أوّلها تتنازل .. وآخرها يتنازلون عنك
صاح الديك مؤذِّناً
في الفجر فشقَّ صياحُه سكونَ الليْل وبدأت حيوانات المزرعة في الاستيقاظ لتستقبل
يوْماً جديداً من العمل، حينئذٍ أحسَّ الديك بأنه أدّى واجبه فاستكانَ في حظيرته وانتوى
أن يخلدَ للنوْم قليلاً إلّا أنه فوجئ بصاحب المزرعة يلكزه في عنفٍ صارخاً فيه:
- قوم يا ديك الكلب انتَ .. خلاص إدّنت
وصحيتني من أحلاها نومة يا زِفت الطين! .. منك لله ده انا ما لحقتش انام .. عارف
لو سمعتك بتدّن تاني ح انتِف ريشك ريشة ريشة لغاية ما تِبقى ديك أزعَر مَلْط ..
جاتك البَلا.
خاف الديك وتوقّف عن
الآذان فجراً؛ بل كفَّ عن الصياح والصداح طيلة اليوْم.
بعد أسبوع حضر صاحب
المزرعة من جديد وأمسك بالديك بمُنتهى الغِل وأمره ثانيةً:
- عامِل لي فيها ديك البرابر يا خويا ..
طب إيه رأيك بقى من هنا ورايح ح تكاكي زي الفراخ .. ولوْ ما سمعتكش بتكاكي ح اقُص
لك عُرفك ده اللي انت فرحان لي بيه .. كاكي ياض.
ارتعب الديك على
عُرفه فأخذَ يُقاقي ليتّقي شر ذلك الرجل المجنون، والتزم نقنقة الدجاجات وهو حزينٌ
مكسور الخاطر والقلب.
وبعد أسبوعٍ آخر ظهر
صاحب المزرعة مُجدّداً وأصدر للديك فرماناً أخير:
- أنا مش عارف إيه اللي مصبّرني عليك وانتَ
زي قِلّتك كده .. عايزك تبيض زي بقية الفراخ وإلّا وحياة أُمّي لادبحك .. على الله
آجي بُكرة وما الاقيكش بِضت .. ح اجيب رقبتك بالسكّينة الحامية على طول .. سفوخس
عليك .. ديك تخاف ما تختشيش.
عندئذٍ بكى الديك حتى ابتل ريشُه وأدركَ أن نهايته ستكون غداً، فشعر بالندم الشديد على ما قدّمه من سلسلة تنازُلاتٍ سابقة بدأت بالسكوت وانتهت إلى العبوديّة وقال في نفسه: "ليتني عِشتُ ديكاً ذو كرامةٍ وكبرياء فمِتُّ مؤذِّناً، خيْرٌ لي من أن أعيش ديكاً ذليلاً مُهاناً وأموتُ ذبيحاً".
