خبر
أخبار ملهلبة

"سفاح كرموز" | الفصل الثامن (2)


هيكل عظمي آدمي لجثة ميتة مدفونة داخل قبر أو لحد في التراب

"سفاح كرموز" | الفصل الثامن (2)

 

 

وفي نهاية التحقيق كان المحقّق قد تأكّد من أن "سعد" صاحب الشونة وراء هذه الجريمة فأصدر أمراً بسرعة ضبط وإحضار الجاني خاصّةً أن اسمه ليس بغريب فقد تردّد قبل ذلك في قضيّة مقتل السيّدة العجوز "بَمبَة".

ولكن السؤال الذى فرض نفسه على رجال المباحث : من يكون صاحب رفات العظام التى وجدوها مدفونة فى ارض الشونة؟، وجاءت الإجابة سريعاً فقد أشارت التحريات أن هذه العظام  تعود لتاجر الأقمشة المتجوّل "وزيري فام مرقص" حيث عُثِر مع عظامه على محفظةٍ جلديّةٍ خاوية إلا من بطاقته الشخصيّة التي دلّت على هويّته، وعُرِف بعد ذلك أن عائلته قد أبلغت عن اختفائه وقال بعض الشهود أنهم رأوه يدخل شونة "سعد إسكندر"، واستدعت تلك المعلومات الجديدة أن تأذن النيابة بالتفتيش الدقيق للشونة فعُثِر على آثار عربته الخشبيّة التي كان يجرّها "وزيري" ليحمل عليها بضاعته التي انتوى شراءها من "سعد" وهي محروقةٌ فى أحد أركان الشونة كما وُجِدت العجلتان خلف الباب من قبل، وشهد تجّار سوق الأقمشة أن "سعد إسكندر" باعهم كميةً من الأقمشة من دون معرفة مصدرها، ثم أمرت النيابة أيضاً بتفتيش منزل "سعد إسكندر " فعُثِر على بضعة أعدادٍ من مجلّة "الشرطة" التي تخصّصت آنذاك في الحوادث والقضايا الجنائيّة كما وُجِد عددٌ منها يحكي عن قصّة "ريّا" و"سكينة" ولوحظ أيضاً أن "سعد" قد وضع إشاراتٍ حوْل الجزء الذى تتحدّث فيه المجلّة عن كيفية إخفائهما لجثث ضحاياهما تحت أرضية منزلهما، وفُهِم من ذلك بالطبع أنه كان يريد أن يعرف هذه الكيْفيّة ليطبّق طريقتهما فى دفن الجثث في مخزنه ولذلك استصدر رجال المباحث إذناً آخر لتفتيش المخزن تفتيشاً أكثر دقّة وأعم إتقاناً فتمّ التنقيب والحفر في جميع أرجاء المخزن بعد إفراغه من الأقمشة وباقي المحتويات فوُجِدت عظامٌ آدميّةٌ مدفونة في أماكن متفرّقةٍ أخرى بالمخزن واكتشف الطب الشرعي أنها تنتمي لسبع جثثٍ أخرى من السيّدات و الرجال، وأيقنت وزارة الداخليّة أنها بصدد سفّاحٍ خطير يهدّد أمن المجتمع وسلامة أفراده فأعلنت عن رصدها لمبلغ خمسمائة جنيه كمكافأةٍ لمن يُرشِد عن مكان السفّاح أو يُدلي بمعلوماتٍ أكيدة تؤدّي للقبض عليه.

ومنذ تلك اللحظة أطلقت الصحافة على "سعد" لقب "سفاح كرموز" واحتل جميع العناوين فى الصحف والمجلات ونسى الناس السياسة والفن والأعمال ولم يكن على لسانهم غير "سعد إسكندر" الذي أثار الرعب في قلوبهم وكانت أسطورته تتضخم يوماً بعد يوم فأشاع الأهالي أنه ارتكب خمسين جريمة قتل وبالغ أحدهم : بل ثمانين، وصاروا يعزون اختفاء أي شخصٍ للسفّاح الذي صوّره الناس على أنه ضخم الجسمان مفتول العضلات ذو ملامح قبيحة عكس الحقيقة.

ومن ناحيةٍ أخرى فبعد أن هرب "سعد" إثر ارتكابه الجريمة وبعد أن قضى ليلةً واحدة في ذلك الإسطبل جلس يفكّر مليّاً في مكانٍ يختبئ فيه حتى يدبّر أموره فتبادر إلى ذهنه "قدارة" صاحبة ذلك المقهى بشارع "النيل" فذهب إليها من فوْره وقابلها واعتذر منها أوّلاً في عدم اتّصاله بها طوال تلك الفترة بسبب مشاكلٍ مرَّ بها ولم يُرِد أن يقحمها فيها، ثمّ أفهمها - زوراً - أن بعضاً من أبناء بلدته في الصعيد والتي هرب منها منذ سنوات قد أمكنهم معرفة مكانه في "الأسكندريّة" فحضروا ليأخذوا بثأرهم منه لأن أباه كان قد قتل شخصاً من عائلتهم، وشرح لها أنه يريد أن يختبئ في منزلها بعد أن عرف منذ مدّة أن زوجها قد وافته المنيّة بعد صراعٍ طويل مع المرض وأن بيتها هو أنسب مكان له ليختبئ فيه مؤقّتاً، ولم تخيّب "قدارة" أمله فيها فاصطحبته لمنزلها خفيةً عن الناس وظلَّ "سعد" ملازماً للمنزل طيلة أسبوعيْن كامليْن حتى شعر في آخر يوميْن فيهما بأن "قدارة" قد تبدّلت من ناحيته ولم تعد تعامله جيّداً كما كانت؛ فلم تعد تلاطفه أو تجالسه أو تختلي به في غرفة نومه كما اعتادت فظنَّ أنها تتحاشاه وتتجنّبه لأنه أصبح ضيفاً ثقيلاً عليها لأنها تعوله وتأويه أو أنه أصبح عبئاً ومصدراً للقلق لأنها تخاف على حياتها من أولئك الذين أفهمها أنهم يريدون قتله فربما يقتلونها معه، فقرّر أن يترك - اليوم وليس غداً - منزل "قدارة" ويعود ليعيش منزوياً في بلدته "أبو تيج" فقد توهّم أن حادثة قتل "عويضة" قد هدأت ولم يعرف بأمر المكافأة الضخمة - آنذاك - التي تجعله هدفاً للجميع، وقد كان "سعد" محقاً في شعوره فقد تغيّرت فعلاً معاملة "قدارة" له ولكنه لم يكن محقاً في ظنه بسبب التغيّر فلم تتثاقل من رعايته ولم تخَف على نفسها بل كانت متردّدة في آخر يوميْن فيما يجب عليها فعله حيال "سعد" فقد سمعت من أحد زبائن المقهى خلال جلوسها فيه بأمر سفّاح "كرموز" الذي رصدت الشرطة مكافأةً كبيرة لمن يدل على مكانه ولمّا استزادت في التطفّل لمعرفة حقيقته وأوصافه وأخباره أدركت أن "سعد" هو سفّاح "كرموز" المنشود وأن ما عليها سوى أن تُبلِغ عنه الشرطة لتتحصّل على ذلك المبلغ المحترم ولكن قلبها لم يطاوعها على تسليم من استجار بها وأحبته، وما انفك هذا التردّد يلازمها هذيْن اليوميْن حتى عقدت عزمها على الإبلاغ عنه حتى لا تُساءَل عن إيواء مجرمٍ أو تُعتبَر شريكةً معه في جرائمه.

وعندما ذهبت السيّدة للشرطة وأبلغت عنه وأفادت بأنها لم تكن تعرف أنه سفّاح "كرموز" المطلوب أُرسِلت معها قوّةٌ كبيرة من أفراد الشرطة حتى يقبضوا على المتّهم ولكنهم لم يجدوه فقد غادر المنزل للتو فندبت "قدارة" حظّها التعِس الذي أفلت منها الخمسمائة جنيه بسبب التردّد والحيرة.

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent