خبر
أخبار ملهلبة

الزيارة المنزلية: تأديب (للطبيب) وتكفير (لذنوبه) وإصلاح (لأخلاقه) | سر المهنة للأطباء فقط



الزيارة المنزلية



في هذا المقال من سلسلة مقالات "جعلوني طبيباً" أستعرض معكم النشرة الداخلية للـ"زيارة المنزليّة" وعلى غير الأطباء الامتناع عن القراءة حتى لا يكتشفوا سر المهنة:

التعريف:

هي نشاطٌ استثنائي للطبيب يقوم فيه بالكشف الطبي على المريض في منزله مستخدماً أدوات الكشف التي يصحبها معه في شنطةٍ متوسّطة الحجم يعتقد أهل المريض أنها شنطةٌ سحريّةٌ لا تضم الترمومتر والسمّاعة وجهاز الضغط وجهاز تحليل السكر وبعض الأدوية الطارئة فقط بل يؤمنون بأنها عيادةٌ متنقلّةٌ كاملة لا ينقصها سوى المكتب والكراسي وسرير الكشف (وهو ما يتوافر لديهم بالمنزل) وبالتالي فهم يعتبرون أن عدم وجود جهاز رسم القلب وجهاز السونار وجهاز الأشعة وأنبوبة الأكسجين والممرّضة في الشنطة هو تقصيرٌ منك كطبيب بسبب الكسل أو اللا مبالاة أو الاستهتار بحياة المريض.

المكوّنات:

بخلاف حتميّة تواجد الطبيب وشنطته العجيبة يجب أن يكون الطبيب بصحّةٍ جيّدة ليستطيع أن يتحمّل صعود السلالم التي لا يعلم عددها سوى الله، وأن يتمتّع بعضلات سيقانٍ قويّة ليجاري الهرولة خلف أهل المريض الذين يودّون (لولا الملامة) أن يسحلوه وراءهم (كالحاج "محمد أبو سويلم" في فيلم "الأرض") بحجّة أن المريض تعبان ولازم نلحقه قوام، وكذلك على الطبيب أن يكون ذو مرونةٍ عالية لينحشر مع أهل المريض في أي مواصلة (سيّارة – توكتوك – حنطور – عربة كارو) دون اعتراض حتى لا يشعر الأهل أنه متكبّر وبيعيش الدور عليهم.

الدواعي والأسباب:

o     أن يكون المريض فعلاً مريض ولا يستطيع مغادرة المنزل بسبب مرضه العضال.

o     أن يكون المريض (غالباً من الجنس اللطيف الذي يقال له يا لطيف) بيتصلبط وعامل نفسه مريض، ويظهر ذلك جليّاً خلال احتدام الخلافات الزوْجيّة (كوسيلة لعقاب وقريَفة الطرف الثاني) أو قبيل الامتحانات الشهريّة للطلبة غير المذاكرين (لاستخدام مرضهم كذريعة للتنصّل من الحضور).

o     أن يكون المريض كسولاً ولا يريد أن يرتدي ملابسه وينزل من منزله ويركب المواصلات حتى مكان عيادة الطبيب وينتظر دوره في الكشف ثم يقطع نفس الرحلة في العوْدة، فالأسهل أن يترك كل تلك المعاناة للطبيب (ابن الكلب الذي لا أهل له) والذي سيحصل على مبلغ أكبر شويّتين على أساس المثل القائل "هين قِرشك ولا تهين نفسك".

o     أن يكون المريض طفلاً غالياً على بابا وماما وتيتة وجدّو والأقارب والأصدقاء والجيران، فبالرغم من سهولة لفّه ببطانية صغيرة وحمله للعيادة إلا أن أهله يرون أن "حماده" ما يروحش لحد وإن أحسن حاجة بل كل حاجة (بما فيها الطبيب طبعاً كحاجة من الحاجات) تيجي لغاية عنده وهو نفس مبدأ الدروس الخصوصيّة بالمنزل.

الخصائص:

o     تتميّز الزيارات المنزليّة بالبُعد الأفقي أو الرأسي أو كلاهما معاً فإمّا أن يكون منزل المريض في آخر الدنيا (بُعد أفقي) أو متشعلق ف الدور العاشر بدون أسانسير (بُعد رأسي) أو كلاهما معاً، فلو كان منزل المريض قريباً من العيادة أو قريباً من سطح الأرض لكان المريض قد أتى لك بنفسه ووفّر فارق الزيارة عن الكشف (اللي خسارة أصلاً في ميّتين أهلك).

o     غالباً ما يكون مريض الزيارات المنزليّة في حالة طبيّة متأخّرة يُرثى لها أو في النزع الأخير من حياته أو في الرمق الأخير من أنفاسه أو في الهزيع الأخير من ليل عمره الذي أوشك أن يولّي، فلو كان المريض لسه صاحي وبيلعب ما كانش حد سأل فيه أصلاً بل ينتظرون حتى لحظاته الأخيرة ليقوم الطبيب بعمله في إنقاذه أو يقوم بعمله في تحرير شهادة وفاته وهو ما يسمّى بالزيارة الكومبو (زي الساندويتش والبيببسي كده) أو الزيارة الاتنين في واحد (زي الشامبو والبلسم كده). 

توجيهات وتعليمات عامّة للطبيب (اعتبرها تحذيرات وتنبيهات):

o     يجب أن تأمر فور وصولك بإخلاء الحجرة التي بها المريض من جميع الأهل فيما عدا مرافقاً واحداً فقط لأنك ستجد الأهل والجيران وجيران الجيران يكتظّون حولك ليشاهدوا فقرة الساحر التي ستقوم بها، ومن ثَمَّ سيدلي كل واحدٍ منهم بدلوه فوق دماغك ليستعرض أمام غيره أنه ناصح وأنه يهتم بالمريض ويخاف عليه، فمثلاً ستجد شخصاً ينصحك بأن تجعل المريض ينام على بطنه كأفضل وضع للكشف من وجهة نظره الشاذّة، وآخر سيطالبك بأن تقيس له الحرارة وآخر سيأمرك بأن تنظر في فمه وآخر يشير عليك بسماع نبضه للتأكّد من بقائه على قيْد الحياة .. إلخ .. وستجدهم كلهم خبراء في الطب وكأنك لم تأتِ للكشف بل أتيت لطرقعة صوابع رِجل المريض.

o     حاول أن تفرض شخصيتك كطبيب أثناء الزيارة فلا تجيب على أحد أثناء الكشف بداعي التركيز، وإن اضطررت للرد فيجب أن يكون ذلك بعبارات مقتضبة أو كلمات فرديّة عامّة لا تُسمن ولا تُغني مَن يسألك عن فضوله المُلِح.

o     لو قابلت في المنزل أحد هؤلاء النصف متعلّمين والذي يدّعي صلته الوثيقة بالطب لأن خال جوز بنت عم اللي جابوا أمه كان تمرجي في المستشفى البيطري بـ"أشمون" فيجب عليك أن تذبح له القِطّة من أوّلها وتتجاهله تماماً بل تحاول أن تحط من شأنه وتُفهِمه (بلباقة) أنه كالحمار يحمل أسفارا، فلو احترمته أو اهتممت بالرد عليك فسيفرد قلوعه عليك ويقرفك.

o     سييبزغ لك حتماً شخصٌ فلّوطة يجادلك في حالة المريض فلا تتردّد في إلقاء أي عبارات غير مفهومة (تتضمّن مصطلحات عربيّة صعبة وكلمات إنجليزيّة) لن يستوعبها سيادته بالتأكيد فيتظاهر بالفهم ويعلّق على كلامك وهو فاغرٌ فاه ويهز رأسه بالموافقة على كل ما تقوله من كلامٍ فارغ كالآتي: "بالنسبة لسؤالك عن حالة المريض فطبعاً زي ما انت شايف إن الـ"آي كيو" بتاعه واطي جداً ومحتاج إنه يتشال له الـ"تستيكلز" الاتنين علشان نحافظ على معلوميّة ورفاهية القلب ومكوناته الجزئيّة اللا نهائيّة وده بالتبعيّة ح يستلزم إنكم تعملوا "يوريناشن" أو "ديفيكاشن" عليه في نفس التوقيت .. خد بالك في نفس التوقيت علشان إن ما كانش فيه "سينكرونايزاشن" ح يبقى خطر عليه"، وسترى أثراً طيّباً لِما قلته من هلفطة فسيترككك هذا الفلحوس الإمّعة في حالك حتى لا تُحرِجه وتُشعِره بتفاهته مرّةً أخرى.

o     لو وجدت أن حالة المريض متأخّرة فلا تحاول أن تعطي المريض أي دواء أو حقن، فلو فعلت ذلك أو ما هو أدنى (إن شا الله ناولته كوبّاية ميّه يشربها) ربما سيتهمك أهله بأن ما أعطيته له هو سبب وفاته حتى ولو كانت بعد الزيارة بإسبوعين، وسارع بنصحهم بنقله إلى أقرب مستشفى حتى يلبس أطبّاء هذه المستشفى المريض وتكون أنت في أمان يا مان.

o     لو وجدت المريض ليس مغمىً عليه بل متوفي فاقرأ له الفاتحة في سرّك ولا تعلن وفاته أبداً وإلّا سيتوافد عليك كل من هب ودب ويصرّخ ويولول في وِشك حتى يسْوِرك ويمسك في خناقك ويهزّك بعنف طالباً منك بأن تعمل للمريض أي حاجة لتُعيده للحياة وكأنك "المسيح بن مريم" وسيظلّون يمخمضونك حتى تجيب اللي ف بطنك، ولهذا فاحتفظ بالمعلومة لنفسك واجمع محتويات شنطتك المبعثرة بسرعة من على السرير دون أن تنبس ببنت شفة وشاور لأحدهم (أي كلب فضولي لازق جنبك من أوّل الزيارة) بأن يتبعك لصالة المنزل وعندما تصل للصالة شاور له مرّة أخرى - دون أن تتكلّم - بأن يلحقك على درجات السلّم وبعد أن تجتازها بخفّة كالفهد أومئ له برأسك أن يمشي وراءك حتى مدخل العمارة ثم استقِل السيّارة التي أتت بك وتنتظرك حتى تعود بك للعيادة، وبعد أن تستقر على كرسيك داخل السيّارة وهذا الكلب يتبعك لاهثاً وهو مُنوَّم كمَن ندهته الندّاهة افتح زجاج الشبّاك وأمر السائق أوّلاً بأن ينطلق بسرعة ثم ألقي على ذاك الكلب المذكور بكلمتين فقط والسيّارة تتحرّك: "البقاء لله" .. ويا فكيك.

الآثار الجانبيّة:

o     ستعطّلك الزيارة المنزلية عن توقيع الكشف على مرضى العيادة الذين سيتذمّرون من تأخّرك عليهم وربما يستردون ما دفعوه فتخسر بذلك ما قبضته من الزيارة وكأنك يا دكتور ابو زيد ما غزيت.

o     ستعود لعيادتك من الزيارة المنزليّة منهكاً بسبب ما بذلته من مجهودٍ مضنٍ ممّا يؤثّر على لياقتك البدنيّة والذهنيّة اللتيْن تحتاجهما في إنجاز ما تبقّى من عملك.

o     لو توفي المريض قبل أو أثناء أو حتى بعد الزيارة فستكون في جميع الأحوال متهماً بعدم المهارة أو بالوِش النحس ممّا يؤثّر في سمعتك المهنيّة ويضربها (بمفك صليبة) في مقتل ويُبعِد عنك الحالات ويقلّل من دخلك.

الجرعة:

لابد لك كطبيب أن تتجرّع شرور الزيارات المنزليّة في مرحلةٍ ما من مشوارك المهني فحاول في كل مرّة ألّا تدعي على مَن جعلوك طبيباً.

google-playkhamsatmostaqltradent