خبر
أخبار ملهلبة

"للحب آلهةٌ كثيرة" | الفصل السابع (2)


سلويت لرجل يجلس حزيناً نادماً على الأرض وفي الخلفية السماء الحمراء أثنا الغروب

"للحب آلهةٌ كثيرة" | الفصل السابع (2)

 

 

وانصرفت "بسمة" من فوْرها عائدةً للمنزل حيث لحقت "بكريم" قبل موعد عيادته وجابهته في هدوء بعقد التبرّع الذي ادّعت أن زميلاً لها بنفس المستشفى قد أحضره ففوجئ "كريم" مفاجأةً مذهلة ولم يجد بُدّاً من مصارحتها بكل شيء بدايةً من معرفته "بعبير" مروراً بعلاقتهما البريئة التي لم تكتمل ولم تصل إلى حد الخيانة الزوجيّة وتبرّعه لها بكُليته ونهايةً بزيارتها الليليّة الأخيرة له ورفضه مسايرتها وإنهائه لتلك المسألة حفاظاً عليها وعلى أسرتهما، وتمّت تلك المصارحة دون أن يعلم "كريم" أن "عبير" هي من وراء ذلك كلّه ودون أن تعرف "بسمة" أن صديقتها "عبير" هي عشيقة زوجها السابقة، وكانت "بسمة" تستمع إل اعترافات "كريم" وهي جامدةٌ في مكانها يعتصرها الألم في صمت ولكن ما إن أنهى زوجها كلامه حتى انفجرت فيه طالبةً الطلاق وأبلغته بأن هذا هو قرارها الأخير وأنها ستترك المنزل حتى يرسل لها رسالة على هاتفها المحمول بموعد ذهابهما للمأذون، وتلقّى "كريم" تلك الصدمة وهو لا يصدّق ما تسمعه أذناه ويكذّب ما تراه عيْناه ولم يستطِع أن يثنيها عن الرحيل فتركها وما تريد علّها تهدأ بعد يومٍ أو اثنيْن.

ومضت أربعة أيّامٍ على تلك الواقعة ولم تعُد "بسمة" لمنزلها الذي هجرته قصاصاً لكبريائها وكرامتها وعزّة نفسها التي أُريقت وأُهدِرت بعد كل هذا الحب وهذه التضحية لزوجها المخادع الغدّار، وامتنعت عن الذهاب لعملها وأغلقت هاتفها المحمول تماماً فلم تكن تفتحه إلّا من حينٍ إلى حين لتتفقّد إن كان "كريم" قد بعث لها برسالة النهاية بينهما أم لا، وبحث عنها "كريم" في كل مكان يمكن أن تتواجد فيه - وهو يعرف أنه ليس لها أحد في الدنيا سواه وهو ما حزَّ في نفسه كثيراً - فلم يعثر لها على أثر، وأحس بالندم كثيراً على فراقها خاصةً عندما كان يخلو بنفسه ويلومها على ما كان، وتمنّى لو رجعت عقارب الزمن إلى الوراء ليُصحِّح أخطاءه ويُصلِح خطاياه في حق زوجته المُحِبّة المخلصة، ولكنه يأس من عودة زوجته العنيدة وقرّر أن يضع نهايةً لهذا كله فقد تعب أيّما تعب من جرّاء إهماله لعمله وحِمل رعاية أولاده وبعثرة حياته في غياب "بسمة" التي أيقن أنها لن تعود وأنه يجب عليه أن يجيبها إلى طلبها دون إثارةٍ للمشاكل حتى يتم انفصالهما في هدوء ليحافظا على ما تبقّى بينهما من ودٍ وعِشرةٍ وذكريات أبى الزمان لها أن تكتمل، وتبادر إلى ذهنه "عبير" التي يعلم جيّداً أنها تحبّه وتنتظر منه أن يشير إليها مجرّد إشارةً بسيطة كي تترك الدنيا وما فيها وتحضر إليه لتقف بجانبه وتعيش معه، ولم يخفِ "كريم" إحساسه بالزهو بأن هناك مَن تريده وترغبه فاعتزم أن يتّصل بحبيبته السابقة ليتقصّى أحوالها مخافة أن تكون قد ارتبطت بغيره لا سيّما وقد رفض مقابلتها آخر مرّة، فقام من فوره واتّصل بها على هاتفها النقّال عدّة مرات ولكنها لم ترد فجال بفكره أنها ربما ترفض الرد عليه أو ربما كانت بعيدةً عن الهاتف فلم تسمعه وظلَّ يفكّر فيما يجب عليه عمله.

وفي نفس الآونة التي كان يتّصل فيها "كريم" "بعبير" كانت "عبير" في عملها وقد نسيت أن تصحب هاتفها الجوّال معها وتركته في منزلها بجوار "بسمة" التي قضت معها الأربعة أيّامٍ السابقة وكانت موجودةً وقتذاك وسمعت رنين هاتف "عبير" فالتقطته ونظرت في شاشته لتعرف مَن المتّصل فظهر اسمه كما سجّلته "عبير" : "حبيبي"؛ واندهشت "بسمة" كثيراً فهي تعرف عن صاحبتها أنها مُضرِبةٌ عن الحب والزواج ولم تفاتحها من قبل بأنها تحب رجلاً، وربما بسبب دهشتها الشديدة أو بسبب تورّم عيْنيْها من كثرة البكاء لم تلحظ "بسمة" أن رقم المتّصل الظاهر تحت اسم "حبيبي" هو نفس رقم هاتف زوجها "كريم" رغم أنه اتّصل عدّة مرّات.

وبعد حوالي الساعة تبادر إلى ذهن "كريم" أن يتّصل "بعبير" على هاتفها الأرضي الموجود بمنزلها ففعل، وعندما رنّ الهاتف رفعت "بسمة" السمّاعة وقالت بصوتٍ مرتعشٍ مبحوحٍ من فرط بكائها المتكرّر طيلة الأيّام السابقة :

- آلو.

- آلو .. السلام عليكم .. ممكن اكلّم "عبير"؟ .. أصلي باكلّمها ع المحمول وما بتردّش.

ومادت الأرض "ببسمة" عندما سمعت صوت زوجها الذي تستطيع أن تميّزه من بيْن ملايين الأصوات ولكنها في لحظة كذّبت أذنها وظنّت بأن هوساً قد مسَّ عقلها نتيجة عدم النوم والتفكير المتواصل في زوجها لدرجة أنها تتخيّل أن صوت أي رجلٍ هو صوت "كريم"، فتمالكت نفسها وحافظت على رباطة جأشها وحاولت أن تغيّر في صوتها - المتغيّر أصلاً - وأجابت :

- هيَّ راحت الشُغل وسابت تليفونها هنا .. بس زمانها جايّة .. نقول لها مين لمّا ترجع؟

- حضرتِك قولي لها "كريم" .. "كريم الشافعي" .. السلامُ عليكم.

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent