خبر
أخبار ملهلبة

"سفاح كرموز" | الفصل الرابع (3)


صورة أرشيفية لسيدة أو إمرأة مقتولة تتمدد على البلاط والدماء تسيل من فمها على الأرض

"سفاح كرموز" | الفصل الرابع (3)

 

 

وقبيل الفجر كان "سعد" قد استأجر حنطوراً وذهب إلى "السيّالة" وظلَّ منتظراً أسفل بيت "ليلى" حتى وافته وقد بالغت أكثر في ملابسها الضيّقة وزينتها المبالَغ فيها وفاحت منها رائحةٌ فجّة لخليطٍ من العطور، وعندما وصلا أخذ "سعد" يتجوّل معها في أنحاء الشونة ليُريها ما يخزّنه من بضائع لتقتنع بمشاركته في هذه التجارة، وعندما شاهدت الحفرة الغائرة خلف باب الشونة - حيث قبر "وزيري" - تعجّبت وأبدت تساؤلها فأجابها بأن هذا البقعة تعاني هبوطاً أرضيّاً منذ أن كانت بئراً قديماً مردوماً فلم تأبه للأمر وأكملت جولتها، وبعد أن أنجزا ما جاءا من أجله جلسا سويّاً إلى المكتب فسألها "سعد" :

- ها ؟ .. إيه رأيِك؟

- مش بطّال.

- لأ ولسّه كمان لمّا "حسبو" يجيب البضاعة الجديدة م الصعيد .. مش ح يبقى فيه خرم فاضي ف الشونة.

- ربنا يزيد .. ويرزقك برزق عيالك.

- أنا ما عنديش عيال.

- ليه؟ .. مراتك ما بتخلّفش؟

- لأ .. أنا مش متجوّز أصلاً.

- يا خبر .. ليه؟ .. انت عندك كام سنة؟

- تدّيني كام؟

- تلاتين؟

- قرّبتي .. عندي تمانية وعشرين سنة.

- ده انت لسّه كتكوت.

- لا .. بس اعجبِك قوي .. وبعدين تلاقيني أصغر منِّك بتاع خمس سنين بس.

- لأه .. أكتر شويّتين.

- قد إيه يعني؟

- مش مهم .. مش مهم .. قول لي .. إنت ليه ما اتجوّزتش لحد ده الوقت؟ .. أوعى تكون بتهلّس.

- الجواز قسمة ونصيب .. ومين عارف يمكن قسمتي جات لي النهار ده بس.

وأشاحت "ليلى" بوجهها بعيداً عن "سعد" وقالت في استحياء :

- خلّينا ف الشُغل يا معلّم .. أنا كنت ناوية اسأل عليك الأوّل .. بس بصراحة كده الزيارة طمّنت قلبي .. خلاص .. أنا وافقت ع الشركة.

وأدخلت "ليلى" يدها اليمنى داخل صدرها فأخرجت من تحت ملابسها مبلغاً مطويّاً من أوراق البنكنوت وأعطته "لسعد" الذي نظرت إليه كزوجٍ محتمل وليس كشريكٍ مؤكّد وقالت :

- خد يا معلّم .. دول ألف جنيه ربط كلام .. على بال ما المحامي يخلّص باقى الإجراءات.

- ماشي يا معلّمة .. لحظة واحدة اجيب قلم وورقة علشان اكتب لِك وصل أمانة.

- عيب عليك يا معلّم .. ما فيش داعي .. الدار أمان.

- لا معلهش .. الأصول أصول والشُغل شُغل.

وفتح "سعد" درج مكتبه وكتب وصلاً للأمانة وأعطاه "لليلى" التي قرأته فخاب أملها وانقطع رجاؤها عندما قرأت بصوتٍ عال :

- إستلمت أنا .. إيه؟ .. إنت اسمك "سعد اسكندر عبد المسيح"؟

- أيوه.

- إنت مسيحي؟

- أيوه.

- يا دي النيلة .. يبقى مش ح ينفع .. يا خسارة .. طول عمري ما ليش حظ.

- هوَّ إيه ده؟

- آآآ .. آآ .. قصدي مش ح ينفع نبتدي الشركة بقراية الفاتحة.

- ليه لأ؟ .. إقريها انتي بس على بال ما اعمل شويّة شاي نغيّر بيه ريقنا .. عن إذنِك.

- إذنك معاك يا اخويا .. لا حول ولا قوّة إلّا بالله .. عليه العوض ومنه العوض.

ولم يغيّر "سعد" خطواته التي يقتفيها كل مرّة فشرع في تسخين المياه ثم أحضر الساطور وقتل المرأة وحفر قبرها ودفنها فيه – وهي لم تزَل متشبّثةً بإيصال الأمانة في يدها - وأكمل باقي العمل على الوجه الأكمل.

ولكي يُبعِد عن نفسه الشبهات انتظر "سعد" شريكه حتى آب من مهمّته وفاتحه بأنه فكّر كثيراً في موضوع الشراكة وارتأى أن يُدخِل معهما قريبته التي كلّمه عنها لاحتياج تجارتهما إلى التوسّع في أعمالها فوعده "حسبو" أن يقنعها بذلك قبل أن يعرف ما جرى لها، ولكن "حسبو" أتى إليه في اليوم التالي حزيناً بعد أن عرف أن زوجة خاله قد اختفت دون أن يعرف أحد طريقها، فتصنّع "سعد" المفاجأة والحزن ودعا "لحسبو" ربّه أن يعثر عليها.

وفضّل "سعد" أن يطرق الحديد وهو ساخن فلا يعطي فرصةً للشرطة كي تفيق من ضرباته المتتالية وأصر في تحدٍ صارخ أن يقوم بجريمته اللاحقة في غضون نفس الأسبوع فعهد إلى شريكه "حسبو" بمهمّةٍ طويلةٍ في الجمرك، وأعطى موعداً لتاجر أقمشةٍ يُدعى "إبراهيم زلط" واتفق معه أن يُحضِر نقوده ويأتي لشراء ما يريده من أقمشةٍ بنصف سعرها المعروف لأنه مضطرٌ لتصفية أعماله حتى يهاجر خارج البلاد، وطلب منه ألّا يخبر أحداً ليضع شريكه أمام الأمر الواقع فلا يعلم بذلك فيوقف الصفقة ويشتريها هو بحق شُفعة الشراكة، وصدّقه "إبراهيم" وأحضر ما تيسّر جمعه من نقود لشراء أكبر كميّة ممكنة من هذه الأقمشة ليستفيد أقصى استفادة من هذه الفرصة السانحة الفريدة، وبعد أن تأكّد "سعد" من إحضار التاجر لنقوده بدأ في ممارسة طقوسه المعتادة التي بدأها بأول ضربةٍ من ساطوره نزل بها على رأس الضحيّة من الخلف فسقط الرجل يتأوّه في ضعف؛ وقبل أن يعاجله "سعد" بالضربة الثانية التي تُنهي حياته فوجئ بطرقٍ شديدٍ على باب الشونة المغلق من الداخل ممّا شجّع التاجر على استجماع قواه فصرخ صرخةً عاليةً مدوية فسارع "سعد" وأراحه بالثانية فسكت تماماً حتى عن التنفّس فتركه "سعد" واقترب من باب الشونة دون أن يفتحه وصاح وهو خائفٌ من اكتشاف أمره :

- مين برّه؟

- أنا "حسبو" يا "سعد" .. افتح.

- إيه اللي جابك بدري م الجمرك؟

- قالوا لي إن المركب اللي جايبة البضاعة ح تستنّى ف عرض البحر علشان البوغاز مقفول بسبب الريح والمطر .. وقالوا لي لو الجوْ اتحسّن تعالى بكرة .. هوَّ انا ح افضل واقف برّه كده .. افتح يا عم.

- طب روح ده الوقت وتعالى بعد ساعتين تلاتة .. ولّا اقول لك .. خُد أجازة النهار ده.

- أوعى تكون فاكر إني مش عارف انت بتعمل إيه .. ده صوتك طالع وجايب لآخر الشارع.

- قصدك إيه يا "حسبو"؟

- يا عم ما انا هرشتك خلاص .. مين معاك جوّه؟

- ما فيش حد.

- يا عم ما تخافش .. إحنا ستر وغطا على بعض .. البِت "عيشة" ولّا "حمديّة"؟

- (يتنهّد بارتياح) بلاش غلاسة بقى يا "حسبو".

- ماشي يا سيدي .. خلّيك فاكرها .. عموماً الأيّام دوَل .. أشوفك بكرة .. سلام.

وانصرف "حسبو" بعد أن أرعب "سعد" الذي عاود استكمال مراسمه المعهودة لتصبح هذه الضحيّة هي السابعة ممّا أثار الشرطة التي ما زالت تتلقّى بلاغات الخطف والاختفاء منذ عامٍ ونيّف دون أن تلوح في الأفق أيّة بادرة لفك طلاسم هذه الألغاز العويصة لإنقاذ أهالي "كرموز" من ذلك السفّاك القاتل الذي يفترس أبناءهم واحداً وراء الآخر.

google-playkhamsatmostaqltradent