خبر
أخبار ملهلبة

صورة واحد صنايعي معمار (1) | صور مشقلبة | د. أحمد صادق



صورة واحد صنايعي مِعمار  (1)

 

 

الأحد:

النهار ده أجازتي الأسبوعيّة، صحيت براحتي بعد العصريّة لقيت أُم العيال عاملة لي مُلوخيّة بالأنارِب، أكلت بالهَنا والشِفا وحلّيت رُز بلبن وحَبَست بسيجارتين وطلبت م الوليّة تعمل لي كوبّاية شاي تقيل بَس بسُرعة عشان الحق اصلّي العصر قبل ما المغرب تِدَّن واروح القهوة .. الوليّه عملِت الشاي تقيل قوي لدرجة أنها ما كانتش قادرة تشيل الصينيّة.

ولمّا رُحت القهوة لقيت اصحابي قاعدين مستنيّينّي ومحضَّرين الدومينو علشان نبتدي نلعب كام بولة كده ع المشاريب، ويا دوبك بعد ساعتين لقيت الواد "بَروَة" صبيّي جاي لي ومعاه واد سُفيِّف ابيضاني وشَعره أصفر ناعم مسَبسِب، وانتظراني حتى انتهيْتُ من البولة لينتحي بي "بروة" جانِباً على ترابيزةٍ مُجاوِرةٍ ويُفاتِحني في سبب مروره عليَّ قائلاً:

-       معلهش يا معلِّم قوِّمتك وقطعت عليك القعدة .. أأقدِّم لك "فصعون" .. شاب من "سوريا" .. هرب م الحرب الدايرة هناك وجا يستلقَط أكل عيشُه هنا ف "مصر" .. سكن ف عمارتنا وطلب مني اشوف لُه شُغلانة حلال .. قُلت لُه ح اكلِّم لك معلِّمي "رولّة الدهّان" شيخ شيوخ النقاشة ف المنطقة وأجدع من مَسَك فُرشة فيكي يا "مصر" .. أيه رأيك؟

ونظرتُ إلى "فصعون" مليّاً ودخلتُ معه في حوار:

-       أهلاً بيك ف "مصر" يا "فصعون" .. شرّفتنا.

-       والسَبَع تنعام يا ريّس .. شلونَك.

-       نعم؟!

-       يعني بالمصري إلنا الشَرَف .. تشرَّفنا .. كيفك وكيف أحوالك؟

-       الحمد لله .. يا ترى بقى بتفهم ف النقاشة يا حبيبي.  

-       ولوْ .. صار لي خَمْس سنين في ها الشِغلة.

-       يعني أجرَّبك وتشتغل معانا؟

-       إيدي بزِنّارَك يا معلْمي.

-       إيدك فين يا خويَّ؟

-       يعني أرجوك يا معلْمي .. ما راح تِندم بنوب على منحي هايدي الفُرصة .. بتشوفني قبضاي يُعتَمَد عليه .. ما لي في اللَّقِش والكلام الفارغ.

-       ماشي .. بَس أوِّل هام: عايزك تكلِّمني عربي زيْ ما باكلِّمك .. بلاش اللغوة المجعلصة بتاعتك دي عشان افهمك.

-       سامحني سيدي .. أصلي دَرعاوي .. من "دَرعا".

-       أهلاً وسهلاً .. تاني هام: اليوميّة بتاعتك ح تبقى خمسن جِني .. خمسين جنيه يعني .. أصلنا احنا الاسكندرانيّة بنقول ع الجنيه جِني.

-       منيح .. فضل ونِعمة من الله.

-       تالِت هام: عايزك تلتزم بالشُغل وعينك على كُل حاجة وتعرف الصغيَّرة قبل الكبيرة وتعرف أنا عايز إيه من نظرتي بَس قبل ما اطلبها بلساني.

-       تقبُرني ... آآآآ .. تأمُرني يا سيد الناس.

-       الأمر لله يا ابني .. رابع هام: ح تُقعُد مع "بَروَة" تِفهم منه اللي مطلوب منك بالظبط .. آخر هام: إحنا ح نتقابل كُل يوم هنا ع القهوة بعد صلاة الضُهر على طول .. مش عايز تأخير .. ح تاخُد شايك مع "بروة" وتستنّوني آخد الاصطباحة بتاعتي .. وبعد ما اخلّص حَجَر المعسِّل نتكِل على الله نشوف اللي ورانا .. والحَد بناخدُه أجازة.

-       مو شايف هيك إننا بنصير متأخَّرين كتير يا ريّس؟! .. نِحنا بـ"سوريا" بنبلِّج شِغلاتنا م البَدريّة.

-       لا يا خويَّ .. سيبك م اللي بيحصل عندكم ف "سوريا" .. إنت بقيت هنا ف "مَصر" .. الصنايعيّة كُلُّهم بيقولوا يا فتّاح يا عليم بعد الضُهر بشويّة .. أصلنا بنبقى سهرانين طول الليل ع القهوة وما بنقدرش نفتّح عينينا الصُبح بدري.

-       كيف ما بتريد يا معلْمي.

-       يلّا .. سيبوني بقى اكمِّل بولِة الدومينو .. شوفوا ح تشربوا إيه ومشاريبكم عندي.

-       تِكرَم بيّي.

الإثنيْن:

بعد الاصطباحة والذي منه ذهبنا إلى "محرّم بك" حيث شَقّة الدكتور "عجلان أبو سريع" لاستكمال عملنا الذي بدأناه منذ أربعة شهورٍ ونِصف وأمامنا أقل من شهرٍ لإنهائه لأنه مستعجِل، وما إن وصلنا حتى أخرجنا – أنا و"بَروة" – ملابس العمل وبدأتُ أُغيِّر ملابسي سائلاً "فصعون":

-       أومّال فين كيسة هدوم الشُغل بتاعتك؟

-       ما عندي غير ها الأفرول .. عم بالبِسُه فوْق لباسي.

-       إيه ده؟! .. بتلبِس الأفرول ع اللباس على طول؟!! .. من غير فانِلّة ولا مؤاخذة؟!!!

-       لباسي يعني ملابسي يا معلْمي.

-       آه باحسِب .. وما له الأفرول نضيف كده ليه؟! .. ده جديد؟!!

-       مو جديد بنوب .. لكني عم باغسِله كِل يوم.

-       كُل يوم؟!!! .. دي احنا بنِغسِل هدوم الشُغل القديمة دي م السنة للسنة .. هوَّ احنا ح نتفسّح.

-       واضح من المنظر والرائحة يا معلْمي.

-       يا ابني احنا ف شُغل مش دَلَع .. عايزنا نيجي الشُغل مستحميّين ومتكلينين زيّك؟! .. بُكره تتعلِّم مننا.

والتفتُّ إلى "بَروة" وطلبتُ منه التعليق على الشاي، وجلستُ على الأرض أشرب سيجارتين، فسألني "فصعون":

-       مش راح نشتِغِل يا معلْمي؟! .. الوَقت عم يهدر هدر .. قصدي الوَقت عم بيعدّي.

-       يا عم هوَّ الشُغل ح يطير! .. سيبنا بقى نستمخ بالشاي والسجاير عشان نقوم نشتغل بمزاج .. قوم انت درَّب البوية الزيت واظبُط اللون ع البيج .. كافيه أو ليه يعني .. وانت ياض يا "بَروة" بعد ما تِعمل الشاي حُط لنا الفلاشة وشغّل لنا حاجة للسِت الأوَّل وبعدين تبقى تشغّل أغاني المهرجانات العفاريتي بتاعتك ف الآخر.

وبعد حوالي نصف ساعة أرسلتُ "بَروة" لشراء الإفطار: عيش وفول وفلافل وبتنجان مخلِّل، وأعقبنا ذلك الفطور المتين بدور شاي تاني وسيجارتين كمان، وفوجِئتُ بالواد السوري يُذكِّرني بأننا لم نبدأ العمل بعد ويقطَّمني على تضييع الوَقت، فصَحتُ في هذا الجاهل الإمّعة قائلاً:

-       وبعدين معاك ياض انتَ! .. ما لك متصربع ومسروع ع الشُغل كَده!! .. هي الدنيا ح تخرَب ولا القيامة ح تقوم يعني عشان بنطفح لنا لُقمة وبُق شاي وسيجارة!!! .. انكتِم بقى وما تفتحش حنكك تاني .. أمّا عجايب واللهِ .. ما فاضلش غير واد مفعوص ابن امبارح ح ييجي يفهِّمني شُغلي على آخِر الزمن.

بصراحة الواد عكننّي وقَفَل لي اليوم فأقسمت بالطلاق ما انا شغّال وروّحنا، وفي المساء – أثناء جلوسي ع القهوة – اتَّصل بي الدكتور صاحب الشقّة وسألني عن مدى تطوُّر العمل في الشقّة فأخبرته أنني ذهبتُ اليوْم كعادتي ولكن داهمتني نوْبة صداعٍ فظيعةٍ اضطرّتني لأن أُنهي العمل مُبكِّراً، فترجّاني أن أُسرِع لإنهاء بياض الشقّة حتى لا يضطَّر لتأجيل فرحه مرّة أُخرى بسبب عدم جاهزيّة بيت الزوْجيّة، فأجبتُه أنني مش مقصَّر ومش مخلّي ف جُهدي جُهد وعلى الله التساهيل.



(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent