خبر
أخبار ملهلبة

إدي العيش لخبّازه ولو ياكل نُصه | معنى وأصل وقصة أمثال شعبية (6)



إدي العيش لخبّازه ولو ياكل نُصه

 


معنى ومناسبة المثل:   

يقال هذا المثل للشخص الذي يحاول أن ينجز عملاً ليس متخصّصاً فيه أو يحاول أن يمارس مهنةً ليست مهنته ولا يتقنها ولا يعرف خفاياها فيفشل فيما يريد فعله .. كما ينصح المثل هذا الشخص بتوْكيل الأمر في هذا الشأن إلى المختص به والخبير فيه حتى لو تقاضى عن ذلك أجراً كبيراً لضمان نجاح العمل والاستفادة منه وعدم إفساده وبذلك يستفيد الطرفان.  

جنسيّة المثل وأصل منشأه:

أغلب الظن أن هذا المثل مصريٌ خالص.

قصّة المثل:

ذاعت روايتان عن قصّة هذا المَثَل:

·      الرواية الأولى:

يُروى قديماً أن السيّدات في "مصر" لم يكن لديهن أفراناً لخبز العيش الذي كُنَّ يعجننه في المنزل ويشكّلن العجين على هيئة أرغفةً مستديرة من العجين ويضعنه في صوانٍ أو صاجاتٍ سوْداءٍ كبيرة .. تماماً كما كن يفعلن مع الكعك والبسكويت الذي كن يصنعنه قبل عيد الفطر ويضعنه في تلك الصاجات .. وكن يرسلن هذه الصاجات إلى المخبز حيث يأخذها الخبّاز ويضعها في الفرن حتى تنضج أرغفة العيش نظير مبلغٍ معقولٍ من المال .. ولكي يتأكّد الخبّاز من نضج العيش وتمام تسويته كان يخرجه من الفرن كل دقيقتيْن أو ثلاثة .. وفي كل مرّة كان يقتطع لقيْمةً صغيرةً من أي رغيفٍ بالصاج ليتذوّقه ويعرف إذا ما كان استوى ونضج أم لا .. وكان يفعل ذلك عدّة مرّات فيرجع كل صاجٍ إلى صاحبته وهو ناقصٌ نصف رغيفٍ أو أكثر.

وذات مرّة فكّرت إحدى السيّدات في توْفير المبلغ الذي يأخذه الخبّاز الذي ينتهي من خبز أرغفة العيش بعد أن يتذوّق منه رغيفاً أو اثنيْن أولادها أوْلى به أو بهما .. وقرّرت السيّدة أن تخبز أرغفة العيش بنفسها .. فأحضرت موْقداً (وابور جاز) ووضعت فوقه صاج العيش تِلو الآخر .. ولكن النتيجة كانت مخيّبةً لآمالها بعد أن فشلت في تسوية العيش الذي لا تتقن خبزه .. فبعض الأرغفة كانت نيّئةً من الداخل والبعض الآخر كانت محروقة .. ورفض زوْجها وأوْلادها أن يأكلوا هذه الأرغفة لفظاعة طعمها .. فانتقدها زوْجها لسوء تصرّفها ولتدخّلها في عملٍ لا تجيده ويحتاج إلى متخصِّصٍ فيه ممّا تسبّب في زيادة تكاليف العيش الذي ألقته الزوْجة في سلّة القمامة وعدم الاستفادة منه رغم أن هدفها كان التوْفير أساساً .. وقال لها: "إدي العيش لخبّازه ولو ياكل نُصّه".     

·      الرواية الثانية:

يُحكى أنه في قديم الزمان كان هناك خبّازٌ كبيرٌ في السن لديه عاملٌ شاب في مخبزه .. وكان هذا الشاب محط ثقةٍ للخبّاز العجوز .. ولمّا تقدّم الخبّاز العجوز في العمر قال للعامل الشاب:

-       يا بُني لقد كبرتُ ولم أعد قادراً على إدارة المخبز .. ولذلك فسوف أبيعه لك نظير مبلغٍ بسيطٍ من المال ستسدّده لي على أقساطٍ شهريّة من ربح المخبز بالإضافة إلى تعهّدك بتسليمي خمسين رغيفاً من الخبز يوميّاً .. أريد منك استلام العمل بذمّةٍ وأمانة وأرجو أن تفي بهذا الاتفاق ولا تحنث بعهدك معي.

فوافق العامل الشاب وبدأ العمل بهمّةٍ ونشاط والتزم بإرسال الخمسين رغيفاً إلى الخبّاز العجوز كل يوم مع أحد الصبية العاملين بالمخبز.

وبعد عدّة أسابيع أعاد العامل الشاب التفكير في اتفاقه مع الخبّاز العجوز .. فاستكثر على الخبّاز العجوز وأسرته الخمسين رغيفاً .. وقرّر أن يكتفي بإرسال نصف هذا العدد (25 رغيفاً) للخبّاز العجوز يوميّاً على أن يبيع الـ25 رغيفاً الأخرى لزبائنه ويستغل ثمنها في توفير جزءٍ من القسط الشهري الذي يدين به للخبّاز العجوز.

وبعد شهريْن وبينما العامل الشاب يجول في سوق القرية لشراء دجاجةٍ يشويها ويأكلها فوجئ بأن دكّان تاجر الدجاج الوحيد بالقرية مغلق .. استغرب العامل الشاب وأحس بخيْبة الأمل لأنه كان يشتهي الدجاج كثيراً حيث لم يأكله منذ فترةٍ طويلة .. وتذكّر أن زوْجة الخبّاز العجوز تربّي الدجاج فتوجّه إليها ليشتري منها دجاجة .. وعندما وصل لمنزل الخبّاز العجوز وطلب منه شراء دجاجةٍ من عشّة زوجته قال له الخبّاز العجوز:

-       لم يعد لدى زوْجتي أي دجاجٍ في العشّة .. لقد باعت آخر عشر دجاجاتٍ للتاجر منذ أسبوع ولم تعد تربّي الدجاج الآن .. وأنت السبب في ذلك .. لقد نقضت اتفاقك معي  ولم تعد ترسل لي حصّتي اليوميّة بالكامل .. حيث أنني كنت أحتاج نصف هذا العدد من الأرغفة من أجل إطعام أسرتي .. أمّا النصف الآخر فكانت زوْجتي تجفّفه وتطحنه وتطعمه للدجاج الذي تربّيه في هذه العشّةٍ الكبيرة حتى يكبر فتبيعه لتاجر الدجاج في سوق القرية لأننا لا نقدر على شراء القمح أو الحنطة ليأكلها الدجاج وكانت تعتمد على الأرغفة التي ترسلها لنا .. وحينما قل ما يأتينا من خبز لم يعد يكفي سوى أسرتنا تركت زوجتي تربية الدجاج وأصبحت العشّة فارغةً كما ترى .. لقد حرمتنا وحرمت أهل القرية وحرمت نفسك من الدجاج من أجل جشعك .. يا بُني اعطِ الخبّاز خبزه حتى لو أكل نصفه.

تعليق "ابن أبي صادق":

أتمنّى أن يعمل الحكّام العرب بهذا المثل السليم .. فهؤلاء الحكّام – منذ قديم الأزل وحتى الآن – لا يؤمنون أبداً بذلك المثل ولا يعملون به .. فكل حاكمٍ يظن في نفسه أن عبقري وأنه يفهم في كل شيء وأنه طبيب الفلاسفة أو فيلسوف الأطبّاء وأن قراره دائماً هو الصحيح وأنه لا ينطق عن الهوى بل أفكاره هي وحيٌ يوحى إليه من السماء وأنه لا يأتيه الباطل من بيْن يديْه ولا من خلفه.

ولاستكمال الصورة التجميليّة الكرتونيّة الهشّة أمام الرأي العام الداخلي والخارجي يعطي هؤلاء الحكّام الأفذاذ الجهابذة فرصةً لبعض أتباعهم من أصحاب الثقة (وليس الخبرة) لتولّي بعض المناصب (وزراء لكن بدرجة موظفي سكرتارية لجلالة الحاكم الأعظم الذي يدير كل شيء وسط مباركاتهم لقراراته حتى لو كانت خاطئة) ليكتمل الفشل الذريع الذي أصاب كل الدول العربيّة التي أصبحت في مؤخّرة العالم ولا مؤاخذة.

أرجو أن يُقلِع حكّامنا سياساتهم الفرديّة الديكتاتوريّة الخاطئة  التي نرى نتاجها ونتائجها في المصير الذي وصلنا إليه .. وأن يكفّوا عن التدخّل فيما لا يتقنونه ولا يجيدونه .. وأن يعطوا العيش لخبّازه حتى لو ياكل نُصّه أو تلات ارباعه أو حتى كله .. بس ياكل بالمعقول وبالحلال دون فسادٍ أو سمسرة ويسيب لنا – إحنا الشعب – شويّة فتافيت أو فرافيت ناكلها أحسن ما ناكل بعضنا.    

google-playkhamsatmostaqltradent