خبر
أخبار ملهلبة

هي (أو "عائشة") | هنري رايدر هاجارد | (23) حفلة الرقص


النار تشتعل وألسنة اللهب تتصاعد من جثث الموتى

(23) حفلة الرقص

 

 

استيقظت من نوْمي وأنا أنتفض، فوقع بصري على "عائشة" وهي تتسلَّل من الغُرفة بهدوء، وكانت واقفةً بين فِراشي وفِراش "ليو"، ولكنني استسلمتُ للنوْم مرّةً أُخرى، فإذا كان الصبـاح نهضتُ من الفِراش وأنا أشعر بالإعياء واضطراب الأعصاب.

وأخيرا حانت الساعة التي حدَّدتها "عائشةٌ" ليقظة "ليو"، فجاءت إلى الغُرفة وهي مُقَنَّعةٌ وقالت:

-       سيصحو الآن يا "هولي" وهو حافظٌ لقواه العقليّة فستزايله الحُـمّى الآن.

وما أن فاهتْ بهذه الكلمات حتى تقلَّب "ليو" في فِراشه وتمطَّى وتثاءب، ثم فتح عيْنيْه فرأی شبح امرأةٍ ماثلةٍ فوقه، فطوَّقها بذراعيْه وقبَّلها ظنّاً منه أنها "أوستين" إذ لم يلبث أن قال بالعربيّة:

-       أهذه أنتِ يا "أوستين"؟ .. لماذا عصبت رأسكِ هكذا؟ .. أتشعرين بألمٍ في أسنانكِ؟

ثم تحوَّل إلى "جوب" وخاطبه بالإنجليزيّة وقال:

-       إني جائعٌ جِدّاً .. ماذا حدث .. وماذا أصابنا؟

فأجاب "جوب":

-       لا تُكثِر من الكلام يا سيّدي لأنك كنتَ مريضاً مرضاً خَطِراً .. وسبَّبت لنا كثيراً من القلق.

ثم نظر إلى "عائشة" واستطرد:

-       لو سمحتْ لي السيّدة .. جلبتُ لك الطعام.

وللمرّة الأولى تنبَّه "ليو" إلى "السيّدة" الواقفة بجانبه، فصعدها بنظره مُدَقِّقاً، ولم يلبث أن قال:

-       ماذا حدث؟! .. هذه ليست "أوستين" .. أیْن "أوستین"؟

فقالت "عائشة"؛ وكانت كاذبة:

-       لقد ذهبتْ في زيارةٍ خاصّة، وأنا أقوم الآن على خدمتك بالنيابة عنها.

نطقت "عائشة" بهذه الأُكذوبة في لهجةٍ رقيقة، فلاحتْ آثار الاضطراب والارتباك على "ليو"، ولكنه لاذ بالصمت، وتناول طعامه، ثم استسلم للنوْم مرّةً أُخرى حتى المساء.

فلمّا استيْقظ وألفاني بجانبه، أمطرني بوابلٍ من الأسئلة عمّا حدث، فقصصتُ عليه طرفاً من قصة مرضه.

ولمّا كانت "عائشةٌ" معنا فقد تحاشيْتُ أن أذكر له شيئاً عنها سوى أنها ملكة البلاد وأنها أكرمتْ مثوانا، ثم أضفتُ بأنها لا تسير إلّا مُقَنَّعة.

وفي اليوْم التالي غادر "ليو" فراشه وقد استرد قواه تقريباً، والتأم الجُرح الذي أصابه في جنبه، وتغلَّبت بِنيته القويّة على الحُـمّى بفضل تأثير العقار المُدهِش الذي ناولته إيّاه "عائشة"، وقد لاحظتُ أن ثمَّة تغييراً تامّاً قد طرأ على أطوار "عائشة"، كنتُ أتوقَّع - بعد الذي رأيْته من لهفتها - أن تُبادِر إلى التقرُّب من الرجل الذي تعتقد أنه حبيبها منذ القـدم، ولكنها - لغايةٍ في نفسها - لم تفعل، وإنما كانت تقضي حاجاته بسكونٍ وتواضُع، وتخاطبه دائماً بلهجة الاحترام، وتستبقيه بقُربها ما استطاعت.

ومن عجبٍ أن نجحت هذه المرأة في إثارة اهتمام "ليو" بها كما حدث لي من قبل، وكان يتوق بصفةٍ خاصّةٍ إلى التطلُّع إلى وجهها لا سيَّما بعد أن حدَّثتُه بأنه يماثل قوامها وصوْتها ملاحةً وجمالاً.

ولو قد أحاطت هذه المُغريات بأي شابٍّ لوقع في شِرك "عائشة"، ولكن "ليو" كان لا يزال منهوك القوى مُشتَّت الفِكر من ناحية "أوستين"، فكان لا يفتأ يتحدَّث عن رِقَّتها وإخلاصها بعباراتٍ مُؤثِّرة.

وفي صباح اليوْم الثالث أكثر "ليو" من الاستفسار عن "أوستين"، فأحلتُه على "عائشة" قائلاً أنني لا أدري أین ذهبت "أوستين"، وقَرَّ رأي "ليو" على مقابلة "عائشة" بعد الإفطار.

كانت جالسةً حسب عادتها في مقصورتها، وقـد نهضتْ لاستقبالنا وبسطتْ كِلتا يديْها لتحيّتنا أو بالحري لتحيّة "ليو" إذ أني كنتُ قد أُهمِلت إهمالاً تامّاً في تلك الأثناء، ولعَمري كان من المناظر الجميلة أن يرقب المرء "عائشةً" وهي تسير بقوامها الممشوق نحو "ليـو" الجميل.

قالت "عائشةٌ" بلهجةٍ عذبةٍ رقيقة:

-       السلام لك ياسيّدي وضيْفي .. يسرّني أن أراك مُتَمَتِّعاً بكامل قواك .. ولعَمري لو لم أُنقِذك من مخالب الموْت في اللحظة الأخيرة لَما وقفتَ على قدميْك مرّةً أُخرى .. ولكن ها قد زال الخطر وأثمر مجهودي في السهر عليك والاهتمام بك.

فانحنى "ليو" لها وشكرها باللغة العربيّة لَما أبدته نحونا من مجاملةٍ وحُسن ضيافة، ولكنها قاطعته قائلةً:

-       لا .. لا تشكرني على شيء .. لقد سرَّني قدومك.

فتحوَّل "ليو" إليَّ وهمس بالانجليزيّة:

-       مرحى مرحى .. إن السيّدة كريمةٌ جداً فيما أظن .. أرجو أن تكون قد انتهزت فرصتك .. یا إلهی؛ ما أجمل ذراعيْها!!  

فأشرتُ إليه بأن يلزم الصمت فقد لاحظتُ أن "عائشةً" تراقبنا باهتمامٍ وارتياب، وقالت:

-       أرجو أن يكون خدمي قد كفلوا لكم وسائل الراحة في هذا المكان المتواضع.

فأسرع "ليو" يقول:

-       نعم أيتها الملكة .. وشكراً لكِ .. لكني أريد أن أعرف أين ذهبت الفتاة التي كانت تُرافقني.

-       آه .. الفتاة؟ .. نعم رأيتها .. كلّا .. لا أدري .. قالت أنها ذاهبةٌ ولكن لا أعلم إلى أين .. ربما تعود وقد لا تعود أبداً .. من واجب الإنسان أن يهتم بالمريض .. ولكن أولئك النسوة المتوَحِّشات كثيرات التردُّد والملل.

فبدت الريبة على وجه "ليو"، وقال لي :

-       هذا غريب.

وتحوَّل إلى "عائشة" وقال:

-       إننى لا أفهم ما تعنين ياسيّدتي .. فهناك احترامٌ مُتَبادلٌ بيني وبين الفتاة.

فضحكت "عائشةٌ" وأدارت دَفَّة الحديث إلى ناحيـةٍ أُخرى.

وبعد حواي الساعة دعت "عائشةٌ" "ليو" لزيارة عجائب الكهوف، وأصرَّت على أن نذهب جميعاً وأن يصحبنا "جوب" و"بلال"، ولا أراني بحاجةٍ إلى وصف هذه الزيارة خشية التكرار المُمِل.

وبعد أن فرغنا من جوْلتنا عُدنا إلى غُرفتنا وتناولنا طعام الغداء، ولمّا بلغت الساعة السادسة انطلقنا إلى غُرفة "عائشة" إذ كانت قد أخبرتنا أنها ستُقيم في تلك الليْلة حفلةً راقصةً احتفاءً بنا.

وقد قضيْنا ساعةً في الحديث، ثم جاءت إحـدى البكماوات وأشارت بما يُفهَم منه أن "بلالاً" يريد المثول بين يديْ الملكة فأذنت له، وعندئذٍ نفذ "بلالٌ" إلى الغُرفة وهو يزحف على يديْه وقدميْه، وأعلن أن حفلة الرقص قد أُعدت، فخرجنا إلى الخلاء أمام مدخل الكهف الكبير، وهناك وجدنا ثلاثة مقاعدٍ فجلسنا وانتظرنا.

وكان الليْل شديد الحلكة في تلك الليْلة ولمّا يطلع القمر بعد، فعجبت في نفسي وتساءلت: كيف سنری الراقصين؟

وفجأة؛ رأينا أشباحاً تخرج من كل ناحية ويحمل كلٌ منها ما خلناه أوّلاً شُعلةً كبيرةً من النار يرتفـع لهيبها حوالي متر في الفضاء، ولم تكُن تلك الأشباح غير رجالٍ زنوجٍ لم نتبيَّنهم أوّل الأمر من عتمة الليْل، وتدفَّق الرجال - وكان عددهم نحو الخمسين أو يزيد - وهم يحملون مشاعلهم فبدوا أشبه شيءٍ بشياطين انطلقت من الجحيم، وكان "ليو" أوّل مَن اكتشف حقيقة هـذه المشاعل؛ إذ لم يلبث أن هتف:

-       يا للسماء! .. إنها جثث موْتى تحترق!  

فانتفضتُ وأنعمتُ النظر، فتحقَّقتُ من صدق قوْل "ليو"، كانت المشاعل الموقدة التي أُعِدَّتْ لنا عبارةً عن مومياءٍ بشريّةٍ جلبوها من المقابر.

وَثَبَ حَمَلة المومياء المُتَّقِدة إلى أن تجمَّعوا في نقطةٍ تبعد نحو عشرين خُطوةً أمامنا، ونظَّموا الجُثث على هيْئة هرم، وكانت الجُثث تحترق بقوّةٍ ويُسمَع لها صوْتٌ مروِّع.

وتقدَّم شابٌّ ونزع ذراعاً بشريّةً مُتَّقدةً وعدا بها وسط الظلام، ثم لم يلبث أن توقَّف، وأشعل بهذه الذراع المُشتعلة جُثّة امرأةٍ شُدَّتْ إلى عامودٍ نُصِبَ بجانب الصخر فعلقت بها النار ثم اشتعلت، وعندئذٍ انطلق الشاب إلى جُثّةٍ ثانيةٍ وثالثةٍ ورابعةٍ وهكذا، فلم تمضِ دقائق معدوداتٌ حتى ألفيْنا أنفسنا وسط دائرةٍ واسعةٍ من جُثثٍ تحترق بشِدّة.

وكانت المواد التي استُخدِمَتْ في تحنيط هـذه الجُثث تطغى بلهيبها المندلع بحيث كانت تُرى على شكل ألسنةٍ من النار وهي خارجةٌ من الفم والأُذنيْن والعيْنيْن، وكانت كلّما احترقت جُثّةٌ بادروا بإحضار غيرها، فكانت الجُثث تُقدَّم بسخاءٍ لا سيّما في التل الذي كُوِّم منها في الوسط.

وقفنا جميعاً ذاهلين منذعرين، ولكن "عائشةً" لم تتأثَّر بشهود هذا المنظر المروِّع، ولاحظت "عائشةٌ" ما تولّاني من فزع، فضحكت وقالت:

-       إن في هذا المنظر عِظةً بليغة .. إنه يوحي إلينـا ألّا نثق بالمستقبل .. إذ مَن يدري ما الذي يخبِّئه لنا .. عِشْ يومك ولا تحاول الفرار من التُراب لأنه مصير كل حي .. مَن يعلم ماذا يكون شعور هؤلاء النُبلاء والسيّدات - الذين أُسدِل عليهم النسيان ستاره منذ عهدٍ بعيد - لو علموا أنه سيأتي يومٌ تُحرَق فيه جُثثهم الرقيقة وتُحرَق كشمعةٍ لتُضيء في حفلة رقصٍ يقيمها شـعبٌ مُتوَحِّشٌ كهذا؟! .. آه .. انظر .. لقد أقبل المُمثِّلون ليعرضوا عليكم ألعابهم المُدهِشة.

رأينا صفَّيْن من الأشباح يتقدَّمان من تل الجُثث المُشتَعل، وأحد الصفَّيْن من الرجال والآخر من النساء، ويبلغ عددهم نحو المائة، وكانوا يرتدون جلد الفهود، فوقفوا ووجوهم إلى النار ثم بدأوا يرقصون، فكانت حركاتهم أشبه بحركات الشياطين التي يتعذَّر وصفها، ففي المنظر الأوَّل مَثَّلوا أمامنا جريمة شروعٍ في قتل، فرأيْناهم يحاولون وأد شخصٍ وهو يناضل للخروج، وكان المُمثِّلون يقومون بأدوارهم في صمتٍ تام، وينتهي كل دوْرٍ منها بحركة التفافٍ ورقصٍ حوْل القائم بدوْر القتيل وهو مُلقى فوْق الأرض بجانب النار.

بيْد أنه لم يمضِ طويلٌ حتى ساد الهرج والمرج، ثم شاهدنا امرأةً بدينةً قويّة العضل - وكانت من أنشط الراقصات - وقد جُنَّتْ فجأةً وأخذت تترنَّح نحونا وهي تصيح:

-       أُريد عنزةً سوْداء .. لابد أن أحصل على عنزةٍ سوْداء.

وسقطت فوق الأرض وهي ترغي وتزبد وتصرخ في طلب العنزة السوْداء، فالتف حوْلها الراقصون وهم يتمتمون، وصاح أحدهم:

-       لقد تقمَّصها شَيْطان .. سارعوا بإحضار العنزة السوْداء .. أسكت أيّها الشَيْطان .. فسیُؤتی لك بالعنزة.

وجيء بها أخيراً فصاحت المرأة البدينة:

-       هل هي سوْداء؟ .. هل هي سوْداء؟

-       نعم .. نعم أيّها الشَيْطان .. سوْداءٌ كالليْل.

فصرخت المرأة؛ أو بالحري صرخ الشَيْطان في طلب العنزة، فاستمهلوه قليلاً ريثما ينحرونها.

وبعد هُنيْهةٍ أقبل رجلٌ وقال أنها قد نُحِرَتْ، ثم تقدَّمت امرأةٌ بوعاءٍ مملوءٍ بالدم وقدَّمته للمرأة التي تقمَّصها الشَيْطان، فتناولته وجرعت الدم، ولم تلبث أن هدأت وعادت إلى صوابها دون أن يبدو عليها أی أثرٍ للنوْبات الهيستيريّة التي رأيناها، ثم بسطت ذراعيْها وابتسمت، ونهضت فأخذت مكانهـا بيْن الراقصين، وسرعان ما انسحبوا كما جاءوا في صفَّيْن.

خُيِّل إليَّ أن الحفلة قد انتهت، ولكن سرعان مارأيْت رجلاً على شكل قردٍ قد قفز إلى ناحية تل الجُثث المُتَّقِدَة وتلاه آخرٌ على شكل أسدٍ وثالثٌ على شكل تيْسٍ ورابعٌ في جلد ثوْر، وهكذا أخذ الرجال والنساء يظهرون في هيئة الحيوانات المختلفة، حتى إذا اكتمل عددهم أخذوا يرقصون، وكلٌ منهم يُقَلِّد صوْت الحيوان الذي يُمثِّله حتی امتلأ المكان بخليطٍ من العواء والزئير والنعيق.

طال أَمَد ذلك المنظر حتى سئمتُ شهوده فاستأذنتُ "عائشةً" في أن أقوم مع "ليو" بجوْلةٍ حوْل الكهف لفحص المشاعل البشريّة فأَذِنَتْ لنا، فنهضنا وسِرنا إلى اليسار.

وإذ فحصنا جُثّةً أو اثنتيْن امتعضت نفوسنا من هذه المناظر المروِّعة فقرَّرنا العودة، ولكن اتُفِقَ أن وقع بصرنا فجأةً على أحد الراقصين - وكان يُمثِّل دوْر اللبؤة - وقد انفصل عن زملائه وأخذ يقترب مِنّا وهو ينظر لنا وهو في طريقه إلى مكانٍ مُعتِمٍ بعيدٍ عن المشاعل، تملَّكتنا الدهشة والفضول فتبعنا اللبؤة، ولم نلبث أن سمعنا صوْتاً يدعونا إليه.

كان صوْت "أوستین" .. ولم يتمهَّل "ليو" واندفع نحوها في الظلام، فأسرعتُ خلفهما بدافع الخوْف، فلمّا أصبحنا على مسافة خمسين خُطوةٍ من مسرح الرقص، سمعت "أوستین" تهمس:

-       آهٍ یاسیّدي .. لقد وجدتك في النهاية .. اصغِ إليَّ .. إن حياتي في خطر .. ولا ريب أن البابون قد أفضى إليك كيف أقصتني "هي" - التي يجب أن تُطاع - بعيداً عنك .. إنني أحبك يا سيّدي .. وأنت زوْجي طِبقاً لعادات هذه البلاد .. لقد أنقذت حياتك .. فليس من الكرم أن تنبذ حُبّي أيها العزيز.

فهتف "لیو":

-       أین کنتِ یا "أوستين" .. لقد بحثتُ عنك طويلاً .. فدعينا نذهب ونُبسِّط الأمر للملكة.

-       لا .. لا .. إنها تقتلنا ولا ريْب .. أنت لا تعرف مدى قوّتها .. وأمّا البابون فإنه يعرف ذلك لأنه رآها .. ليس أمامنا غير وسيلةٍ واحدة: هي أن نُسارِع بالفرار من هذا المكان في التَوْ.

فقلت:

-       بحق السماء يا "ليو" ....

فقاطعتني:

-       لا .. لا.. لا تُصغِ إلى كلامه .. أسرِع .. فإن الموْت في الهواء الذي نستنشقه .. ولعَمري يُخيِّل إليَّ أن "هي" تسمع حديثنا الآن.

وكفَّت الفتاة عن الكلام ولعلَّها أرادت أن تُحمِله على الإذعان لإرادتها، فألقت بنفسها بين ذراعيْه وعندئذٍ سقط قناع رأس اللبؤة عن رأسـها فظهرت علامات أصابع "عائشة" الثلاث البيضاء وهي تُومِض كالنجوم، وكنتُ أعرف ضعف "ليو" وسرعة استسلامه فتقدَّمت منهما كي أضع حَدّاً لهذا الموقف الدقيق، بیْد أنني سمعتُ في تلك اللحظة ضحكةً رقيقةً صادرةً من ورائي، فدُرتُ علی عقبيَّ فإذا بي أری "عائشةً" ومعها "بلال" واثنان من الخدم البُكم.

راعني هوْل الموْقف فاننفضت، وكدت أهوى فوق الأرض إذ أيقنت أن مثل هذا الموْقف الرهيب لاريب سينتهي بكارثةٍ مروِّعةٍ قد تصيبني قبل غيري، وأما "أوستین" فغطَّتْ رأسها بيديْها واستسلمت لمصيرها، بينا لم يُدرِك "ليو" الموقف تماماً فاحمرَّ وجهـه خجلاً وتولّاه الارتباك والحيرة.

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent