خبر
أخبار ملهلبة

الفصل الثالث | سفاح كرموز (2)


ساطور عليه آثار دم موضوع في كيس كحرز أو دليل جريمة

الفصل الثالث | سفاح كرموز (2)

 

 

وانصرف "سعد" و"عزيزة" بعد أن تنفسا الصعداء وواصلا المسير حتى وصلا إلى الشونة حيث أغلقا عليهما الباب وطلب "سعد" من حبيبته أن تستلقي على المرتبة لتأخذ قسطاً من الراحة قبل السفر وذهب هو لإعداد الشاي فأوقد وابور الجاز ووضع فوقه قِدْراً به ماء، ثمّ عرج على مكتبه الصغير فأخرج من دُرجه صحيفةً قديمةً مطويّة وضع بين صفحاتها ساطوره الرهيب واقترب من "عزيزة" دون أن تشعر وأخرجه وانهال به عدّة مرّاتٍ على رأسها فهشّمه تماماً ثمّ استخرج الشكمجيّتيْن من الحقيبة القماشيّة وأفرغ ما فيهما من نقودٍ وحُلي وخبأها وراء أثواب القماش على أحد الأرفف ثمّ وضع الشكمجيّتيْن الفارغتيْن مع الحقيبة وباقي محتوياتها فوق جثمان صاحبتها ليدفن كل هذا معاً، وانتهج نفس الروتين الذي يتبعه فيما عدا أنه دفن الجثّة هذه المرّة في الركن المقابل لقبر "منيرة".

وتردّد صدى اختفاء "عزيزة" هذه المرّة أكثر ممّا حدث في حادثتيْ "منيرة" و"وزيري" وازدادت الشائعات حول هذه الحادثة بالذات ولكن أغرب تلك الشائعات ما قيل بأن روْحيْ "ريّا" و"سكينة" قد رجعتا للدنيا وبدأتا في ممارسة جرائمهما مرّة أخرى انتقاماً من أهالي "الأسكندريّة" الذين فرحوا عند إعدامهما.

وبالطبع فقد سخر "سعد" من هذه الشائعات فهو الوحيد المتبقّي على قيْد الحياة الذي يعرف الحقيقة الكاملة والتي سعت الشرطة للوصول إليها بشتّى الطرق دون جدوى فأحكمت الرقابة على مداخل ومخارج المدينة وزادت في تسيير الدوريّات المترجّلة والراكبة على الخيل ونشرت عيون مخبريها في كل مكان بعد أن صار الناس يبيتون في فزعٍ ورعب.

ولكن هذا كلّه لم يثنِ "سعد" عن المضي في طريقه المرسوم وفكّر في جارته "نواعم" الفتاة الحسناء ذات السبعة عشر ربيعاً فأخذ ينسج حولها بخيوطه ليفترسها كغيرها خاصّةً أن أبوها ميسور الحال وأنها ترتدي أساور وخواتم وأقراطاً وسلاسل ذهبيّةً كثيرة تغطّي ذراعيْها وأصابعها وأذنيْها وعنقها حتى صدرها، واستغل وسامته وحلو كلامه وطاردها في كل مكانٍ تذهب إليه : في الشارع حيث تسير والسوق حيث تتسوّق وفي سطح المنزل حيث تنشر الغسيل أو تُطعِم الطيور التي تربّيها، وأفهمها أنه يحبّها وأنه لا يستطيع العيْش بدونها وأنه على استعدادٍ تام لإعلان إسلامه ليرتبط بها ويقضي معها ما تبقى من عمره ولكنه لا يمكنه أن يغامر بتلك الخطوة الخطيرة قبل أن يعرف منها رأيها فيه وشعورها نحوه، فلانت له الصبيّة وأخذت تبادله حبّاً بحب وتحاول أن تسترضيه لتثبت له صدق مشاعرها وعظيم وَجْدها واستجابت له لتقابله أكثر من مرّة لكنها كانت تخشى من أن يراهما أحد وهما يسيران معاً فاقترح "سعد" عليها أن تتم مقابلاتهما في الشونة كي لا يوشي بهما أحد لأهلها فتردّدت في البداية ثم وافقت بعد إلحاحه واتهامه لها بأنها لا تحبّه ولا تثق به كما يحبها هو ويثق بها، وبدأت مقابلاتهما بريئةً أول الأمر ثم ما لبثت أن تتطوّرت شيئاً فشيئاً حتى حدث ما لا يُحمَد عُقباه ووقع المحظور بعد أن اختلى بها ذات مرّة، وبعد ذلك انقلب الحال عندما نال ما يريده منها فأصبح يتهرّب منها وتلاحقه هي حتى جاء اليوم الذي قابلته فيه على دَرج سُلّم منزلهما فحاول تجاهلها ولكنها استوقفته وانفردت به تحت السُلّم وهدّدته بإفشاء أمرهما لوالدها وليكن ما يكون خصوصاً بعد أن اكتشفت أنها حاملٌ منه ويجب أن يتصرّف بسرعة، وقدح "سعد" زناد فكره سريعاً فقد كان حاضر البديهة في كل ما هو شر؛ وسايرها فيما تريد وأخذ يهدّئ من روعها ويطمئنها بأنه سيفعل كل ما تريد فور أن يرتّب أموره ويُنهي مشاكله فهو مطلوبٌ للثأر وليس له طاقةٌ بالزواج الآن واقترح عليها أن تمر عليه في الشونة مساء الغد حتى يتباحثا في الأمر ويتفقا على كل شيء شرط أن لا تُشعِر أحداً بعلاقتهما حتى لا يرفض الأب من غرّر بابنته ومَكَر بها، فوافقته وأنهت حديثها معه بسرعة حتى لا يشاهدهما أحدٌ هكذا فيرتاب فيهما.

وفي مساء اليوم التالي كانت "نواعم" على موعدٍ مع قدرها المحتوم فقد تخلّص منها ذلك الوحش الوسيم بعد أن سلبها - فوق شرفها - حُليّها ومجوهراتها ثمّ واراها ثرى الشونة كسابقيها، وفي هذه المرّة قامت الدنيا ولم تقعد بعد أن ظلَّ أهل "نواعم" ومعارفها وجيرانها يبحثون مع الشرطة عن الفتاة المسكينة دون جدوى، وكان "سعد" يشاركهم البحث كي يبعد عن نفسه الشبهات وكان يتصنّع الحزن والأسى على شبابها المأسوف عليه، وجُن جنون القائمين على الشرطة والأمن العام بعد أن استأثرت القضيّة بالرأي العام وتعدّدت بلاغات الاختفاء وشائعات الخطف وبالغ أهالي "كرموز" في تقدير أعداد الضحايا فأشاعوا أن هناك حالة خطف بمعدّل كل أربعة أو خمسة أيّام فقط فجثم الهلع فوق الصدور ومنع الناس أولادهم - خصوصاً الفتيات - من الخروج نهاراً أو ليلاً ممّا دعى "سعد" أن يهدأ قليلاً وينحني للعاصفة حتى تمر بسلام فاستكان شهراً أو يزيد دون أن يعاود نشاطه المذموم بل لم يستطع أن يبيع المصوغات التي استلبها من "نواعم" حتى لايثير الشكوك حوله.

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent