خبر
أخبار ملهلبة

صورة واحد سايس سيارات (2) | صور مشقلبة | د. أحمد صادق



صورة واحد سايس سيّارات (2)

 

 

الجُمعة:

حضرتُ ورشة عمل الرابطة عن "مهنة السياسة: الأهداف – الأُصول – المُشكلات – الحلول"، وقد تم منع طلبة كليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة – الذين قرأوا عنوان الوَرشة في إعلان الجرائد – من المُشاركة في وَرشة العمل باعتبار أن هذه الوَرشة خاصّةٌ بمهنة السياسة الطاهرة الحقيقيّة في حياتنا وليست مهنة السياسة النَجِسة القذرة التي يُمارسها رجال الحُكم.

ودعاني مُنظِّم الوَرشة لإلقاء مُحاضرتي من واقِع كوْني مُمارِساً للمِهنة منذ أكثر من ثلاثين عاماً بعد أن تركتُ مهنتي الأصليّة كسائسٍ للخيول في اسطبل "الفُرسان" بـ"الفيّوم" الذي كان يمتلكه الشيخ الكويتي "رابح الكحيلان" الله يرحمه.     

بعد أن اعتليْتُ طوبةً كبيرةً وُضِعَت أمام الحاضرين بدأتُ المحاضرة بالصلاة على الحبيب وترديد دُعاء الركوب ثم انطلقت:

-       طبعاً الغرض من عمل الوَرشة دي هو نقل خِبراتي العريضة لناشئي وشباب السُيّاس المُستجَدّين .. بدايةً: لا بُد أن تفخروا بمِهنِتكم الجديدة دي اللي ح تاكلوا من وراها الشَهد .. وعلى رأي معلِّمي الله يرحمه الاسطى "كاوِتشة": "لوْ لم أكُن سايساً لوَدِدتُّ أن أكون سايساً" .. طب يلّا بينا نبدأ المُحاضرة .. عايزكم تعرفوا أهداف السايس في المقام الأوّل .. اللي معاه ورقة وقلم يكتِب ورايَّ علشان يستفيد:

1.    تسليك أكبر مبلغ مُمكِن من الزبون بأي شكل .. حتى لو رَكَن خمس دقايق لازم تحاسبه على ساعة .. وطبعاً أي كسر ساعة بيتم جبره لساعة كاملة.   

2.    إيجاد ركنة لأي زبون بأي طريقة حتى لو ما فيش مكان .. لازم السايس الناصح يتصرَّف حتى ولو لزَّق العربيات ف بعض.

3.    بذل أقل مجهودٍ مُمكِن أثناء العمل لتوْفير طاقتك في السهر واللعلعة ليْلاً للقيام بحراسة السيّارات المبيتة.

4.    فرض السيْطرة بالذوق أو بالعافية على الشوارع التي تحتلّها وأصبحتَ مسؤولاً عنها لجمع أكبر قدرٍ مُمكِن من الأموال التي تكفل لك العيْش في بحبوحةٍ وشُرب السجائر المستوْردة .. ويكون ذلك الاحتلال بطريقةٍ بسيطةٍ وسهلة: وهي وَضْع بعضاً من الطوب وفِرَد الكاوتش البايظة تحت رصفان تلك الشوارع لمنع أي سيّارة من الرَكْن أو الانتظار أو المبيت إلّا بأمرك وتحت إشرافك المُباشِر أو إشراف أحدٍ من زملائك أو صبيانك.   

وسكتُّ بُرهةً من الوقت لأرتشف بعضاً من الماء وعُدتُ أستكمل:

-       ورغم إن مهنة السايس دي لِسه حديثة ومش موْجودة أصلاً ف أيَّتُها بلد غير "مصر" المحروسة إلّا إن ليها أُصول لازم يمشي عليها كل واحد علشان يبقى سايس ناجح ويعرف يعمِل فلوس كويّسة .. يعني لو كُنت سايس مُستَجَد ف مَوْقَف عليه طلب مُمكِن تعمِل لك من تُلتُميت لخُمسُميت بُلبُل كل يوم .. ولو مشيت بالأُصول اللي ح اقولها لك ح تبقى سايس مدردح وحِرِك وممكن تقفِّل لك الألفين بُلبُل يوميّاً .. إكتب عندك:

1.    عند وصول الزبون بسيّارته اتركه يلغوَص براحته حتى يطلع بوزُه ويركِن بنفسه .. وبعد أن يترُك سيّارته وينصرف إذهب للسيّارة فوْراً دون أن يراك وارفع مسّاحات الزجاج الأمامي فقط .. ولا تظهر له بعد ذلك إلّا عندما يركب ويهِمُّ بالانصراف لتجعله يتفاجأ بك وأنت تُعيد المساحتيّن مكانهما وتمسح الزُجاج بفوطتك الصفراء القذرة طالباً حق الركن.

2.    لوْ رأيتَ الزبون يعود لسيّارته الراكنة وهو يحمل أكياس مشترواتٍ فيجب أن تهجم عليه وتنتشها من يديْه لتُساعِده رغماً عن أنفه حتى ولو كان يحمل كيساً واحداً به بكرة تواليت صغيرة .. وذلك حتى تكسر عينه وتُرغِمه على إعطائك نفحةً جزيلةً ذات قيمة.

3.    كُن بارداً غِلِساً سمِجاً سخيفاً مع الزبائن .. وإن استطعت فكُن شرّيراً وأظهِر العيْن الحمراء للزبون (مثلاً أُزغُر للزبون أو سِب أمامه زبوناً آخر لأنه أعطاك خمسة جُنيْهاتٍ فقط) حتى يخاف منك ويضطر لمنحك مبلغاً مقبولاً خوْفاً من غضبك أو لسانك الزِفِر.

4.    يجب أن تكون الفوطة الصفراء التي تحملها في مُنتهى القذارة بحيث تُلطِّخ بها زجاج السيّارة الراكنة فيضطّر صاحبها أن يطلب منك غسيلها وتنظيفها بمبلغٍ آخر أكبر.

5.    لا ترتدي غير الملابس المُهلهلة المُتَّسخة في مكان العمل حتى يُشفِق عليك الزبون ويُعطيك مبلغاً أكبر من حق الرَكْن ظنّاً منه أنه يتصدّق عليك أيضاً .. بل يُمكِنك أن تُبدع أكثر وتفتح حديثاً معه تشكو خلاله من شظف العيْش وضيق الحال وكثرة مصاريف العلاج وخلافه .. وفي نفس السياق لا تأكل أمام الزبون سوى كِسرة خُبزٍ فربما يُعطيك بعضاً من السلع الغذائيّة التي يشتريها ويحملها في سيّارته .. ولا تشرب الماء أمام عيْنيْه إلّا في قُلّةٍ أو من الزير فربما منحك زُجاجة مياهٍ معدنيّةٍ أو مياهٍ غازيّةٍ من عندياته .. ولا تُدخِّن أمامه إلّا أعقاب السجائر ذات الصُنع المحلّي فربما يعزم عليك بسيجارةٍ أو أكثر .. وضِع أكل الدليفري الغالي والمياه النظيفة والسجائر المستوْردة التي تشتريها داخل الكُشك ولا تتناولها إلّا وقت نوْبة السهر دون يراك أحدٌ من الزبائن حتى لا يعرف أنك مُقتدِرٌ وتأكل وتشرب مثله أو أفضل.

6.    يجب أن تفرض شخصيّتك على الشخص الذي يركن عربته في المنطقة الخاضعة لك بأكثر من طريقة .. فمثلاً بعد أن يركِن بنفسه ويترجَّل من سيّارته ويُغلقها تذهب إليه لتبلِغه أنه يضعها في موْضعٍ خطأٍ أو في مَلْطَش وتُجبره أن يعود فيفتح السيّارة ويُدير مُحرِّكها ويُحرِّك الدريكسيون يميناً أو يساراً ولو حتى سنتيمتراً واحداً ولكن تحت إشرافك .. أو مثلاً تسأله أسئلةً قصيرةً متلاحِقةً كضابط المباحث: "ح تبات؟" – "ح تتأخّر؟" – "ح تُقعُد قد إيه؟" – "طالِع إمتى؟" – "رايح فين؟" – "طب عند مين؟" – "إنت قريب الباشمهندس ناصر ولّا معرفة الحاج كِرشة؟" – "أغسلها لك؟" (طبعاً لازم تشاوِر ع العربيّة وانت بتسأله السؤال الأخير ده حتى لا يفهمك غلط) – "طب أطوَّقها لك؟" (ما تنساش تشاوِر ع العربيّة برضُه) – "أنت عارف إن الساعة بعشرة جنيه؟" – "طب عندك فِكرة إن كسر الساعة بيتحسب ساعة؟" – "ح تسيب المفاتيح؟" – "هيَّ عربيتك موديل سنة كام؟" – "مش عايز تبيعها؟" – "طب انت عارف إنك لوْ بيّاع فيها أنا عندي الشاري وفلوسه جاهزة ع الترابيزة؟" – "الساعة معاك كام؟" – "مش النهار ده الاربَع؟" – "هوَّ الشهر ده تلاتين ولّا واحد وتلاتين؟" .. وهكذا يجب أن تحُك معاه في أي كلام فاضي وتفتح معاه أي موْضوع تافه حتى تُثبِت وجودك ويعرف أنك عم المنطقة وحاميها.    



(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent