خبر
أخبار ملهلبة

لو لم أكن مصريّاً .. لكنت استريّحت جذريّاً (1) | خارج المألوف


أرض الطابور وفناء كلية الضباط الاحتياط بفايد بالاسماعيلية وقد وقفت كتائب الدفعة يوم تخرجها

لو لم أكن مصريّاً.. لكنت استريّحت جذريّاً
( قوووووم يا مصرييييي.. واقعد تاني ) (1)



الأربعاء 19 / 7 / 1995 :

ياه!.. باين عليَّ نِمت كتير قوي.. يا ترى الساعة كام ده الوقت؟.. إيه ده؟.. لسّه الساعة خمسة ونص الفجر.. يعني نِمت خَمَس ساعات بَس.. أومّال انا حاسس إني نمت كتير كده ليه؟.. يمكن علشان مستنّي النهار ده بقى لي سِت اُشْهُر.. أو يمكن بقى لي عمري كلّه باحلم باليوم ده.. من أيّام ما كنت طفل وانا نِفسي ابقى ظابط ف الجيش.. ومش أي جيش.. ده جيش "مصر" العظيم.. خير أجناد الأرض.. صحيح ح ابقى ظابط احتياط لمدّة سنتين ونص بس لكن اهو احسن برضه ما يفوت عمري كلّه من غير ما اخدم ف جيش بلدي.. يا سلام بقى لو كنت ظابط عامل.. كنت ح افضل ظابط على طول.. بس معلهش كل شيء نصيب وما حدّش عارف الخير فين.. أهو برضه دكتور مش وحش.. مني راضيت ابويَّ وأمّي - ربّنا يدّيهم الصحّة - اللي نفسهم يشوفوني بالبالطو الأبيض.. ومني ح اقدر اخدم الناس بمهنتي اللي مش ح اخد عليها فلوس كتير وبس.. لأ ده انا كمان ح اخد ثواب كبير من كُتر دعوات الناس ليَّ.. ده بس لو خدمتهم بإخلاص وكنت حنيّن عليهم.. ما هو فيه دكاتره كتير الناس بتدعي عليهم من كُتْر ما همَّ مفتريين وما بيهمّهمش غير الفلوس اللي ح يطلّعوها من ورا العيّانين الغلابة.. إن شاء الله ح ابقى كويّس مع الناس علشان ربّنا يرضى عني.. والحمد لله أنا حاسس بإنّه راضي فعلاً بدليل إنه حقق لي كل اللي باتمنّاه أهو.. أولاً: ابويَّ وامّي بيدعوا لي على طول.. ودي أهّم حاجة ف الدنيا.. وثانياً: لمّا سافرت "أمريكا" وقعدت فيها سنتين اتوفّقت فيهم وحوّشت فلوس كتير.. صحيح تعِبت قوي من كُتر الشُغل والغُربة الطويلة بعيد عن "مصر".. بس الفلوس دي هيَّ اللي نفعتني ف الجواز وقدرت اجيب بيها شقّة معقولة وعربيّة مستعملة ومصاريف الجواز وحطّيت الباقي كمان وديعة بتطلّع لي عائد شهري باصرف منه ع البيت.. وثالثاً: اتخرّجت من كليّة الطب بعد رحلة دراسة طويلة.. ومنتظرني مستقبل كبير إن شاء الله.. ورابعاً: اتجوّزت بنت حلوة وأخلاقها ممتازة وطباعها هادية ومن عيلة محترمة.. وكمان أبوها شهيد عظيم ف حرب أكتوبر.. حتَّى جوز أمها كان ظابط كبير ف الجيش وله بطولات.. وخامساً: آديني ح اتخرّج من كليّة الظبّاط الاحتياط ف الدفعة ميّة وتسعة.. بعد سِت اُشْهُر طويلة ف مدينة "فايد" كانت كلّها تعب وشقى.. صحيح ما استفدتش كتير ف العلوم العسكريّة.. بس كفاية إني اتعلمت الظَبْط والرَبْط ومعايشة الظروف الصعبة والتكيُّف على أي حاجة تقابلني.. وأهم حاجة بقيت باحب "مصر" أكتر م الأوّل ومستعد اضحّي بنفسي علشانها.. ما هو ده واجبي ده الوقت كظابط قبل ما يكون حلمي كمصري.. وأخيراً: كمان اللي مفرّحني قوي النهار ده إن اللي ح يحضر حفلة تخرُّجنا الريّس "مبارك".. ومع إني ما باحبش الريّس قوي من كُتر البلاوي اللي حاصلة ف البلد.. بس ده مهما كان رمز مصر.. وكنّا فرحانين بيه قوي أوّل ما مسك البلد بعد "السادات" الله يرحمه.. وقلنا عليه ظابط قراري ما ينضحكش عليه وهوَّ ده اللي ح يعدِل البلد ويفوّقها ف الفترتين اللي حيحكم فيهم زي ما قال.. بس يا خسارة اتغيّر.. وبعد ما كان سُخْن ف الأوّل وعمل حاجات كويّسة.. آديه أهو وهوَّ ف الفترة التالتة شال الشعب من دماغه وما بقيتش تِفرق معاه.. والبلد كل مَدَى ما بترجع لورا.. معلهش ربنا يهديه لينا.. إنما الريّس بالنسبة لي كظابط ده الوقت هوَّ القائد الأعلى للقوات المسلّحة وواجب عليَّ طاعته واحترامه وكفاية إنه كان قائد القوات الجويّة ف حرب أكتوبر وكان مستعد يموت في سبيل وطنه زي أي واحد ف الجيش.

ياللا!.. التفكير أخدني.. والساعة بقت ستّة إلا خمسة.. فاضل خمس دقايق على ما البروجى يضرب نوبة الصحيان.. أمّا اقوم بسرعة الحق اتشطّف واتوضا قبل ما الحمّامات تتزحم بزمايلى وتتملى بروايح الكولونيا والشكولاته زي كل يوم.

الساعة بَقِت واحدة الضهر.. يعني بقى لنا اربع ساعات واقفين ف أرض الطابور ف عز الشمس والحر مستنّيين وصول الريّس علشان نبتدي العرض العسكري لتخريج دفعتنا.. وبعدين أنا وزمايلي الاربعة بالذات تعبنا قوي أكتر من باقي الدفعة.. إكمّننا طُوال وعُراض وجسمنا رياضي اختارونا حرس سلاح.. يعني وش القفص بتاع الدفعة.. وهاتك يا تدريب وتمرين بالسلاح حوالين الجِنداري.. صفا وانتباه وخطوة معتادة وخطوة سريعة وللشمال دُر ولليمين انظُر وحرس سلاح وتحيّة العلم وثبات وتبديل الخطوة وتسليم وتسلّم وتنظيم الخطوة في المكان وحد اتنين تلاتة هوب وترديد نشيد الجيش والنشيد الوطني و.. و.. وممنوع علينا نقعد شويّة أو حتَّى نشرب ميّه.. يا دوب كل رُبع أو نُص ساعة نقف دقيقة استرح وخلاص.. إنما باقي الدفعة واقفين ف الطابور المجمَّع بتاع السرايا والكتايب براحتهم.. صحيح كانوا بيتمرنوا ويلفّوا حوالين أرض الطابور كل نص ساعة مرّة.. بس اللفة دي كانت بتاخد بالكتير عشر دقايق.. وبقية الوقت كانوا بيقعدوا فيه ع الأرض أو بيروحوا الحمّامات يشربوا ميّه ويعملوا زي الناس.

الساعة أربعة العصر دي مش ح انساها أبداً لإنّها الساعة اللي قلعنا فيها الضفاير اللي على اكتافنا ولبسنا السبلايت أبو نجمة.. وبقينا ملازمين تحت الاختبار.. يعني ظُبّاط رسمي.. صحيح يا ناس الفرحة جميلة.. ولو إن فرحتنا ما كملتش.. إكمّن الريّس إدّى لنا بُمبة وما جاش.. بس معلهش المشير "طنطاوي" هوّ الخير والبركة وأهو برضه من ريحة الريّس.. المهم إن اليوم عدّى على خير وح نروّح لأهالينا ببدلة الظُبّاط.. دول ح يفرحوا بينا قوي.. بس نروّح الأوّل أحسن انا خلاص استويت وبقيت مكسّح من كُتر ما وقفت ومشيت وجريت واتدرّبت ف حرس السلاح ده.

# ياااااا رب.. ليه ما خلقتنيش قصيّر ولّا رفيّع علشان ما ابقاش ف حرس السلاح؟؟؟؟؟

 

السبت 6 / 4 / 1996 :

- السلام عليكم.

- وعليكم.. أفندم.

- مش هنا برضه شؤون الخريحين؟

- أيوه.

- أنا جاي اقدّم للدراسات العليا.. الماجستير إن شاء الله.. وعايز اعرف إيه الأوراق المطلوبة.

- ما هي مكتوبة ف ورقة ع الباب.. ح توجعوا قلبنا معاكم ليه؟

- ما فيش ورقة ع الباب.. الظاهر حَد شالها.. معلهش.. ح اتعبك معايَّ.

- هات شهادة البكالوريوس وشهادة الإمتياز وشهادة بتقديرات المواد وشهادة تأدية الخدمة العسكريّة وموافقة جهة عملك في وزارة الصحّة و.....

- لحظة لحظة.. أنا اصلي لسّه ظابط إحتياط وما خلّصتش جيشي.. ولمّا اخلّص بعد سنة ونص ح استلم نيابتي ف وزارة الصحّة.

- أومّال جاي ده الوقت تناهد فينا وخلاص؟.. لمّا تخلّص الجيش وتستلم النيابة تبقى تيجي.. إتفضل بقى شوف مصلحتك خلّينا نشوف غيرك.

- إيش معنى كُل زمايلي خريجي الطب دفعة أربعة وتسعين قدّموا ورقهم وقبلوا واتوزّعوا ع الكليّات كمان.. ده جدول محاضراتهم كمان نزل؟

- دول تلاقيهم ما لهمش جيش أو كانوا عساكر.. وخلّصوا تكليفهم أو جيشهم بعد سنة من التخرّج.. مش ظبّاط زي سيادتك وجيشك سنتين ونص.. ها.. على الله تكون فهمت واتنوّرت يا دكتور.

- طب ما هو انا كده ح اتأخّر عنهم سنة ونص.. يعني هوَّ انا ذنبي إني دخلت جيش بلدي وبادفع ضريبة الدم؟.. ولّا ذنبي إني دخلت ظابط ومستعد أحارب علشان أدافع عن وطني؟

- والله الكلام ده تقوله ف برنامج "همسة عتاب".. أنا هنا بأنفّذ اللوايح والقوانين.. إتّكل على الله بقى ما تعطّلناش.

- صحيح.. إنت ذنبك إيه.. إنت عبد مأمور.

بقى يا ربّي هوَّ ده جزاء اللي يخدم في جيش بلده فترة أطول؟.. مستقبلي يتأخّر سنة ونص أو سنتين عن دفعتي.. أبقى زيّي زي اللي سقط سنتين في الكليّة.. مش كفاية إني مش باتعلّم الطب ولا بامارسه ف مستشفى عسكرى.. ده انا ماسك الكانتين ف وحدة رياضيّة عسكريّة.. بقى بالذمّة ده كلام؟

 # ياااااا رب.. ليه دخّلتنى الجيش.. وليه ما خلّيتنيش ع الأقل عسكري علشان ابقى زي زمايلي؟؟؟؟؟

 

السبت 2 / 8 / 1997 :

- صباح الخير.

- آهو صباح والسلام.. نعم؟

- واللهِ انا كنت عايز اقدّم شكوى للدكتور وكيل وزارة الصحّة لشؤون النيابات.

- يا فتّاح يا عليم يا رزّاق يا كريم.. بخصوص إيه الشكوى دي؟

- بخصوص إني جاي لي التعيين ف نيابة الرمد ف "دمنهور".. مع إني عايش ف "إسكندريّة".. والماجستير بتاعي جاي لي ف جامعة "طنطا".

- وإيه يعني؟.. عادي.

- عادي إزاي؟.. هو انا ينفع ابقى ساكن ف "إسكندريّة" واسافر كل يوم لشغلي ف مستشفى رمد "دمنهور".. وبعد ما اخلّص الشُغل اسافر "لطنطا" علشان احضر محاضرات الماجستير.. وف الآخر ارجع "إسكندرية" تاني.. ده غير إني ح اخد نوبتجيّة سهر يومين ف الأسبوع ف المستشفى.. ده انا لو "سوبرمان" ما اقدرش اعمل كده.. ثم إني باشتغل بعد الضهر ف مستشفى خاص ف "إسكندريّة" ح اروحها إمتى دي؟

- ما تروحهاش يا سيدي.. هوَّ كان حَد غَصَبَك؟

- ما اروحهاش إزاي؟.. واصرف على بيتي منين؟.. ده انا مرتبي كلّه من وزارة الصحّة ميّة تمانية وعشرين جنيه.. يعني ح اصرف قدّهم مرتين ف مواصلات السفر بس.

