خبر
أخبار ملهلبة

تريند المعلمين بين تكريمهم وتحريقهم | ماصر أوم الدونيااااا



تريند المعلمين بين تكريمهم وتحريقهم | ماصر أوم الدونيااااا

 

 

شهدت منصّات التواصل الاجتماعي مؤخّراً ظهور تريند جديد يحمل طابعاً إيجابيّاً ومُبهِجاً، وهو ما أُطلِق عليه "تريند المدرِّسين"، حيث يعبر الطلاب فيه عن تقديرهم وامتنانهم للمعلِّمين من خلال تقديم هدايا الشوكولاتة والحلويات لهم، ولم يقتصر التريند على طُلّاب المدارس فقط بل امتد أيضاً ليشمل طُلّاب الجامعات.

وقد يُقدِّم الطالب تلك الهدايا بنيّةٍ سليمةٍ وطويّةٍ حسنة وقد يقبلها المعلِّم بضميرٍ بريءٍ وسريرةٍ صافية دون التفكير في الغايات الخبيثة والمقاصد السيّئة التي ربما تكون وراءها، وقد يُثمِّن البعض تلك التريندات الجيّدة والمبادرات الإيجابيّة التي تُعزِّز قيم التقدير والمحبة والترابط التي يحتاج لها مجتمعنا بشِدّة في تلك الأيّام الصعبة، ولكنني – وللوهلة الأولى – لم أشعر بالارتياح إزاء ذلك التريند الذي يفتح فيه المعلّم يده انتظاراً لما يجود به تلاميذه من هدايا (ولو بسيطةٍ أو رمزيّة) لما في ذلك من خدشٍ لصورة المعلِّم ومكانته التي لا بُد لها من أن تكون مُنزّهةً عن الأغراض ولا مناص لها أن تبقى بمنأىً عن الشكوك، فكما نعلم جميعاً أن المعلّم بمثابة القدّيس وأنه كاد أن يكون رسولا، كما أن التكريم الحقيقي للمعلِّم يكون باحترامه وإجلاله ومعاملته بكل أدبٍ ولياقة وباتباع نصائحه وتوجيهاته.

ولأن الدين الإسلامي لم يترك أمراً – ولو بسيطاً – دون أن يبحثه ويبيّن لنا فيه حُكمه فقد أفتى الشيوخ الأجلّاء "ابن تيْمية" و"ابن القيّم" و"العثيْمين" بعدم جواز إهداء التلاميذ لمعلِّميهم الهدايا والعطايا (رغم مشروعيّة التهادي بين المسلمين واستحبابه كما هو معلوم)، وذلك بناءً على حديث نبيّنا الشريف – صلّى الله عليه وسلّم – الذي قال: "مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقاً، فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ" (الغُلول: هوكل ما تم أخذه بغير حق كالسرقة والرِشوة)، وعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَال: "اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَجُلاً عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ، قَالَ الرجُل: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقاً. ثُمَّ خَطَبَنَا الرسول، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:  أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى العَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، أَفَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ، وَاللَّهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئاً بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَداً مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيراً لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ".

فهل لو جلس المدرِّس في بيْت أبيه وأمه كانت تأتيه تلك الهدايا؟!، إنما جاءته هذه الهدايا بصفته معلِّماً، رغم أنه يتقاضى عن ذلك أجراً ولا يحتاج إلى هدايا تلاميذه التي قد تؤثّر في نفسه (بالبلدي كده: تكسر عينه) فتجعله يحيد عن عقاب أحد هؤلاء التلاميذ لتقويمه أو تجعله يجامل أحدهم في الدرجات التي يستحقها أو تجعله يغض الطرف عن تصرُّفات بعضهم غير اللائقة التي ربما تنال من هيْبته كمعلِّم ومنزلته كمُربّي فاضل.

والأصح أن يرد المعلِّم برفق هدايا طُلّابه ردّاً جميلاً دون أن يحرجهم شاكراً لهم سلوكهم الطيّب نحوه حتى يتحرّر من أي ضغوطٍ قد تؤثّر على قراراته حيالهم وتعيقه عن أداء عمله على الوجه الأكمل، فبالرغم من افتراضي وظنّي بأن أغلب التلاميذ ذوي نوايا طيّبة إلّا أنني أعتقد أيضاً بأن بعض الهدايا ليست خاليةً من النوايا السيّئة لأصحابها التي يقدِّمونها على سبيل الرِشوة أو التأثير على معلِّمهم، ولذا فمن بابٍ أوْلى أن يتّقي المدرِّس الشُبهات ويبتعد عن الريبة ويُغلق أي منفذٍ قد تدخل منه الشكوك والإلتباسات.

ولكن لا بأس من قبول تلك الهدايا الرمزيّة البسيطة عند زوال المنفعة بين المعلِّم وتلميذه أي مثلاً:

-       بعد نهاية الدراسة وظهور الدرجات بحيث لا يَدرِس أصحاب الهدايا عند ذلك المعلم مرّةً أخرى (بسبب تخرّجهم مثلاً) فتنتفي أي أغراضٍ من وراء تلك الهدايا وتكون لا مفسدةٌ من قبولها ولا مقصدٌ سيئٌ منها، فيشرع قبولها.

-       أو مثلاً وقت الاحتفال بتقاعد أحدالأساتذة الأجلّاء.

-       أو مثلاً عند تكريم أحد المعلّمين الأفاضل بعد مشوار سنواتٍ طويلةٍ من تخريجه لأجيالٍ عديدةٍ.

أمّا عمّا حدث في "مصر" في إطار ذلك التريند فلا داعي للتعليق عليه لأنه حادثٌ فرديٌ كارثي لا يُعبّر عن الغالبيّة العظمى لأبنائنا الطُلّاب، ولكنني لا أستطيع أن أمنع نفسي من تحريف بيْت الشِعر المعروف لأمير شُعرائنا "أحمد شوْقي" ليُصبح ذلك التحريف ملائماً ومتماشياً مع زمننا الصعب الكئيب الذي ساءت فيه تربية بعض الأطفال والشباب تحت وطأة الأزمة الاقتصاديّة وفساد الإعلام وغياب القدوة .. ممّا يجعلني أقول:

"ولّع في المعلّم وفّهِ التحريقا .. كاد المعلّم أن يموتَ حريقا"!!!!!

google-playkhamsatmostaqltradent