خبر
أخبار ملهلبة

قصة وسيناريو وحوار فيلم "ريَش" | النسخة الإعلامية الرسمية لفيلم "ريش" (2)


سيدة مصرية تعمل جزارة وبقرة فريزيان



المشهد 1 --- ليل خارجي:

تبدأ الكاميرا في تصوير كادر بعيد لقهوة "هابي تايم" ثم تقترب شيْئاً فشيْئاً من داخل المقهى وتركّز على الشاشة الكبيرة المثبّتة على الحائط فيظهر السيّد الرئيس بين وزرائه ومساعديه أثناء افتتاح خط إنتاج "العسليّة" ضمن خطّة الدوْلة الطموحة لتطوير المصنع النووي الحديث لإنتاج "اللبان الدكر والندّاغة" بعد أن بدأ المصنع إنتاجه في الستينات بخط تعبئة وتغليف صغير لـ"لبان المستيكة الطري" الذي سرعان ما اشتد عوده وناله جزءاً يسيراً من التطوير الشامل الذي تنتهجه الحكومة مؤخّراً على جميع الأصعدة فصار "دكراً" كامل المواصفات فزاد الطلب عليه وبدأ تصديره للخارج تحت الاسم التجاري "The Masculine Gum" .. ويعلو صوت الإعلامي الموضوعي المحايد "موسى" فيطغى على الأصوات الصاخبة للشارع ولمرتادي المقهى فيجلجل مسرسعاً: "زي ما انتم شايفين أهه .. كل يوم مصر بتشهد مشروع جديد بيستوْعب العديد من العِمالة وبيدخّل للبلاد عملة صعبة وبيزوّد رفاهية الشعب ورخاءه أكتر واكتر .. وده أبلغ رد على الخوَنة ولاد الكلب اللي هاجموا الريّس على بيع شركة الحديد والصلب .. صحيح مصنع الحديد اتقفل بالضبّة والمفتاح الأسبوع اللي فات .. بس افتتحنا قصاده عشرات المصانع .. مشاريع بالهبل أقيمت أو اتطوّرت الأسبوع ده غير المشروع اللي قدّامكم ده .. خد عندك يا سيدي: المجمع الصناعي العملاق اللي بيضم مصانع "غزل البنات" و"حلاوة المولد" و"براغيت السِت" و"حلاوة الدقيق" اللي هيَّ "سَد الحنك" يعني .. ده غير مصنع "الحلاوة العكسيّة" اللي بيُعتبَر المصنع الوحيد ف العالم اللي لأوّل مرّة في تاريخ البشريّة بينتج سلعتين عكس بعض وفي منتهى الجوْدة والتقدّم اللي هُمّا "حلاوة الشعر" (Hair Sweet) و"حلاوة إزالة الشعر" (Easy Sweet) .. وعندك كمان يا سيدى الشركة الدوْليّة للصناعات الثقيلة اللي بتصدّر لدول أفريقيا أكتر من 720 مليون بِنسة شعر ف السنة وإن شاء الله ح يطولها التطوير برضه وح تبدأ بعد حوالي سنتين في إنتاج جميع أنواع التوَك .. التوكة المشبك والتوكة المشط والتوكة الكلبس والتوكة الفيونكة و .. و .. و .. ما تعدّش بقى .. وفيه كمان يا سيدي المصنع العالمي الحديث لتصنيع وحياكة "الكلوتات" اللي افتتحناه برضه الأسبوع ده بطاقة إنتاج إجماليّة فوق التُلْتميت ألف كلوت في الشهر الواحد .. أهو ده مصنع واحد بس لكن ح يحقّق الاكتفاء الذاتي للمصريين في هذه السلعة الاستراتيجيّة .. وح يوفّر علينا ملايين الدولارات اللي كنا بنصرفها ف استيراد البدائل من بلاد برّه .. يعني الحمد لله راسنا  .. إيوه راسنا .. راسنا اتساوت براس أعرق الدول الأجنبيّة .. والحمد لله كلوتاتنا لا تقل أبداً عن كلوتاتهم في أي شيء بل يمكن أحسن وأشيك كمان .. ده غير مصنع القروانات والجرادل البلاستيك ومصنع القباقيب الخشب المطعّمة بسيور الجلد ومصنع تعبئة وتجميد البساريا والبلاميطة منزوعة البطاريخ ومصنع لوازم السيّارات المتخصّص في صناعة سلاسل ودلّايات الخرزة الزرقا اللي ما فيش عربيّة فيكي يا "مصر" مش حاطّاها ف المراية .. أهو إنتاج المصنع ده لوحده متباع مقدّماً بعقود موثّقة لمدّة خمس سنين قُدّام ف عين العدو .. ح اقول إيه ولّا إيه .. أنا ممكن اقعد اتكلّم في الإنجازات دي شهور وسنين .. بس اللي ما يشوفش م الغربال يبقى اعمى .. واللي مش بيـــ........"

وينخفض صوت ذلك المذيع المحبوب تدريجيّاً مع ابتعاد الكاميرا عن الشاشة (زووم آوت) وانتقال الكادر ثم اقترابها (زووم إن) من "بهجت" الذي يجلس إلى أحد المناضد مرتدياً بذلةً عصريّةً سوْداء وقميصاً أبيض ورباط عنقٍ رمادي وممسكاً بتليفونه (الآي فون 12 بروماكس) وهو يتكلّم من خلاله لزوجته قائلاً:

-       أيوه يا "فرحانة" قلت لِك ما تقلقيش .. ح اعدّي ع الساحر أجيبه معايا وانا جاي .. ميعادي معاه بعد ربع ساعة .. طبعاً جِبت باقي الحاجات .. بس التورَت والجاتوهات جات ولّا لسّه؟ .. والساليزون والنواشف؟ .. طب تمام .. حاضر .. حاضر .. خلاص ماشي .. سلام .. سلام .. سلام بقى .. لا إله إلّا الله.

وبعد انتهاء المكالمة صاح "بهجت" على القهوجي ودار بينهما هذ الحوار:

-       يا "إسلام" .. تعالى حاسبني.

-       ما بدري يا أستاذ "بهجت"؟

-       بدري من عمرك يا "سُلُم" .. يا دوبك ألحق اروح عيد ميلاد بنتي.

-       مين؟ .. "جودي" ولّا "جيرمين"؟

-       لأ .. دي الصغيّرة "جولي" .. ح تكمّل سنتين النهار ده.

-       كل سنة وهيَّ طيّبة .. وربّنا يفرّحك بيهم ويقوّيك عليهم.

-       واللهِ يا "إسلام" ربنا يعلم قد إيه الواحد بيشقى وبيتعب عشانهم .. ده انا طول اليوم من 9 الصُبح لـ 3 العصر ما باونّش كَنْس ف الشارع وشيل زبالة من كل حتّة .. وف آخر الشهر باقبض م الحي اتنين وعشرين ألف جنيه .. يعملوا إيه دول ف الزمن ده؟ .. ده انا بقى لي تلات سنين مش عارف اغيّر عربيتي "الأوبل أسترا" الكحيانة.

-       ربنا يكون ف عونك يا "بهجت" بيه.

-       دي سُنّة الحيا يا "إسلام" بكره تتجوّز وتعرف .. إلّا بصحيح ح تتجوّز إمتى يا ابني؟ .. ده انت بقى لك سبع شهور خاطب.

-       هانت واللهِ يا باشا .. المحافظة ادتني شقة متشطّبة لوكس ع المفتاح بالقِسط تلات مطارح .. فاضل لي بس تركيب الباركيه ف الصالة .. أصل العروسة يا سيدي مش عاجبها البورسلين.

-       يا سيدي وفّر فلوسك وقضّيها بأي حاجة .. ده انت لسه عليك هَم ما يتلَم .. إنت ناسي تكاليف الفرح في "الشيراتون" والهاني موون في الكاريبي؟ .. خد بالك الدوْلة مش ح تتحمّل غير 70% بس وح تدفع انت الباقي.

-       ربّنا ح يسهّلها إن شاء الله.

-       ها؟ .. حسابك كام؟

-       حضرتك أخدت حجر تومباك فراولة وشربت سموثي بلو بيري .. يبقى كله تلاتاشر جنيه.

-       ماشي يا عم .. خد تلاتين أهم .. وخلّي الباقي عشانك.

-       حبيبي يا "بهجت" باشا.

وانصرف "بهجت" مستقلّاً سيارته والكاميرا تتابعه من بعيد لتبدأ الموسيقى وتنزل عناوين وتترات بداية الفيلم.

المشهد 2 --- ليل خارجي:

"بهجت" يقود سيّارته مسرعاً ليلحق بالحفل وبجواره الساحر "جلاجولا" الذي يسعل بشدّة ويبصق في منديله بعد أن يتنخّم من أنفه بصوتٍ عالٍ مقزّز لم يقطعه إلّا صوت سارينة سيّارة "مرسيدس" تابعة لشرطة المرور يقترب ضابطها من سيّارة "بهجت" ويصيح فيه من ميكروفون السيّارة أن "قِف"! .. فيركن "بهجت" السيّارة على جانب الطريق الواسع (أبو خمس حارات) ويترجّل الضابط من سيّارته ويسير ببطء حتى يقف بجوار نافذة سيّارة "بهجت" ويبدأ في محادثته:

-       مساء الخير يا فندم.

-       مساء النور يا حضرة الظابط.

-       ممكن الرُخّص سعادتك.

-       اتفضّل.

-       أنا متأسّف لحضرتك يا أستاذ "بهجت" بس مضطر أسجّل على سيادتك مخالفة سرعة.

-       ليه؟ .. أنا كنت ماشي على كام؟

-       الرادار سجّل 61 كيلومتر ف الساعة.

-       يعني هيَّ جات على كيلو زيادة؟

-       معلهش يا فندم .. ده قانون ما اقدرش ما اطبّقوش .. مكتوب ف الرخصة إن سيادتك عامل نضافة بالمجلس المحلّي هنا ف قرية "كفر السعادة" .. يعني موظّف زيّي وانت سيد العارفين.

-       "إنت" .. حضرتك كظابط بتقول لي أنا كمواطن "إنت"!!!؟

-       قصدي "سيادتك" .. معلهش زلّة لسان .. سامحني.

-       ما هي كلمة "معلهش" دي اللي كانت مودّيانا زمان ف ستين داهية .. لو سمحت طلّع لي كارنيهك علشان ح اصوّره .. ما تزعلش بقى لمّا أقدّم ضد حضرتك شكوى ف "وزارة الداخليّة" بسبب سوء معاملتك للمواطنين ومخاطبتهم بدون احترام.

-       يا فندم ما تكبّرش الموضوع .. قلت لك .. قصدي قلت لحضرتك إنها زلّة لسان.

-       (بصوتٍ عالٍ) كارنيه حضرتك لو سمحت.

-       حاضر يا فندم إتفضّل أهو .. وانا آسف لحضرتك مرّة تانية.

-       (وهو يتناول بطاقة تحقيق شخصيّة الضابط بغضب ويشيح بوجهه عنه مشرعاً في تصوير البطاقة) .. أنا اللي آسف بس حضرتك غلطت ف حقّي .. إذا كنت انا غلطت وتجاوزت السرعة فده مش معناه أبداً إن حضرتك تهينّي كمواطن مصري وتقول لي "إنت" .. الكلام ده كان زمان قبل ما الريّس ييجي .. إحنا ما صدّقنا إن الريّس عمل لأفراد الشعب قيمة وكرامة .. إتفضّل كارنيهك أهو.

-       وحضرتك اتفضّل الرخصة أهِه .. أنا خلاص سجّلت المخالفة .. ممكن حضرتك تدفعها من بُكره أو ساعة التجديد السنوي للرخصة .. وباعتذر لك مرّة أخيرة .. ولو سمحت سوق بالراحة شويّة .. ربّنا يسلّم طريقك .. آآآآآ .. طريق سيادتك.

-       حاضر .. سلام.    

المشهد 3 --- ليل داخلي:

وفي منزل أسرته دخل "بهجت"(وهو ممسكٌ ببعض الحقائب البلاستيكيّة) من البوّابة الحديديّة وتبعه الساحر حاملاً جرابه السحري الكبير .. وبعد أن قطعا الحديقة الأماميّة للفيلّا الصغيرة التفّا حول المنزل ليصلا إلى الباحة الخلفيّة فوجدا أفراد الأسرة والأقارب والأصدقاء وباقي المدعوين يجلسون حول حمّام السباحة يتسامرون في صخبٍ وسعادة وهم يرتدون أشيك البذلات وأفخر الفساتين السواريه وقد أصبحت هي الملابس الرسميّة لكل المصريين (في تقليدٍ مماثل لما يرتديه الفنّانون في المهرجانات السينمائيّة المحليّة .. ولا غرو في ذلك فالفنّان مرآة المجتمع) .. وما إن شاهد الأطفال الساحر "جلاجولا" بلباسه المعروف وقبّعته الشهيرة وجرابه المسحور حتى صاحوا في فرحٍ ومرح واندفعوا يستقبلونه ليسلّموا عليه ويحيّوه .. وبعد فترةٍ من الفوْضى الطفوليّة استطاع "جلاجولا" السيْطرة على الصغار وأجلسهم أمامه في صفوفٍ منتظمة وشرع في ممارسة ألعابه السحريّة وحيَله الماكرة وسط انبهار الناس وتصفيقهم عقب كل خدعة .. وبعد حوالي الساعة التقط "جلاجولا" أنفاسه المتلاحقة المتقطّعة ثم قال وهو يسعل بشدّة:

كح كح كح .. جينا بقى لأخطر لعبة سحريّة ممكن تشوفوها ف حياتكم .. كح كح .. ارجع يا حبيبي مكانك .. اقعدي يا شاطرة .. كح كح كح كح .. مش ح اعمل حاجة إلّا لمّا كلّه يسكت ويركّز معايا .. ها .. ها .. أيوَة كده .. عايز حَد يجي لي هنا .. لأ لأ .. حَد كبير .. تعالي يا مدام .. ما تخافيش .. خلاص بلاش .. طب تعالى انت يا .. كح كح .. يا أستاذ "بهجت" .. اتفضل هنا .. لو سمحت اقف ورا الستارة دي علشان ما حدّش يشوفك .. أيوَة كده .. تمام .. ما تطلّعش صوت بقى .. بصّوا يا ولاد: أنا ح امسك عصايتي السحريّة واشاوِر بيها ناحية الستارة اللي مستخبّي وراها أستاذ "بهجت" وأوّل ما ح اقول جلا جلا تلات مرّات الأستاذ "بهجت" ح يتحوّل لحيوان .. أي حيوان تختاروه .. ها .. تحبّوا أحوّله أسد؟ .. هههههه .. صح .. طبعاً ما ينفعش .. الأسد ممكن ياكلنا .. طب إيه؟ .. قولي انتي يا قمّورة .. علّي صوتِك .. بتقولي إيه؟ .. فرخة؟ .. شكلِك جعانة .. ههههه .. أحوّله فيل؟ .. يا خبر .. لأ نقّوا حيوان أصغر شويّة .. أرنب؟ .. مش صغيّر قوي كده .. ده ح يجري منّا ومش ح نعرف نمسكه .. ههه .. خلاص ح احوّله لبقرة .. مين عارف البقرة بتعمل إزاي؟ .. برافو عليك .. مووو .. مووووو .. ههههه .. كح كح .. خلاص يلّا بينا .. جلا جلا .. قولوا معايا .. جلا جلا .. بصوت عالي .. جلا جلا .. ح اشيل .. كح كح كح كح كح كح .. الستارة .. ها .. ركّزوا قوي.

وأزاح "جلاجولا" الستار ببطء (ينم عن ضعفٍ حلَّ به بعد ساعةٍ من العمل المتواصل والصياح بأعلى صوته) ليُظهِر ما وراءه .. وساد الصمت والوجوم مرتادي هذا الحفل البهيج وارتسمت علامات الدهشة والصدمة على وجوههم جميعاً بعد أن شاهدوا بقرةً تقف في سكون مكان "بهجت" الذي اختفى تماماً .. وبعد لحظاتٍ مرّت كدقائق بدأ البعض في التصفيق بقوّة وتبعهم الباقون فانحنى أمامهم "جلاجولا" في تباهٍ واختيال وهو يعاود السعال .. وفجأة انتصب "جلاجولا" وقد ظهرت على قسمات وجهه أمارات الألم والمعاناة ثم وضع يده اليمنى على صدره وأخذ يقبض بقوّة على ما فوق قلبه وهو يئِن من شدّة التوجّع ثم سقط على الأرض دون حراك وقد شحب وجهه تماماً وتوقّف عن السعال والتنفّس حتّى تحوّلت شفتاه للوْن الأزرق الداكن .. فالتف حوْله الحاضرون لاستطلاع ما ألَمَّ بالرجل محاولين إفاقته بشتى الطرق حتّى اندفعت نحوه إحدى الحاضرات (وقد كانت ممرّضة) وجثت على ركبتيْها ومالت فوق صدره وأصاخت طويلاً فلم تسمع دقّات قلبه ووضعت يدها أمام فمه ومنخاره فلم تشعر بلفحات أنفاسه ثم وضعت أناملها فوق رقبته وتحسّست برهةً فلم تتبيّن نبضات وَدَجيْه (عرقيْه أو شريانيْه اللذيْن يمرّان بالعنق في طريقهما من القلب للمخ) فأُسقط في يدها ولم تجد بُدّاً من إعلان وفاته وسط ذهول الرجال وبكاء النساء وصراخ الأطفال الذين انتحبوا بشِدّة بعد أن أثّرت فيهم بعمق تلك المأساة المروّعة.

وحضرت عربة الإسعاف وهي تصرخ بسارينتها المزعجة بعد سبع دقائقٍ كاملة وجاز المسعفون بين الحاضرين الذين كانوا في منتهى الغضب والسخط بسبب تأخّر الإسعاف كل هذا الوقت الطويل وتذكّروا الماضي القبيح الدميم (قبل تكليف الشعب لسيادة الرئيس بمهمّة إنقاذ البلاد وتحويل مسارها إلى طريق الإنجازات والتقدّم والإنسانيّة) عندما كانت عربات الإسعاف أو المطافئ أو النجدة تستغرق وقتاً طويلاً في الحضور أو كانت لا تأتي من الأساس في تهاونٍ وإهمالٍ واضح لقيمة الإنسان المصري وفي تراخٍ وتقاعسٍ فاضح عن تأدية واجباتها (الله لا يرجعها أيّام .. ويديم علينا نِعمة الرئيس الحالي .. قادر يا كريم) .. وبعد تأكّدهم من مفارقته للحياة وضع المسعفون الميّت في حقيبةٍ سوداءٍ طويلة وحملوه للسيّارة ورحلوا .. وظلَّ الناس على هيئتهم ما بين حزينٍ وباكٍ ولم يفيقوا إلّا على صوت البقرة المشؤومة وهي تصيح: "موو مووووو" .. فتذكّر الجمْع ما كان من أمر "بهجت" .. وانطلقت "فرحانة" إلى البقرة (التي كانت تطرق برأسها للأرض وتمضغ بعضاً من الحشائش التي انتزعتها بأسنانها من أرضيّة الحديقة) وبكت طويلاً وهي في حيرةٍ من أمرها لا تدري كيف تتصرّف حيال زوجها المتحوّل .. وتحلّق (وقفوا في حلقةٍ دائريّة) الضيوف حوْل "فرحانة" لمواساتها في مصيبتها ومشاركتها بأفكارهم في طرح الحلول لتحويل البقرة مرةً أخرى وإعادة "بهجت" إلى صورته الأولى .. وتطوّع البعض وساقوا البقرة وحشروها وراء الستار وشدّوه عليها وردّدوا: "جلا جلا .. جلا جلا .. جلا جلا" ثم كشفوا عنها الستار وقد تعلّقوا بالأمل الواهي فوجدوها تنظر لهم ببلاهةٍ وعدم اكتراث .. وكرّروا تلك المحاولة اليائسة عدّة مرّاتٍ فلم يجِد جديد .. وأخيراً انصرف الناس بعد أن اتفقوا على إحضار ساحرٍ آخر لإصلاح ما أفسده "جلاجولا" رحمه الله وسامحه.

عزيزي القارئ:

تأسيساً على مبدأ "شوّق ولا تدوّق" وتلافياً لحرق أحداث الفيلم فأنا مضطر أن أكتفي بهذا الجزء من القصّة والسيناريو والحوار للفيلم العبقري الواعد المتفرّد بذاته (حيث أنني لم ألطش قصته أبداً من الفيلم الخائن "ريش" أو أقتبس منه أي شيء .. حاشا وماشا وفضيحة الجلّاشة) .. وقبل أن أمشي وحضرتك حيحان ونِفسك تعرف بقية هذه الرواية العظيمة التي لم يبدعها من قبل أي كاتب من كُتّاب الخيال العلمي ولكي لا أشعر بالذنب تجاهك بعد تركك على نار تهري وتنكُت ف نفسك فسأوجز لك باقي القصّة في عُجالة سريعة وآهو كلّه بثوابه:

تتصل "فرحانة" بأخيها "سعيد" لكي يقف بجانبها في محنتها فيحضر سريعاً ومعه ساحرٌ حاذق يعجز هو أيْضاً عن استعادة "بهجت" من جديد .. ثم يتناوب العديد من السحرة والمشعوذين على البقرة (التي أدخلتها "فرحانة" داخل الفيلا لتعيش مع الأسرة باعتبارها النُسخة الحلوب من "بهجت") ولكنهم يرحلون وهم يجرّون وراءهم أذيال خيْبة فشلهم الذريع .. ويبقى الحال على ما هو عليه لمدة شهرٍ كامل .. وتقارب المدخرات التي تركها "بهجت" لزوجته في المنزل على النفاذ ولم يتبقَّ غير وديعةٍ (بمليون ونصف المليون جنيه) كان يدخرها الرجل لأسرته كأي أبٍ مصري يدخّر بضعة آلافٍ من راتبه كل شهر ويجنّبها في رصيده بالبنك احتراساً من تصاريف القدر  .. فتضطر "فرحانة" للخروج للعمل لتعوّض غياب الزوج وتنفق على بناتها وعلى زوجها البقرة (اللي طول اليوم عمّالة تحش ف برسيم وتاكل تبن بالمايونيز وشعير بالكاتشاب ودرة عويجة بالخلطة السريّة ثم تزرب بعد ساعات كل هذه الكميّات في أنحاءٍ متفرّقة من المنزل) بعد أن يجد لها أخوها "سعيد" عملاً متواضعاً لدى الجزّار الذي يعمل عنده نظير مرتّبٍ شهري ضئيل لا يتعدّى الخمسة عشر ألف جنيه بالإضافة إلى منحها كيلو جرام من الريَش البتلّو أو العجّالي أو الضاني مجاناً كل يوم .. واضطرّت "فرحانة" إلى ضغط مصروفاتها وإلغاء اشتراك الجيم والنادي والاكتفاء بالتصييف والرحلات داخل "مصر" (الجونة وشرم الشيخ وسهل حشيش ومارينا) والإقامة بفنادق أربع نجوم فقط والرضا بما قسمه الله لها من ركوب نفس السيّارة القديمة موديل 2018 التي تركها لها الزوج وتفويلها ببنزين 92 بدلاً من 95 وكذلك الاستغناء عن بعض السلع الغذائيّة الجوهريّة الموجودة في كل البيوت المصريّة كالسيمون فيميه والتشيكين آلا جريك والاستاكوزا والجمبري الجامبو وبطارخ "ستروتارجا بيانكو" والمكسّرات الأمريكيّة وقهوة "الفنكا إل انجريتو" وحليب "ناكازاوا" وعسل الـ"مانوكا" وحلوى المووس وشيكولاته "تواك" وغيرها من الأطعمة التي يعيش عليها المصريّون البسطاء (بس مش فقراء طبعاً) .. وأجبرتها الظروف القاسية الجديدة على الاكتفاء بباقي أنواع الطعام الرخيصة الأخرى كاللحوم والأسماك والدواجن والخضروات العضوية والفاكهة المستوردة .. ولأنها تُصرَف لها مجّاناً كل يوم فقد ظلَّت "الريَش" هي الطبق المشترك في كل الوجبات اليوميّة ممّا جعل البنات يمللن منها ويتهرّبن من تناولها رغم أن أمّهن كانت تنوّع في طرق تقديمها: فتارةً تشوي هذه "الريّش" على الفحم وتارةً أخري تطهيها في صينيّة مع البطاطس وتارةً ثالثة تقدّمها مسلوقة مع بعض الثريد (الفتّة) وأحياناً كثيرة تسلقها (تعملها مسلوقة) أو تبنّيها (تعملها بانيه) أو تبكّتها (تعملها بيكاتا) أو تأستكها (تعملها ستيك) أو تِخليها من العظم تماماً وتبفتكها (تعملها بفتيك) .. والنتيجة أن كل أفراد الأسرة أصبح لديهن ما يُعرف في "مصر" بـ"هاجس الريَش" وهو مرض نفسي معروف يسببّه الإكثار من أكل الريَش (أرخص أنواع اللحوم) ويصيب أقل طبقات الشعب المصري (اللي هيَّ الطبقة الغنيّة) ويندر وجوده بين الطبقات الأخرى (اللي هيَّ الغنيّة جداً والمليونيرات والمليارديرات) .. (ما احنا اتفقنا خلاص إنه حالياً ما فيش طبقات اسمها طبقة متوسّطة أو طبقة فقيرة خلاص .. ده كان زمان) .. وهكذا تعاني "فرحانة" الأمرّيْن في رعايتها لأسرتها (بناتها التلاتة وجوزها البقرة) .. حتّى تحدث المعجزة الصادمة التي لا يتوقّعها أحد .. يا ترى إيه هيَّ المعجزة دي وبتحصل إزّاي؟ .. ده اللي ح تعرفه وتشوفه لمّا ننتهي من إنتاج الفيلم وينزل سوق صناعة السينما ويتعرض في جميع دور العرص.

google-playkhamsatmostaqltradent