خبر
أخبار ملهلبة

"سفاح كرموز" | الفصل الثامن (1)


ساطور أو سكين كبير ملوث بالدماء بعد استخدامه في جريمة قتل

"سفاح كرموز" | الفصل الثامن (1)

 

 

كان ليل 23 نوفمبر 1951 منيراً بالقمر الذي غمر سناه الخافت البر القبلي الهادئ لقنال المحموديّة بحي "كرموز"؛ حين طرق الحاج "عويضة عبد الكريم عجلان" تاجر الغلال (الحبوب) بكف يده على الباب الحديدي الخارجي لشونة "سعد إسكندر" عدّة طرقاتٍ عنيفة فقد كان الحاج رغم كهولته ضخم الجثّة قوي البنيان، فخرج "سعد" من الشونة وفتح للحاج "عويضة" ورحّب به وأدخله وأغلق وراءه الباب الخارجي ثمّ اجتازا معاً حوش المخزن المسوّر الغير مسقوف ثمّ عبرا الباب الداخلي للشونة الذي تركه "سعد" مفتوحاً فأصبحا داخل المخزن المسقوف، وسأل "سعد" ضيفه إن كان قد أحضر المبلغ المطلوب فردّ عليه الضيف بالإيجاب وأشار لجيب جلبابه الأيمن فقد زعم "سعد" أنه يخزّن بالشونة شحنة قمح وأرز آتيةً من "الهند" اشتراها من الميناء بسعرٍ زهيد وعرض على "عويضة" شراءها فوافق شريطة أن يعاينها هذه الليلة على أن يتسلّمها - إذا أعجبته - ويحمّلها في عرباته في الصباح التالي، وكعادته مع ضحاياه فقد أجلس "سعد" فريسته على أحد الكراسي التي تتوسّط المخزن ثمّ استأذنه في تحضير الشاي، مرّت دقائق والحاج جالساً وحده يجول بنظره في أنحاء الشونة فلا يرى سوى بالات وأثواب الأقمشة فقط ولا أثر لأجولة الغلال التي أفهمه "سعد" أنها لا تقل عن مائة، فاسترعى ذلك شكوكه واستدعى حيطته تحسّباً لأي طارئ، وأصبحت عينا الحاج وسط رأسه كما يقول العامّة والدهماء، وما هي إلّا برهةٌ وكان "سعد" يخرج ومعه ساطوره الحاد من وراء كومة الأقمشة متسلّلاً من وراء "عويضة" الذي لاحظ على الأرض أمامه الظل الشاحب "لسعد" والذي رماه الضوء الضعيف لمصباح الزيت الواقع آخر الشونة خلف "سعد"، ولمح "عويضة" خيال "سعد" وهو يأتي من خلف ظهره رافعاً يده ثمّ منهالاً بها عليه فتحرّك جانباً لتفادي الضربة التي طاشت فلم تُصِب رأسه ولكن الساطور نزل على أسفل رقبته فأحدث بها جُرحاً نافذاً انبثق منه الدم بغزارة كالنافورة، ولكن ذلك لم يفت في عضد "عويضة" ذي العضلات المفتولة فتحامل على نفسه واستدار ليُمسِك بذراعيْ "سعد" ثمّ عاجله بضربةٍ من ركبته اليمنى فأصابت أسفل بطن "سعد" الذي جثا على ركبتيْه ثمّ وقع على الأرض متألّماً من قوّة الركلة فاستطاع "عويضة" الإفلات وهو ينزف وركض خارجاً من جزء المخزن المسقوف واجتاز بابه الداخلي محاولاً الهرب ولكنه ما إن بلغ منتصف الحوش المسوَّر الغير مسقوف حتى لحقه "سعد" الذي أفاق من ألمه وانهال عليه من الخلف بساطوره وانتهز فرصة وقوع "عويضة" فبَرَك فوقه وأعمل فيه سلاحه الأبيض وأجهز عليه تماماً، وفي هذه اللحظة تماماً تصادف أن مرّت بالطريق أمام الشونة سيارة نقلٍ تحمل بالات قطنٍ ضخمةٍ وقد جلس فوقها أحد العمّال (تبّاع) على ارتفاعٍ كبير من الأرض فاستطاع كشف ما يحدث من وراء السور وهو في هذا المكان العالي وشاهد الجريمة في آخرها فصرخ طالباً النجدة، وانتبه "سعد" لصراخ الرجل فأسرع وأخذ النقود من جيب ضحيّته الأيمن وكانت ستمائة جنيه ولكنه لم يلتفت إلى مائةٍ وخمسة عشر جنيهاً كانت في الجيْب الأيسر، ثمّ هرول ليختبئ في إحدى حظائر الدواب (الإسطبلات) القريبة تاركا بابيْ الشونة مفتوحيْن على مصرعهما، وقبل أن تبتعد سيّارة القطن كثيراً كان التبّاع قد أوقفها ونزل ومعه السائق لينقذا الضحيّة فدخلوا فناء الشونة فوجدا القتيل وقد فارق الحياة فأبلغا رجل دورية الشرطة الذي أتى بزملائه ليجدوا جثة رجلٍ يرتدي جلباباً أزرق غارقاً في دمائه داخل فناء الشونة ولا يوجد أحدٌ بالقرب منه، كما وجدوا باب الشونة الداخلي مفتوحاً فدخلوا لإجراء المعاينة المبدئيّة فعثروا على انخسافٍ صغير وراء هذا الباب وفوقه عجلتيْ عربة يدٍ خشبيّة، وكان منظر هذا الانخساف غريباً فقد كان أشبه ما يكون باللحد فبدأوا في حفره ليستجلوا طبيعته فعثروا على بقايا عظامٍ آدميّة فتوقّفوا عند هذا الحد وأبلغوا النيابة للتحقيق والطب الشرعي للمعاينة والفحص.

وجلس المحقّق يستمع إلى باقي الشهود الفرعيّين : فشهد "بكر عبد ربه حسنين" أنه أوّل من أمسك بالسفاح بعد ارتكابه للجريمة (وهو في طريقه إلى الإسطبل) وقد كان مرتبكاً في عجلةٍ من أمره ولكنه لم يستطِع أن يقبض عليه لأن القاتل ضربه وأفلت منه دون أن يلحق به، كما شهد "دسوقي حامد هيكل" حلّاق المنطقة بأنه شاهد القاتل بعد هروبه يدخل الإسطبل ليغسل يديه الملطختيْن بالدماء بالداخل فدخل وراءه فلم يجده فظنَّ أنه هرب خارج الإسطبل، ثم شهد "سيد أحمد سيد أحمد" صاحب الإسطبل بأنه فوجئ بالقاتل يتسلّل صباحاً خارجاً من الإسطبل بعد أن بات فيه ليله ولكنه خاف أن يقترب منه فيصيبه أذى، ثم شهد أخيراً "محـمد عبد المجيد صنارة" تاجر الغلال المعروف بأن زميله المجني عليه "عويضة" أخبره أنه في طريقه لإتمام صفقةٍ مع المدعو "سعد إسكندر" في مخزنه ليشتري منه أجولة حبوبٍ يخزّنها هناك وأن المجني عليه كان يصطحب معه مبلغاً كبيراً من المال لذلك.

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent