خبر
أخبار ملهلبة

صورة واحد مدير شركة قطاع عام (1) | صور مشقلبة | د. أحمد صادق


كاريكاتير شركة قطاع عام أعمال يأكلها الفساد والرشوة في الظلام

صورة مدير شركة قطاع عام (1)

 

 

الأحد:

اتَّصل بي زوج أختي الكُبرى أونكل "عزّوز الواسطة" باشا (المعروف ف العيلة باسم "أبيه عِزّو") ليُبشِّرني بأنه كان في لقاءٍ حميم مع صديقه الوزير "خاطر أبو العيون" وأخذ يتوسَّط لي عنده ويُحدِّثه عني وعن مواصفاتي الخارقة في الإدارة، ولم يتركه حتى أصدر اليوْم قرار تعييني كرئيس مجلس الإدارة والمُدير العام لشركة "المصريّة العربيّة الدوْليّة لإنتاج الفحم الفخم"، وهي شركةٌ عريقةٌ أنشأها الخواجة اليوناني "خرالامبو" أواخر القرن التاسع عشر وأُمِّمَت كشركة قطاع عام في منتصف القرن العشرين ثم تحوَّلت إلى شركة قطاع أعمال (هيَّ هيَّ بَس غيّروا كلمة "عام" إلى "أعمال" يعني تغيير شكلي ف عدد الحروف وترتيبها دون أي تغيير في نهج الشركة أو تطويرها من الناحية الإداريّة أو الفنيّة أو الصناعيّة) في أواخر القرن العشرين .. الحمد لله الذي وفَّق الوزير في تعييني على رأس هذه الشركة الخاسرة لأُظهِر إمكانيّاتي الفائقة في الإدارة والتي اكتسبتُها من دراستي في "المعهد المتوسِّط الفنّي التُجاري الإداري" بحلوان الذي كُنت مُعيداً فيه طوال تسعة أعوام، فرغم أن الدراسة بالمعهد مُدتها سنتيْن فقط إلّا أنني كُنت أسقط وأعيد السنة (ومن هنا أخذت لقب "المُعيد" من كثرة إعادتي للامتحانات) خلال تلك السنوات التِسع، وقد أكسبتني هذه المُدّة خبراتٍ عديدة ممّا أهَّلني بجدارة لأن أعمل – بعد واسطة "أبيه عِزّو" برضه – كموظَّفٍ بسيط في أرشيف شركة "المصريّة العربيّة الدوْليّة لإنتاج الحديد الشديد"، ولكن بفضل مجهوداتي – ومجهودات "أبيه عِزّو" معي – صعدتُ على السُلّم الوظيفي بسُرعة الصاروخ وترقيْتُ لأشغل منصب مدير شؤون العاملين بشركة "المصريّة العربيّة الدوْليّة لإنتاج المسبوكات المحبوكات" ثم مُديراً عاماً لشركة " المصريّة العربيّة الدوْليّة لإنتاج البلاستيك الأستيك" ثم رئيساً لمجلس إدارة "المصريّة العربيّة الدوْليّة لإنتاج محابس المواسير ومكابس المواتير" والتي تخصَّصت في إنتاج المحابس والمكابس قبل أن أضُم إليها تخصُّصاً جديداً وهو إنتاج الملابس الحريمي أيضاً فأصبح اسمها "المصريّة العربيّة الدوْليّة لإنتاج محابس المواسير ومكابس المواتير وملابس الأمامير" .. رحلة نجاح فظيعة في شركات قطاع الأعمال .. اللهمَّ لا حسد.

الإثنيْن:

ذهبتُ لمكتبي في شركة "المحابس المكابس الملابس" لأجمع أغراضي منه فوجدتُ العاملين بها وهم في مُنتهى الحُزن لفراقي لأني كُنتُ أُغدِق عليهم بالعلاوات والمُكافآت والحوافز رغم أن الشركة كانت تخسر عشرات الملايين من الجُنيْهات سنويّاً .. آدي حال الدُنيا .. قال: "عاشِر يا ابن آدم علي قد ما تعاشِر مصيرك تفارِق".

ثم توجَّهتُ إلى مكتبي الجديد في شركة "الفحم الفخم" ففوجِئت بالاستقبال الحار الحافل من موظَّفيها الذين رحَّبوا بي بصورةٍ رائعةٍ ولم ينصرفوا إلّا بعد أن شكرتهم جزيلاً وأصدرت أمراً إداريّاً بصرف راتب شهرين لكل العاملين بالشركة .. بما فيهم أنا طبعاً.

الخميس:

أبلغني "مطاوِع أبو مهاوِد" مُدير مكتبي أن "أبيه عِزّو" اتَّصل بي في العاشرة صباحاً أي قبل موْعد حضوري اليوْمي بساعتيْن تقريباً، فأعدتُ الاتصال به ولكنني وجدتُه مقموصاً مني لأنني لم أُصدِر قراراً بتعيين الواد "طاهر"  ابْن ابْن خالِة مِرات ابْن عَم خالِة أُمّي الله يرْحَمْهُم جَميعاً رغم مرور أكثر من ثلاثة أيّامٍ على استلامي للعمل، فاعتذرتُ له عن تقاعُسي في ذلك بسبب انشغالي في معرفة نشاطات الشركة وإداراتها وأقسامها ومصانعها التي لا أعرف عنها شيئاً من الأساس، ووعدتُه بتعيينه خلال أسبوعٍ على الأكثر، فأفهمني أنه سيُرسِل لي – بصفةٍ مبدئيّة – أوْراق واحدٍ وعِشرين شخصاً من أبناء أصدقائه لتعيينهم في الشركة على أن يوافيني لاحقاً بقائمةٍ أُخرى لأبناء جيرانه ثم قائمةٍ ثالثة لأبناء معارفه في القهوة.

وضعتُ سمّاعة التليفون وضغطتُ على زِر الجرس لاستدعاء "مطاوِع" فأتاني مُهروِلاً من فوْره، وأخرجتُ ظرفاً لوْنه أزرق من دُرج مكتبي وأمرتُه قائلاً:

-       الظَرْف اللَبَني ده فيه أوْراق واد اسمه "طاهِر محمود حَسَن عبد الحَفيظ" .. الواد ده عايزين نعَيِّنُه هنا ف الشركة .. اكتب لي قرار بتعيينه وهاتهولي أمضيه.

-       بَس يا باشا حَسَب قانون قطاع الأعمال ما ينفَعش يتعَيِّن إلّا بعد ما ينجح ف مُسابقة عامَّة يتِم الإعلان عنها رسميّاً ف جَريدة حكوميّة وبعد استيفائُه لشُروط التَقَدُّم للوَظيفة أو العمل.

-       طَب وإيه يعني .. ما احنا نخلّي الشركة تِعمِل مُسابقة للعمل فيها ونخَلِّيه هوَّ الوَحيد اللي يقَدِّم فيها وينجح فيها لوَحدُه.

-       إزّاي؟

-       خُد ورقة وقلم أَهُم واكْتِب:

{{{تُعْلِن "الشَركة المصريّة العربيّة الدوْليّة لإنتاج الفحم الفخم" عن مُسابقةٍ لتعيين مُحاسِبٍ للعمل لديْها بالشَرِكة بالمواصَفات التالية:

أَوَّلاً: المواصَفــات الشَخصــيّة: أَنْ يكـون المُتَقَدِّم مُسْــلِم الديانة مِصْري الجِنْسيّة إسْكَنْدَراني الهَويّة زَمَلْكَاوي النَزْعة (ويَتِم إحْضار شَهادَةٍ بذَلِكَ مِنْ اثنَيْنِ موَظّفَيْن على ألّا يَقِل مُرَتَّبهما عن خَمْسِمائَةِ جُنَيْهٍ مِصريٍ فقط لا غير) ويُحِب حَل الكَلِمات المُتَقاطِعة والسودوكو ويَهْوى المُسلسلات التُركيّة ويُفَضِّل "شعبان عبد الرحيم" و"بَدْريّة السَيِّد" ويُقَدِّس طاجن البامية باللَحْمة الضاني وأن يكون من مَواليد بُرْج الدَلْو وبالتَحديد السادسة والنِصْف من فجر يوْم  4 فبرايِر 1984

ثانياً: الحالة الصِحيّة: جيّدة مع الوَضْع في الاعتبار أن يكونَ قد أجرى عمليّة استِئْصال اللوْزَتيْن لضمان عدم تِكْرار مرضه بالتهاب اللوْزَتيْن أثناءَ العمل وأن يكونَ قد أُزيلَت له بالفعل عين سمكة من باطِن قدمه اليُسرى حتى لا تكون سبباً في طلبه لأَجازاتٍ مرَضيّةٍ من العمل وأن يكونَ قد أُعفِيَ من الخِدمة العسكريّة بسَبَب الفلات فوت اللَحمي والتِصاق الفَخْذَيْن.

ثالِثاً: الحالة الاجتماعيّة: أعزبٌ ولديْهِ أبٌ بالمعاش وأُمٌّ ربّةُ منزلٍ وأُختٌ مُدَرِّسة.

رابِعاً: المُواصَفات الجُسْمانِيّة: ذَكَرٌ واضِحُ المَعالِمِ قَمْحيُ اللَوْنِ أَسْوَدُ العَيْنَيْنِ أَفْطَسُ الأَنْفِ غَليظُ الشِفاهِ أَجْرودِيُّ الذَقْنِ كِسْتِنائيُ الشَعْرِ شَرْقيُ السِماتِ مَرِحُ الأَعْطافِ حُلْوُ اللَفَتاتِ كُلّما قُلْتُ لَهُ خُذْ قالَ هاتِ، والطولُ لا يَقِل عن 175 ولا يَزيد عن 176 سَنتيمِتْراً بالجَزْمة، والوَزْن 97 كيلوجراماً بالمَلابِس الداخِليّة، ولَدَيْه شامَةٌ على جَبينه وحَسَنَةٌ مُتَوَسِّطةُ الحَجْم أسْفَل السُرَّة (على اليمين شِوَيّة)، ومَقاس الحِذاء 44 بالفَرْش.

خامِساً: المُؤَهِّلات الدِراسِيّة: شَهادة الإبتِدائيّة من مَدرَسةٍ خاصّةٍ والإعداديّة من مَدْرَسة الشَهيد "رَمَضان التوربيني" والثانوية مَنازِل وبكالوريوس التِجارة مع مُراعاة أن يكونَ قد رَسَبَ في سنة تالتة مَرَّتَيْن لِعَدَم حُضوره امْتِحان آخِر العام.

سادِساً: السيرة الذاتيّة: أن يكونَ "طاهرَ" الذِمّة "مَحْمودَ" السُلوك "حَسِنَ" السُمْعة و"عبداً حَفيظاً" لأسرار عَمَله وأن يكونَ أوَّلُ حَرْفٍ من اسْمهِ طاءً وآخِرُ حَرْفٍ مِنْ اسْمِ جَدِّهِ الأكبَرِ ظاءً (طـ.ظـ).

سابِعاً: تُقَدَّمُ الطَلَبات في مَوْعِدٍ غايَتهُ الساعة التاسِعة والرُبْعِ من صَباحِ الغَدْ ولَنْ يُلْتَفَت إلى أي طلبٍ تُرْفَقُ به توْصيّةٌ أوْ تَزْكيةٌ أوْ واسِطَةٌ من أي مَسْؤول.}}}

ها .. كتبت؟

-       تمام يا فندم .. ح ننزِّل الإعلان في إعلانات "أهرام الجُمعة" بكرة إن شاء الله .. تؤمُر بحاجة تانية؟

-       لأ .. روح انت وابعَت لي مدير إدارة المشتروات.

-       حاضر.

وبعد دقائق اجتمعتُ في مكتبي بمدير المشتروات الأستاذ/ "الليثي شَرْوَة" وناقشتُ معه تفاصيل المناقصة القادمة:

-       سلامُ عليكم يا سيادة المُدير.

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent