خبر
أخبار ملهلبة

مصير صرصار | توفيق الحكيم | الفصل الأول: الصرصار ملكاً (1)


رسم فني لصرصار يضع تاج الملك على رأسه

الفصل الأوّل (1)

 

 

(المكان: ساحةٌ رحبة .. وهذا بالطبع في نظر الصراصير .. أمّا في الواقع فهذه الساحة لیست سوى بلاط حمّامٍ في شقةٍ عادية وفي صدر هذه الساحة يقوم جدارٌ هائل، ليس سوى الجدار الخارجي لحـوض «البانيو» .. والوقت: ليل .. أمّا في نظـر الصراصير فهو نهار .. لأن وهج النور عندنا يعمي أبصارها ويجعلها تختفي أو تنام .. وفي البداية لا يكون الليل قد هبط تماماً، أي أن نهار الصراصير في مطلعه .. والمـلك واقـفٌ بنشاطٍ قرب ثقبٍ في الركن، لعلّه باب قصره .. وهو يصيح في الملكة النائمة داخل القصر ...)

الملك: قومي استيقظي! .. حان وقت العمل ..  

الملكة (من الداخل): لم يطلع فجر الظلام بعد ! ..

الملك: سيطلع حالاً ..

الملكة: هل اختفى تماما وهج النهار الذي يُعمي الأبصار؟ ..

الملك: سيختفي حالاً ..

الملكة: إلى أن يختفي تماماً ويطلع الليل تماماً .. دعنى وشأني .. ولا تُتعِبني! ..

الملك: يا للكسل! .. يا للكسل! ..

الملكة (تظهر): إني لست نائمة .. ويجب أن تتذكّر أنه لا بُد لي من الزينة والتواليت! ...

الملك: الزينة والتواليت! .. آه .. إذا كانت كل الزوجات مثلك فقولي على كل الأزواج السلام! ..

الملكة: أنا ملكة .. لا تنسَ أني الملكة! ..

الملك: وأنا الملك ..

الملكة: أنا مثلك سواءٌ بسواء .. لا فرق بيننا في شيء ..

الملك: يوجد فرق ..

الملكة: ما هو هذا الفرق من فضلك؟ ..

الملك: الشوارب ..

الملكة: أنا لي شوارب كما أن لك شوارب ..

الملك: نعم .. ولكن شواربي أنا أطول من شواربِك ..

الملكة: هذا فارقٌ غير ملحوظ ..

الملك: يُخيّل إليكِ ..

الملكة: بل يُخيّل إليك أنت .. خيالك السقيم هو الذي يصوّر لك دائماً وجود فارق بيني وبينك

الملك: هذا الفارق موجود .. ويراه بوضوح كل مَن له عينٌ بصيرة .. وإذا لم تصدّقي اسألي الوزير والكاهـن والعالم، وكل هؤلاء السادة الأفاضل المتصلين بالبلاط ..

الملكة: البلاط؟! ..

الملك: ممنوع السخرية من فضلِك! .. عندي شعورٌ متزايد بأنك تحاولين دائماً الإقلال من قيمتي ..

الملكة: قيمتك؟! ..

الملك: وسلطاني .. تحاولين دائما الانتقاص من سلطاني ..

الملكة: سلطانك! .. سلطانك على مَن؟ .. ليس علىَّ أنا على كل حال .. أنت لست أحسن منى في شيء .. أنت لا تطعمني ولا تسقيني .. هل أطعمتني مرة؟! .. أنا التي أطعم نفسي .. كما تطعم أنت نفسك .. أتنكر ذلك؟ ..

الملك: لا يوجد في مملكة الصراصير كلهـا أحـدٌ يطعـم الآخر .. كل صرصارٍ يسعى إلى رزقه بنفسه ..

الملكة: إذن أنا حرةٌ في أمر نفسي؟ ..

الملك: ومَن قال إنك غير حرة؟! ..

الملكة: اتركني إذن وشأني .. أنا التي أقرر متى أعمل ومتى أكسل .. متى أنام ومتى أستيقظ؟ ..

الملك: أنتِ حرةٌ طبعاً .. ولكن بصفتك ملكـة يجب أن تكوني قدوةً حسنة ..

الملكة: قدوةٌ حسنةٌ لمَن؟ ..

الملك : للرعيّة طبعاً ..

الملكة: الرعيّة؟! .. وأين هي الرعية! .. أنا طول عمری ما رأيت حولك أحداً خلاف ثلاثة فقط لا غير .. هم الوزير والكاهن والعالم العلامة ..

الملك: كفاية .. إنها النخبة والصفوة الممتازة ..

الملكة: ولكن بصفتك الملك لا بد أن يجتمع حولك الشعب ..

الملك: أنسيتِ طباع جنسنا؟ .. نحن لسنا مثل تلك المخلوقات الصغيرة التي تسمى «النمل» .. تلك التي تجتمع بالألوف في كل وقت للفارغ والملآن ..

الملكة: لا تذكّرني بالنمل! .. ملكٌ مثلك يزعم أن له قيمةً وسلطاناً، ولا يعرف كيف يحل مشكلة النمل! ..

الملك: مشكلة النمل! .. آه .. آه ..

الملكة : آه .. آه .. هذا كل ما عندك؟! ..

الملك: ما الذي ذكّرِك بالنمل الآن؟! ..

الملكة: تهديده الدائم لنا .. ملكةٌ مثلي .. في مقامي و جمالي وأناقتي وأُبّهتي، أسير في كل خطوةٍ وأنا أرتعد خوفاً من أن تزل قدمى وأنقلب على ظهري .. والويل لي إذا انقلبت على ظهري .. فإني سرعان ما أصبح فريسةً لجيوش النمل ..

الملك: احترسي إذن من أن تنقلبي على ظهرِك ..

الملكة: أهذا هو كل ما لديك من حل؟! ..

الملك: تريدين حلاً في يومٍ وليلة لمشكلـةٍ قـديمة قِـدَم الأزل؟! ..

الملكة: اسكت إذن ولا تفاخر بطول شواربك! ..

الملك: أرجوكِ .. لا تكلّمي الملك بهذه اللهجة! ..

الملكة: الملك! .. أتساءل مَن الذي جعلك ملكاً؟! ..

الملك: أنا الذي جعلت نفسي ..

الملكة: وما هي الملابسات والإجراءات التي أوصلتك إلى العرش وأجلستك على أريكة الملك؟! ..

الملك: ملابسات وإجراءات؟ .. أنتِ مغفّلةٌ ولا مؤاخذة! ..

الملكة: أعترف أني مغفّلةٌ في هذا الأمر فعلاٍ ..

الملك: أي ملابساتٍ وأي إجراءاتٍ يا سيدتي؟! .. المسألة أبسط من كل ذلك استيقظت ذات صبـاح ونظرت إلى وجهي في المرآة .. أقصد في بركة ماءٍ قُرب البالوعة .. تعرفينها أنتِ جيداً هذه البالوعة تلك التي تلاقينا عندها أول مرة .. أتذكرين؟ .. 

الملكة: طبعا أذكر .. لكن ما هي العلاقة بين البالوعة ووجهك والعرش؟! ..

الملك: اصبري قليلاً وأنتِ تعرفين .. قلت لك إني نظرت إلى وجهي في المرآة ، هذا شيءٌ تفعلينه أنتِ بالطبع كل يوم ، وربما كل ساعـة ، لتطمئنى على رونق وجهك ..

الملكة: نحن الآن في وجهك أنت .. تكلم ولا تخرج عن الموضوع ..

الملك: قلت لكِ إني نظرت إلى وجهي في المرآة .. كان ذلك عَرَضاً بالطبع .. أي عن طريق المصادفة البحتة .. أي لم يكن ذلك مقصوداً وأقسم لك ..

الملكة: ما علينا .. نظرت إلى وجهك في البالوعة .. فماذا وجدت؟ ..

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent