خبر
أخبار ملهلبة

"أرواح بلا قبور" | القط الغطيس (2)


قط أسود مخيف ذو عيون زرقاء مرعبة يقف في الظلام

"أرواح بلا قبور" | القط الغطيس (2)

 

 

ولم ينتظر "مدحت" رداً أو رأياً من طبيب التوْليد بل سارع في حقن السيّدة بالترياق وهو يتصبّب عرقاً، أمّا طبيب التوْليد فقد أكمل جراحته وأخرج الجنين - وكان ذكراً - الذي أصيب بتشنّجاتٍ أثّرت على جسمه كلّه فصار في حالةٍ صحيّةٍ سيّئة جرّاء تأثّره بحقنة الترياق ممّا استدعى نقله للحضّانة ليتم إسعافه وعمل ما يلزم لإنقاذ حياته التي صارت على المحك، فحملته الممرّضة "كريمة" مسرعةً وهي تنظر شذراً للدكتور "مدحت" الذي أشاح بوجهه بعيداً عنها واصطنع الانشغال بمتابعة حالة السيّدة السمراء ليتوارى خجلاً من فعلته الشنعاء التي لم يشعر بها أحد سواها.

وبعد انتهاء العمليّة قام "مدحت" بإفاقة السيّدة السمراء التي أفلتت من الموْت بأعجوبة وتم نقلها إلى غرفة العناية المركزّة لتستكمل علاجها، ثمّ انصرف ذاهباً لغرفة الحضّانات لمعرفة حال الوليد الذي لم يستطع الإفلات كأمّه من غلطة هذا الطبيب المجرم فقد فشل المختصّون في إنقاذ المولود، وتأكّد "مدحت" من وفاة المولود بعد أن وضع السمّاعة على صدره فلم يسمع صوْت قلبه ينبض أو صوْت أنفاسه تتردّد ولكنه خيّل له أنّه يسمع صوت مواء أو صوت معاعة قططٍ تتصايح أو تتعارك معاً فأصاخ السمع أكثر فتيقّن ممّا سمع ولكنه لم يلتفت لذلك كثيراً ورجّح أن تكون هذه الأصوات صادرة من خارج الغرفة ووصلت لأذنيْه عن طريق سمّاعة الطبيب الدقيقة، كما فتح جفنيْ كل عيْنٍ فوجد بؤبؤي العيْنيْن متسعيْن دليل مفارقة الحياة، ولكنه - بجانب شعوره بالأسف - تعجّب من لوْن قزحيّة العيْنيْن الأزرق كوْن المولود زنجيّاً كأمّه.

واستدعى "مدحت" أبا المولود وحاول أن يداري على جريمته بأن تعلّل له بأن المولود كان قد مات بسبب اختناقه وهو في رحم أمّه بعد أن التفّ الحبل السرّي حوْل رقبته قبل الولادة مباشرةً فصدّق الأب البسيط فِرْية الطبيب وكذبه بل شكره الأب المخدوع على مجهوده بعد أن استعوض فلذة كبده عند بارئه.

وآب "مدحت" إلى منزله الفخم ذو الدوريْن بعد أن اعتذر عن استكمال باقي العمليّات وكذلك عن الذهاب إلى مركز العيون فقد تلفت أعصابه وفقد تركيزه بسبب لوْم ضميره وتوبيخ دخيلته، ولكن يبدو أن عمر ضميره لم يكن طويلاً كالوليد الذي قتله فلم يلبث أن مات ضميره وهو في المهد لم يتعدَ ساعات فقد تناول طعامه بكل شهيّة مع زوْجته وأخذ يتسامر معها على المائدة :

- يعني جيت بدري النهار ده يا "مدحت".

- أصل كان عندي حالة ولادة قيْصريّة واحدة النهار ده.. بس عندي شغل بالليل.

- والبيبي كان ولد ولّا بنت؟

- كان ولد.. بس مات.

- يا ساتر يا رب.. ليه كده؟

- ربّنا عايز كده.. ح نعترض يعني على حكمته؟

- ربّنا يصبّر أهله.. أهو انا علشان كده ح اموت م الخوف كل ما ميعاد ولادتي يقرّب.

- بعد الشر عنّك وعن ابننا يا شيخة.. ليه بتفوّلي كده بس.. إن شاء الله ح تقومي بالسلامة بعد ما تجيبي لنا ولي العهد اللي بقى لنا سبعتاشر سنة مستنيّينه يشرّف.. إنتي ناسية احنا تعبنا قد إيه وصرفنا كام على بال ما آخر عمليّة تلقيح صناعي نجحت.

- ربّنا يستر.. أسكت.. مش انا كنت ح اموت النهار ده.

- معقول !.. إزّاي؟

- وانا نازلة من ع السلّم بتاع الفيللا هنا اتكعبلت ووقعت بس ربّنا ستر.. كانوا آخر كام سلّمة.. إنما لو كنت أخدت السلم كلّه من أوّله كان زمانك بتقرا الفاتحة عليّ.

- وإيه اللي كعبلك؟.. دوختي؟

- أبداً.. اتكعبلْت ف قطّة سودا قوي.. سوادها غطيس.. وتخينة قد كده.. وراسها قد راس العيّل.. شكلها مرعب.. بس عينيها حلوة قوي وزرقا.. وبعد ما اتكعبلْت فيها فضلِت واقفة وبصّة لي وقعدِت تطلَّع ف أصوات غريبة كده كأنها بتشتمني.. ها ها.

- وجات منين القطّة دي؟

- مش عارفة.. الظاهر دخلت من شباك الحمّام اللي بيطل ع الجنينة.. أصلي بعد كده لقيت سلك الشبّاك مقطوع.

- غريبة قوي الحكاية دي.. طب واللي ف بطنك؟

- لا لا.. الحمد لله ما حصلش حاجة.. جات سليمة.

- طب قومي البسي هدومك.. ح نروح نعمل سونار ده الوقت حالاً علشان نطمّن ع الحمل بعد الوقعة دي.

- باقول لك ما فيش حاجة الحمد لله.

- هيّ كلمة.. قومي البسي حالاً.. ده الواد اللي حيلتنا.. لازم نطمّن.

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent