خبر
أخبار ملهلبة

الأمن والأمان | حد ضامن يمشي آمن أو مآمن يمشي فين (2)


كاريكاتير عن مواطن مفلس يخرج جيوبه الخاوية مكتوب عليها الأمن والأمان

الأمن والأمان (2) 

 

 

وبعد أن وصلت لسيّارتي قفزت داخلها وخلعت الكيسيْن وعدّلتُ من بنطلوني وأدرت السيّارة فانطلق الراديو على صوت "شادية" وهي تغنّي "ادخلوها سالمين ادخلوها آمنين .. مصر بلد المؤمنين مصر بلد الطيبين" ولكن الأغنية لم تكتمل بسبب قطع المذيعة إيّاها والتي واصلت حديثها الخيالي: "ومعانا ثديق البرنامج الدائم الأثتاذ "ثبري ثابر" ونقول له آلو" فجاءها صوتٌ على الجانب الآخر يقول سريعاً دون توقّف: "صباح الخير يا ست الكل .. أنا باحاول اتصل بحضرتِك بقى لي ساعة بس السكّة مشغولة على طول .. بس مش مشكلة .. أنا فاضي النهار ده ومش رايح الشُغل .. أصل قوّات الأمن قافلة الشوارع كلها في المنطقة ومانعين أي حد يدخل أو يخرج .. إكمن حضرتِك حصل انفجار في الكنيسة اللي هنا من ساعتين .. واللهِ يا مدام "رانيا" أنا مش عارف الإرهابيّين الكفرة دول عايزين مننا إيه؟ .. قال إيه بيقولوا على نفسهم جماعات إسلاميّة قال!!! .. دول حتى المسلمين ما سلموش منهم .. شفتي إزاي فتحوا الرشّاشات على الناس وهيَّ بتصلّي الجمعة في "العريش" وقتلوا تُلتميت واحد .. حسبي الله ونعم الوكيل .. يستاهلوا اللي الشرطة والجيش بيعملوه فيهم .. وانا بانتهز الفرصة دي واحب أبعت رسالة حب لجيشنا وشرطتنا وبرقية تأييد لرئيسنا العظيم اللي لولاه لكانت "مصر" زي "سوريا وليبيا والعراق واليمن" والعياذ بالله .. ريّسنا هوَّ اللي حامينا ومانع عننا بلاوي كتيرة وطول ما هو موجود ح تفضل بلدنا بلد الأمن والأمان بصحيح .. ما اطوّلش عليكم بقى .. تتصبّحوا بكل خير".

وقبل أن أسمع رد المذيعة على هذا المواطن المستمتع بالأمن والأمان فوجئت بصوت ارتطام عالي ورجّة شديدة بسيّارتي بسبب اصطدام إحدى السيّارات بي من الخلف فشمّرت سروالي مرةً أخرى وارتديت الكيسيْن وترجّلت عن سيّارتي لأستطلع ما حدث فدار هذا الحديث الهادئ بيني وبين قائد السيّارة الأخرى الذي بادرني وقال:

- جرى إيه يا جحش انت؟ .. مش تخلّي بالك.

- أنا اللي اخلّي بالي .. ده انت اللي خابطني من ورا .. وبعدين إيه جحش دي .. عيب كده.

- فيه حد يقف كده فجأة زي الطَحْش؟

- ما هي السكّة واقفة أصلاً .. ويعني إيه طحش؟ .. باين عليك قليل الأدب ومش متربّي.

- الله الله الله .. أنا قليل الأدب ومش متربي .. أمّا انت راجل كبير ومهزّأ .. طب تعالى بقى يا حلو نشوف مين ح يربي التاني .. قدّامي ع القسم يا روح امّك.

- تعالى يا خويَّ نروح القسم .. أنا ح اعلّمك هناك تتكلّم إزّاي مع الناس المحترمين.

- ده انا اللي ح اعلّمك علامة تفتكرني بيها بقية عمرك يا ابن الـ......... .

وبالفعل ذهبت مع ذلك السافل لقسم الشرطة حتى ينجدونني من سلاطة لسانه واعتداءاته اللفظيّة على طبيب محترم في سن والده مثلي، ولكنني ندمت ندماً شديداً على لجوئي للشرطة حيث اتضح أن الرجل "أمين شرطة اسم الله" ولم يألُ جهداً أو يتركني إلّا بعد أن رحّب بي في مكان عمله مع زملائه الذين كانوا يجاملونه فتركوا جميعاً آثار الترحيب على وجهي وقفاي وما تيسّر من أجزاءٍ أخرى في جسدي ممّا دفعني بسرعة لأن أعتذر له لسوء أدبي معه وأعوّضه بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه قبل أن ينفّذ تهديده بعمل الجلّاشة معي ثم أخذي على سطح الواد حماده خصوصاً وقد شاهدت علامات تلك الجلّاشة على وجوه بعض المعارضين السياسيّين المحتجزين داخل القسم في انتظار ترحيلهم لمعتقل "المغول" لمجرّد إبدائهم آرائهم المناهضة للحكومة.

وذهبت للعمل منهكاً وأنا أعرج ولم ألحظ أن بنطلوني ما زال مُشمَّراً وركبتاي ظاهرتان للعيان، وفسّرت لزملائي الكدمات الأرجوانيّة حوْل عينيَّ وفكّي والتورّم الخلوي الذي حاق بقفاي بسقوط كبّوت العربيّة فوقي وأنا أصلح ترموستات السيّارة، ويبدو أنهم استنتجوا بأنني أخذت علقة موت وأخجل من قوْل الحقيقة خصوصاً بعد أن عرفت لاحقاً أن هذا الترموستات الذي ذكرته لا يوجد بالسيّارة بل بالثلّاجة.

 وفي عيادتي امتنعت تماماً عن سماع الراديو واكتفيْت بمتابعة التلفاز حيث كانوا يذيعون برنامج "أمان يا مصر" الذي كان يناقش سبل منع تكرار الحوادث الجماعيّة في القطارات والعبّارات والمعديّات والطائرات والمناطيد والمسارح والمستشفيات والملاهي والملاعب وحوادث الطرق والتي راح ضحيتها الآلاف من القتلى والمصابين الآمنين في كل ربوع البلاد، وسرحت فيما كان سيقال عن "مصر" لو لم تقع كل هذه البلاوي ولكن قطع تفكيري دخول إحدى الممرضات عليَّ وهي تبكي وتنوح طالبةً الاستئذان للوقوف مع أختها في محنتها بعد أن لقي زوجها مصرعه إثر سقوط لافتة إعلانات ضخمة فوقه بسبب الرياح العاتية وهو يسير آمناً على الرصيف، والغريب أن القتيل الفطيس كان اسمه "مأمون" واللافتة التي انفعص المرحوم تحتها كانت تعلن عن شركة "الأمان للتأمين".

google-playkhamsatmostaqltradent