خبر
أخبار ملهلبة

"سفاح كرموز" | الفصل الثامن (3)


الأوتوبيس أو الحافلة القديمة التي هرب فيها سفاح كرموز سعد اسكندر

"سفاح كرموز" | الفصل الثامن (3)

 

 

وفي هذه الأثناء كان "سعد" في موقِف حافلات الأقاليم "بمحطّة مصر"، وفي المكان المخصّص لأوتوبيسات الصعيد حيث كان "سعد" ينتظر الأوتوبيس المتّجه إلى "أبو تيج" تصادف وجود أحد معارفه وهو "زكي سليمان" كاتب الحسابات بمحكمة "أسيوط" والذي كان عائداً "لأسيوط" بعد أن مكث في "الأسكندرية" قرابة الأسبوع لتأدية واجب العزاء في عمّه التاجر بالميناء، وخلال هذا الأسبوع عرف من أقربائه المقيمين "بالأسكندريّة" بأمر "سعد" وجرائمه والمكافأة المخصّصة بشأنه، ولمّا شاهد "زكي" "سعد" في الموقِف بحث بعيْنيْه عن أحد أفراد الشرطة ولكنه لم يجد وخاف أن يغامر بمحاولة الإمساك وحده بالسفّاح الخطير فيطعنه أو يجرحه خاصةً أنه رجلٌ مسنٌ ضعيف فآثر أن يراقبه خِلسةً حتى يرى أحداً من الشرطة فيشير له للقبض على السفّاح ويفوز هو بالخمسمائة جنيه، ولم يظهر أحدٌ من الشرطة حتى جاء أوتوبيس "أبو تيج" فاستقلّه "سعد" وهو يتلفّت يَمْنَةَ ويَسْرَة ليتأكّد من أنه بأمان دون أن يدري أن "زكي" يرصد تحرّكاته من بعيد، وأغلق السائق باب الحافلة وقبل أن ينطلق متّجهاً "لأبو تيج" كان رقيباً (شاويشاً) بالشرطة قد ظهر فأسرع إليه "زكي" وأبلغه بما رأى فأطلق الشاويش صفّارته ليجمع عساكره ومخبريه المنتشرين بالموقِف وليوقِف الحافلة التي بدأت في المغادرة فجرى وراءها الشاويش وبعضٌ من عساكره الذين أتوا مسرعين ولكنهم لم يدركوها فقد انطلقت بسرعةٍ كبيرة ممّا اضطر الشاويش إلى إبلاغ رؤسائه لاتخاذ اللازم.

وتمّت إقامة عدّة أكمنة على طريق "القاهرة - أبو تيج" دون أن يكتشف أحد أمره فقد كان هناك اختلافٌ كبير بين الصورة التي وزّعتها الشرطة على أفرادها وبين الشكل الحقيقي البريء لملامح "سعد" الذي حاول إبعاد الشبهات عنه بأن أجلس على حِجره الطفل ابن السيّدة التي كانت تجلس في الكرسي المجاور له بحجّة أنه يحب الأطفال وأنه يريد تخفيف الحِمل عن السيّدة التي كانت تحمل طفلاً رضيعاً آخر؛ فظهر "سعد" أمام مّن يفتّش الحافلة كأنه زوجٌ للسيّدة التي تجلس بجواره وأبٌ للطفل الذي يجلس على ركبتيْه، وعند كل كمينٍ يستوقف الحافلة يكاد "سعد" أن يموت خوفاً من التعرّف عليه والإمساك به فكانت أعصابه تحترق كثيراً عندما يصعد أفراد الشرطة ليتفحّصوا الراكبين ويضطر هو إلى تصنُّع اللامبالاة أو إلى مداعبة الطفل الجالس فوقه أو إلى النظر عبر النافذة ليتلافى تلاقي عيْنيْه المكسورتيْن بعيونهم المفتوحة عن آخرها، ورغم ذلك فإن كل الكمائن أفادت إدراتها بعدم وجود السفّاح على متن أي حافلة ممّا جعل الشرطة تعتقد أن السفّاح ربما غادر الحافلة قبل مرور الحافلة على أوّل كمين أو ربما كان "زكي" يدّعي رؤية السفّاح للفوز بالمكافأة.

وقبل وصول الحافلة لمركز "أبو تيج" بقليل طلبت السيّدة التي تجلس بجانب "سعد" من السائق أن يقف عند قرية "باقور" حيث غادرت السيّدة الحافلة آخذةً معها طفليْها فشعر "سعد" وكأنه يجلس بلا حماية ولكنه طمأن نفسه بأنه لم يبقى غير دقائقٍ ليصل إلى بلده.

وأخيراً وصلت الحافلة إلى مشارف بلدته "أبو تيج" حيث توقّفت في آخر كمين يقوم بتفتيش الحافلات واستوقف القائم على الكمين الملازم أوّل "فخري عبد الملك" الأتوبيس وصعد ليتفقّد الركّاب فرأى شاباً يجلس وحيداً يشبه من بعيد صورة السفّاح المبلَّغ عنه فباغته بالسؤال عن اسمه - فلم يكن كل الناس يحملون بطاقاتٍ شخصيّة أو عائليّة في الصعيد في هذا العصر - فأجاب "سعد" :

- آآ .. إسمي "جورج عبد السلام".

فتعجّب الملازم من هذا الاسم الذي يجمع بين المسيحيّة (جورج) والإسلام (عبد السلام)، وقبل أن يستوضح أكثر جاءه عسكري من طرف زميله الملازم "شوكت" يصعد الحافلة ويقول وهو يؤدّي التحيّة العسكريّة :

- تمام يا افندم .. حضرة الظابط النوبتجي "شوكت" باعتني علشان اقول لسيادتك إنه عايز الشاويش "فاروق" ف النقطة.

ورد عليه "فخري" بغضب قائلاً :

- روح يا ابني قول له إنه مش فاضي .. واقِف ف الكمين مع الملازم "فخري عبد الملك".

ثمّ استدار "فخري" فجأة وأعاد السؤال على "سعد" ولكن بصورةٍ أكثر حِدّة :

- قلت لي اسمك إيه؟

فارتبك "سعد" واختلط عليه الأمر بعد أن نسي اسم "عبد السلام" والتصق بذهنه اسم "عبد الملك" الذي كان آخر اسمٍ تردّد على مسامعه فقال متلعثماً :

- آآآآ .. اسمي .. سيادتك .. آآ .. "جورج" .. "جورج عبد الملك".

وهنا انتبه الضابط الى اختلاف الاجابة وتعجّب من نسيان المشتبه به لاسمه فترك الضابط سائر الركّاب وحدَّق إلى محدّثه جيّداً ثمّ وضع يده على كتف "سعد" بعد أن تأكّد أنه يكذب في اختلاق اسمه فارتعد "سعد" وارتجف جسمه فازدادت شكوك الضابط في أن هذا الشخص الذي لا يعرف اسمه هو السفّاح المبلَّغ عنه بعيْنه، فقال بصوتٍ حاسم :

- إنت "سعد اسكندر" سفاح "كرموز".

وأمر عساكره بإلقاء القبض عليه فوراً وسط محاولات "سعد" الفاشلة لدفع التهمة عنه ومقاومة القبض عليه، ونظراً لخطورته على الأمن والسِلم العام فقد وضع العساكر "سعد" وهو مكبّل بالأصفاد في يديْه والأغلال في قدميْه في سيّارة الشرطة حيث تم نقله فوراً إلى "الأسكندرية" تمهيداً للتحقيق معه.

google-playkhamsatmostaqltradent