خبر
أخبار ملهلبة

شق الثعبان | أرواح بلا قبور (3)

 

ممرضة محجبة داخل المستشفى ترتدي زي التمريض وكمامة


 شق الثعبان (3)

 

 

وبعد حوالي عاميْن كان "ناجي" قد افتتح محلاً خاصّاً به لصناعة وبيع أعمال الألاباستر بوسط العاصمة فصار في بحبوحةٍ من الرزق ورغدٍ من العيْش وكأنّ الله يكافأه على صنيعه وجميله، وفي ليْلةٍ من الليالي كان "ناجي" يسير في أحد شوارع "القاهرة" المزدحمة فإذا بهاتفه المحمول يعلن عن مكالمةٍ بيْنه وبيْن زوْجته فدار هذا الحديث أثناء سيْره دون توقّف :

- آلو.

- آلو.. أيوه يا "ناجي".. إنت فين ده الوقت؟

- أنا قفلت المحل خلاص ومروّح أهه.

- طب عدّي علينا ف قسم "العجوزة".

- قسم !.. حصل إيه كفى الله الشر؟

- ما تتخضّش قوى كده.. إحنا بخير ما تخافش.

- أمّال إيه اللي ودّاكم القسم؟

- واللهِ ما فيه حاجة.. حصل خير وربّنا ستر.. البِت وهيّ راجعة مع صاحبتها م المجموعة بتاعة الجغرافيا النهار ده العِشا طلع عليهم شويّة شباب صيّع شدّوهم ف توك توك وكانوا ح يخطفوهم لولا ستْر ربّنا.

- طبعاً الناس ف الشارع جريوا وراهم ومسكوهم على طول؟

- لأه.. ف آخر لحظة بنت ف كليّة التمريض من دورهم كده بس اكبر شويّة اسمها "رحمة" شافت اللي حصل وكانت راكبة عربيّة "لانسر" لونها أزرق تركواز.. فيْروزي يعني.. وراحت داخلة ف التوك توك بعربيّتها.. الله يسترها خلت التوك توك يتقلب على جنبه.. قام الناس اتلمّوا ومسكوا العيال الصيّع دول وخلّصوا البنتين من إيديهم وسلّموهم للبوليس.

- والبنتين حصل لهم حاجة؟

- الحمد لله.. شوية كدمات بسيطة.. بس يا عيني طلع على جتّتهم البلا.. تصدّق مخضوضين لغاية ده الوقت؟

- طبعاً.. ربّنا يكون ف عونهم.

- طب ياللا تعالى بسرعة علشان الظابط يخلص الإجراءات ونروّح.

- حاضر.. مسافة السكة على طول.. بس خلّي صاحبة العربيّة دي اللي اسمها "رحمة" تستنّاني لغاية ما اجي علشان أشكرها بنفسي.

- دي يا عيني بعد ما عربيّتها اتبهدلِت خالص جات مع البنتين علشان تهدّيهم وخدِت نمرتي منهم وحكِت لي اللي حصل وطمّنتني عليهم وفضلِت معاهم لغاية ما انا وصلْت وفص ملح وداب هيّ والعربيّة.. حتّى الظابط كان عايز ياخد أقوالها ما عرفش يوصل لها.. والناس كمان بيقولوا إن عربيّتها كانت من غير نمر.

- عموماً ربّنا يجازيها كل خير.. ياللا سلام.. أنا ح اشوف تاكس علشان أوصل بسرعة.  

- خلّي بالك وانت جاي.. لا إله إلّا الله.

- محمّدٌ رسول الله.

وأنهى "ناجي" المكالمة وهو في قمّة الانشغال على ابنته لدرجة أنّه فوجئ بنفسه وهو يمشي في وسط الشارع دون أن يشعر، وفي اللحظة التي قرّر فيها أن يعبر للجانب الآخر لم ير حافلةً كبيرةً (اوتوبيس) مسرعةً كادت تدهسه إلا أنه في الوقت المناسب أحس بقوٍّة هائلة تمسكه من خصره وتحمله حملاً لتلقيه أرضاً بعيداً عن طريق الحافلة وتوقّفت الحافلة بسرعة بعد أن داس السائق على المكابح (الفرامل) باقصى عزمٍ لديه فصرخت المكابح محدِثة صوت صريرٍ عالٍ ونظر "ناجي" حوْله باحثاً عن الشخص الذي شدّه وأنقذه فلم يرَ حوْله أحد ثمّ أحس وهو ملقى على الأرض ببللٍ على كم قميصه الأيسر فوجد بقعة دم فكشف عن ذراعه فوجدها سليمة دون جروح وتفحّص نفسه فلم يجد جروحا تنزف دماً لكنّه لمح بركةً صغيرةً من الدماء على الأرض بجوار المكان الذي أوقعته فيه اليد الخفيّة وعندما تتبّع مصدرها وجدها تأتي من تحت الحافلة فظنّ أن الحافلة قد صدمت شخصاً أو حيواناً بعد أن تفادته فنظر هو وسائق الحافلة وبعض المارّة الذين تجمّعوا على صوت المكابح فلم يجدوا شيئاً تحت الحافلة غير كيسٍ بلاستيكي.

وعندما انصرف الناس لحال سبيلهم ومضت الحافلة في طريقها لمح "ناجي" هذا الكيس البلاستيكي بطرف عيْنه وهو يطير في الهواء بتأثير دفع الرياح واندفاع عادم الحافلة متّخذاً طريقه عالياً نحو السماء فلفت نظره شيئاً عجيباً فقد كان الكيس ذو لوْنٍ أزرقٍ فيروزي كما كُتِب عليه اسم أحد المحلّات التجاريّة: "رحمة". 



(تمّت)           

google-playkhamsatmostaqltradent