خبر
أخبار ملهلبة

الخيميائي | باولو كويلو | الجزء الرابع عشر



الجزء الرابع عشر

 

 

في اليوْم الثاني تسلَّق الشاب إلى قمة صخرةٍ قريبةٍ من المُعسكَر، تركه الحُرّاس يمُر، كانوا قد سمعوا عن الساحر الذي يحوِّل نفسه إلى ريحٍ ولم يُريدوا الاقتراب منه، ثم إن الصحراء كانت سدّاً لا يُمكِن اجتيازه، ثم قضى ما بعد ظهر ذلك اليوْم الثاني بأكمله يُراقِب الصحراء، أصغي إلى قلبه، وأصغت الصحراء إلى الخوْف الذي يسكُنه، كان كلاهما يتكلَّم اللُغة نفسها.

في اليـوْم الثالث دعا القائد الأعلى أهم جُنوده إلى اجـتـمـاع، وقـال للخيميائي:

-       هيّا بنا نرى ذلك الشاب الذي يتحوَّل إلى ريح.

فردَّ عليه:

-       هيّا بنا.

قادهم الشاب إلى المكان الذي ذهب إليه بالأمس، ثم طلب إلى الجميع أن يجلِسوا، وقال لهم:

-       سيتطلَّب هذا بعضاً من الوقت.

فرد عليه القائد الأعلى:

-       لسنا مُتعجِّلين .. فنحن بدوٌ من الصحراء.

بدأ الشاب ينظر إلى الأُفُق الذي يواجهه، كانت هناك على البُعد جبالٌ وكثبانٌ وصخورٌ ونباتاتٌ تتشبَّث بالحياة حيث يبدو استمرار الحياة بعيداً عن الخيال، وكانت هناك الصحراء التي جابها خلال شهورٍ وشهور، والتي لم يعرف منها مع ذلك إلا جُزءاً ضئيلاً، وفي ذلك الجُزء الضئيل عرف إنجليزيّاً وقوافل ومعارك بين العشائر وواحةً تضُم خمسين ألف نخلةٍ وثلاثمائة بئر، سألته الصحراء:

-       ماذا تُريد مني؟ .. ألم نتأمَّل معاً بما فيه الكفاية بالأمس؟

-       أنتِ تحـتـضنين - في مكان مـا - تلك التي أُحب .. وعندما أُراقِب رِمـالك المُمتدّة فإني أراها هي أيضاً .. أريد أن أعود إليها وأحتاج إلى مساعدتِك كي أتحوَّل ريحاً وأعود إليها.

-       وما هو ذلك الحب؟

-       الحب هو عندما يُحلِّق صقرٌ فوق رمالكِ .. لأنه هو يراكِ ريفاً نَضِراً .. وهو لا يرجِع أبداً دون صيْد .. هو يعرف صخوركِ وكُثبانكِ وجبالك .. وكُنتِ بالمقابل كريمةً معه.

-       منقار الصقر ينهش مني قطعاً .. فأنا أُطعِم فريسة الصيْد تلك خلال سنواتٍ وسنوات .. وأسقيها من الماء القليل المُتوافِر لديَّ .. وأدلَّها على المكان الذي يُمكِن أن تجد فيه ما تأكل .. ثم يأتي يوْمٌ فينقض الصقر من السماء على تلك الفريسة في الوقت الذي كنتُ أُوشِك أن أستمتع فيه بمداعبتها لرمالي .. الصقر يأخُذ ما جاهدتُ في رعايته لكي ينمو ويكبر.

-       ولكن تلك هي الغاية التي من أجلها أطعمتِ تلك الفريسة وربيْتِها: لكي تُقدِّمي للصقر غذاء .. والصقر يُقدِّم للإنسان غذاء .. وسيُغذّي الإنسان ذات يوْمٍ رمالكِ التي سيولد منها الصيْد من جديد .. تلك سُنّة الحياة في هذا العالَم.

-       وهل هذا هو الحُب؟!

-       نعم .. هو هذا .. هذا هو ما يجعل الصيْد يتحوَّل إلى صقر .. والصقر إلى إنسان .. والإنسان إلى صحراء .. هذا هو ما يجعل الرصاص يـتـحـوَّل إلى ذهب .. وما يجعل الذهب يعود ليختبئ في باطن الأرض.

قالت الصحراء:

-       أنا لا أفهم كلماتك.

-       إذن فـافـهـمي على الأقل أنه في مكانٍ مـا وسط رمـالكِ توجـد امـرأةٌ تنتظرني .. ولكي أُلبّي نداءها فإني يجب أن أتحوَّل إلى ريح.

ظلَّت الصحراء صامتةً بضع لحظاتٍ قبل أن تقول:

-       أنا أُعطيك رمـالي لكي تستطيع الريح أن تهب .. أمّـا أنا وحـدي فـلا أستطيع شيئاً .. أطلُب العوْن من الريح.

هبَّت نسمةٌ خفيفة، وراقب رؤساء الحرب من بعيدٍ ذلك الشاب الذي يتكلَّم لغةً لا يعرفونها، وابتسم الخيميائي، ثم وصلت الريح بالقُرب من الشاب ولامست وجهه. كانت قد سمعت حواره مع الصحراء، لأن الرياح عادةً ما تعرف كل شيء، فهي تجوب العالم دون أن يكون لها موطن ميلادٍ ولا موطن موْت، قال لها الشاب:

-       ساعدیني .. فذات يوْمٍ سمعتُ منكِ صوْت محبوبتي.

-       من علَّمك أن تتكلَّم لُغة الصحراء ولُغة الريح؟

-       هو قلبي.

كانت للريح أسماءٌ كثيرةٌ عند العرب، وكانوا يُسمّونها هُنا الـ"سيروكو"، فقد كان العرب يعتقدون أنها تهب من أرضٍ تغزُر فيها المياه ويسكُنها قوْمٌ من السود، وفي البلد البعيد الذي جاء منه الفتى ("الأندلس" أو "إسبانيا") كانوا يُسمّونها "الرياح الشرقيّة" لأن الناس يعتقدون أنها تجلب رمال الصحراء وصيْحات المحاربين المغاربة، وفي أماكن أُخرى بعيدةٍ - في الأرياف حيث تُرعى الأغنام - يعتقد الناس أن الريح تهب من "الأندلس".  

لكن الريح لا تأتي من مكانٍ ولا تذهب إلى غـيـْره، وهذا هو السر في أنها أقوى من الصحراء، فربما أمكن ذات يوْمٍ زرع الأشجار في الصحراء وجعلها ريفاً تُرعى فيه الأغنام، ولكن أحداً لن يتمكَّن أبداً من أن يُخضِع الرياح.

قالت الريح للفتى:

-       لن تستطيع أبداً أن تُصبِح ريحاً .. طبيعتي تختلف عن طبيعتك.

-       هذا غير صحيح .. فقد تعلَّمتُ أسرار الخيمياء وأنا أجوب العالم معكِ .. في داخلي تعيش الريح والصحراء والبحـار والنجـوم وكل خَلْقٍ في الكوْن .. صنعتنا جميعاً يد الله القادرة الواحدة .. وتسري فينا الروح نفسها .. أُريد أن أُصبِح مثلكِ .. أقتحم كل مكانٍ وأعبر البحار وأنتزع الرمال التي تُخفي کَنزي وأجلب إلى سمعي صوْت محبوبتي.

-       سمعتُ في ذلك اليوْم حوارك مع الخيميائي .. وكان يقول إن لكل شيءٍ أسطورته الذاتيّة .. لا يستطيع البشر أن يتحوَّلوا إلى ريح.

-       علِّميني أن أُصبِح ريحاً لبضع لحظاتٍ لكي نتحدَّث معاً عن القُدرات غير المحدودة للبشر وللرياح.

ثار فضول الريح ووجدتْ في ذلك شيئاً لا تعرفه، كانت تود أن تتحاور حوْل هذا الموْضوع ولكنها لا تستطيع أن تحوِّل إنساناً إلى ريح، ومع ذلك فهي تعرف كثيراً من الأشياء، فقد كوَّنتْ الصـحـارى، وأغرقتْ أساطيل ودمَّـرتْ غـاباتٍ بأكملهـا، وتسكَّعتْ في مُدُنٍ تضج بالموسيقى وبالأصـوات الغريبة، لقد ظنَّتْ أنها لا تُواجِه أي حدود، وها هو الآن أمامها فتىً يؤكِّد أن الريح يُمكِنها أن تفعل أشياءً أُخرى.

قال الشاب وقد أحس أن الريح توشِك أن تُسلِّم بما يطلب:

-       ذلك مـا نسـمّـيه الحُب .. وعندما نُحِب نشعر أن أصبِحنا جُزءاً من هذا الكوْن الغريب .. وعندما نُحِب لا نحتاج إلى أن نفـهـم مـا يـحـدُث .. لأن كل ذلك يحـدُث عندئذٍ في أعماقنا .. ويُمكِن للبشر أن يتحوَّلوا إلى ريح .. بشرط أن تُساعِدهم الريح بطبيعة الحال.

ولمّا كانت الريح مغرورةً جداً وذات كبرياء فإن ما قاله "سنتياجو" قد أغاظها، فبدأت تهب بعنفٍ أشد مثيرةً رمال الصحراء، ولكن كان عليها أن تُسلِّم بأنها - حتى بعد أن جابت العالَم كله - لا تعرف بعد كيف تُحوِّل رجلاً إلى ريح، ثم إنها لا تعرف الحُب.

قالت الريح غاضبةً من اضطرارها إلى الإقرار بإمكانيّاتها محدوديّتها:   

-       لاحظتُ خلال تجـوالي في العالم أن الناس يتكلَّمون عن الحب وهم يتطلَّعون إلى السماء .. ربما كان من الأفضل إذن أن توجِّه طلبك للسماء.

-       إذن فساعديني .. أغمري ذلك المكان بالغُبار حتى أستطيع أن أنظر للشمس دون أن يعشى بصری.

عندئذٍ بدأت الريح تهب بعنفٍ بالغٍ فحجبت بالرمال وجه السماء فلم يبقَ في موْضع الشمس غير قرصٍ مُذَّهب، وأصبح عسيراً على العسكر تمييز أي شيء، وكان البدو يعرفون جيّداً هذه الريح التي يسمّونها "رياح السُموم" والتي هي أسوأ من عواصف البحر، غير أنهم ما كانوا يعرفون البحر.

صهلت الخيول، وبدأت الرمال تُغطّي الأسلحة، وفوْق الصخرة التفت أحد الضُبّاط وقال لقائده الأعلى:

-       ربما يحسن أن نتوقَّف عند هذا الحد.

كان من المُتَعذَّر عليهم الآن بالفعل أن يروا الشاب، وصارت كل الوجوه مُقنَّعةً تماماً باللُثُم الزرقاء ولم تعُد العـيـون تُعبِّر سـوى عن الرُعب، وألح ضابطٌ آخر:

-       فلننتهِ من ذلك.

قال القائد الأعلى وفي صوْته خشوع:

-       أُريدُ أن أرى قُدرة الله العظيم .. أُريد أن أرى رجلاً يتحوَّل إلى ريح.

ولكنه سجَّل في ذهنه اسميْ هذيْن الضابطيْن الخائفيْن، فبمجرد أن تهدأ الريح سيعزلهما من القيادة، فلا يحق لبدو الصحراء الخوْف، وخاطب الفتى الشمس قائلاً:

-       أنبأتني الريح بأنكِ تعرفين الحُب .. وإن كُنتِ تعرفين الحُب فأنتِ تعرفين أيضاً روح العالَم لأن قوامها الحُب.

ردَّت الشمس:

-       أستطيع من مكاني هذا أن أرى روح العالم .. هي على صلةٍ بروحى ونحن نعمل معاً فنُتابِع نمو النباتات ونسوق الشياه التي تبحث عن الظل .. ومن مكاني - وأنا بعـيـدةٌ جـدّاً عن الأرض - تعلَّمتُ أن أُحب .. أنا أعرف أني لو اقتربتُ قليلاً جدّاً من الأرض فسيفنى كل ما عليها وسـتـزول روح العالم .. ومن هُنا فإن كُلاً مِنّـا تُراعي الأُخـرى ونحن نتـبـادل الحب .. فأهـبُـهـا أنا الحرارة والحياة وتهبُني هي سبباً لكي أعيش ومُبرِّراً للوجود.

كرَّر الشاب:

-       أنتِ تعرفين الحب!

-       وأعرف روح العالم لأننا تبادلنا حـواراتٍ مُطوَّلةٍ على مدى رحلتنا معاً والتي لا نهاية لها حول العالم .. فهي تقول لي إن أكبر مُشكِلةٍ لها أن المعادن والنباتات فحسب هي التي فهمت - حتى الآن - أن جميع الأشياء شيءٌ واحد .. وإن لم يكن من الضروري أن يُشبِه الحديد النحاس أو النحاس الذهب .. فكلٌّ يُؤدّي وظيفته بالضبط ضِمن هذا الشيء الواحد .. وكل شيءٍ كان سيصبح سيمفونيّةً من السلام لو قضت مشيئة الله ذلك في اليوْم الخامس لخَلْقه الكون .. غير أنه كان هناك يوْمٌ سادس.

-       أنتِ عليـمـةٌ بالأمـور لأنكِ ترين كل شيءٍ من بعيد .. ولكنكِ لا تعرفين الحُب .. لأنه لو لم يكن هناك اليوْم السادس لما كان الإنسان قد خُلِق .. ولظل النحاس نحـاسـاً والرصاص رصاصـاً إلى الأبد .. صحيحٌ أن لكل شيءٍ أُسطورته الذاتيّة ولكن ذات يوْمٍ سـتـسـتـوفي هذه الأسطورة غايتها .. فلابد إذن من التـحـوِّل إلى شيءٍ أفضل .. وأن تكون هناك أسطورةٌ ذاتيّةٌ جديدةٌ إلى أن تُصبِح روح العالم - حقّاً وصِدقاً - شيئاً واحداً وفريداً.

ظلَّت الشمس تُفكِّر واشتد توهُّجها، أما الريح التي كانت تُنصِت للحوار بشغفٍ فقد اشتد هبوبها أيضاً لكي لا تعشي الشمس بصر الشاب الذي قال:

-       ومن أجل هذا فالخيمياء هي أن يبحث كل إنسانٍ عن كنزه ثم يجده .. ثم يود أن يُصبِح أفضل مما كان في حياته من قبل .. سيؤدّي الرصاص دوْره إلى أن يستغنى العالم عن حاجته له .. حينئذٍ  فلابد أن يتحوَّل الرصاص إلى ذهب .. والخيميائيّون سيتوصَّلون إلى تحقيق ذلك التحوُّل وسيبيّنون لنا أننا عندما نسعى إلى أن نُصبِح أفضل ممّا نحن عليه فإن كل شيءٍ من حولنا يصير أفضل أيضاً.

سألته الشمس:

-       ولماذا تقول إنني لا أعرف الحُب؟

-       لأن الحُب لا يعني الركون إلى الثبات مثل الصحراء .. ولا الطواف حوْل العالم مثل الريح .. ولا رؤية كل شيءٍ من بعيـدٍ مـثلكِ .. الحُب هو القوّة التي تُحوِّل العالم وتجعل روح العالم أفضل .. وعندما اندمجت فيها للمرّة الأولى ظننتُ أنها كاملةٌ لا يشوبها نقص .. ولكني رأيتُ بعد ذلك أنها انعكاسٌ لكل ما تم خَلْقه وأن لها أيضاً حروبها وأهواءها .. نحن الذين نُغذّي روح العالم وستُصبِح الأرض التي نعيش عليها أفضل أو أسوأ حسب حالنا نحن ومـا نصير إليه إن كان أفضل أو أسوأ . وهنا تتدخَّل قـوّة الحُب .. لأننا عندما نُحِب نود دائماً أن نُصبِح أفضل ممّا نحن عليه.

-       وماذا تريد مني؟

-       أن تُساعديني على أن أتحوَّل إلى ريح.

-       الطبيعة تعرف أنني أكثر المخلوقات عِلماً .. ولكنني لا أعرف كيف أحوِّلك إلى ريح.

-       فإلى مَن يجب أن أتوجَّه إذن؟

سكتت الشمس لحظة، وكانت الريح تُنصِت وتوشِك أن تُعلِن للعالم كلّه أن لعلم الشمس حـدوداً بيْد أنها لم تستطِع أن تتهرَّب من هذا الشاب الذي يتكلَّم لُغة العالم، ثم قالت له الشمس:

-       توجّه إلى يد الله التي خطَّت كل شيء.

أطلقت الريح صيحةً راضيةً وهبَّت بأعنف ما لديها فانتزعت أوتاد الخيام من مكانها فاقتلعت الخيام المنصوبة من مكانها وتطايرت في الهواء، وتحرّر كل حيوانٍ من عقاله، وعلى الصـخـرة تشبَّث الرجال ببعضهم البعض لكي لا يُطاح بهم.

توجَّه الشاب بقلبه إلى يَد الله التي خطَّت كل شيءٍ فعمرته موْجةٌ من الحب وبدأ يُصلّي، كانت صلاةً لم يعرفها قط، لأنها كانت صلاةً بلا كلماتٍ ولأنه لم يطلب من خلالها شيئاً ولم يتقدَّم بالحمد لأنه استطاع أن يجـد المرعى لغنمه ولم يتضرَّع كي يبيع مزيداً من الكريستال ولم يبتهل  من أجل أن تنتظر الفتاة التي أحبّها عودته إليها، ففي الصمت الذي ساد أدرك أن الصحراء والريح والشمس تنتظر هي أيضاً العلامات التي خطَّتها يد الله القادرة، وأنها تُريد أن تتبع مساراتها إلى أن تُدرِك مـا هـو مـحـفـورٌ على زُمُرُدةٍ بسيطة. وأدرك أن تلك العلامات مُبعثرةٌ في الأرض وفي الفضاء، وأنها تبدو في ظاهرها بدون مُبرِّرٍ ولا مغزی دون أي غايةٍ لوجودها، فلا الرياح ولا الصحاري ولا الشمـوس ولا البشر يفهمون السبب الذي من أجله خُلِقَتْ، ولكن يَد الله القادرة هي التي جعلت لكل شيءٍ سبباً وهي وحدها التي تصنع المُعجزات وتُحوِّل البحار إلى صحاري والبشر إلى رياح، لأنها هي التي تعرف التدبير الذي يسوق العالَم إلى غايةٍ تتحوَّل فيها أيّام الخلق السِتّة إلى العمل الكبير والإنجاز العظيم.

انغمس الشاب في روح العالم، ورأى أن روح العالم فيْضٌ من روح الله، وحين أدرك الشاب ذلك عرف أنه يستطيع أن يأتي بالمعجزات الخارقة، وفي ذلك اليوْم هبَّت ريح السُـمـوم كـمـا لم تهب أبداً، ولأجـيـال عديدة سيظل الأعـراب يحكون أسطورة الشـاب الذي تحـوَّل ريحـاً وأوْشك أن يسـحق مُعسكراً، مُتحديّاً سُلطة أعظم زعيمٍ حربيٍ عرفته الصحراء.

كَفَّت ريح السُموم عن الهبوب، وتوجّه الجميع بأبصارهم إلى البُقعة التي كان يقف فيها الشاب، لكنه لم يكُن هناك بل كان إلى جوار حارسٍ تكاد الرمال أن تغمُره وهو يرصُد الجهة المُقابلة من المُعسكر، فأصاب الرجال رُعبٌ من ذلك السِحر، ولكن كان هناك رجُلان يبتسمان: الخيميائي لأنه وجد تلميذه الحق والقائد الأعرابي لأن ذلك الشاب قد خشع لمجد الله سبحانه.

وفي اليوْم التالي ودَّع القائد الإعرابي كُلّاً من الشـاب والخـيـمـيـائي، وأوْفـد حَـرَسـاً يُصاحِبهما إلى الجهة التي يقصُدانها.

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent