خبر
أخبار ملهلبة

"أرواح بلا قبور" | القط الغطيس (3)


رجل غير واضح الملامح يمسك بمسدس أو طبنجة ويصوب فوهته للأمام

"أرواح بلا قبور" | القط الغطيس (3)

 

 

وذهبا من فوْرهما لعيادة طبيبة النساء والولادة المتابِعة دوْريّاً لحالة الزوْجة والتي طمأنتهما بقولها :

- بصّوا كده يا جماعة ع الشاشة.. الجنين زي الفل أهو.. آدي راسه أهي كبيرة زي ما انتم شايفين.. الظاهر ح يطلع مكبّر دماغه من ده الوقت.. ها ها.. ووشّه أهو مدوّر زي البدر.. وإيديه ورجليه أهُم.. وبقية جسمه زي الفل.

- لسّه يا دكتورة ما بانش واد ولّا بنت؟

- والله احنا ما بنحبّش نقاطع يا مدام.. بس غالباً بنّوتة قطقوطة.. تعالي كده على جنبك يا مدام.. أيوه كده.. ح اسمّعكم صوت قلبها بسمّاعة نبض الجنين دي.. سامعين؟.. ما شاء الله قلبها زي الحديد.

- إيه ده !.. ده زي ما يكون صوت قطط أو عيال صغيّرة بتوأوأ.

- إيه يا دكتور "مدحت".. ماتضحّكش علينا المدام.. قطط إيه بس.. ما انت عارف إن سمّاعة "السنوكيد" ساعات بتحصل لها تشويش أو شوشرة أو تداخل ف الموْجات الصوْتيّة.. دي ساعات بتجيب إذاعة "الشرق الأوسط".. ها ها ها.. ركّز بس ف دقّات القلب.. سامع؟

وخرج "مدحت" وقد ازداد قلقه عمّا قبل وترسّخ شعوره بالتشاؤم حيال ولادة زوْجته المرتقبة خاصةً وقد اتُفِق على أن القطط السوداء نذير شؤمٍ ونحس حسب الموْروثات الشعبيّة العتيقة، ونما هذا الشعور وتأصّل أكثر عندما استيقظ "مدحت" من نوْمه في ليلةٍ من ذات الليالي على وقع ارتطاماتٍ ودشدشة زجاج صادرة من حجرة مكتبه فتوجه حيث هناك في عتمة الليل الحالك وهو يمشي على أطراف أصابعه ويحمل مسدسه الذي يخفيه تحت وسادته فقد ارتاب في تسلّل لصٍ للمنزل ولكنه ذُهِل عندما ألفى قطاً فاحم السواد يتقافز بين قطع الأثاث ويعبث بين رفوف مكتبته ودواليبه ممّا أدّى إلى تبعثر الكتب وتكسّر الزجاج ومحتويات الدولاب الثمين الذي يحوي زجاجات وحقن مواد التخدير والعقاقير الأخرى التي كان يجمعها ويقتنيها على مدار شهورٍ طوال ليستخدمها في عمله، وكان أكثر ما جعل "مدحت" يشتاط غضباً كالمجنون هو أن القط كان واقفاً ينظر إليه نظرةً جامدة في تحدٍ صارخ ومواجهةٍ سافرة فلم يتمالك "مدحت" أعصابه وأخذ يطلق الرصاص من مسدسه الناري صوْب القط الأسود الذي ظل ساكناً بلا حراك بعد أن طاشت جميع الطلقات بعيداً عنه، وفي اللحظة التي فرغت فيها خزنة المسدس وخارت فيها قوى "مدحت" وتداعى جالساً على أقرب مقعد كان القط الغِربيب ينصرف في هدوء خارج الغرفة بعد أن أكمل مهمّته ولم يزل يحملق في غريمه "مدحت".

وظل القط الأسود يظهر ويختفي ما بين فترةٍ وأخرى مسبّباً انزعاج "مدحت" وغضبه وغيظه وتشاؤمه، ولم يستطِع الأخير التخلّص من الأوّل ذي السبعة أرواح أو على الأقل إبعاده عن المنزل رغم الحرص الزائد من أهل البيت على إبقاء النوافذ والأبواب موصدةً باستمرار.

وبعد أقل من شهريْن وضعت زوْجة "مدحت" مولودتها التي أضفت جوّاً من البهجة والسرور على المنزل الذي اختفى منه القط الأسود تماماً وكأنّه تبخّر في الهواء فانزاح حملاً ثقيلاً عن كاهل "مدحت" الذي تيقّن أن الله قد غفر له ذنوبه وآثامه وحبّه للمال الذي جمعه على حساب المتاجرة بصحّة المرضى وأنّه – تعالى - قد تجاوز عن جريرته التي اقترفها في حق ذاك المولود الأسمر وأنّه – سبحانه - رضى عنه وأفاض عليه بالسعادة التي كانت تنقصه بعد أن استقرّت ابنته التي كان يرجوها من دنياه بين أحضانه وأحضان زوْجته.

وقبل أن يمر الشهر الأوّل من عمر المولودة كان "مدحت" وزوجته يتجاذبان أطراف الحديث أثناء تناولهما العشاء فإذا بالمولودة التي تركاها نائمةً في مهدها بالغرفة المجاورة تصرخ صراخاً عالياً لثوانٍ قصيرة ثم سرعان ما انقطع بكاؤها المكلوم فجأة وعندئذٍ اندفع أبواها ليتبيّنا ما بها، وما إن كشفت الأم غطاء المهد حتّى سقطت على الأرض مغشيّاً عليها في حين تسمّر الأب في مكانه عندما شاهد هذا المنظر الرهيب : كان القط الأسود جاثماً على صدر المولودة الصغير وقد تخضّبت شواربه وفمه وأسنانه بالدماء التي كانت تنبثق من المولودة المنقطعة أنفاسها بعد أن التهم القط الغطيس أجزاء من بطنها وكبدها وأحشائها وهو منتصبٌ لا يزال يحدق بتحدٍ صارخ في "مدحت" وقد اتسعت عيْناه الزرقاوان. 

              

 

(تمّت)

google-playkhamsatmostaqltradent