خبر
أخبار ملهلبة

"شيء من الخبث" | الفصل الثالث (2)


شيخ الغفر ورجال القرية في دوار بيت العمدة الذي يشرب النارجيلة أو الشيشة

"شيء من الخبث" | الفصل الثالث (2)

 

 

واستمر الحال على ما هو عليه حتّى مطلع الفجر فهدأ الناس قليلاً ثم بدأوا يتجهون إلى مضاجعهم عندما أحسوا بالإطمئنان فيما عدا نفرٌ قليلٌ منهم وصلوا الليل بالنهار ليُتمّوا أعمالهم الطارئة حتّى لا يؤثّر ذلك على دخلهم الذي يتعيّشون منه فلم تكن لديهم رفاهية السبات أو الراحة بعد هذه الليلة العصيبة.

أما العمدة ورجاله فقد تكرّر تجمّعهم حوْل الإفطار كما حدث تماماً في الصباح الفائت فيما عدا أن هذا التجمّع كان في فيللا "دره" وأنه في هذه المرة حلّت مائدةٌ كبيرة مكان الطبليّة، وبعد تمام الإفطار بدأ الحديث يدور بينهم:

"عتريس" :

- الله ينوّر عليكم يا رجّالة.. كلّه ماشي تمام.

"رفيق" :

- البركة ف سي "طهطاوي"

"طهطاوي" :

- يا جماعة احنا لسّه ما عملناش حاجة المشوار لسّاه طويل وملوْلوْ ولا التعبان.. زي ما بيقولوا: التُقْل ورا يا قبّاني.

"عتريس" :

- بس لحد ده الوقت احنا ماشيين مظبوط.. كفاية الرعب اللي عاشوه أهل البلد ليلة امبارح.. دول عمرهم ما شافوا ليلة زي دي.

"إسماعيل" :

- ولسّه يا عمدة.. الليالي السودة ياما ح تعدّي عليهم كمان وكمان.

"طهطاوي" :

- مش ح نفضل على كده كتير يا "إسماعيل".. همّ يادوب كام إسبوع كده ونكتفي بعد ما يكونوا وَجّوا وقالوا حديد وبعيد.. ما تنساش إن الهجّانة لازم يحكموا قبضتهم على البلد.

"عتريس" :

- يعني ح نعمل إيه بعد كده؟

"رفيق" :

- معلهش ما تؤاخذونيش أنا عايز اتكلم كلمتين بعد إذنكم.. لأني طول الليل بافكّر ف الترتيب اللي ضروري نعمله علشان نقضي ع اللي بيقولوا عليها أهل البلد ثورة قال.. لقيت إن احنا بنعمل ترتيب وبعديه ترتيب تاني ولمّا يخلص التاني نعمل التالت.. أنا شايف إن كده تضييع للوقت.. وكل ما اتأخّرنا الموضوع بيتعقّد أكتر وأكتر.

"طهطاوي" بسخرية :

- قصدك إيه يا أبو مخ عجوة؟

"رفيق" :

- أنا قصدي إننا نعمل أكتر من ترتيب ف نفس ذات الوقت.. يعني جنب الحاجات اللي إحنا بنعملها ده الوقت نعمل حاجات تانية كتير ف نفس ذات الوقت من غير ما نستني نتيجة الحاجات اللي فاتت.

"عتريس" :

- إيه الحاجات اللي جنب الحاجات اللي نتيجة الحاجات؟.. الله يقطعك ويقطع حاجاتك.. ما تقول يا وله اللي عندك من غير لف ودوران يا تغور ف داهية من هنا وتفوتنا نصطفل مع بعض.

"رفيق" :

- حلمك بس يا عمدة.. مش إحنا ده الوقت مخلّيين البلد ما فيهاش أمان وعاملين فيها فوضى؟.. وبعد صلاة الضهر ح نجتمع مع شويّة العيال اللي قوّموا الهوجة دي وننيّمهم من جهتنا؟

"طهطاوي" :

- أيوه يا خويا.. ما احنا عارفين الكلام ده.. جبت إيه جديد من عندك يا ابو العريف؟

"رفيق" :

- الجديد بقى إن احنا ف نفس ذات الوقت نبعزق القمح الاحتياطي اللي شايلينه ف الجُرن العمومي علشان بعد كام شهر الناس مش ح تلاقي تخبز ونعرّف الناس إن الهوجة دي ح تجوّعنا.. وف نفس ذات الوقت نبيع الجاز والبنزين اللي ف خزّان طلمبة البنزين ونحط فلوسهم ف جيبنا.. قصدي ف جيب سي "عتريس".. ونفهّم الناس إن المركز مش بيبعت لنا لا جاز ولا بنزين علشان عربيات الصهاريج بتتسرق وهيَّ جايّة البلد وخلّي الناس بقى تدوخ دوخة البلجيك لحد ما يلاقوا جركل بنزيم واحد.. وف نفس ذات الوقت نسحب أدوية القلب والسكر والضغط ولبن الأطفال من أجزخانة الدكتور "كيرلّس" ونقول للناس إن شركات الدوا ما بتنزّلش الأدوية دي ف البلد علشان خايفين من القلبان اللي حاصل اليومين دول.. وف نفس ذات الوقت نسيّب الجماعة اللي تبع "التقى" تدور ف البلد وتزّن على ودان الناس وتفهّمهم إن أم الثورة قصدي الهوجة دي ح تفسّي عجلة الإنتاج اللي كان مقطّع بعضه أيام سي "عتريس" وإننا لو فضلنا باقيين ع الهوجة دي ح نشحت ف الآخر وح نبقى عرّة الكفور.. وبالمرة نخلّي جماعة "التقى" تُبدُر كده كام إشاعة ع الماشي.. يعني مثلاً يقولوا إن اللي حرّضوا الناس على الهوجة شويّة عيال مش مظبوطين كانوا بيعملوا حاجات بطّالة مع بعض لمّا كانوا في الساحة اللي قدام دوّار العمدة.. أو مثلاً كانوا بيحشّشوا والعياذ بالله.. أو كانوا بيسافروا برّه البلد يتمرّنوا على عمايل الهوجة ف بلاد الكفّار.. أو الناس شافوهم بياكلوا سندوتشات كبده بلدي مش متلّجة من عند الخواجه "كبداكى" اللي كان بيغمز كل واحد فيهم بجوز لحاليح وأجندة بتاعة السنة الجديدة.. يعني نحبّش لهم شوية إشاعات كده من اللي وصّى عليها لقمان.. وف نفس...

"عتريس" مقاطعاً ومعجباً :

- ذات الوقت.. ها هاي.. كمّل يا ابن اللئيمة.

"رفيق" مختالاً بنفسه :

- وف نفس ذات الوقت نخلّي الناس اللي ليها مصلحة معانا زي الغفر وأهاليهم والأعيان وأهاليهم وكمان الناس الغلابة اللي على نيّاتها واللي مخها على قدها يطلعوا همَّ كمان يقفوا ف الساحة الورّانيّة بتاعة دوّار العموديّة.. يهتفوا بحياة العمدة ويطالبوا برجوعه للعموديّة أو إنه ما يتحاكمش ويبيّنوا للناس إن اللي عايز يؤذي العمدة يبقى قليل الأصل وما بيحترمش الكبير.. ودي تبقى عيبة ف حقّنا كلّنا.. والمثل بيقول: اللي يتف تَفّة لفوق ترد ف وِشّه تاني.. ونراضيهم كده بقرشين ونشيّلهم شويّة يفط كده نكتبها عند "المسيرى" الخطّاط بتاعنا مكتوب عليها مثلاً: سامحنا يا آبا "عتريس".. عمرنا ما ح ننساك يا "عتريس" يا حبيبنا.. إحنا ولادك يا سي "عتريس".. بالروح والدم نفديك يا "عتريس".. حقّك علينا يا عمدتنا.. حتّى العجل ف بطن امّه عايزك ترجع للعموديّة يا "عتريس".

"عدنان" في تكلّفٍ واضح :

- كفاية.. دي الدِمعة ح تفر من عيني يا ولاد.

"رفيق" مستكملاً حديثه كالقطر الإكسبريس دون إنتظارٍ لأي تعليق :

- وف نفس ذات الوقت نقبض على أي حد نحّس إنه خطر علينا ونرميه جنب زمايله اللي قبضنا عليهم قبل كده وحطّيناهم ف الـ... ألّا صحيح يا "سماعين" إنت خافيهم فين؟

"إسماعيل" :

- دول ف مكان ما يعرفهوش الدبّان الأزرق.

"رفيق" :

- طب تبقى تقول "لمحمود مجدى" الغفير اللي كان بيعلّق العيال ف الفلكة على مكانهم علشان انا - بعد إذن العمدة - ح امسكّه شياخة الغفر مكانك.. ما انت يا "إسماعيل" ف نظر الناس محبوس مع العمدة ولا مؤاخذة.. وضروري حد ييجي بدالك يمشّي الغفر لغاية ما ربّنا ينتعكم كلّكم بالسلامة.. أنا كنت بأقول إيه؟.. آه.. وبعد ما نقبض على شويّة الحَوَش دول ندّيهم الطريحة التمام لأجل ما نكسر عينهم ويتوبوا إلى الله.. وف نفس ذات الوقت نقول إن شويّة العيال اللي ماتوا ساعة الهوجة دول كانوا بلطجيّة وحرقوا النقطة وإن الغفر لمّا قتلوهم كانوا بيؤدّوا واجبهم ف حماية البلد.. أو نحط شوية غفر ف الحجز قد شهر ولا اتنين قال إيه ح نحاكمهم وبعدين نطلّعهم لعدم كفاية الأدلة.. ما هو احنا لو حاكِمناهم فعلاً مش ح نلاقي غفر يقفوا لنا ويحاموا عننا بعد كده.. ف حين إن البلطجيّة الحقيقيين لو وقعوا ف إيد أهل البلد نستلمهم على أساس إننا ح نسجنهم.. إنما إحنا ح نسيبهم بعد كام يوم علشان يعملوا اللي احنا نقول لهم عليه.. يعني مثلاً يسرقوا وينهبوا ويحرقوا البلد ونتبلّي على شباب الهوجة إنهم همَّ اللي عملوا كده.

وتكلّم "طهطاوي" وهو يضغط على نواجذه في غيظٍ مكتوم لأن "رفيق" قد سحب البساط من تحت قدميْه وأصبح مصدر الأفكار والاقتراحات التي لاقت استحسان العمدة :

- ها.. عندك "ف نفس ذات الوقت" فاضلة ف جرابك ولا خلّصتهم كلّهم خلاص؟

"رفيق" في ترقّب :

- لأ خلاص.. بس بوِدّي اقول إن كل الحاجات دي اللي ح نعاقب بيها أهل البلد على ثورتهم ح تخلّيهم يكرهوا أم الثورة واللي بدعها.. حتّى اللي كان فرحان بيها ف الأوّل ح يندم بعد كده ويتمني رجوع أيّامك يا عمدة.

"عتريس" :

- عفارم عليك يا "رفيق".. مش قلت لك يا "طهطاوي" إن الواد "رفيق" ده ح ينفعنا؟.. أهي حاجاته طرحت أهي.. مع إني كنت متشائم منها.. ها ها ها.

"طهطاوي" وهو يجِز على أسنانه:

- طبعاً يا عمدة ما انت كلّك مفهوميّة.

"عدنان" متشجّعاً :

- طب أنا عندي كمان اتنين "ف نفس ذات الوقت".. أقولهم؟

"طهطاوي" وهو يكلّم نفسه :

- قول يا شملول.. ما هي ظاطت وبقت بزرميط.

"عدنان" :

- أوّل حاجة نمطوَح أهل البلد ف الميعاد اللي العمدة الجديد ح يمسك فيه العموديّة.. نقول لهم إن الميعاد ح يبقى بعد انتخابات المجلس المحلّي اللي نخلّيها تاخد وقت طويل علشان نبقى براحتنا.. وتاني حاجة مهمّة قوي.. إنتم ناسيين اللعبة القديمة بتاعتنا؟.. إن احنا نوقّع بين عيلة "الهلايلة" وعيلة "الصلايبة".. نظام فرّق تسد يعني.. علشان ما حدش منهم يبقى فايق لنا ويتلهوا ف بعض.. إياكش يولّعوا ف بعض واحنا ساعتها نتفرّج عليهم.. وبعدين نتدخّل بيناتهم ونعمل زي ما احنا عايزين.

"عتريس" :

- ما شاء الله.. أنا ما كنتش أعرف إن رجّالتي ولاد أبالسة كده.. نفّذ يا "طهطاوي" كل الكلام اللي الرجّالة قالوه.

"طهطاوي" وهو محبَط وقد أحس أنه عاد إلى أصله: مجرد أداة في يد العمدة :

- عُلِم يا عمدة.. بس "ف نفس ذات الوقت" أنا لازم أتّكل على الله أشوف اللي ورايا.. وانتم كمان يا رجّالة جهّزوا نفسكم.. فاضل شوية ع الضهر.. والوقت أزف ع الإجتماع بتاعكم مع أهل البلد.. وطبعاً انا امبارح محفّظكم ح تقولوا إيه وح تعملوا إيه.

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent