خبر
أخبار ساخنة

الوسواس الخناس أبو مرداس .. بقى أطيب من بعض الناس | قصص تيك أواي ساخرة | د. أحمد صادق


إبليس يقف على أطلال خرابة ويراقب أبناءه وذريته وهم يفترشون حول نار الحطب يلعبون كوتشينة الكونكان

الوسواس الخنّاس أبو مِرداس .. بقى أطيب من بعض الناس

 

 

في إحدى الليالي الباردة بعصرنا الحديث هبط "إبليس" على أطلال إحدى الخرابات فوجدَ ثُلّةً من ذُريّته الشياطين وقد افترشوا الأرض يتسامرون مُحلِّقين حوْلَ حطباً تتصاعد منه ألسنة اللهب، واخترق صوته الخشن همهمة أحفاد أحفاده وزمزمة النار وطقطقة الخشب المُحترِق عندما صاح فيهم:

-       ما هذا .. أكادُ لا أُصدِّق ما أرى أيُها اللِئام .. أتقعدون ها هُنا تاركين مَهامَّكم في الوسوسة للبشر لعصيان خالقهم .. يا لكم من كسالى.

فردَّ عليه أحد الحَـفَدة قائلاً دون أن يقوم من مكانه أو يُغيّر وضعيّته:

-       يا جدّو .. اشتري دماغَك .. سيبك من شُغل زمان ده بتاع ولادك اللي هُمَّ يعني أجدادنا القُدام: "داسم" اللي كان بيدخُل البيوت ويخلّي الناس يحبّوا يكنزّوا المال والمتاع .. و"أعور" اللي كان بيزيّن الزنا والفجور .. و"مسوط" اللي بيوحي للبني آدمين بالكذب وأقبح الألفاظ .. و"ثبر" اللي كان بيخلّيهم يولولوا وييأسوا من رحمة ربّنا في المصايب .. و"زلنبور" اللي كان بيفرّق بين الإنس ويوقّع بينهم .. الكلام ده بقى قديم وعفى عليه الزمن خلاص .. ده الوقت البشر بقوا أنيل مننا وبيوَسْوِسوا لبعض ومريّحينا م الشُغل ع الآخر .. أغلبهم – إلّا مَن رَحِمَ ربي – بقى عندهم أساليب ما تعرفهاش يا جِدّو بتبوّظ أخلاقهم وبتحِل محلّنا وتخلّينا فاضيين مش لاقيين حاجة نعملها .. عندهم الحُكّام الظَلَمة وشبكات النِت الإباحيّة ومواقع التواصل الاجتماعي ومحطّات الفضائيّات والسينما والتليفزيون والكاميرات .. كل الحاجات دي بتُنشُر الظُلم والجُبن والسِرقة واليأس والنِفاق والحسَد والكراهيّة والرذيلة والكِذب والخيانة والفِتنة والكُفر وتتبُّع العوْرات ونسيان عبادة ربّنا الواحد وغيرها.

-       لا أفهم حديثك أيُها الخبيث ولكن اضرب لي مثلاً عمليّاً الآن وإلّا فلن أرحمك.

-       تعالى يا جدّي وهدّي أعضاءك .. أنا ح اخدك واروح لأقرب بيت من هِنا .. ومش ح اعمل حاجة غير إني ح اظهر بَس لأوِّل كائن يقابلنا .. مُجرّد ظهوري من غير وسوسة ولا كلام ولا حزق ولا دياولو ح يخلق مشاكل ومصايب وجرايم للصُبح ح يعملها الناس بنفسهم من غير أي مجهود مني .. وح ارجع هنا مع اخواتي الشياطين بعد أقل من دقيقة علشان أكمّل معاهم دور الكونكان اللي انت قطعته علينا.

ورغم عدم تصديق "إبليس" لِما قاله حفيده إلّا أنه تحدّاه وهو عاقد العزم على عقاب هذا الحفيد العاق، وما إن خرجا وابتعدا عن الخرابة قليلاً وإلّا وقد التقيا بحمارٍ هادئ يقفُ خارج منزلٍ ريفي فظهرَ وتبدّى الحفيد للحمار الذي ارتعب من رؤية الشيْطان فنَهَقَ بشِدّة وصار يقفز في كل مكانٍ دون وعي وفجأة رفسَ طفلاً كان يلعب قريباً منه فأرداه قتلاً على الفوْر بعدما شجَّ رأسه، وخرجت أم الطِفل فوجدت الحمار وهو يدهس الطفل المُمَدّد على الأرض وهو ينزف فلم تتمالك نفسها إلّا وقد أحضرت سكّيناً كبيراً وأعملت الطعن في الحمار حتى أصبح جُثّةً هامدة، ووصل الأب بعد قليل فوجد الأُم مًتجَمِّدةً في مكانها مُمسِكةً بسكّينٍ يقطُر دماً وهي تنظر في ذهولٍ إلى جُسمان الطفل وجُثمان الحمار فظَنَّ أنها أُصيبت بلوْثةٍ فقتلت الابن والحمار، فانتزع السكّين من يدها ودون وعي طعنها كثيراً حتى وقعت صريعة .. كل هذا و"إبليس" مدهوشٌ من تصرّف حفيده الذي لم يفعل شيْئاً وتولّى الإنس كل العمل لصُنع هذه المأساة.

وغادر الحفيد مسرح الحادث ورجع للراحة من جديد تاركاً جده الأكبر "إبليس" يُتابع ما تلى ذلك من أحداث: فقد تجمّع الجيران على صراخ ونحيب الأب فقيّدوه وصوّروا ما حدث ونشروه – مع تعليقاتهم – على الهواء مباشرةً بمواقع التواصُل فجاء أهل الأُم وأشبعوا الأب ركلاً وصفعاً، وعندما علم أهل الأب بما يحدُث لابنهم أسرعوا في الحضور وتعاركوا مع أهل الأُم فوقع الكثير من الضحايا ما بيْن مُصابٍ وقتيل حتى حضرت الشُرطة التي أخذت في ضرب كل المُتواجدين بالمكان دون تمييز مِمّا أثار أهل القرية بالغضب الشديد فانداروا على الجنود بالضرب بالعصي والفؤوس، وأمر قائد الجُند بإطلاق الرصاص على الأهالي الثائرة ثم هاتف قوّاده طالباً منهم المدد العاجل.

اكتفى "إبليس" بهذا القدْر وآب لأحفاده بالخرابة ليعتذر لهم عن سوء ظنّه وتقديره لهم وليلحق بلعب الكونكان معهم.

google-playkhamsatmostaqltradent