خبر
أخبار ملهلبة

كنوز الملك سليمان (4) | قصص عالمية

 

غلاف رواية كنوز الملك سليمان للمؤلف سير رايدر هاجارد من مهرجان القراءة للجميع في إطار مكتبة الأسرة

كنوز الملك سليمان  (4)



وقام "أمبوبا" وخلع جميع ملابسه وأصبح عارياً كما ولدته امه .. وأشار إلى وشم "الوحش الزاحف" الذي كان مرسوماً حول خصره .. وعندما تأكد "إنفادوس" من هذا الوشم، خر راكعاً على ركبتيه وصاح في فرح: أنت ابن أخي .. أنت "أجنوسي" .. أنت الملك!

وقال "أمبوبا": انهض يا عمي .. فأنا لم أصبح بعد ملكاً .. ولكن بمساعدتك، ومساعدة هؤلاء الرجال البيض الشجعان من أصدقائي .. سأصبح ملكاً على تلك البلاد وأستعيد عرشي الذي اغتصبه "توالا" .. فهل ستضع يدك في يدي، وتصبح رَجُلي الذي اعتمد عليه ..؟!

فتقدم "إنفادوس" إلى "أمبوبا" (أو بالأحرى إلى أجنوسي) وخر على ركبتيه مرة أخرى ووضع يده في يدي "أجنوسي" وقال: أعاهدك على أن أكون رجلك حتى آخر حياتي!

كنا نستمع إلى تلك الحكاية ونحن في غاية الدهشة .. لقد جاء "سير هنري" إلى هذه البلاد البعيدة ليبحث عن أخيه المفقود .. وجئنا معه لهذا الغرض وللبحث أيضاً عن كنوز الملك سليمان .. فإذا بنا الآن أمام عملية لم تكن في الحسبان، ولكنها مغامرة لا بأس من الاشتراك فيها.

وتداولنا الأمر مع "أمبوبا" (أجنوسي) ومع عمه "إنفادوس" في كيفية تنفيذ عملية التخلص من "توالا" وتولِّي "أجنوس" عرش "كوكوانا" .. فقال "إنفادوس": الليلة سيقام حفل الساحرات الصيّادات .. وستمتلئ قلوب الكثيرين بالغضب ضد الملك "توالا" .. وعندما ينتهي الحفل، سأتكلم مع بعض الرؤساء الكبار .. وسأحضرهم معي ليتأكدوا بأنفسهم أنك يا "أجنوسي" الملك الحقيقي .. وغداً سيكون لدينا عشرون ألف رمح تحت أمرنا.

وبعد أن غربت الشمس وحل الظلام، أشعلت آلاف المشاعل لتضيء المكان .. ثم ظهر القمر وكان بدلاً كاملاً .. وتجمع في الساحة الكبرى أكثر من عشرين ألفاً من الأهالي .. وكانوا مقسمين إلى مجموعات صغيرة تفصل بين كل مجموعة وأخرى طرقات ضيقة لكي تسمح بتجول الساحرات الصيّادات حين يبدأ العمل

ودقت الطبول، وظهر الملك "توالا" ومع ابنه "سكراجا" والساحرة العجوز "جاجول"، وخلفهم فرقة مكونة من اثني عشر جلاداً .. وهم الذين سيتولون قتل كل من سوف تختاه الساحرات .. ثم حل الصمت والوجوم .. وبدأ ظهور الساحرات واحدة بعد أخرى .. ثم بدأت كل ساحرة منهن ترقص رقصاً عنيفاً يشبه حالة الهياج والجنون ..

ورأينا الساحرة التي كانت قريبة منا وهي تشم أحد الرجال .. فأخرجوه من الجمع وتقدم إليه الجلادون فقتلوه بطريقة سريعة بشعة .. ثم بدأت الساحرات الأخريات في شم العديد من الرجال الذين كانوا يُقتلون في لمح البصر واحداً بعد الآخر .. وتكومت الجثث غارقة في دمائها .. وحاولنا من جانبنا أن نوقف هذه المذبحة ونتشفع لهؤلاء القتلى لدى الملك لكي يعفو عنهم .. ولكن الملك استبدت به شهوة القتل وقال وهو يتمتع برؤية الدماء: من الأفضل لمثل هؤلاء الكلاب أن يموتوا ..

وأخيراً هبت الساحرة العجوز "جاجول" واقفة، وقفزت إلى الساحة وأخذت تجري وتهرول وترقص بحركات عنيفة أثارت فزعنا وفزع الأهالي .. وفجأة توقفت أمام رجل طويل القامة وضخم الجثة كان واقفاً أمام جماعته وبدأت تشمه .. وسمعنا صرخات قوية أطلقتها الجماعة التي كان يرأسها الرجل الذي تم اختياره للقتل .. وقد علمنا فيما بعد أن هذا الرجل يمتلك ثروة كبيرة كان الملك يريد الاستيلاء عليها.

ثم عاودت "جاجول" رقصها العنيف واتجهت نحونا .. ثم توقفت وبدأت تشم "أمبوبا" (أجنوسي) في كتفه .. وصرخت بصوتها الحاد: لقد شممته .. شممت رائحة الشر التي تملأ قلبه .. أقتله .. أقتله أيها الملك .. أقتل هذا الغريب قبل أن تسيل الدماء بسببه ..

وساد الصمت والوجوم .. ولكني وقفت وصحت بالملك قائلاً: أيها الملك .. إن هذا الشخص يعمل خادماً لدينا .. ونحن ضيوفك .. وأي شيء يؤذيه سيؤذينا نحن أيضاً .. ونحن نعلن حمايتنا لهذا الرجل ..!

ولكن الملك "توالا" أجاب بغضب: لقد شَمَّته ولمسته أُمُّنا "جاجول" بنفسها .. وهي أم الساحرات الصيّادات جميعهن .. لذلك فلا بد أن يقتل الآن فوراً ..!

وعندئذ أشهرنا بنادقنا ومسدساتنا وقلت: إذا حاول أحد أن يقتله، فسوف نقتله قبل أن يفعل ذلك.

ومع ذلك أشار الملك إلى الجلادين الذين كانوا يقفون خلفه وقد تغطت ملابسهم وأيديهم وأجسامهم كلها بدماء الضحايا، وأمرهم بصوت مرتفع غاضب: أمسكوه .. واقتلوه!

عندئذ قفزتُ إلى المنصة وصوبت مسدسي نحو رأس الملك .. وصوب "مستر هنري" مسدسه نحو رئيس الجلادين .. بينما صوب "الكابتن جود" مسدسه نحو "جاجول" .. وقلت للملك محذراً: سنقتلكم جميعاً وسنقتل الملك إذا حاول أي منكم أن يمس شعرة واحدة من شعر رأسه!

وتراجع الملك عن موقفه وقال مغتاظاً: لأنك قلت أن هذا الرجل يعتبر أيضاً من ضيوفي .. وليس خوفاً من تهديدكم .. فقد عفوت عنه.

فقلت بهدوء وما زلت مصوباً مسدسي نحو رأسه: والآن .. لقد تعبنا من مشاهدة الموت والقتل .. ونريد أن نذهب لكي ننام .. فهل انتهت حفلة الرقص؟

فقال بصوت ينم عن الغضب: لقد انتهت!

ثم أشار إلى جثث القتلى التي كانت مكومة أمامه وقال للجلادين: خذوا جثث هؤلاء الكلاب وألقوها للكلاب!

وانصرفنا في هدوء وحذر إلى كوخنا ..

قرب الفجر سمعنا وقع أقدام خارج الكوخ .. ودخل "إنفادوس" ومعه ستة من الرؤساء .. وقال باحترام شديد: سادتي .. سيدي "أجنوسي" .. أيها الملك الحقيقي لشعب "كوكوانا" .. لقد أحضرت معي هؤلاء الرجال الرؤساء .. إنهم من أصحاب السلطة والنفوذ بيننا .. وتحت إمرة كل واحد منهم ثلاثة آلاف من الجنود الأشداء .. والآن .. دعهم يا "أجنوسي" يروا بأنفسهم وشم "الوحش الزاحف" المرسوم على خصرك .. واسمعهم قصتك حتى يقرروا انضمامهم إلينا ضد الملك "توالا".

قام "أجنوسي" وخلع ملابسه وأراهم الوشم .. وحكى لهم قصته التي سمعناها من قبل .. وسأل "إنفادوس" الرؤساء عن رأيهم .. فقال أكبر الرؤساء سناً: حقاً إن الأرض تصرخ من ظلم "توالا" وقسوته وجبروته .. لقد كان أخي أحد الذين قتلهم الملك هذه الليلة .. ولكن الموضوع شديد الخطورة .. فسوف تسيل دماء كثيرة .. وسينضم الكثيرون إلى "توالا" .. فالناس ينحنون للشمس المضيئة في السماء ولا ينحنون للشمس التي لم تشرق بعد .. وهؤلاء الرجال البيض الذين جاءوا من النجوم لديهم قوة سحر عظيمة .. وهم يضعون "أجنوسي" في حمايتهم .. ولا بد أن يقدموا للناس علامة سحرية .. وعندما يرى الشعب هذه العلامة، سيعرفون أن سحر هؤلاء البيض يقف في صف "أجنوسي" باعتباره الملك الحقيقي .. وعندئذ سينضمون جميعاً إلينا ضد الملك "توالا".

وعندما شرحت لرفاقي ما قاله هؤلاء الرؤساء .. قال "الكابتن جود" بثقة وكأنه يقول شيئاً هاماً: اعتقد أننا نستطيع أن نقدم لهم العلاقة السحرية التي طلبوها .. وعليهم أن يتركونا لنفكر بعض الوقت ..

وأخرج الكابتن كتاباً كان يحمله ضمن أمتعتنا، وأخذ يقلب صفحاته بسرعة وقال: إن غداً هو اليوم الرابع من شهر يونيو .. وسوف يحدث للقمر كسوف كلي يبدأ في الساعة الثامنة والربع بتوقيت "جرينتش" .. وسيشاهد هذا الكسوف في جنوب أفريقيا .. إذن هذه هي العلامة السحرية .. ولنخبرهم بأننا سنطفئ القمر مساء الغد!

كانت فكرة عظيمة اقتنعنا بها فوراً .. فقلت "لإنفادوس" وللرؤساء الذين معه: إننا لا نحب أن نستعرض قوتنا .. ولكن نظراً لأن الموضوع هام وخطير .. ولأننا سنعمل معاً على إزاحة الملك "توالا" فقد قررنا أن نعطيكم العلامة السحرية التي طلبتموها .. وهي علامة سيراها الناس جميعاً .. غداً في منتصف الليل .. سنخفي القمر ونطفئه تماماً لمدة ساعة ونصف .. وسيغطي الظلام الأرض كلها .. هذه هي العلامة السحرية التي تؤكد أن "أجنوسي" هو الملك الحقيقي لشعب "كوكوانا" ..

وهنا قال كبير الرؤساء وهو يبتسم: تكفينا هذه العلامة إذا قمتم بها حقاً .. وأريد أن أخبركم بأن الملك "توالا" سيدعوكم بعد ساعتين من غروب شمس الغد لمشاهدة حفلة "رقص بنات" وسيقوم "توالا" باختيار أجمل الفتيات وأكثرهن فتنة وأحسنهن رقصاً .. وسيأمر ابنه "سكراجا" بقتل هذه الفتاة ليقدمها قرباناً للآلهة الصامتين الذين يحرسون الجبال .. وعندما تطفئون القمر .. ستنقذون الفتاة من القتل .. وسيقتنع بكم الناس جميعاً ..!

وقال "إنفادوس" موجهاً كلامه إلينا وللرؤساء الذين معه: هناك خارج مدينة "لوو" .. يوجد تل يأخذ شكل هلال .. وهناك سيجتمع جنودي وكل الجنود التابعين لهؤلاء الرؤساء .. وسنضع خطة لينضم إلينا جنود آخرون .. وإذا استطعتم أن تطفئوا القمر فعلاً، فسوف أسحبكم في الظلام إلى خارج المدينة لتصبحوا في أمان وسط الجنود .. وفي صباح اليوم التالي سنبدأ معركتنا ضد "توالا".

وبعد أن تم هذا الاتفاق مع الرؤساء خلدنا إلى النوم لنستريح .. وقضينا النهار التالي في هدوء وترقب .. ووصلتنا دعوة الملك "توالا" لحضور حفلة "رقص البنات" التي ستقام في المساء .. وعندما حل الموعد ارتدينا الدروع تحت ملابسنا، وحملنا بنادقنا وأسلحتنا .. وذهبنا إلى الحفل.

كان هناك جموع غفيرة من البنات وكل واحدة منهن كانت تضع على رأسها تاجاً من الزهور، وتحمل ورقة كبيرة من أوراق الشجر في إحدى يديها، وتحمل في يدها الأخرى زهرة بيضاء.

وعلى دقات الطبول بدأت البنات في رقصة جماعية جميلة .. ثم بدأت البنات الجميلات في الرقص منفردات .. ووقع اختيار الملك على فتاة منهن كانت أكثرهن جمالاً وأحسنهن رقصاً .. وقالت الفتاة ببراءة أن اسمها "فولاتا" .. وتقدمت إليها الساحرة العجوز "جاجول" وقالت لها بصوتها الكريه: سنقدمك أيتها الفتاة قرباناً للآلهة الصامتين عند الجبال .. إن نوم الليل أفضل للإنسان من تعب النهار .. والموت أفضل كثيراً من الحياة .. وستحصلين على شرف الموت بيد ملكية .. سيقتلك إبن الملك بنفسه!

أصيبت الفتاة بذعر شديد لدى سماعها هذا الكلام البغيض .. فصاحت بأعلى صوتها: يا متوحشون .. يا غلاظ القلوب .. إني ما زلت صغيرة .. وماذا جنيتُ حتى تحرموني من رؤية الشمس وهي تولد من بطن الليل .. ومن رؤية النجوم في السماء بعد أن تغرب الشمس وتذهب .. ومن قطف الزهور التي يبلِّلها الندى .. ومن سماع ضحكات المياه وهي تترقرق .. ومن عودتي إلى كوخ أبي .. ومن قبلات أمي .. ومن رعاية الخراف الصغيرة حين تمرض .. ومن ذراع حبيب وهو ينظر في عينيّ شغوفاً مولعاً .. ومن أطفال أولداهم فيصبحون رجالاً .. أنتم متوحشون .. قساة .. وقلوبكم غليظة !

ويبدو أن هذا الاستعطاف لم يغير شيئاً من شعور الساحرة "جاجول" ولا شعور الملك "توالا" .. بالرغم من أني رأيت ملامح التأثر واضحة في وجوه الحراس ووجوه الرؤساء الذين شهدوا المواقف وسمعوا كل كلمة .. ورأيت "الكابتن جود" وقد هب واقفاً وتأهب لمساعدة تلك الفتاة البريئة .. ويبدو أن الفتاة قد لمحته وأحست بمشاعره، فألقت بنفسها على الأرض عند قدميه مستجيرة به وقالت: إنقذني أيها الأب الأبيض الذي جاء من النجوم .. إنقذني من "جاجول" ومن هؤلاء المتوحشين!

انحنى "الكابتن جود" وأمسك بذراع الفتاة وأنهضها من الأرض وقال يطمئنها: أنهضي يا فتاة .. سوف أحميك وأدافع عن حياتك .. ولن يمسّك أحد بسوء!

في تلك اللحظة، رأيت قوساً من ظل الأرض وقد بدأ يقترب من وجه القمر .. لقد بدأ الكسوف فعلاً .. فصحت في وجه الملك قائلاً: اننا لن نسمح لك بقتل هذه الفتاة البريئة ..

فقال الملك للحراس: إقبضوا على هؤلاء الرجال واقتلوهم!

واندفع نحونا بعض الرجال المسلحين الذين كانوا يقفون وراء الكوخ استعداداً لتنفيذ مؤامرة دبرها الملك ضدنا .. فرفعنا بنادقنا وصوبناها .. وأطلقنا في الهواء طلقة أصابتهم بالذعر .. وصحت فيهم بأعلى صوتي: قفوا عندكم .. وإياكم أن تتحركوا .. إذا تقدمتم خطوة واحدة، فنحن أبناء النجوم سنطفئ القمر ونجعل الأرض في ظلام دامس!

وازداد زحف ظل الأرض على وجه القمر فخفت نوره .. وبدأ الظلام يخيِّم وتختفي ملامح الوجوه الواجمة .. فصاح "سكراجا": إن القمر يموت .. هؤلاء السحرة البيض سيقتلون القمر!

وبحركة هي مزيج من الخوف والغضب .. رفع "سكراجا" رمحه وصوّبه نحو صدر "السير هنري" الذي تحاشى الضربة، والتقط الرمح، وقذفه بأقصى قوته نحو "سكراجا" فاخترق صدره، وسقط "سكراجا" ميتاً..



(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent