خبر
أخبار ملهلبة

الفصل العاشر والأخير (1) | نهاية العالم


جسم لامع كالقمر أو النجم يظهر في فضاء السماء المظلمة خارج غلاف الكرة الأرضية

الفصل العاشر والأخير
السبت 10 / 10 / 2020
اليوم نهاية العالم
(1)

 

 

لم يتجاسر النعاس أن يتسلّل لعيون الناس كما نجح الخوف والذعر في اقتحام قلوبهم فجافاهم النوْم وأصبحوا يوْمهم ساهرين عاكفين على الصلاة والتسبيح حتّى انبلجت الشمس وسارت على أوّل طريقها نحو كبد السماء، وتجمّع "باسم" وزوْجته "أسماء" وأخته "نشوى" وأيْقظوا الطِفليْن واتجهوا جميعاً نحو سطح العمارة التي يقع بها منزلهم فوجدوا أغلب جيرانهم قد تجمّعوا مثلهم وشاهدوا أسطح باقي البنايات المجاورة وقد تكدّست بساكنيها كما اكتظّت الشوارع والميادين الفسيحة بالناس من كل حدبٍ وصوْب تلبيةً لما طلبه شيخ الأزهر من حشد الناس جميعاً في الأماكن العامّة وعدم انزوائهم بمفردهم في بيوتهم من أجل أن يتوجّهوا كافّةً لله تعالى بالدعاء له أن يرحمهم ويحسن خاتمتهم فلا عاصم اليوْم من أمر الله؛ يوْم لا تُظلَم نفسٌ شيْئاً ولا يجزوْن إلّا ما كانوا يعملون.

وانتشرت مكبّرات الصوْت والمجاهير التي أذاعت الدعوات والتضرّعات بصوْت شيخ الأزهر وردّد الناس وراءه وسط بكائهم وانهمار دموع التوبة تكفيراً عن أفعالهم التي حادّوا بها الله ورسوله ثمّ تابوا عنها، واحتضن كل ربّ أسرةٍ وراعيها أفراد أسرته وهم يبتهلون إلى الله خوْفاً وطمعاً وقد اختلطت دموعهم معاً في ساعة صدقٍ مع الله وفي لحظة وداعهم لبعضهم وسط كلمات الفراق الحزينة التي دفعتهم جميعاً للإجهاش بالبكاء في حالة هيستيريا جماعيّة أصابت كلّ الناس.

وبعد ساعات على هذه الحال وقبل الموعد المحدّد لنهاية العالم بنصف الساعة فوجئ الناس بالمذنّب "الماحق" وهو يدنو من الأرض وبدأوا يسمعون صوتاً غريباً يأتي منه لا يستطيعون وصفه لكوْنه بين أزيز غليان الماء وهزيز الرياح تتراوح شدّته بين الارتفاع والانخفاض فيمور حيناً ويهدأ حيناً آخر ولكن حدّته تزيد باطِّراد كلما زاد حجمه واقترب من الأرض، واستمرّ المذنّب في الاقتراب وقد صار يشغل مساحةً كبيرة من السماء ثمّ مرّ بين الشمس والأرض فحجب ضوء الأولى عن الثانية وبدأ غلاف "المهلِك" بأغبرته وأتربته وغازاته يفرش بظلاله على الأرض شيْئاً فشيْئاً ممّا سبّب إظلام الأرض جزءاً تِلو الآخر حتّى اختفت الشمس تماماً وأظلمت السماء وخلت ممّا يضيئها عدا البريق الذي يبعثه قلب نواة "المميت" فيقذف الرعب في قلوب الناس أكثر، واستحال النهار المنير إلى ليْلٍ حالك شديد السواد وانقطعت الكهرباء أيْضاً في الشوارع والمنازل فزاد الطين بِلّة وحانت لحظة النهاية التي ترقّبها الناس فودّع كل شخصٍ ذويه وعانقهم وطلب منهم المسامحة وهو يذرف الدموع الغزيرة، ثم عاد الضوء رويْداً رويْداً ورأى الناس لهيباً يحيط بالسماء من كل جانب بعد أن لامس "الماحق" الغلاف الجوّي لكوْكب الأرض وارتفعت حرارة الجو فتصبّب العرق من الناس من شدّة الحر ومن فرط خوْفهم، وبعد أن اقترب اللهيب بحيث لم يستطع الناس إلا أن يغلقوا أعينهم وينحنوا فوْق أولادهم وأهليهم وكأنّهم يحمونهم ممّا قد يحيق بهم فإذا باللهيب يبدأ في الابتعاد شيئاً فشيئاً وعادت حرارة الجو لطبيعتها وانقشع ظل غلاف المذنّب ورجعت الشمس للبزوغ مرّة أخرى فغمرت الأرض بسناها الدافئ وهبّت نسمات الهواء على الناس فتنسّموها وكأنهم قد عادوا للحياة من جديد، وساد السكون دقائق وتلفّت الناس لبعضهم البعض في ذهول غير مصدّقين بجلاء المذنّب عن الأرض في اللحظة الأخيرة، وما إن تأكّدوا بزوال الغُمّة وذهاب الخطر حتّى بدأوا في الصراخ والصياح والبكاء والتقافز بجنون فرحاً بنجاتهم ونجاة من يحبّون واحتضنوا بعضهم وتبادلوا التهاني والتباريك، ثمّ عاد التيار الكهربي فأسرع الناس- ومنهم "باسم" وأسرته – في التفرّق والرجوع لمنازلهم لمعرفة الأخبار والإلمام بسبب ما حدث فعرفوا أنّ تغيّراً آخراً غير مبرَّر كان قد طرأ على مسار المذنّب فابتعد تماماً وتجاوز عن الكرة الأرضية بعد أن اقترب منها حوالي ثمانون كيلو متراً فقط قبل أن يخترق الطبقة الوسطى للغلاف الجوّي للأرض (الميزوسفير) وقد فسّر بعض العلماء هذا التغيّر في عجالةٍ بأنه ربّما كان بسبب قوّة التنافر المغناطيسي بين المذنّب والكرة الأرضيّة حيث أن مجالهما المغناطيسي أحادي القطب أي أنهما من نفس الشحنة المغناطيسيّة لأنهما يحتويان على نسبة متقاربة من الرواسب الحديديّة بتربتهما أو ربّما بسبب تغيير في الغلاف المغناطيسي للمذنّب بسبب الرياح الشمسيّة ممّا أنشأ قوّة كهربيّة محرِّكة دفعت المذنّب بعيداً عن كوْكب الأرض وهو ما يسمّى قوّة عزم المغناطيسيّة المعاكسة حسب نظريّة الحث المغناطيسي للعالِم الألماني "هنريش لينز" المطوِّر لقانون الحث للفيزيائي الإنجليزي "مايكل فاراداي" بشأن المجال الكهرومغناطيسي.

أيّاً ما كان السبب فقد سجد الناس شكراً لله وحمداً له على سلامتهم وبدأوا يتحادثون عن ردّة فعلهم إزاء ما حدث مباشرةً أو عبر الهاتف أو من خلال الفيس بوك، ولم يكن "باسم" غير واحدٍ من هؤلاء الناس فقد تناول هاتفه المحمول وشرع في الإتّصال بأقاربه ومعارفه إلّا أنّ زوْجته "أسماء" لم تمهله فقد هاجمتها آلامٌ شديدةٌ تنذر بولادةٍ مبكّرة فهُرِع "باسم" مع أخته "نشوى" في اصطحابها للمستشفى تاركين الطفليْن بالمنزل بعد أن تعاهدا على الهدوء إلى أن يعود أبيهم، وركب الثلاثة السيّارة بعد أن وضع "باسم" حقيبة زوجته التي تحوي متعلّقاتها الخاصّة بالولادة والتي كانت قد أعدّتها سابقاً، وانطلقوا للمشفى حيث استقبلها طبيبها وفحصها وأمر الممرّضة بأن تصرفها إلى حجرةٍ خاصّة للإقامة بها ثمّ خرج ليبلغ زوْجها بأنّه قد يجري له عمليّةً قيصريّةً عاجلة بسبب تعرّضها في الأيّام السابقة لمجهود بدني وعصبي أثّر على حالتها الصحيّة ولكنّه يفضّل ألّا يفعل الآن نظراً لعدم اكتمال نمو الجنين وأنّه أعطاها بعض المسكّنات والمهدّئات وسيضعها تحت الملاحظة في الأربع والعشرين ساعةٍ المقبلة، وتفهّم "باسم" الأمر وذهب مع "نشوى" لغرفة "أسماء" للإطمئنان عليها وعاجلها بقوله مازحاً:

- كده يا "أسماء".. ده وقته برضه.. يعني احنا ما صدّقنا نخلص من أم "الماحي" ده.. تطلعي لنا انتي كمان.. طب كنتي استنّي شويّة لمّا نفرح لنا يومين.

- إن شاء الله تبقى الفرحة فرحتين.

- إن شاء الله.

- روّح انت علشان ما تسيبش العيال لوحدهم.. أنا لسّه موّالي طويل.. يا عالم ح اولِد إمتى.

- لأ طبعاً.. أسيبِك لوحدِك إزّاي؟

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent