" الوكيل العام لمصلحة السجون والقائمقام "عبدالمنعم فريد" كبير مفتشي السجون والدكتور "صالح شكري" والدكتور "فيكتور عبدالسيّد" طبيبا السجن والأساتذة: "إسماعيل حسن" وكيل أوّل نيابة الاستئناف و"مصطفى عثمان" و"محمد الجندي" و"فريد فهمي" و"سامي علي" وكلاء النيابة وقسيس السجن الأب "الناسيوس بطرس"، وأمرت اللجنة أحد الضبّاط بإحضار المحكوم عليه بالإعدام إلى ساحة التنفيذ.

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent