أمثال صعيدية عبقرية مهجورة | خلاصة الحكمة والخبرة

صورة واحد مُتفرِّج تليفزيوني

 

 

الخميس:

يا سلااااام .. أخيراً اشتريت دِش وريسيفر بالتقسيط من معرض النقابة وجِبت الباشمهندس "قمرسات أبو النيل" يركِّبهم لي، البعيد قعد لغاية نُص الليل يظبَّط لي القنوات ويعلِّمني أجيبها ازّاي، حاجة جميلة قوي، ده الواحد ما كانش عايش يا جدعان، بتَكَّة واحدة ع الريموت تتنقل لبلد تانية وعالم تاني، عموماً أنا ح انام ده الوقت والصباح رباح، بُكره أجازة إن شاء الله وح اعسكر قُدّام التليفزيون براحتي، بس اعمل إيه ف الوليّة النكديّة اللي معايَّ وعيالها، مش ح يخلّوني اتهنّى بالدِش وح يعملوا لي مورستان، بَس انا ح اتصرّف.    

الجمعة صباحاً:

صحيت م الفجر وصحّيت الوليّة وقُلت لها تقوم تعمل لي كوبّاية حِلبة حَصى باللبن، طبعاً أنا بانكُشها ومِستنّي لها على غلطة علشان اتلكِّك واكرُشها هيَّ والعيال م البيت واقعُد اتفرَّج ع التليفزيون على كيف كيفي، وفعلاً حدث ما كُنت أتوقعه من هذه السيّدة ام لسان زالِف فقد فتحت عقيرتها بعد أن شهقت شهقة اسكندراني وقالت:

-       حِلبة إيه يا ابو حِلبة؟! .. حِلبة إيه دي اللي بتصحيني اعملها لك من آدانات ربّنا؟!! .. تكونش بترضَّع؟!!!

طبعاً ما صدَّقت، قُمت جارِرها من شعرها وحالِف عليها بالطلاق ما هي بايتة فيها، قامِت وهيَّ بتعيّط وبتدعي عليَّ ولبست هدومها وصحِّت العيال ولبِّستهُم وانكشحوا على امّها اللي ساكنة ف مُثلَّث "ماسبيرو".

جِبت عِدّة الشاي وعملت لي برّاد شاي ع السبرتاية وقُلت اسقّي فيه بُقسماط وانا باتفرَّج ع الأخبار الصباحيّة، فتحت التليفزيون وجِبت قناة "الجزيرة" لقيتهُم جايبين إعلانات جَد قوي (ما فيهاش مياصة وبنات عريانة زي إعلاناتنا) لبعض شركات البترول والاتصالات والطيران، وبعدين بدأوا إعادة لبرنامج اسمه "الاتجاه المُعاكس" وتوقّفت الكاميرا على المُذيع الذي جلجل بصوْتٍ عالٍ مُفعمٍ بالعُدوانيّة والتحدّي:

-       تحيّةٌ طيّبةٌ لكم مُشاهدينا الكرام .. "فيصل القاسم" يُحيّيكم .. ونبدأ الحلقة مباشرةً .. قال "أبو الطيّب المُتنبّي": "وكم ذا بمِصرَ من المُضحِكات ولكنه ضَحِكٌ كالبُكاءِ .. لكِ الله يا مِصرُ قد كُنتِ أُمّاً لقوْمٍ نسوكِ فيا لَلجَفاءِ" .. هل أسهم الإعلام المصري في رِفعة "مِصر" وعلوْ شأنها؟ .. أليس الإعلام سبباً في تقهقُر المستوى الثقافي المصري وتغييب الناس؟ .. ألا يعلم الشعب المصري أن النظام الحاكم يستغِل وسائل الإعلام في الترويج له بفجاجة؟ .. مَن وما وماذا وكم ومتى ولماذا وأين وكيْف وأنّى وكيْفما؟ .. أسئلةٌ أطرحها على الهواء مُباشرةً على ضيْفيَّ العزيزيْن: الدكتور "مشهور المنشور" مدير تحرير جريدة "الخبر اليقين" القاهريّة والأُستاذ "عبد الحق عبد الخبير" الناشِط الحقوقي والخبير الاستراتيجي المعروف .. نبدأ النِقاش ثُم العراك بعد الفاصل.

وبعد ثلاث دقائقَ فقط من نفس الإعلانات الجادّة عاد البرنامج وعاد المُذيع ليصيح:

-       أهلاً بكم مُجدَّدا مُشاهدينا الكِرام .. لا تنسوا نحن معكم على الهواء مُباشرةً .. وبإمكانكم التصويت على موْضوع هذه الحلقة: هل تعتقد أن الإعلام المصري قد بلغ مرحلة النضوج أم أنه ما زال رضيعاً يحتاج لمَن يفطمه؟ .. سبعةٌ وثلاثون فصلة ثمانية بالمائة قالوا وهم متأكِّدون: "نعم .. بلغ" .. في حين أن اثنيْن وسِتّون فصلة اثنيْن بالمائة قالوا بإصرارٍ كبير: "لا .. لم يبلُغ بعد" .. وأتوجَّه الآن إلى السيّد الدكتور "مشهور" وأسأله: هل يُعقَل يا سيّدي أن إعلاماً كالإعلام المصري الشامخ يصل لهذه المرحلة المُتدنية الحقيرة الوضيعة الـ .. الـ .. الـ .. الخسيسة؟

فردَّ الدكتور "مشهور" وهو يستشيط غضباً:

-       أنا عايز أعرف مين الحُمار اللي قال كده؟

فأجابه "فيصل القاسم" بمُنتهى الخُبث وهو يتصنَّع البراءة:

-       السيّد "عبد الحق".

فزادت هذه الإجابة من وتيرة غضب "مشهور" فانطلق يُشرشِح:

-       لأه بقى .. ده هوَّ اللي حقير ووضيع وخسيس كمان .. ولوْ ما احترمش إعلام بلده أنا ح اقوم ادّي لُه بالجزمة القديمة .. الإعلام بتاعنا بخير وما زال هو الإعلام الرائد في المنطقة العربيّة والشرق الأوْسط .. وإذا كان بعض الحاقدين بيتطاوْلوا ع الإعلام المصري فانا باقول لهم قِفوا مكانكم أيّها الأقزام وموتوا بغيْظكم .. ستظل "مِصر" هي الأولى بإعـ .. كُحح .. بإعـ ـلامها وإعـ .. كُحححح .. وإعـعـ .. كُحححححح .. وإعـ ـلاميّيها .. وستظل على قِـمّة الدول جمعاء جمعاء جمعاء.

والتفتَ "فيْصل" إلى الضيْف الآخر مُتشفيّاً وهو يبتسم ابتسامةً صفراويّةً ماكرة، ولكنه انزعج بشِدّةٍ عندما وجد الضيْف هادئ الطَبع بارد الأعصاب فبدأ ينفُخ النار بالكير ليُثير سُخطه ويستفزّه قائلاً:

-       بماذا ترُد عليه يا سيّدي؟ .. هو قال إنك حمارٌ وحقيرٌ ووضيعٌ وخسيس وسيضربك بحذائه القديم القذر .. ولا أبوح لك سِرّاً أنه قال لي قبل حضورك إنك سافلٌ وزِنديقٌ وبصراحة كِده مش راجل.

فحاول "عبد الحق" أن يبدو هادئاً فقال وهو يكظم غيظه:

-       واللهِ اللي مش راجل فعلاً هوَّ اللي بيستغل موْقعه وبيطبِّل للنظام علشان يُرضي أسياده وبينشُر أخبار مغلوطة علشان يشوّه مُعارضي النظام .. أقول عليه إيه؟ .. ده بني آدم واطي.

وانفعل "مشهور" وهاج وماج وقفز من مكانه نحو مُناظِره مُحاوِلاً الفتك به، ولكن "فيْصل القاسم" أبعده بيديْه وصاح فيه:

-       بَس دَقيقة .. بَس دَقيقة يا أخي .. الرجُل لم يُخطئ فأنت بالفعل واطي لإنك تنشُر دائماً أخباراً يتم نفيها وتكذيبها من مصادرها ويتضح فعلاً أنها شائعاتٌ دنيئة.

وهُنا تدخَّل "عبد الحق" وانبرى قائلاً:

-       طبعاً .. الشائعات الدنيئة بتصدُر من شخص دنيء .. ما هو المَثَل بيقول: "كُل إناءٍ يــ.....

(يتبع)