خبر
أخبار ملهلبة

الفصل الثالث | سفاح كرموز (1)


يد ضحية مقتولة ملطخة بالدماء تستغيث من خلف الزجاج

الفصل الثالث | سفاح كرموز (1)

  

 

انتصف الليل أو كاد فقامت "عزيزة" تتسحّب من فراشها بعد أن نام كل من في البيت ثمّ اتّجهت إلى غرفة نوم أبيها الأرمل ففتحت بابها في بطء كي لا يُصدِر صريره الحاد فيوقِظ أباها من سباته العميق، ثمّ يمّمت وجهها شطر خزانة الثياب (الدولاب) ففتحت ضلفتها الوسطى وهي تنظر إلى أبيها بحذر والتقطت زوْجاً من الشكمجيّات (الشكمجيّة : هي صندوقٌ خشبيٌ صغير مطعّم بالعاج والصَدَف ويُستَخدَم للاحتفاظ بالأشياء الثمينة داخله) اللتيْن يخبّئهما الوالد بين طيّات ملابسه المطويّة ليخفيهما عن الأنظار، وفتحتهما كي تطمئن على وجود ما تريد فألْفَت الأولى تمتلئ بالحُلي الذهبيّة والمجوهرات أمّا الثانية فقد اكتظّت بالأوراق الماليّة الكبيرة الحمراء من فئة العشرة جنيهات، وفجأة شَخَر الرجل شخرةً حادّة أرعبتها فتجمّد الدم في أوصالها وجَمُدت في مكانها تترقّب والدها وهو يتقلّب في فراشه حتى سكن وعاد للنوْم السحيق فأكملت ما بدأت وحملت الشكمجيّتيْن بين أحضانها بعد أن أغلقت الخزانة جيّداً وتسلّلت خارج الغرفة وهي ترتجف ثمّ أغلقت باب الغرفة مرّةً أخرى وذهبت إلى غرفتها فبدّلت ثيابها وجمعت أغراضها ثمّ حزمتها في حقيبةٍ كبيرة من القماش العَبَك وانسلّت خارجةً من منزلها وهي تتوجّس مخافة أن يراها أحد.

وعلى رأس الشارع كان "سعد" ينتظرها على أحر من الجمر وما إن دنت منه حتى عاجلها بسؤاله في صوْتٍ خفيض وهو يحمل عنها الحقيبة ويغذّان السيْر في نشاط :

- ها .. إيه الأخبار؟

- كلّه تمام.

- جبتي الحاجة؟

- آه .. ف البؤجة.

- ولازمتها إيه البؤجة دي كلّها؟ .. كنتي يا دوبك جبتي الصيغة والفلوس ولبستي هدومِك وحطّيتي المنتوفلي ف رجلِك وخلاص.

- أيّووه عليك يا "سعد" .. يعني ح نسافروا "الشام" من غير هدوم!

- يا ست الكُل أنا ح اشتري لِك كل حاجة جديدة من هناك .. ح نفضل شايلين الداهية دي كلّها من "بوالينو" "لكرموز"! .. إنتي ناسية إن ما فيش مواصلات الساعة دي .. دي حتى الترامواي خزّنت.

- خلاص بقى اللي حصل .. المهم ح نعملوا إيه ده الوقت؟

- زي ما قلت لِك .. ح نروح نبات ف الشونة بتاعتي الليلة دي .. وم النِجمة نطلع ع المينا .. المركب اللي ح تروح "الشام" ح تطلع الساعة سبعة الصُبح.

- بس انا زعلانة من نفسي قوي .. وصعبان عليّ اسيب بابا واخواتي.

- هوَّ انتي عملتي إيه يعني؟ .. غاية ما ف الأمر إنِك اخدتي الصيغة اللي سابتها لِك أمِّك الله يرحمها .. واخدتي كمان نصيبِك من فلوس أبوكي .. وبعدين ابوكي ما شاء الله كانِز قد كده على قلبه .. وإن شاء الله لمّا نرجع م "الشام" بعد كام سنة ويشوفِك شايلة على كتفِك عيّلين تلاتة ح ينسى اللي كان ويسامحِك ويرضى عنِّك .. ده مهما كان أب وقلب الأب لا ممكن أبداً يقسى على عياله.

- طب مش كنّا جرّبنا معاه واتقدّمت له تخطبني؟

- بالعقل كده يا "عزيزة" .. مين المسلم اللي ح يجوّز بنته لواحد مسيحي؟

- طب ما كنت أسلمت واتجوّزنا.

- ما اقدرش .. إنتي ناسية إن انا صعيدي .. ده كانوا أهلي يقتلوني لو عرفوا.

- بس انا سمعت ف الراديو إن المسلمة ما ينفعش تتجوّز مسيحي.

- ده كلام بيقولوه المسلمين وخلاص .. زي المسيحيين عندنا لمّا بيقولوا إن المسيحيّين ما ينفعش يتجوّزوا حد مش مسيحي .. طب اشمعنى ف عرفكم انتم المسلم ينفع يتجوّز مسيحيّة إنما المسلمة ما ينفعش تتجوّز مسيحي! .. كلّها أديان ربّنا.

- طب وعيالنا ح يطلعوا إيه؟

- واللهِ لمّا يكبروا ويعقلوا يبقوا يختاروا بحريّة .. اللي عايز يطلع مسلم ماشي واللي عايز يبقى مسيحي هوَّ حُر .. أومّال احنا ح نهاجر "الشام" ليه .. علشان هناك فيه حريّة ويقدر كل واحد فينا يتجوّز التاني ويفضل على دينه ف نفس الوقت .. إنما الوضع بتاعنا ده ما حدّش ح يقبله ف "مصر".

- ربنا يستر ويعدّى الأمور على خير.

- أهم حاجة بس إنِّك ما تكونيش جبتي سيرتي لأي مخلوق .. علشان ما حدّش يعرف لنا طريق جُرّة.

- لأ اطّمن .. بس انا عايزة كمان اطّمن.

- على إيه؟

- على إنك بتحبّني وح تحافظ عليّ طول العمر.

- إخص عليكي يا "عزيزة" .. إنتي لسّه مش متأكّدة من حبّي ليكي .. ده انا من ساعة ما شوفتِك ف السوق بتاع "الساعة" من ييجي شهر وانا مش على بعضي .. حُبِّك كلبش ف قلبي يا بِت .. ما بقيتش عارف انام ولا اشتغل ولا اكل ولا اشرب .. على رأي الدور بتاع الست "منيرة المهديّة" "أشكي لمين الهوى" .. بس انا بقى عارف لمين.

- (في خجلٍ ودلال) هي هي .. لمين يا سي "سعد"؟

- (مغنياً ومشيراً إليها) "لاسمر ملك .. ملك روووحي .. ياحبيبي تعالى .. تعالى بالعااااااااجاال".

- ههههه .. والنبي صوتك حلو يا سي "سعد" .. بس مش عارفة ليه مش قادرة نصدّقوك؟

- طب ليه كده؟

- إكمنّي يعني مش حلوة قوي زي بقية البنات .. وقطر الجواز فاتني .. ده انا داخلة ع التمانية وعشرين.

- سيبِك من عقلِك ده اللي ح يودّيكي ف داهية .. خلّيكي ماشية ورا قلبِك .. بيقول لِك إيه؟

- مش عارفة .. بس اللي انا عارفاه ومتأكدة منه إننا بنحبّوك أكتر من أي حاجة ف الدنيا.

- وانا يا ستي باموت فيكي .. وح اخلّيكي تموتي .. فيَّ .. ههههه .. اصبري عليَّ بس لمّا نتجوّز.

- اختشي يا سي "سعد" .. الله!

- عموماً مش وقت الكلام ده .. مِدّي شويّة ده احنا لسّه ما وصلناش "غيط العنب".

وفي هذه الأثناء فوجئ الاثنان بأحد عساكر الدرك وقد قطع عليهما الطريق قائلاً :

- عندك منّك لها .. رايحين على فين كده ف انصاص الليالي؟

- (مرتبكاً) آآآ .. آآآ .. مساء الخير يا شاويش.

- يا عم قول صباح الخير .. ده الفجر فاضل له ساعتين تلاتة ويطلع.

- معلهش بقى يا شاويش .. أصلنا جايين م الصعيد طازة .. والأتومبيل اتعطّل بينا ف السكّة .. ورايحين لأهلنا ف "كوم الشُقافة" .. مش برضيك احنا اكده ماشيين صح؟

- آآه .. ح تعدّي على "غيط العنب" وبعدين "كرموز" وبعدين "الكوم" .. أومّال البؤجة دي فيها إيه؟

- فيها هدومنا يا قومباشا .. تحب تفتّشها؟ .. إحنا تحت أمرك.

- لا .. مش ضروري .. بس ورّيني بطاقتك.

- آآآ .. ما انا باقول لك يا شاويش انا م الصعيد .. ما بنعملش هناك بطايق .. ممشيّنها بالبركة اكده.

- إهي! .. إنت عارف لو ما كانش معاك حريم .. كان زماني سحبتك ع الكراكون طوّالي.

- قلبك ابيض يا شاويش .. واحنا وِش اكده برضيك .. استنّى الف لك سيجارة دُخّان.

- ما باشربوش يا حضرة .. وتبقى تروح السجل المِدَني تطلّع بطاقة احسن لك .. هنا حاجة وف الصعيد عندكم حاجة تانية .. هنا فيه ظبط وربط .. فاهم؟

- فاهم يا سيد الكل .. اسمح لنا بقى.

- إتفضّل .. إتكل على الله ........ هااااا مين هناك؟

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent