خبر
أخبار ملهلبة

مصير صرصار | توفيق الحكيم | الفصل الأول: الصرصار ملكاً (2)


صرصار مستلقي على ظهره على الأرض وجيوش النمل تهاجمه وتقتله لتأكله

الفصل الأوّل (2)

 

 

الملك: وجدت ما أدهشني وأثار في نفسي .....

الملكة: الغَم؟ ..

الملك: بل الإعجاب ..

الملكة: الإعجاب بماذا؟! ..

الملك: بطول شواربى .. فقمت من ساعتي وتحديت جميع الصراصير أن تقارن شواربها بشواربي .. فإذا اتضح أن شواربى أنا هي الأطول أُصبِح الملك على الجميع ..

الملكة: وقبلوا التحدي؟ ..

الملك: لا .. سلّموا لي على الفور قائلين إنه ليس لديهم وقتٌ لقياس الشوارب ..

الملكة: وبهذا أصبحت تلقائيّاً صاحب جلالة! ..

الملك: بالضبط ..

الملكة: وهل قالوا لك ما هى اختصاصاتك؟ ..

الملك: لا ..

الملكة: وهل قالوا ما هي واجباتهم نحوك؟ ..

الملك: لا .. قالوا فقط إنه ما دام اللقب يسرني والمنصب يعجبني فلأفعل ما يحلو لي .. وما دام كل هذا لن يكلّفهم شيئاً، ولن يقتضيهم إطعامي، فلا مانـع عندهـم أن أُسمي نفسي ما أشاء مـن الأسماء .. وتركوني، وذهب كلٌ منهم إلى حال سبيله يسعى إلى رزقه ..

الملكة: وأنا كيف أصبحت ملكة؟ ..

الملك: بالمنطق الطبيعي .. ما دمت أنا ملكاً فأنت أنثاي التي أحببتها وعاشرتها .. لا بد أن تكوني ملكة ..

الملكة: ووزيرك؟ .. كيف أصبح وزيراً؟ ..

الملك: موهبته رشّحته للوزارة .. كما رشّحتنى موهبتـي للعرش ..

الملكة: موهبتك عرفناها، وهي طول شواربك .. فما هي موهبة وزيرك؟ ..

الملك: اهتمامه البالغ بعرض المشكلات المربِكة، والمجئ بالأخبار المزعجة ..

الملكة: والكاهن؟ .. ما موهبته؟ ..

الملك: كلامه الذي لا أفهم له معنى ..

الملكة: والعالم العلّامة؟ ..

الملك: معلوماته الغريبة عن أشياءٍ لا وجود لها إلّا في رأسه ..

الملكة: وما الذي أغراك باحتمال هؤلاء؟ ..

الملك: الضرورة .. لم أجد غيرهم يريد الاقتراب مني .. هم في حاجةٍ إلى واحدٍ يفضون إليه بسخافاتهم .. وأنا في حاجة إلى مقرّبين ينادونني بصاحب الجلالة ..

الملكة:كل هذا جرّه عليك طول شواربك! ..

الملك: وهل أنا المسئول؟! .. إني وُلِدت بها هكذا ..

الملكة: ربما كان هناك مَن هو أطول منك في الشوارب ومع ذلك لم يفكّر في أن يكون ملكاً ..

الملك: جائزٌ جداً .. ولكني أنا الذي فكرت ..

الملكة: فكرةٌ حمقاء على كل حال ..

الملك: من أدراكِ؟ .. أنتِ لا تفهمين شيئاً ..

الملكة: أنا أفهم أكثر منك ..

الملك: أنتِ صرصارةٌ مغرورةٌ ثرثارة! ..

الملكة: وأنت صرصار ..

الملك: هُس .. بَس .. الوزير قادم! ..

الملكة: احترم نفسك إذن أمامه، وعاملني باحترام! ..

الملك: سمعاً وطاعة يا صاحبة الجلالة! ..

الملكة: نعم هكذا! .. الأزواج أمثالك لا يخضعون إلّا لمَن تتمسّك بحقوقها ..

(الوزير يظهر وهو يولول ... )

الوزير: يا مولاي الملك! .. النجدة يا مولاى الملك! ..

الملك: ما الخبر؟ ..

الوزير: كارثة! .. كارثةٌ كبرى يا مولاي! ..

الملك: يا فتّاح يا عليم ... قلت لكِ إن هوايته المجئ بالأخبار المزعجة .. نعم؟ .. أخبرنا .. شنِّف أسماعنا! ..

الوزير: ابنی یا مولای .. ولدي الوحيد ..

الملك: ماله؟ ..

الوزير: ذهب مبكياً على شبابه! .. مات وهو في ربيع العُمر وريعان الصِبا .. قُتِل .. قُتِل ..

الملك: قُتِل؟ .. كيف؟ .. ومَن القاتل؟ ..

الوزير: النمل ..

الملك: النمل ثانيةً؟ ..

الملكة: أرأيت؟ .. النمل .. النمل! ..

الوزير: نعم يا مولاتي .. النمل .. ولا شيء غير النمل ..

الملك: آهٍ من النمل .. أخبِرنا بماذا حدث؟ ..

الوزير: حدث الذي يحدث دائماً ..

الملك: ادخل في الموضوع! ..

الوزير: كان ابني يسير فوق الحائط لمجرّد النُزهة والترويح عن النفس .. شأن مَن في سِنّه .. كانت نزهةً بريئةً بالطبع .. لأني أعرف أخلاق ابني جيداً .. إنه في منتهى الجد .. لا يميل إلى المغازلات ولا إلى المغامرات .. وكل هذه الأنواع من اللهو الفارغ ..

الملك: ما علينا .. ماذا حدث؟ ..

الوزير: زلّت قدمه ووقع على الأرض .. وقع على ظهره طبعاً .. ولم يستطيع أن ينقلب على وجهه وينهض على أقدامه .. وعندئذٍ لمحه النمل .. وجـاء بجماعاتـه وجيوشه، وأحاط به وكتم أنفاسه، وحمله وسار به إلى مدنه وقراه ..

الملكة: هذا شيءٌ مرعب! .. إنها حقّاً كارثة ..

الوزير: كارثةٌ عظمى يا مولاتي .. كارثةٌ قوميّة! ..

الملك: إنى أشاطرك الأحزان في فقيدك .. ولكن لا تطلب مني أن أُعلِن الحداد العام ..

الوزير: أنا لم أطلب إعلان الحداد يا مولاي ..

الملك: هذا منتهى العقل الملك ..

الوزير: إني فقط أعلن أنها كارثة لبني جنسنا كله ..

الملك: جنسنا كله؟! .. موت ابنك؟! ..

الوزير: بعد عدوان النمل علينا جميعاً بهذه الطريقة ..

الملكة ( للوزير ): هو فاهـم قصدك جيـداً .. ولكنـه يتجاهل ... ويجعلها مسألةً شخصيّة حتى لا يشغِل نفسه بالحل الحاسم الذي ينتظره منه الجميع ..

الملك: ماذا تقولين؟ .. تريدين اتهامي بالتفريط في واجبات منصبي؟! ..

الملكة: أنا لا أتهمك .. أنا فقط أنبّهك إلى ضرورة إيجاد حلٍ لمشكلة النمل ..

الملك: وهل مشكلة النمل مشكلةٌ جديدة؟ .. تكلـّم يـا وزیري! ..

الوزير: لا يا مولای ..

الملك: تعرف إذن أنها ليست جديدة، وأنها قديمةٌ قِـدَم الأزل ..

الوزير: فعلاً يا مولاي ..

الملك: نشأنا ونشأ آباؤنا وأجدادنا وأجداد أجدادنا وهي موجودة ..

الوزير: حقّاً يا مولاي ..

الملك: مادُمت تعرف كل ذلك: لماذا إذن أكلَّف أنا اليوم بحلها؟ .. لماذا يشاء حظي الأسود أن أطالَب أنا دون كل مَن كان قبلي من الآباء والأجداد بمهمّة البحث وحدي عن الحل؟! ..

الملكة: لأنه لم يوجد قبلك مَن أعجب بطول شواربه وطالب بأن يكون ملكاً! ..

الملك: اسكتي يا .....

الملكة: احفظ لسانك! ..

الملك ( من بين أسنانه ): يا .. صاحبة الجلالة! ..

الملكة: نعم .. هكذا الكلام معي يكون بكل أدب

الملك: وبكل أدبٍ أحب أن أسألِك كيف عرفتِ أنه لم يوجد قبلي صرصارٌ أراد أن يكون ملكا؟! ..

الملكة: لأن هذا نوعٌ من الأفكار لا يخطر إلّا لمثلك ..

الملك: لمثلى؟! ..

الملكة: نعم .. لأنك زوجي، وأنا أعرفك جيداً ..

الملك: لاحظي من فضلِك أننا الآن لسنا وحدنا .. ثم إني أباشر عملي الرسمي ..

الملكة: تفضّل باشر عملك الرسمي! ..

الملك: تكلّم أيها الوزير ..

الوزير: قبلك يا مولاي كنا في عصر الهمجيّة والبدائيّة .. ليس عندنا ملكٌ ولا وزير .. فجئت أنت لتعتلي العرش بحسن تدبيرك وسلامة تفكيرك ..

الملك: عندي إذن حُسن تدبير وسلامة تفكير؟ ..

الوزير: بدون شكٍ يا مولای ..

الملك: قل هذا لجلالة الملكة! ..

الملكة: جلالة الملكة يهمّها النتائج العمليّة قبل كل شيء .. أريد أن أرى ثمرةً لهذا التفكير والتدبير .. تفضّلوا هاتوا الحل لمشكلة النمل! ..

الملك: تفضّل أيّها الوزير .. اقترح ..

الوزير: الرأي رأيك يا مولاي ..

الملك: نعم .. ولكن عليك أنت أولا أن تعرض رأياً وليكن سخيفاً .. وأنا أنظر فيه ..

الوزير: أعرض رأياً؟ ..

الملك: نعم .. أي رأي .. تكلّم .. بسرعة .. هـذا مـن واجبات منصبك أن تعرض الرأي .. وأنا أسخِّفه ..

الملكة: ربما جاء رأيه سليماً ..

الملك: لا أظن .. أنا أعرف آراءه ..

الملكة: ولماذا إذن عيّنته وزيراً؟ ..

الملك: لم أعيّنه .. قلت لكِ ذلك ألف مرّة، لم أعيّن أحداً .. هو الذي عيّن نفسه .. وأنا قبلت .. لأنه لم يكن له منافس ..

الوزير: أنا متطوّعٌ بدون مرتب ..

الملك: تكلّم في الجد أيها الوزير، ولا تضيع وقت الدولة! ..

الوزير: وجدت الفكرة .. أعتقد يا مولاي أننا نستطيع أن نقضي على النمل بنفس سلاحه..

الملك: وما هو سلاحه؟ ..

الوزير: الجيوش .. إنه يهاجمنا بجيوشه الجرّارة .. فإذا استطعنا نحن أيضاً أن نجتمع ونحتشد في عددٍ كبيرٍ سهل علينا الهجوم عليه وتفريقه و سحقه سحقاً بأقدامنا الضخمة ..

الملك: فكرةٌ سخيفة ..

الملكة: تسخّفها قبل أن تناقشها؟ ..

الملك: واضحٌ جداً أنها غير مقبولةٍ ولا معقولة ..

الملكة: شجّعه أولاً على الكلام وناقشه فيها ..

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent