خبر
أخبار ملهلبة

ترتر وحرير على غطا زير | معنى وأصل وقصة أمثال شعبية (4)


زير مياه قديم تم طلاؤه وتزيينه ليصبح من ديكورات المنزل الحديث

تِرتِر وحرير على غطا زير

 

 

معنى ومناسبة المثل:

يقال هذا المثل على شخصٍ ما أو شيءٍ ما كثير المبالغة في التزيّن والتجمّل من الظاهر الخارجي في حين أنه في الواقع قليل القيمة ومتواضع المضمون وفقير الجوْهر من الباطن الداخلي ولا يستحق كل هذه البهرجة الزائفة التي يبدو عليها .. ويترادف (يتشابه) هذا المثل في المعنى مع العبارة الشعبيّة المصريّة الشهيرة: "من برّه هاللا هاللا ومن جوّه يعلم الله" أو مع العبارة المغاربيّة (التونسيّة والجزائريّة والمغربيّة) الشعبيّة الشهيرة: "يا مزيّن م الخارج إيش حالك م الداخِل" أو مع العبارة الشاميّة (السوريّة والأردنيّة واللبنانيّة) الشهيرة: "من برّه رخام ومن جوّه سخام (هباب)".

فعلى سبيل المثال يمكننا إطلاق هذا المثل على المرأة ذات الملامح القبيحة أصلاً التي تسرف وتبالغ في زينتها لتبدو جميلة .. أو مثلاً على المرأة الصفيقة ذات التربية السوقيّة الوقحة التي تتصنّع الرِقّة في كلامها وحركاتها لتبدو من الطبقة الراقية.

ويمكننا أيضاً إطلاقه على البيْت الذي أفرط وغالى صاحبه وأنفق مالاً كثيراً في تزويقه وزخرفته من الخارج (كدهان ونقش الباب والجدران التي تظهر للمارّين به في الشارع) في حين أن هذا البيْت من الداخل متهالِك الحوائط ومتهدِّم الجدران ومنهار الأسقف ومُحطَّم الأرضيّات وفيه أعطابٌ كثيرةٌ في الكهرباء والسباكة والصرف وخلافه.   

جنسيّة المثل وأصل منشأه:

يعد هذا المثل من الأمثال الريفيّة المصريّة التي تناقلها وتوارثها الفلّاحون فيما بينهم منذ العصر العثماني.

قصّة المثل:

يُحكى قديماً أن رجلاً يعمل خادماً بأحد المساجد الصغيرة في قريةٍ من قرى "مصر" كان قد تم تكليفه من قِبَل أهالي القرية بتحسين أوضاع المسجد الذي تردّت أوضاعه كثيراً فقد رَشَح السقف وتصدّعت الحوائط ونُحِلت الحُصْر واهتُرِئَت الميْضة .. حتّى الزير الذي تم وضعه خارج المسجد لإرواء عطش عامريه ظهرت عليه بعض التشقّقات فأصبح الماء داخله يتسرّب كثيراً للخارج ممّا استلزم وضع صفيحةٍ معدنيّة تحته لتجميع قطرات الماء التي تتساقط منه بسرعة فينفذ الماء ويصير الزير خالياً من محتواه بصورةٍ متكرّرة.

واقترح الأهالي على خادم المسجد والقائم على شؤونه أن يفتح صندوق الزكاة والتبرّعات الذاخر بالنقود لينفق منه على تصليحه ورتقه وإدماله .. ففعل الرجل ما أُمر به وجمع مبلغاً لا بأس به من المال الذي كان بالصندوق .. وقرّر أن يبدأ عمليّة الإصلاح من الخارج للداخل كنظامٍ يعينه على عدم نسيان أي بندٍ من بنود هذا الإصلاح .. ولـمّا كان الزير الموضوع بجوار باب المسجد من الخارج هو أوّل ما قابل الخادم وهو في سبيله لبدء العمل فقد استهل خُطّته بذاك الزير .. فأخذ غطاء الزير أوّلاً وذهب به إلى السوق .. وراح للنجّار ليُصلِح ما ظهر على الغطاء من فوارقٍ وفراغات بين خشبه ولمّا انتهى النجّار من عمله أعطاه جزءاً يسيراً من المال المرصود للإصلاحات .. ثم أراد خادم المسجد أن يزيّن الغطاء ليصبح منظره جميلاً لائقاً بالتجديدات التي ستطرأ على المسجد كلّه فذهب لتاجر الأقمشة وطلب منه أن يكسوَ الغطاء بأغلى صنفٍ لديْه من القماش .. ولم يكن هناك أغلى وأفخر من الحرير الطبيعي وارد "سوريا" في ذلك الوقت ففعل التاجر ما طلبه الخادم .. وعندما اكتمل عمله طلب التاجر من الخادم مبلغاً كبيراً يساوي أكثر من ثلاثة أرباع المبلغ المرصود .. ثم ذهب الخادم لحانوت (دُكّان) الخَرَز والتِرتِر الملوّن حيث كان يباع قديماً بأثمانٍ باهظة لأنه كان يرد من "أوروبا" بكميّاتٍ قليلةٍ ونادرة .. وأعطى الخادم غطاء الزير لعامل الحانوت وأمره أن يطعّم كسوة الغطاء الحريريّة بالكثير من التِرتِر اللامع ذو الألوان الخلّابة ففعل العامل ما اؤتُمِر به وطلب ثمناً يساوي تقريباً الربع المتبقّي من نقود إصلاح المسجد فلم يتبقَّ سوى قروشٍ قليلة لا تكفي لأي شيءٍ آخر .. وعاد الخادم ليقول للناس أنه أنفق كل ما بالصندوق على إصلاح وتزيين غطاء الزير فقط وظلَّ حال المسجد على ما هو عليه كما واصل الزير تنقيطه المستمر .. وأخذ أهالي القرية يتهكّمون على صرف كل هذه الأموال على غطاء زير رخيص لا يستحق وصاروا يتندّرون على غفلة الخادم وغبائه وسوء تصرّفه قائلين وهم يتعجّبون باستغراب: "تِرتِر وحرير على غطا زير!!!".      

تعليق "ابن أبي صادق":

يمكننا إطلاق هذا المثل الشعبي على "مصر" الآن في عهد الرئيس "عبد الفتّاح السيسي" (وربما أيْضاً على كل العصور التي سبقته) فمظهر البلد من الخارج أو في الإعلام يبدو شديد الجمال والجاذبيّة والإشراق (مناظر العاصمة الإداريّة – شكل المساكن في مدينة العلمين الجديدة – الكباري المتشعّبة العريضة – المؤتمرات الكبيرة العديدة – المشروعات التي يتم افتتاحها – الإحصائيّات والدراسات التي تؤكّد ارتقاء الاقتصاد وتحسّن أوضاع المواطنين – شكل الناس في الأغاني الوطنيّة وهم سعداء) وكل ما سبق يظهر فقط من الظاهر لزوم أخذ اللقطة المطلوب التقاطها ونَشْرها حسب الرؤية الحكوميّة الرسميّة .. ولكن من الباطن ينكشف الواقع المرير الذي يعيشه المواطن المصري (مناطقٌ عشوائيّةٌ فقيرة ومنازلٌ قبيحةٌ متواضعة – طرقٌ متهدّمةٌ كلّها حفرٌ ومطبّاتٌ داخل المدن والقرى – مصانعٌ يتم بيْعها وشركاتٌ تعلن إفلاسها – اقتصادٌ يتهاوى وهبوطٌ حاد في قيمة الجنيه المصري – تعليمٌ قاصرٌ وبطالةٌ منتشرة ومستشفياتٌ متهالكة ومساكنٌ باهظة الثمن ومياه شُربٍ ملوّثة وزرعٌ مسرطِن – كآبة الناس وعدم إحساسهم بالسعادة بل شعورهم بالهَم والحزن دائماً لضيق ذات الحال وانعدام الحالة الاجتماعيّة والتضييق على الحريّات) .. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

google-playkhamsatmostaqltradent