- خلاص يا سيدي ما تستلمش النيابة.. بلاها وظيفة ف وزارة الصحّة.. وخلّيك ف المستشفى الخاص.. وريّح نفسك وريّحنا معاك.

- واتعلّم الطب والجراحة فين؟.. واحضّر الماجستير تبع مين؟.. وبعدين انت مش طايقني ليه من ساعة ما جيت؟

- أففف.. صبّرني يا رب.

- يصبّرك على إيه بس؟.. هوَّ مش حضرتك أستاذ "عبد الصبور" مدير مكتب الشكاوى؟

- أيوه يا اخويا.. أنا الزِفت مدير مكتب الشكاوى.

- طيّب.. يبقى ده شغلك.. مش عايزني اقدّم الشكوى ليه؟.. خلّيك صبور يا أستاذ "عبد الصبور".

- ما هو انا طول اليوم ع المناهدة دي.. ما فيش حد عاجبه توزيع تعيينه.. كل واحد عايز يشتغل ف المستشفى اللي جنب بيته.. الواحد خلاص كفر.

- أستغفر الله العظيم.. أنا ما قلتش كده.. بس ما هو حرام برضه اللي بيحصل لنا ده.

- خلاص يا حبيبي سيب الشكوى ع المكتب وتعالى كمان إسبوعين اسأل ع الرد.

- طب ينفع ابقى استلم النيابة بعد ما تبتّوا ف الشكوى ولّا لازم استلمها ده الوقت؟

- ما اعرفش بقى.. مِش شُغلي.. روح اسأل أستاذ "عبد الحق" ف شؤون العاملين.

- حاضر.. شكراً على أي حال.

لا حول ولا قوّة إلا بالله.. الواحد ح يلاقيها منين ولّا منين بس.. أنا مش عارف عملت إيه ف دنيتي علشان اتشحطط بالمنظر ده؟.. هوّ يعني حرام إن الواحد يبقى مستريّح ف شُغله علشان يقدر يخدم الناس ويدّي كل اللي يقدر عليه؟.. لمّا نشوف أستاذ "عبد الحق" ح يقول لي إيه؟

- صباح الخير.. حضرتك أستاذ "عبد الحق"؟

- صباح النور والجمال.. أيوه أنا "عبد الحق".. تحت أمرك يا ابني.

- الأمر لله.. ما شاء الله حضرتك بشوش وصدرك واسع.. ربّنا يكرمك.

- إحنا هنا ف خدمتكم يا ابني.. خير؟

- أصل انا جات لي النيابة فـ.....

- ف بلد تانية غير بلدك.. صح؟.. وعايز تعرف تستلم النيابة ده الوقت ولّا بعد ما يردوا ع الشكوى.. صح؟

- الله ينوّر عليك.. ده انت عارف كل حاجة أهو.

- طبعاً.. ما هو كل الدكاترة زيّك.. كل سنة على كده.. المهم.. لازم تستلم ده الوقت علشان ما تبقاش ممتنع عن العمل.. وبصراحة كده الشكوى زي قِلّتها ومش ح تغيّر حاجة إلّا إذا....

- أيوه.. أبوس إيدك.. إلّا إذا إيه؟

- إلّا إذا جِبت واسطة كبيرة من مسئول كبير ف وزارة الصحّة أو من عضو مجلس شعب أو شورى أو من عميد أو أستاذ كبير ف أي كليّة طب.. ويا سلام بقى لو من عضو قيادي ف الحزب الوطني.. أي حد تقيل يعني.

- واللي ما عندوش واسطة؟

- يبقى لا مؤاخذة كده يحط ف بُقّه جزمة قديمة وينفّذ التعيين من غير ما يتعب نفسه ويدوشنا.. ما تؤاخذنيش يا ابني.. أنا باجيب لك م الآخر علشان ما تتعشمش ف حاجة مش من حقّك.

- مش من حقّي!.. أومّال من حق الناس الكبار بس؟.. طيّب متشكرين يا أستاذ "عبد الحق".

يا خبر ابيض.. دي الكوسة ف كل حتّة في البلد.. والناس التقيلة بس همّ اللي بياخدوا كل حاجة.. إنما عامّة الشعب الخراسيس أمثالي بيتفضّل لهم الفتافيت اللي بتقع من الأكابر.. ده إذا وقّعوا فتافيت أصلاً.

# ياااااا رب.. ليه ما خلّيتش حد من قرايبي أو معارفي م الناس التقيلة دي علشان ما اتبهدلش ف شغلي؟؟؟؟؟

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent