خبر
أخبار ملهلبة

صورة واحدة خبيرة طاقة (2) | صور مشقلبة | د. أحمد صادق




صورة واحدة خبيرة طاقة (2)

 

 

الجُمعة:

رُكبي بتخبّط ف بعضها وخايفة موت، الندوة ح تبدأ بعد نُص ساعة، ميس "معلومة" طمأنتني بأن الندوة الأولى دائماً صعبة ولهذا فيجب عليَّ عدم النظر للحاضرات وإلقاء ما حفظته في المُحاضرة دون الالتفات إلى أي رد فعلٍ أو سؤالٍ من الحاضِرات، وقالت لي أن أي واحدة تسألني أقول لها إننا عايزين نبقى مُنظَّمين ف الندوة وإن فقرة الأسئلة ح تبقى بعد انتهاء المُحاضرة، ولمّا اخلَّص المُحاضرة أبقى اعتذر عن إجابة أي أسئلة وأقول إن الوقت سرقنا وإني مُضطرّة لإنهاء الندوة بسبب ارتباطي بموْعد ندوة أُخرى ف الجامعة الأمريكيّة، هوَّ يعني حَد ح يفتِّش ورانا، وقالت لي أمشي على نفس النظام أوِّل كام ندوة لغاية ما اتوَتِّك ف الكار وأكون قريت لي كذا كتاب كمان علشان اعرف أدوحر مع السِتّات اللي ح يسألوني وما اعطلش قُدَّامهم خصوصاً إن اللي بيسألوا دايماً بيبقوا نسوان متفزلكين وكل واحدة عايزة تبيِّن نفسها مُثقَّفة وتعمل فيها فلّوطة مع إنها يا موْلاي كما خلقتني وما تعرفش الألِف من كوز الدُرة الناشَف.

تحمَّستُ بعد تلقّي هذه التعليمات الصائبة ودخلتُ القاعة وأنا أمشي في ألاطة وجلستُ على مقعدي بمنتصف المنصّة وقد ارتسمت على ملامحي أمارات القرف والاشمئزاز كأي مثقّفٍ يُريد أن يتصنَّع الأهميّة.

وبعد أن قدَّمتني ميس "معلومة" للحاضرات دعتني لإلقاء المحاضرة، فرفعت يدي مُكتفيةً بفاصلٍ قصيرٍ من التصفيق وبدأت النخع:

-       اسمحوا لي أوَّلاً أن أحيي السيّدات الحاضرات اللاتي استقطعن من وقتهن الثمين تلك السويْعات الخاطفة لزيادة مداركهن ورفع حصيلتهن الثقافيّة (ملحوظة: تلك المُقدِّمة الفصيحة استقيْتُها من إحدى المُحاضرات القديمة المنشورة على اليوتيوب) .. ودعوني أوّلاً أقوم بتعريف "عِلم الطاقة" الذي لا يعرفه الكثيرون .. علم الطاقة – أيتها الآنسات والسيّدات العزيزات – هو الدراسة المُستفيضة لكل الآفاق العموديّة المُختصّة بالبُعد الميتافيزيقي والسَيْكوفِسيولوجي من المستوى الكمّي إلى المُحيط الحيوي لكل ما يشمله المنظور الديناميكي الحراري والكيميائي التفاعُلي الكيْفي وذلك في نطاقٍ غير محدودٍ للعوامل البيئيّة المُحيطة بالإنسان .. أظُن واضح.

ورفعتُ رأسي لأرى رد فِعل الحاضرات وتوقَّعتُ أن تخلع بعضهن أحذيتهن وتقذفنني بها نظراً للكلام الفارغ الذي قُلتُه والذي لم أفهمه أنا شخصيّاً، ولشد ما كانت دهشتي حين رأيتهن كلّهن تهززن رأسهن من أعلى إلى أسفل (كعرائس الكلاب الموْضوعة على تابلوه التاكسيّات والميكروباصّات) تأميناً على كلامي وكأنهن يعرفن مُسبقاً ما أقول، بالتأكيد هن تور الله ف برسيمه ولكنهن يتصنَّعن المعرفة والثقافة، حينئذٍ اطمأننتُ على المستوى الفكري المُتدنّي لهؤلاء النِسوة العاهات اللاتي ترفضن الاعتراف بجهلهن ممّا شجَّعني على الاندفاع في حديثي بدون فرامل، فتكلّمتُ عن مسارات الطاقة في جسم الإنسان والعناصر المُحيطة به وكيف تتحكَّم قوانين الطاقة في تصرُّفات الرجل والمرأة والطفل كُلٍّ على حِدا، وأثناء كلامي كنتُ أُراجِع بين الفيْنة والأُخرى رؤوس المواضيع في الكتاب الذي استعرتُه من ميس "معلومة" والذي وضعته على حِجري دون أن يلاحظ أحد اتجاهات نظري بسبب النظّارة ذات اللوْن الغامق التي أرتديها ممّا ساعدني على استيفاء كل المعلومات التي ذكرها الكتاب الذي لم أفهم منه شيْئاً من الأساس.

وأخيراً تحدَّثتُ عن العلاقة بين قِطع الأثاث في المنزل وبين علم الطاقة، فتكلَّمتُ مثلاً عن أثر الأنتريه حرف "L" في التفكُّك الأُسري، وكيف تؤدّي مرايات حُجرة النوْم إلى انعكاس الطاقة السلبي التردُّدي على الأزواج، وحذّرت من أن وضع شاشة التليفزيون في مكانٍ عالٍ على الحائط يُسبِّب قِلّة الطموح والفشل، وطلبتُ من الحاضرات أن يحترسن لأن البراويز بتعمل عكوسات والسجاجيد بتعمل تعطيلات والقوْلون بيعمل غازات والشطّافة بتجيب الفقر.

وعقب انتهاء المُحاضرة فوجئت بوابلٍ من التصفيق الحاد وصيْحات الإعجاب بما قُلت، فاعتذرت بلباقة عن إضاعة المزيد من الوقت مع "السيّدات الفارغات" لأن موْعدي في الـ"إيه يو سي" قد أزف.

الأحد:

لم يمضِ أكثر من يوْميْن على ندوتي إلّا وتلقيْتُ دعوةً جادّةً من فريق إعداد برنامج "السِتّات ما يعرفوش يفهموا" بقناة "الأوْهام" الفضائيّة للحديث عن أهم المُستجدّات بعلم الطاقة نظير عشرين ألف جنيه، وفي البرنامج كانت تلك المُساجلة بيني وبين المُذيعة التي كانت لثغاء فتنطق الراء ياءً:

-       أهلاً بكم مُشاهدينا الإعزّاء في بيْنامجنا الأسبوعي: "السِتّات ما يعيَفوش يفهموا" .. يُسعدنا ويُشيّفنا أن نستضيف اليوم الدكتوية "يوْحيّة الهايف" خبيية الطاقة بجامعة "لي وانج شين" الصينيّة .. أهلاً بحضيتِك.

-       أهلاً يا حبيبتي .. أنا سعيدة إني ف البرنامج الجميل ده اللي باحبّه بجد وباتابعه باستمرار (بصراحة كُنت أوِّل مرّة اسمع عنّه) .. وانا تحت أمرِك في أي سؤال.

-       الأَمي لله يا فندم .. بدايةً كنّا عايزين نعيَف الدكتوياه بتاعتِك كانت عن إيه؟

-       كانت عن تأثير كنكة القهوة النحاس في مُستقبل الأُسرة.

-       جميل .. بس إيه دخل ده بدياستِك الأصليّة؟! .. مُعِد البيْنامج عيَف إن حضيتِك أصلاً معاكي دبلوم صنايع من معهد الـ"دون بوسكو" في تخصُّص الخياطة والحياكة والتطييز.

-       آآآآ .. آآآه فعلاً .. المعهد ده أنشأه رجل دين مسيحي إيطالي ف "اسكندريّة" .. والدبلوم ده مُعتَرَف بيه في "إيطاليا" .. وكُنت أشطر واحدة ف التطريز .. بس كانت هوايتي دايماً إني أقرا في عِلم الطاقة .. لغاية ما جات لي الفُرصة وأخدت شهادة الدكتوراه أون لاين من قسم التعليم المفتوح في أكبر جامعة ف "الصين" .. بَس.

-       بيافو عليكي .. شيء يائع إنك تجيي ويا حلمِك لغاية ما تحقَّقيه .. طب يا دكتوية كان فيه مُشاهِدة للبيْنامج حضيت محاضية حضيتِك عن العلاقة بين عناصيْ البيت والطاقة اليوحانيّة .. يا تيى فيه مُستجدّات في هذه العلاقة؟ .. يعني إيه الجديد اللي حضيتِك ما قولتيهوش في المُحاضية؟



(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent