خبر
أخبار ملهلبة

صورة واحد ثورجي (1) | صور مشقلبة | د. أحمد صادق


رسم للمناضل الثوري شي جيفارا وهو يرتدي البيريه والكوفية الفلسطينية

صورة واحد ثوْرجي (1)

 

 

الثلاثاء:

أيْقظني الواد "تمرُّد" ابني لكي أفطر، وبعد أن اغتسلتُ وصليْتُ الصُبح وجدتُه ينتظرني جالساً – مع زوْجتي "فِتنة" (ده اسم الدلع واسمها أصلاً "فاتن") وابنتي "انتفاضة" – أمام الطبليّة الموْضوع فوْقها طعام الإفطار المُعتاد: فول وطعميّة وعيش، فأصابني الإحباط وثُرت ع الوليّة مراتي قائلاً:

-       هوَّ كل يوم فول وطعميّة .. يا وليّة غيّري الأوْضاع دي شويّة .. ح تفضلي سِت رجعيّة محافظة ع الروتين ده لإمتى؟ .. خلّيكي راديكاليّة كده ولوْ مرّة .. نِفسي يا ناس أصحى ف يوم  واحِس بالليبراليّة واتحرَّر م الفول واللي منه.

-       وهوَّ الناس بتفطر إيه تاني يا سي "شَغَب" (ده برضُه اسم الشُهرة بتاعي وإسمي الحقيقي "رجب") .. وبعدين إيه راديكاليّة دي؟ .. ما تلِم لسانك وتحترِم نفسك.

-       يا وليّة يا جاهلة راديكاليّة دي مش شتيمة .. الشخص الراديكالي هوَّ اللي بيسعى للتغيير الجِذري .. ده مبدأ أيديولوجي مُهِم .. يعني قصدي إنك تغيّري الفول والطعميّة بأي فطار تاني.

-       طب اقعُد كُل الأوِّل قبل العيال ما يخلّصوا الأكل.

-       ...........

-       وعايزني أفطَّركم إيه يا ابن "ستّوتة"؟

-       حِتّة جبنة رومي .. كام حبّاية زَتون .. عِجّة .. وفيه اختراع جديد اسمه بيض بالبسطَرمة.

-       قال يا جاريّة اطبخي قالِت يا سيدي كلِّف.

-       حاضر يا سِتّي ح ابقى ازوِّد مصروف البيت في الميزانيّة الشهريّة خمسين جنيه تحت بَند "تحسين أحوال الإفطار".

-       طب والعيش؟ .. تحِب اغيّرهولك راخر بتوست؟! 

-       لأ .. العيش ده بقى حاجة تانية .. ما يتغيَّرش أبداً .. ده انا باحلِف بحياته: "عيش .. حُريّة .. عدالة اجتماعيّة" .. مش انا كام مرّة اخدتِك انتي والعيال وفسّحتكم ف كذا مظاهرة قبل كده وقعدتم تقولوا كده ورايا.

-       ماشي يا خويا .. خلّينا ورا المُظاهرات اللي لَحَسِت مُخّك دي.

-       إيش فهِّمِك انتي ف العمل الثوْري .. خلّيكي كده: من الدهماء والغوْغاء والعامّة الرُعاع .. ح تفضلي طول عُمرِك ديماجوجيّة ومش ح تنضفي أبداً وتكوني دوجماطيقيّة م النُخبة المُثقَّفة زيي.

-       إنت ح ترجع تطوِّل لسانك تاني .. أنا فايتة لك الطبليّة وقايمة .. أحسن لو بدأت تخطُب مش ح نخلص .. هه .. الحمد لله على دي نِعمة .. لمّا تخلّصوا فطار تبقي تشيلي الأكل ف النمليّة يا بت يا "انتفاضة" قبل ما تمشي تروحي المدرسة.

-       قولوا معايا يا ولاد: مش ح نمشي .. إنتي تِمشي .. مش ح نمشي .. إنتي تِمشي .. واللهِ الواحد وَحَشِته المُظاهرات .. بقى لي شهر ونُص ما نزلتِش مُظاهرة.

وهُنا صاحت "انتفاضة" في وجهي:

-       مش انت لِسّه كُنت ف مُظاهرة الجُمعة اللي فاتِت يا بابا؟

فرددتُ عليها مُجيباً:

-       لا يا حبيبتي .. دي كانت مسيرة صامتة لغاية هيْئة "سِكَك حديد مصر" للمُطالبة بتخفيض سعر تذاكر القطر.

-       طب والجُمعة اللي قبلها؟

-       دي بقى كانت وقفة احتجاجيّة تضامُنيّة مع عُمّال شركة الغزل والنسيج في "المحلّة".

فهتف "تمرُّد" قائلاً:

-       مش انت شغّال كاشير ف طابونة الحاجّة "عجينة"؟! .. ما لك وما لعُمّال "المحلّة" بقى؟!!

فقُمت بتصحيح مفاهيمه لأُعلّمه معنى النضال الثوْري الحقيقي وقلتُ له:

-       أوّلاً: ما اسمهاش طابونة .. اسمها مخبز أو فُرن .. ثانياً: المُكافح الثوْري الحقيقي هوَّ – يا ابني يا حبيبي – اللي بيتبنّى قضايا الشعب في جميع شرائحه وفئاته .. أنا بانصحك علشان شايف فيك بِذرة مقاومة وبُرعُم جِهاد ضد الظُلم والاستبداد والتعسُّف في كل مكان .. فاهمني؟

-       تقريباً غالباً أحياناً .. بالتأكيد.

-       ما دُمت قُلت الكام كِلمة دول تبقى ابني حبيبي وح تسير على خُطايا إن شاء الله.

وبعد أن أكلت لُقمتين قمتُ لأرتدي ملابسي الاعتياديّة: القميص الكاروهات والبدلة الجينز والكوفيّة الفلسطيني والبيريه الكاسكيتّا، ولم أنسَ أن آخد في إيدي اليسار كتاب "بؤس الفلسفة" لـ"كارل ماركس" لاستكمل قراءته في الشُغل.

عند وصولي للعمل اصطدمتُ بالحاجّة "عجينة" صاحبة المخبز التي عنَّفتني لتأخُّري في الحضور شأنها في ذلك شأن جميع أفراد البُرجوازيّة الرأسماليّة الأرستقراطيّة العَفِنة التي تضطهِّد طبقة البروليتاريا الاشتراكيّة العامِلة الكادِحة .. آه يا ناري .. ياما نِفسي اعمِل معاها زي الثوّار ما عملوا في "ماري انطوانيت" أيّام الثوْرة الفرنسيّة .. بس أكل العيش بقى.

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent