خبر
أخبار ملهلبة

الأدلة المادية على وجود الله | محمد متولي الشعراوي | الفصل الخامس: الأدلة المادية (1)



الفصل الخامس (1)

 

 

الكوْن مليءٌ بآيات العلم التي تدل على وجـود الله .. وليس معنى ذلك أننا نسـتـدل على صحة القرآن بالعلم .. بل إن القرآن هو المهيْمن والمسيْطر وهو الحق .. ومـا العلم إلّا کاشفٌ لقدرة الله في الكوْن .. فنحن نؤمن بما جاء به القرآن إيماناً غيْبيّاً لا يرقى إليه أي شك ولا نريد عليه دليلاً .. لأن دليلنا ويقيننا أن الله هو الذي قال .. ولكننا نكتب هذا الكتاب لنرد على غير المؤمنين ولذلك فنحن نأتي بالحجّة والدليل المادي ما لا يستطيعون أن يردوا عليه ونحن لا نقدر أن نحيط بكل آيات الله في الكون .. ذلك أن آيات الله أكبر من أن يحيط بها بشر مهما كانت قدرته وعلمه.

وفي جولةٍ تشمل الكوْن المحيط بنا وحسب قدراتنا البشريّة .. سنثبت أن لله آياتٍ ومعجزاتٍ ذُكِرت في القرآن الكريم .. واعترف غير المؤمنين أنه لا يمكن أن يكون مُنَزِّل هذه الآيات إلّا الله سبحانه وتعالى .. ولذلك فإننا سنجوب الكوْن لنعطي مثلاً واحداً من عِدّة أماكن .. ففي خلق الإنسان آيات .. وفي الجبال آيات .. وإذا صعدنا إلى السماء وجدنا آيات .. وإذا نزلنا إلى باطن الأرض كانت هناك آيات .. وإذا غُصْنا في أعماق البحار كانت هناك آيات .. كل هذا مـوجـود .. نحن سنعطي لمحات .. لأننا إذا أردنا أن نحيط بكل شيء فنحن نحتاج إلى مجلداتٍ كثيرة.

وكـمـا قلـت فـإن أي تصادمٍ بين القرآن و العلم لا يمكن إلّا أن تكون النظرية العلميّة خاطئة .. أو يكون فهمنا للقرآن غير سليم .. وقد تحدّثنا عن ذلك في الفصل السابق.

الله - سبحانه وتعالى - قال في كتابه الكريم: "سَنُريهِمْ آياتِنا في الآفاقِ وفي أَنْفُسِهِم حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَق" (الآية 53 من سورة "فُصِّلَت") .. ومعنى سنريهم .. أي سيرون رؤية عيْن ورؤية يقين .. ومـعنى قـوْله تعالى: "حتى يتبيّن لهم أنه الحق" هو أن الذين سيرون غير مؤمنين .. وإلّا لوْ كانوا مؤمنين لعرفوا أنه الحق .. ولَما احتاجوا إلى هذا الدليل المادي .. ولذلك فإن عدداً من غير المؤمنين سيكشف الله لهم عن آياته في الكوْن .. فلا يستطيعون أن ينكروا أنها من عند الله .. ولا يستطيعون أن يتكبّروا ويقولوا أن هذا من عند أي بَشَـر .. ولا يسـتـطيـعـون أن يدّعوا أنها المصادفة .. ولا يمكنهم إلّا أن يعترفوا ولكنهم لا يؤمنون.

ولقد اخترنا في هذا الفصل أقوال عددٍ من العلماء الغربيّين .. كلهم قبل أن يبدأوا الحديث قالوا: إننا علماءٌ لا نصدِّق إلّا ما نرى ولا نتعامل إلّا مع الأشياء الماديّة البحتة .. ولقد تجنبت الحديث عمّا قاله علماءٌ مسلمون ولهم كشوفهم العلميّة .. وبعضهم يعيش في الغرب وله مكانته العلميّة .. ذلك أن الإنسان المؤمن مندفعٌ بحماس الإيمان إلى أن يصل إلى نتائج .. لأنه يحب أن يُظهِر إعجاز القرآن وفيه حماس لأن يجعل غيره يؤمنون ولذلك استبعدت كل ما قالوه .. وأخذت من أقوال الذين بدأوا جدلهم بأنه لا علاقة بين العلم والدين .. بل ادّعوا أنهما نقيضان لا يلتقيان .. فالعلم يتحدّث عن أشياءٍ واقعيّةٍ تُرى وتُشاهَد .. والدين يتحدّث عن أشياءٍ غيْبيّةٍ يؤمن بها الناس .. وكان هذا في رأيهم هو نقطة عدم الالتقاء ولكننا نقول لهم: أنه لا إلزامٌ عليكم فأنتم غير مؤمنين .. تستطيعون أن تقولوا إن ما جاء في القرآن يختلف مع العِلم، ذلك أنه لا حرج عليكم فيما تقولون .. وأنتم لن تـخـالـفـوا ضـمـائركم .. ونحن على يقينٍ من أن الله - سبحانه وتعالى - هو خالق الكون .. وأن القرآن الكريم هو كلام الله .. وإذا تكلّم الخالق عن كوْنه فهو أعلم مِنّا جميعاً.

معجزة الجنين أذهلت العالم

إذا أردنا أن نبدأ بمعجزة الجنين وما ذُكِر عنها في القرآن الكريم منذ أكثر من أربعة عشر قرناً .. وما كشفه العلم يقيناً وصوّره وعرض علينا صـوره .. إن علم الأجِنّة لـم يعـرفـه الـعـالَم بشكلٍ واضحٍ إلّا في القرن العشرين .. ففي القرن السابع عشر كان العلم يقول: الإنسان يُخْلَق خَلْقاً كاملاً في الحيوان المنوي للرجل على صورته الإنسانية .. أي أنك إذا أخـذت الحـيـوان المنوي واستطعت أن تكبـِّره وجـدت فـيـه الإنسان بكل تفاصيله مخلَّقاً خَلْقا كاملاً .. أي أن الإنسان لا يُخلَق على أطوارٍ في بطن أمّه بل يُخلَق مرّةً واحدة .. و لكن في القرن الثامن عشر تغيّرت الصورة عندما اكتشفوا بويضة المرأة وركّز العِلْم على دور المرأة في الحمل وأهملوا دور الرجل .. وقالوا: إن بويضة المرأة هي التي فيها الإنسان الكامل لأنها الأكبر .. وأن نُطفة الرجل هي مجرّد عمليّة تلقيحٍ فقط لا غير وظل هذا الرأي سائدا حتى القرن العشرين .. وجاء العلم الحديث ليغيّر الصورة تماماً .. ويعطينا صورةً جديدةً للجنين في بطن أمّه .. ويأتي بصورٍ تثبت ذلك .. حتى إن العمليّة أصبحت أمرا يقينياً لأنه يمكن تصوير الجنين وهو يتطوّر وينمو في بطن أمّه.

وكان للقرآن الكريم في هذا كلمة .. ذلك أن القرآن جاء بوصفٍ دقيقٍ لأطوار الجنين منذ أربعة عشر قرناً .. يوْم أن كانت الدنيا كلها بكل مَن فيها وما فيها لا تعرف شيئاً عمّا في بطن الأم .. وذِكْر القرآن لهذه الآيات لا يمكن أن يأتي إلّا إذا كـــان هـذا الـقــرآن مُنزَّلاً من عند الله.

ومـحـمـد النبي الأمّي - صلّى الله عليه وسلّم - لم يكن يملك من العلم البشري شيئاً .. وحتى لو كان يملك فلم يكن علم البشر يعرف شيئاً .. وكما قلت فإن المخاطرة بذِكْر شيءٍ علميٍ في القرآن لا يمكن أن يُقدِم عليهـا بشر .. لماذا؟ .. لأن القرآن هو كلام الله الذي لا يتغيّر ولا يتبدّل والمتعبَّد بتلاوته إلى يوْم القيامة .. فكيف يكون موْقف الدين ومـوْقف المسلمين إذا ذُكِر في القـرآن شيءٌ يمس العلم البـشـري ثـم جـاءت الأبحاث وتقدَّمت العلوم واكتشفت أن هذا غير صحيح؟ .. كانت ستضيع قضيّة الدين كله .. وما الذي يجعل محمداً - صلّى الله عليه وسلّم - يخوض في هذه الأشياء التي كانت البشريّة كلها تجهلها .. فيتطوّع بإعطاء أعداء الدين ما يهدمونه به.

خَلْق الجنين في القرآن

ماذا قال القرآن الكريم عن أطوار الجنين؟ .. قال الله - سبحانه وتعالى - في كتابه العزيز: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِين، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِين، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين" (الآيات من 12 – 14 من سورة "المؤمنون").

فإذا بدأنا بهذه الآية تفصيلاً .. فهي تذكر أولاً أن خَلق الإنسان من طين .. ومعنى ذلك أنها حدّدت المادّة التي خُلِق منها الإنسان وهي الطين .. والطين موجودٌ في كل مكانٍ في الأرض .. والعلماء أخذوا الطين وحلّلوه .. فـوجـدوه يتكوّن من ثمانية عشر عنصراً .. منها الحديد والبوتاسـيـوم والمغنسيوم وغير ذلك من المواد .. ثم درسوا جسم الإنسان فوجدوه يتكوّن من نفس هذه المواد .. وهي الثمانية عشر عنصراً التي يتكوّن منها الطين .. وهكذا جاءت الحقيقة الأولى .. حقيقة مشاهدةٌ معمليّةٌ لا تخضع للجدل.

ثم بدأ القرآن في وصف خَلْق الإنسان في بطن أمه .. فتقول الآية الكريمة: "ثم جعلناهُ نُطفةً في قرارٍ مَكين ثم خلقنا النُطفةَ عَلَقة" .. والقرار المكين هو رَحِم الأم .. ثم تأتى مـسـألة العَلَقـة .. ونتـرك الحـديث للبروفيسور الكندي "كيث ل. مور" وهو من أشهر علماء العالم في عِلم الأجنّة ورئيس قسم التشريح والأجنّة بجامعة "تورونتو" بـ"كندا" ورئيس الاتحاد الكندي الأمريكي لعلماء الأجنّة، وله عدّة كتبٍ مترجَمة إلى ثماني لغات .. وهو الحائز على الجائزة الأولى في العالم عن كتابه "علم الأجنة" .. وهذه الجائزة تُعطى لأحسن الكُتُب تأليفاً.

قال الدكتور "كيث ل. مور": إن الجنين عندما يبدأ في النمو في بطن أمّه يكون شكله شبه العَلَقة أو الدودة .. وعَرَض الدكتور صورةً بالأشعة لبداية خَلْق الجنين ومعها صورة للعَلَقة .. فظهر التشابه واضحاً بين الاثنيْن .. ولما قيل له: إن العلقة عند العرب معناها الدم المتجمِّد .. ذُهِل وقال: إن ما ذُكِر في القرآن ليس وصفاً دقيقاً فقط لشكل الجنين الخارجي .. ولكنه وصفٌ دقيقٌ لتكوينه أيضاً .. ذلك أنه في مرحلة العلقة تكون الدماء محبوسةً في العروق الدقيقة على شكل الدم المتجمِّد.

فإذا جئنا إلى المرحلة الثانية في قوْله تعالى: "فخلقنا العَلَقة مُضْغة" نوقِن أن القرآن الكريم جاء بالوصف الدقيق .. فعندما عُرِضَت صورة الأشعة المأخوذة للجنين وهو في مرحلة المُضْغة وصـورة قطعـةٍ من الصلصال أو اللبان الممضوغ .. وُجِد الشكل واحداً .. ثم أظهرت صورة الأشعة التي التُقِطَت للجنين في مرحلة المضغة أن فيها تجويفاتٍ تُشبه علامات الأسنان.

دِقّة التعبير القرآني

بل إن الله - سبحانه وتعالى - قد تجاوز مرحلة الشكل الخارجي إلى التكوين الداخلي .. فقال جل جلاله: "مُضْغةٍ مُخَلَّقةٍ وغَيْرِ مُخَلَّقة" (من الآية 5 من سورة "الحج") .. وعندما جيء بالمضغة الآدميّة من بطن الأم وطولها سنتيمترٌ واحدٌ وتم تشـريـحـهـا تحت الميكروسكوب الإلكتروني .. وُجِد أن بعض أجـهـزة الجنين بدأت تتخلّق وبعضها لم يتخلّق .. ولو أن القرآن الكريم قال "مضغةٍ مخلّقة" فقط لكان ذلك لا ينطبق على حقيقة التكوين لأن فيها أجزاءً غير مخلّقة .. ولو قال القرآن الكريم "مضغةٍ غير مخلّقة" فقط لكان ذلك لا يطابق حقيقة التكوين لأن فـيـهـا أجـزاءً مخلّقة .. ولكن الوصف الدقيق الوحيد الذي ينطبق على المضغة هو قوْله تعالى: "مُضْغةٍ مُخلّقةٍ وغيْرِ مُخلّقة".

ولقـد عـرض العـالـم الكندي كل أطوار الجنين في بطن أمّـه .. والتي التُقِطَت بأحدث الأجهزة العلميّة، فإذا هي تنطبق تماماً على كل ما ذُكِر في القرآن الكريم من مراحل تكوين العظام واللحم إلى غيْر ذلك.

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent