خبر
أخبار ملهلبة

صورة واحد مات | صور مقلوبة | أحمد رجب


رسم كاريكاتيري لجثة رجل متوفي بريشة مصطفى حسين من صورة واحد ميت ضمن قصص صور مقلوبة لأحمد رجب

صورة واحد مات

 

 

الأحـد:

توفيتُ اليوْم إلى رحمـة الله تعالى .. البيت مولد .. روحي ترفرف عالياً في الهواء ممّا أتاح لي أن أتفرّج على المحيطين بي من فوق .. جاء أخي الأكبر عميد الأسرة وجلس يكتب هذا النعي:

مُصاب عائلة "شنبو"

تُوفي إلى رحمة الله تعالى السيّد "شنبو أحمـد شنبو" المدير العام لإدارة المطبّات العموميّة، نجـل المرحوم "أحمد شنبو شنبو" بك دفتردار البابين سابقاً، وحفيد المغفور له "شنبو أغا باشا شنبو" بوّاب الباب العالي، وحفيد حفيد جلالة الملك "شنبو الثاني" ملك التتار السابق، وشقيق كل من: "شنبو مراد شنبو" مدير مصلحة الهواء المجفّف و"شنبو رياض شـنبو" من أصحاب العمارات الكبيرة، ووالد كل من: "شـنبو" بجامعة القاهرة و"شنبو" بالثانوي و"شنبو" بالإعدادي، وابن عم كل من: "شنبو علي شنبو" من الأعيان و"شنبو باشا شنبو" من الباشوات و"شنبو بك شنبو" من البهوات و"شنبو أفندي شنبو" رئيس قلم الشماشرجيّة السابق، وشقيق في الرضاع للمرحوم "شنبو ماهـر شنبو" من العائلة، وابن خالة كل من: "شنبو محمود شنبو" وولده "شنبو" و"شنبو اسماعيل شنبو" نجل المرحوم "شنبو باشا اسماعیل" سلحدار زيلع وهرر ومصوّع سابقاً، وابن شقيق كل من: "شنبو محمد شنبو" حفيد المغفور له سعادتلو "شنبو باشا محمد" مدير شئون الحمّامات الخديويّة سابقاً و"شنبو حسن شنبو" صـاحب عزبة "شنبو" بـ"كفر شنبو" و"شنبو" صاحب محلات "شنبو" وشركاه .....

ومضى أخي يكتب جميـع أفراد الأسرة وأمامه شجرة العائلة حتى ملأ 150 ورقة فولسكاب ولم ينس أن يكتب في النعي اسم "شنبو عزيز شنبو" الذي وضعته بنت خالتي أمس بالمستشفى ثم كتب اخي في نهاية النعي:

وقريب ونسيب عائلات "شنبو النملة" و"شنبو الخيمة" و"شنبو البلد" و"شنبو المحطّة" و"شنبو" بـ"كفر شنبو" و"شنبو" بـ"نجـع شنبو" و"شنبو" بـ"كوم شنبو" و"شنبو" بـ"ميت شنبو".

قرأتْ زوْجتي النعي بعد أن كتبه أخي ثم سألته:

-       أومّال فين اسم "شنبو حسام شنبو"؟

قال أخي في اقتضاب:

-       مالوش لزوم.

وأصرّتْ زوْجتي على كتابة اسم "شنبو حسام شنبو" ابن اختها المولود أمس .. ولكن أخي أصر على موقفـه بسبب سوء تفاهم بينه وبين أخت زوْجتي أم "شنبو حسام شنبو".

حدثت ازمة شديدة بعد ذلك بسبب إصرار كل من أخي وزوْجتي على موقفه .. وفي النهاية قرّرت زوجتي أن تنشر نعيـاً آخر باسمها تعمّدت أن تكتب في أوّل سطرٍ منه:

تنعى السيّدة "شنبيّة شنبو" زوجها المرحـوم "شنبو أحمد شنبو" مدير إدارة المطبّات العموميّة، وزوج خالة "شنبو حسـام شنبو" المولود بمستشفى "لطفي".

وأكملت زوجتى ما سبق من أسماء العائلة فرداً فرداً.

الإثنيْن:

لا أزال في البيت ..ولم يتم دفني بعد.

صفحات الوفيات في كل الصحف اليوم محجوزة لنعي عائلة "شنبو" .. كل صحيفة نشرت نصف النعي في صفحتين ونصف صفحة ثم كتبت:

البقيّة غداً ....

اختلط الأمر على باعة الصُحف عند رؤية أسماء أفراد العائلة ، فكان البعض ينادي: "إقرا ترقيات الموظّفين .. إقرا ترقيات الموظّفين" .. بينما انطلق البعض الآخر ينادي: "نتيجـة الاعداديّة .. نتيجة الاعدادية".

اضطروا إلى تأخیر جنازتي يوْماً آخر لأن موْعـد تشييع الجنازة يقع في نهاية النصف الثاني من النعي الذي ينشر غـداً.

الثلاثاء:

أزمةٌ شديدةٌ جداً في البيت .. إذ جاء قریبي "شنبو شنبو" من بلدته "ميت شنبو" غاضباً هائجاً ورفض أن يصافح أخي أو يعزّيه في وفاتي وبادره قائلاً:

-       موش عيب يا "شنبو" يا "مراد" يا "شنبو" الناس تأكل وِشّي ف البلد.

قال أخي:

-       حصل ايه؟

هنا دفع قریبي "شنبو شنبو" بالجريدة إلى أخي صائحاً:

-       فين اسمى ف النعي؟

-       مکتوب یا "شنبو".

-       مش مکتوب یا "شنبو".

-       مكتوب.

-       قلت لك مش مكتوب .. الناس ف البلد لها حق تتغمّـز وتتلمّـز .. هوَّ انا مش م العيلة؟ .. ولّا اكونش عِرّة؟

-       لا سمح الله.

-       أومّال ليه اسمى ماينكتبش بالمطبعة والناس تقراه؟

-       واللهِ مكتوب.

-       اتفضل ورّيني مكتوب فين.

وهنا أشار أخي إلى سطرٍ مكتوبٍ فيه: "وشنبو شنبو من الأعيان"

فصاح قریبي:

-       لا يا سيدنا .. ده مش انا .. ده واحد تاني.

وهنا عاد أخي ليشير إلى سطرٍ آخر مكتوبٍ فيه: "وشنبو شنبو من الأعيان"

فزعق قریبي:

-       ولا ده یا سیدنا .. ده واحد ثالث.

قلب أخي الصفحة واستخرج سطراً جديداً مكتوباً فيه أيضاً: "وشنبو شنبو من الأعيان".

فحملق قریبي "شنبو شنبو" في السطر ثم قال:

-       لأ .. ده مش انا .. انا عارف نفسي کویّس.

-       أنت مش "شنبو شنبو"؟ .. ومن الأعيان؟

-       أيوه.

-       تبقى انت واحد من دول.

-       لا يا سيدنا .. إحنا خمسة ف العيلة اسمنا "شنبو شنبو" .. وكلّنا م الأعيان .. ومكتوب ف النعي أربعة "شنبو شنبو" بس .. أبقى انا اللي ناقص.

-       وإيه اللي يخلّيك تقول كده؟

صاح قريبي في صبرٍ نافذ:

-       يا "شنبو" انا طول عمري اكتب اسمي بالخط الرقعة .. ودول مكتوبين بالخط النسخ ف الجُرنال .. أبقى انا اللي ناقص ولّا لأ؟

حاول الأقارب التوْفيق بيْن قريبي وأخي .. ولكن قریبي "شنبو شنبو" كان هائجاً وحلف بالطلاق أنه سيقاطع العائلة كلها إذا لم تتدارك هذه الفضيحة التي حدثت .. حاول أخي إقنـاعه ولكن "شنبو شنبو" استمر في ثورته .. وانفض الجميـع من حوْل جُثّتي ليتابعوا أزمة "شنبو شنبو" أو يحاولوا حلّها .. وبعد التدخّل من الأقارب استقر الرأي على أن ينشر أخي غداً استدراكاً في جميع الصحف مع صورةٍ لـ"شنبو شنبو" حتى يسترد اعتباره بين أهل الكفر الذين يتغامزون عليه .. وبعد مناقشاتٍ طويلة في صيغة الاستدراك تم اتفاق الجميع على هذه الصيغة:

سقط سهواً من نعي المرحوم "شنبو أحمد شنبو" اسم السيّد "شنبو شنبو" من العائلة وأحد رجالها المهمّين جداً ، فهو من كبـار أعیان "کفر شنبو"، ونجل المغفور له "شنبو بك شنبو" من عظماء الأعيان، ووالد كل من: "شنبو شنبو" بـ"كفر شنبو" الثانويّة و"شنبو شنبو" بالروضة، والجريدة تعتذر عن نشر اسم السيّد "شنبو شنبو" بحروف النسخ لعدم توافر حروف الرقعة التي اشتهر بها اسم سيادته في الكفر.

أما تحت صورة "شنبو شنبو" المنشورة مع الاستدراك فقد اتفق الطرفان على أن يُكتَب تحتها بعد مناقشاتٍ طويلة:

·      السيّد "شنبو شنبو" نجـل المغفور له "شنبو بك شنبو".

·      من "كفر شنبو".

·      متزوِّج من السيدة كريمة المغفور له "شنبو عباس شنبو" وأنجب منها ولدين.

·      السيّدة حرمه من "حي شنبو" .. وهي تهوى القراءة والاطلاع والتطريز وتجيد العزف على البيانو خصوصا مقطوعـة "سي محمّد لابس سيفه".

·      يفضّل أغاني "عبد الوهاب" القديمة وخصوصاً "إمتى الزمان يسمح يا جميل".

·      هوايته قراءة روايات "أرسين لوبين" ومثله الأعلى "قاهــر الجواسيس".

·      أكلته المفضّلة "طاجن القراميط بالصلصة" والحِلو "كريم كراميل".

الأربعـاء:

صباحاً في البيت حتى الساعة العاشرة.

رأیْتُ قریبي "شنبو" يهمس في أذن زوْجته فتبعته الزوْجة إلى غرفةٍ مجاورة ثم أُغلق الباب ، وقد تبدلت ملامح وجهه من الحزن الشديد على وفاتي إلى فرحةٍ غريبةٍ وهو يهمس:

-       "أم شنبو" .. شُفتي صورتي والكلام المكتوب ف الجريدة؟

تطلّعت "أم شنبو" في انبهارٍ شديد إلى صورة زوجها الذي أشار إليه الكلام المنشور قائلاً:

-       ده اسمى مكتوب بالمطبعة .. شوفي .. حاجة ثانية غير خط اليـد خالص.

وصمت قليلاً ثم استكمل:

-       زمان كل الناس عارفاني النهار ده .. بقيت مشهور.

وقطع دخول أختى الغرفة حديث الاثنيْن فدسّتْ "أم شنبو" وجهها في المنديل وراحت توَلوِل بينما تقلّص وجـه قريبي في حزنٍ عميق .. خرج قريبي بعد ذلك إلى الشارع وذهب ليشتري - بنفسه - علبة سجائر .. وفجأة قال للبائع بدون مناسبة:

-       أظن انت بتقول أنا شفت ده فين؟

قال البائع:

-       أهلاً وسهلاً يا فندم.

قریبی:

-       أنا "شنبو شنبو" .. هاها .. ضروری عرفتنی.

قال البائع وقد بدا أنه يعرفه:

-       أهلا يا فندم.

قریبی:

-       أنت ماقريتش جرايد النهار ده ولّا إيه؟

البائع:

-       قريتها كلّها يافندم.

قریبی:

-       أومّال ازای ما عرفتنيش وانا صورتي فيها؟

البائع:

-       ما اخدتش بالي واللهِ یا فندم.

قریبی:

-       الصورة المحطوطة مع الاستدراك.

البائع:

-       إستدراك إيه يا فندم؟

وهنا انتفض قریبي غاضباً وهو يشير بيده للبائع:

-       جاتك البلاوي .. حمار صحيح .. ما تبقوا تِقروا الجرايد كويس.

سار قریبی "شنبو" في الجنازة وقد وضع على عيْنيْه نظّارةً سوْداء .. وفجاة همس لأحد المشيّعين من غير أفراد الأسرة:

-       قريت جرايد النهار ده؟

-       أيوه.

وهنا خلع قريبي النظّارة قائلاً:

-       طب انا مين؟

-       واللهِ مش واخد بالى كويس.

-       إنت ما قريتش الاستدراك ولّا إيه؟

-       إستدراك إيه؟

صمت قريبي في قرف ثم تسلّل هارباً من الجنازة وهو يقول في سِرّه:

-       جاتكوا الهم .. قال عاملين متعلّمين وبيقروا جراید .. ما تبقوا تقروا كويّس يا بهايم.

ثم جلس في مقهى وأخـرج الجريدة وراح يتأمّل صورته ويقرأ الكلام المكتوب عنه .. وعندما جاءه الجرسون ضحك في تواضعٍ وهو يشير إلى صورته قائلاً:

-       ده أنا.

ثم ترك المقهى ليشتري جميع نسخ الصُحُف الموجودة مع البـاعة ليأخذها معه البلد.

أنا مذهول .. أثناء الفترة البسيطة التي قضيْتها في مسجد "عمر مكرم" دارت بين المشيّعين في الصوان أحاديثٌ من كل صنف لا علاقة لها بالحزن على وفاتي. وكان أشد ما آلمني هو أن أسمع واحـداً يحكي للثاني عني قائلاً أننى كنت راجل حمار .. فإذا بالثاني يحكى له حكاياتٍ لم تحدث أبداً ليدلّل على أنني كنت أيضاً مغفلاً وغبيّاً وأغرق في شِبْر ميّـه.  

في جانبٍ آخر من الصوان همس أحدهم إلى وكيـل المصلحة التي كنتُ مديراً عامّاً لها:

-       مبروك يا بيـه.

-       الله يبارِك فيك .. على إيه؟

-       طبعاً سيادتك ح تبقى المدير بعد ما مات الراجل الحمار ده.

-       تصدّق بالله؟

-       لا إله إلّا الله.

-       المرحوم "شنبو" كان معايا ف المدرسة وكان دايمـا آخر الفصل وانا الأوّل عليه (لم يحدث).

-       ح تقول لي .. وهي عمر المصلحة كانت بايظة إلّا لمّا اتولّاها.

-       أنت عارف إن درجة مدير عام دي كانت بتاعتي بس لطشها هوَّ مني بلعبة قذرة (لم يحدث) .. الله يرحمه بقى.

-       إخص ع القذارة .. لكن برضه ربّك يمهل ولا يهمل.

-       أيوه .. الحمد لله .. أهو انكشح ف داهية من سِكّتي.

انتابني غیْظٌ شديدٌ وأنا أسمع هذا الحديث وغيره .. وقد كنت أظن أن الميّت الذي يجري بنعشه أحياناً هوَّ رجلٌ مباركٌ يعرف أن مثواه الجنّة ولذلك يتعجّل الذهاب لها .. ولكنني الآن عرفت بعد موْتي أن الميّت يجري تخلُّصاً وهرباً من سماع هذه الأحاديث التي تنهش جثّته .. فجريْتُ بالنعش وكأنني في سباق مائة متر عَدْو بالدوْرة الأوليمبيّة والناس من حوْلي يهلّلون:

-       الله أكبر يا مبارك .. الله أکبر يا مبارك.

قطعت أنفاسهم من الجري حتى أصل إلى القبر لأصبح وحدي.

في القبر اتّضحتْ لي حقيقةٌ مزعجة: أستطيع أن أرى وأسمع بروحي حتى الآن وقد كنت أظن أن هذا سينتهي بمجرّد دفني .. فذهبت إلى المعزى ليْلاً وفوجئتُ بمشهدٍ أسعدني وطيّب خاطري فلم أكن أعرف أن جارنا الشاب "فتحى" إنسانٌ مخلصٌ لي إلى هذا الحد .. إذ وقف بالباب ومد يده إلى أخي مُعـزياً وهـو يبكي ثم مضى إلى مقعده وهو يجفّف الدموع .. وجلس مكتئبـاً حزيناً يبكي في هدوءٍ ورأسه مطأطئ إلى الأرض .. يا خسارة .. يا ألف خسارة .. هذا هو أخلص المعارف لم أعرفه إلّا بعد فوات الأوان .. أيْن هو من صديقي وصديق أخي "الغِلّاوي" بيه الذي تخلّف عن الحضور دون الأصدقاء جميعاً؟ .. وسعيْتُ بروحي إلى "الغِلّاوي" بيه لأعرف ماذا جرى له .. إنه مع صديقته الجديدة "طاطا" هانم التي يُنفِق عليها بجنون .. كان ممدّداً على السرير كالجاموسة العُشْر ونور غرفة النوْم أحمر خافت والويسكي من حوْله و"طاطا" راقدةً بجواره وأصابعها تداعب صلعته وهو يكركر من الضحك والهزار .. إخص .. وفجأة قال لـ"طاطا" هانم:

-       واللهِ عايز أقوم اروح الليلة بتاعـة "شنبو" .. بس مکسِّل.

-       أبعت لهم تلغراف وخلاص.

-       واللهِ فكرة .. هاتي التليفون من جنبك.

وأدار "الغِلّاوي" بیه قرص التليفون ليتّصل بمصلحة التلغراف وبدأ يُملي الموظّف:

-       هزّني المصاب الجلل (يتحسّس خَد "طاطا") .. ودمّرتني المصيبة الرهيبة .....

 ووضع يده الأخرى على سمّاعة التليفون حتّى لا يسمع موظّف التلغرافات ما يدور قائلاً لـ"طاطا":

-       بوسة يا روحي.

ثم رفع يده من على السمّاعة وقال:

-       خلاص؟ .. كتبت يا أخ؟ .. كـمِّل بقى .. إن عیْني تبكي دماً (بوسة) .. وقلبي يبكي دموعاً ("طاطا" تحضنه وتُلقي برأسها على صدره) .. آهٍ .. ثم آهٍ .. ثم آه .. فيا لهوْل الفاجعة التي ألزمتني الفِراش مريضاً (بوسة) .. مهدّماً (بوسة) .. لا أقوى على الحِراك (بوسة) .. قلبي معك (بوسة) .. وقلبك معي (بوسة) .. فالمصاب (بوسة) مصابي (بوسة طويلة) .....

قرفت جداً من هذا المنظر الذي يمثّله أمامي "الغِلّاوي" بيه وعدتُ الى المعزى لأسعد بأخلص المخلصين: جاری الشاب "فتحی" الذي كان ما يزال يبكي ويجفّف دمعه .. وعندما جلس إلى جواره جارنا الآخر الدكتور "مدحت" همس له:

-       بَسْ يا أستاذ "فتحي" بَسْ.

فقال "فتحی":

-       بَسْ ازاي یا دکتور؟ .. دى مصيبة .. بقى "الأهلي" يطلع م الكاس كده أونطه!!! .. مش كفاية الدوْري؟

أصابتني خيْبة أملٍ شديدة وأسرعتُ طائراً بروحي إلى القبر.

الخميس:

الصُحُف مليئةٌ باسمي في صفحات الوفيات .. ولا واحـد من المصلحة التي كنت مديرها كتب سطراً واحداً .. مع أنه عنـدما ماتت جدّتي عن 110 سنوات وأنا مديـر هبّتْ كل الإدارات والأقسام تنعي الفقيدة .. ولكن الذي صبّرني على هذا الجحود أن الذي ينعاني اليوْم في صفحات الوفيات هم موظّفو مصلحة الهواء المجفَّف المرؤوسون لأخي مديرها العام.

السبت:

فوجئت اليوم بنعيٍ غريب .. ووجه الغرابة أن صاحبه يزعم أنه صديقي مع أني لا أعرفه إطلاقاً وعمري ما قابلته في حياتي .. تقول سطور النعي:

إلى "شنبو"  أعز صديق لي في الدنيا: حياتي إنت ما ليش غيرك وفايتني لمين؟ .. لقد أصبحت أتوق الى لُقيـا "عزرائيل" حتّى ألحق بك يا أغلى الناس .. ماذا أقول له لوْ جاء يسألني إن كنت أكرهه أو كنت أهواه .. سأقول له: أهواك يا "عزرائيل" .. أهواك ف قُرْبك وف بُعدك .. فـخُدني لحبيبي خُـدنی عن الوجود وابعدنی .. خُدني إلى "شنبو" قوام .. "شنبو" یا سیدی أنا یا روحی أنا .. إلى جنّة الخُلد يا حبيبي .. نَم قرير العين واحلم بأخيك المكلوم: "محمود الأرندلي".

أنني لا أذكر صديقاً لي بهذا الاسم .. ولا حتّى سمعت عن هذا الاسم من قبل .. شيءٌ غريب.

الأحـد:

تكرّر نعي "محمود الأرندلي" اليوْم أيْضاً بصيغةٍ أخرى .. غريبـة .. مَن هو "محمود الأرندلي؟ .. لا أدري؟

الإثنيْن:

"محمود الأرندلي" ذهب لأخي "شنبو مراد شنبو" في مكتبه بمصلحة الهواء المجفَّف ليعزيه في وفاتي .. دار الحديث عني .. وزعم "محمود الارندلي" أنه كان أعـز صديقٍ لي .. والذي منعه عن الجنازة والعزاء أنه أصيب بشللٍ مؤقّت عندما سمع الخبر .. ثم فوجئتُ بـ"الأرندلي" يعطي لأخي خمسة جنيْهات فقال له أخي:

-       إيه ده؟

-       ده دين عليَّ للمرحوم "شنبو" .. كنت سالفهم منه لمّا كنت بالعب معاه بوكر قبل ما يموت بليلتين .. ممكن تطلّعهم لله بنيّة الرحمة والنور على روحه.

-       "شنبو" أخويا كان بيلعب؟!!! .. غريبة!!!

-       معايا انا بس .. عمره ما لعب مع حَد غريب.

كِدتُ أجَن والرجـل الملعون يفتري علىَّ افتراءاتٍ لها العجب .. فعُمري ما لعبت بوكر ولا غيره وعُمـری ما استأجرت شقّة خصوصيّة معاه كما قال لأخي .. المصيبة أن أخي صدّقه.

السبت:

العلاقات تتوثّق بين أخي وبين "محمود الأرندلي".

الإثنين:

حديثٌ بين أخي وبين "الأرندلي":

أخي:

-       اسمك مش غريب علىَّ.

"الأرندلي":

-       يمكِن المرحوم كلّمك عنّي؟

أخي:

-       أبدا يا أخي.

"الأرندلي":

-       يمكِن عشان اخويا الصُغيّر بيشتغل هِنا ف المصلحة .. اسمه "حسن الأرندلي"

أخي:

-       أيوه تمام تمام .. هو يبقى اخوك؟

"الأرندلي":

-       هاهاها .. أومّال.

أخي:

-       طب ليه ما قلت ليش من زمان .. ده انا كنت مقرّر أحيـله ع النيابة الإداريّة.

وبدلاً من أن يطرد أخي هذا النصّاب من مكتبه راح يعتذر له وهو يطلب ملف أخيه "حسن الأرندلي" ليعيد النظر في الأمر بل ويمنحه علاوة .. المِدَب.

الثلاثاء:

أعمدة النعي من أقسام وإدارات مصلحة الهواء المجفَّف التي يرأسها أخي ما تزال تملأ صفحات الوفيّات .. ولا يُنشَر سطرٌ واحد من المصلحة التي كنت أديرها .. إخص.

الأربعـاء:

نُقِل أخي مديراً لإدارة المطبّات العموميّة فجأة في المنصب الذي كنت أشغله.

الخميس:

اختفت الأعمدة التي تنعاني من أقسام وإدارات مصلحة الهواء المجفَّف.

السبت:

أقسام وإدارات وموظفو المطبـّات العموميّة بدأوا يملأون صفحات الصُحُف بنعي المرحوم "شنبو أحمد شنبو" المدير السابق وشقيق السيّد "شنبو مراد شنبو" المدير الجديد!!!

google-playkhamsatmostaqltradent