خبر
أخبار ملهلبة

الحقيقة وراء عملية لارناكا واغتيال وزير الثقافة المصري



فبراير 1978 :

 

 

ما لم يقال في الفيديو:

-       طبعاً ما قاله الإعلام المصري عن ملابسات عملية "لارناكا" بعد اغتيال يوسف السباعي وقتها كان حزمةً من الأكاذيب والمغالطات للحفاظ على صورة الرئيس "السادات" أمام شعبه فهو بطل الحرب والسلام والقائد الذي لا يأتيه الباطل من بيْن يديْه ولا من خلفه (استغفر الله العظيم وأتوب إليه) .. فأشاع وأشاح وأشار وأشاد (أشاع الإعلام نجاح العمليّة وأشاح وجهه عن فشلها الذريع بل أشار إلى نتائجها الباهرة وأشاد بحسن تدبير الرئيس المغوار) .. ولم يتسنَ لنا معرفة الحقيقة كاملةً إلا بعد سنواتٍ طويلةٍ من التعتيم كالعادة وعن طريق المصادر المحايدة غير المصريّة.

-       بأي منطقٍ أقدم "السادات" على تلك المغامرة (التي عرّض فيها حياة 74 من أفضل جنوده من أجل إنقاذ "غير مؤكّد" لأربعة مصريين فقط) دون أن يكون هناك أي تنسيق بين الحكومة المصريّة ونظيرتها القبرصيّة قبل العمليّة .. فقد اكتفى الرئيس "السادات" بإرسال رسالة مبهمة إلى الرئيس القبرصي قال فيها: "الرجّالة في الطريق لتخليص الرهائن" دون أي توضيح لأي شيء (كان ناقص يقول له "العمليّة ف النمليّة والإزازة ف البزّازة والفِلّة ف المنافِلّة") .. وربما كان الغرور والعنجهيّة قد أغريا "السادات" بالاستخفاف بدوْلة "قبرص" الصغيرة ومعاملة رئيسها "سبيروس كبريانو" كما لو كان محافظاً أو مسؤولاً تحت قيادته يأتمر بأمره وينفّذ توجيهاته دون أي مراعاةٍ أو احترامٍ لسيادة "قبرص" على أراضيها وعدم منطقيّة أو شرعيّة القيام بأي عمليّات عسكرية بواسطة أي قوّات أجنبيّة من خارجها وكذلك دون أي اعتبار للحفاظ على أرواح أفراد الصاعقة أو حياة الرهائن (ولا عجب في ذلك لأن أرواح وحياة هؤلاء وهؤلاء لا تعني شيْئاً عند الرؤساء المصريّين عموماً) .. وتلاحظ أيْضاً أن نفس هذه العنجهيّة انتقلت إلى قائد قوات الصاعقة عندما قابل السفير المصري (الذي لم يكن يعلم بأي شيء كالأطرش في الزفّة أو كالأخرس في خطبة الجمعة أو كالأعمى في عرض الأزياء) والوزير القبرصي وقال لهما إن لديْه أوامر عليا بتنفيذ العمليّة .. وفات هذا القائد أنه يتكلّم وهو واقف على أرضٍ غير مصريّة لا تخضع لأوامر قيادات الجيش المصري أساساً.

-       لم يذعن قائد قوّات الصاعقة لتحذيرات القوّات القبرصيّة بعدم البدء في أي نشاط عسكري على أرض المطار بل مضى وبكل غباءٍ ورعونة في تنفيذ الأوامر فأهدر أرواح خمسة عشر شهيداً وعرّض حياة ستّين آخرين تحت قيادته غير الحكيمة من أجل الإنقاذ "المحتمَل" لأربعة أشخاص مصريّين فقط كانوا من ضِمن الرهائن ذوي الجنسيّات المختلفة (ولم تتهوّر حكوماتهم في الزج بقوّاتها في عمليّات عسكريّة مجنونة كتلك العمليّة).

-       لم يكن هناك أي داعي أو ضرورة للقيام بتلك العمليّة العسكريّة الخاسرة خصوصاً وأن الخاطفين كانوا قد يأسوا من نجاح عمليّتهم الإرهابيّة بعد أن رفضت كل دول المنطقة استقبال طائرتهم أو لجوئهم إليها وكانوا قد قرّروا تسليم أنفسهم للسلطات القبرصيّة .. وهو ما حدث بالفعل بعد فشل الصاعقة المصريّة في تنفيذ هدفها.

-       شاهد الرئيس القبرصي كل تلك الأحداث مباشرةً من برج المراقبة بالمطار إلى أن قامت القوّات المصريّة بتوجيه بعضاً من نيرانها إلى ذلك البرج فاضطر الرجل للإنسحاب ومتابعة الاشتباكات من بعيد.

-       بعد سقوط الشهداء المصريّين وجرح العشرات الآخرين ونفاذ الذخيرة المصريّة وبعد استسلام الخاطفين حاصرت قوّات الجيش القبرصي أفراد الصاعقة المصريّة ثم أخلت المطار من جثامين الشهداء ونقلت الجرحى للمستشفيات تحت الحراسة المشدّدة في حين زجّت بالآخرين في السجون لعدّة أيّام حتى وافقت على إخلاء سبيلهم شريطة أن توضع أسلحتهم فارغةً من الرصاص في صناديق داخل بطن الطائرة التي ستعيدهم إلى "مصر" .. وهو ما يمثّل هواناً لأفرادٍ شجعان ينتمون لجيْشٍ عظيم يتم ترحيلهم هكذا كالأسرى المفرَج عنهم.

-       رفض القضاء القبرصي تسليم الخاطفين (وهم في نفس الوقت قتلة "السباعي") إلى مصر وأصدر حكماً – بعد عدّة أشهر – بالإعدام على كل الإرهابيّين .. ولكن بعد شهورٍ أخرى أصدر الرئيس القبرصي قراراً بتخفيف الحكم إلى السجن مدى الحياة .. وبعد فترة تم الإفراج عنهم وتهريبهم إلى جهةٍ غير معلومة بعد عقد صفقةٍ مشبوهةٍ مع طرفٍ غير معروف.

-       اضطر "السادات" إلى ابتلاع الإهانة القبرصيّة ولم يسعه إلّا إصداره لقرار بقطع العلاقات الدبلوماسيّة مع "قبرص" فوْر أن تأكّد بمغادرة الطائرة المصريّة التي كان على متنها "بطرس غالي" وتوابيت الشهداء ونقّالات الجرحى وباقي أفراد الصاعقة السالمين .. ولكن بعد اغتيال "السادات" وتولّي "مبارك" لتقاليد الحكم عادت العلاقات بيْن البلديْن إلى طبيعتها بعد أن أصدر الرئيس القبرصي بياناً (اعتبره "مبارك" اعتذاراً) أعرب فيه عن أسفه لوقوع ضحايا من الجيش المصري وبرّر ما حدث بأنه لم يكن ممكناً – حسب القانون القبرصي – السماح للصاعقة المصريّة بالقيام بأي نشاط عسكري داخل "قبرص" لأن ذلك ينتهك السيادة القبرصيّة على كامل أراضيها.  

رحم الله الشهداء الذين بذلوا دماءهم في مغامرةٍ عسكريّةٍ غير مدروسة من أجل تحقيق نصرٍ زائف سعى لتحقيقه أحد الطغاة الذين تناوبوا على حكم "مصر".

google-playkhamsatmostaqltradent