خبر
أخبار ملهلبة

تيتي تيتي تيتي .. زي ما روحتي زي ما جيتي | معنى وأصل وقصة أمثال شعبية (5)


رجل عجوز يرتدي أسمالاً ويجلس في إحباط ويأس على حافة أحد الأرصفة ووراءه الناس يمرون عليه ولا يكترثون به

تيتي تيتي تيتي .. زي ما روحتي زي ما جيتي

 

 

معنى ومناسبة المثل:

يقال هذا المثل للشخص الذي يبذل الجهد والوقت والعناء والمشقّة وينتقل من مكانٍ إلى مكان أو من حالٍ لآخر بغرض إدراك أملٍ ما ولكنه في النهاية لا يحصد أي فائدة ولا يحقّق أي نجاح فينتهي به الأمر كما بدأ فيعود أدراجه يجر أذيال الخيْبة دون إنجاز هدفه .. ويترادف (يتشابه) هذا المثل الشعبي مع المثل العربي القديم: "عاد بخفيْ حُنيْن".

جنسيّة المثل وأصل منشأه:

نبع هذا المثل - غالباً - في "العراق" وانتقل منها إلى "سوريا" ثم "مصر" وبلاد الخليج العربي .. ويقال - أحياناً - أن أصله مصريٌ خالص.   

قصّة المثل:

كثرت الروايات والأقاويل التي تشرح قصّة المثل ولكن أهم الروايات كانت:

-       الرواية الأولى:

يقال أن كلمة "تيتي" ليس لها أصلٌ أو معنى ولكنها جاءت فقط لتكوين الشطر الأول من هذا المثل ليأتي على نفس وزن وسجع الشطر الثاني .. مثلما جاء في المثل الشعبي المصري: "البضاعة البايرة تفضل في السوق تقول نيني نيني لغاية ما الأهبل ييجي يشتريني" فقد جاءت كلمة "نيني" (التي لا معنى لها) لتكون فقط على وزن كلمة "يشتريني" لتحقيق السجع والجَرْس الموسيقي للمثل.

-       الرواية الثانية:

يقال أن أصل كلمة "تيتي" هو اللغة الفرعونيّة لأن "تي" تعني "قادم" وإذا أضيف إليها حرف التاء المكسور تعطي معنى المؤنّث .. أي أن "تي تِ" معناها "قادمة" .. ويٌقصَد توجيه المثل للمرأة "القادمة" أو "الآتية" بعد أن خاب مسعاها.

-       الرواية الثالثة:

يقال أن كلمة "تيتي" هي الكلمة الدارجة التي تطوّر نطقها في اللهجة العاميّة السوريّة من كلمة "أتيْتي" .. مثلما حدث مع الكلمة العربيّة "مَشَيْتي" التي تطوّرت وانتهى بها الحال - حسب نُطْق السوريّين - إلى "مِشِيتي" .. ويُقصَد بذلك أن يقال: "أيتها المرأة التي أتيتي من رحلة البحث الفاشلة عن هدفِك .. لقد عُدتي كما ذهبتي".

-       الرواية الرابعة:

يقال أن كلمة "تيتي" هي كلمةٌ دارجة في الموْروث الشعبي العراقي تستخدم للطفل الذي يرومون تدريبه على المشي كنغمة تشجيعٍ وتطمين حيث تردِّدها الأم على أسماع طفلها وهي تمسك بيديْه ليخطو خطواته الأولى .. مثلما هو الحال في "مصر" عندما تقول الأم لطفلها: "تا تا خطّي العَتَبة".

-       الرواية الخامسة:   

يُحكى أن الملكة الفرعونيّة "تيتي" من الأسرة العشرين تزوّجت من أبيها "رعمسيس أو رمسيس الثالث" (زواج الآباء من بناتهم كان فقط موجوداً في العائلات المالكة المصريّة وليس بين عامّة الشعب) وأنجبت منه ولي العهد "رعمسيس الرابع" .. وفي إحدى الغزوات الناجحة للملك "رعمسيس الثالث" لبلاد الحيثيّين (جنوب "سوريا") استطاع أن يأسر أعداداً هائلةً من الأسرى والسبايا كانت منهم أميرةٌ سوريّةٌ فائقة الجمال تُدعى "إست أو إيزيس تاحمجرت" التي أسرت بحُسنها "رعمسيس الثالث" فقرّر أن يتزوّجها فوْر عودته لـ"مصر".

وخافت "تيتي" من أن تسيطر العروس الجديدة على أبيها وزوجها (في نفس الوقت) "رعمسيس الثالث" وتنجب منه تلك العروس ولداً يستولى على العرش بدلاً من ابنها "رعمسيس الرابع" (الذي كان قد كبر وتزوّج وأنجب "رعمسيس الخامس") .. ونصحتها خادمتها المقرّبة باللجوء إلى الإله "آمون" وتقديم القرابين والدعاء له كي يستجيب لرغبتها ويمنع - بقوّته الإلهيّة - هذا الزواج .. وعندما ذهبت لمعبد "هابو" (بالأقصر) أمرها كبير الكهنة بالتعبّد لـ"آمون" لمدّة ثلاثة أيّامٍ متواصلة حتى يرضى عنها ويقبل قرابينها ويجيب دعاءها .. وبالفعل مكثت ثلاثة أيّامٍ متواصلة في المعبد لكي يتحقّق لها ما تريد .. ولكنها بعد أن عادت للقصر عرفت أن "رعمسيس الثالث" تزوّج بالفعل من "إست تاحمجرت" (التي أنجب منها فيما بعد "رعمسيس السادس") .. وقيل لها وقتها: "تيتي تيتي زي ما روحتي جيتي".

-       الرواية السادسة:

يُحكى أن دودةً صغيرةً اسمها "تيتي" كانت تعيش في جُحرٍ صغير مع أمّها "توتو" التي كانت تذهب كل يومٍ لإحضار ما تجده من طعامٍ لها ولإبنتها .. وذات يوْم مرضت "توتو" فاضطرّت "تيتي" للخروج من الجُحر للبحث عن ما يُشبِعها هي و"توتو" التي مكثت في الجحر تنتظر عوْدة ابنتها بالطعام .. ولم تبتعد "تيتي" كثيراً حتى وجدت ثمرة جوز (عين جمل) ضخمة فظلّت تحوم حوْلها حتى وجدت ثقباً صغيراً في قشرة الجوزة الصلبة السميكة نفذت من خلالها إلى اللُب الداخلي .. وقرّرت "تيتي" أن تأكل كل ما يمكنها أكله من نواة الجوزة لأنها جائعة ثم أخذ كل ما يمكنها أخذه لإطعام أمها المريضة "توتو" .. وظلّت "تيتي" تأكل وتأكل بكل نهمٍ حتى سمنت جداً وزاد حجمها كثيراً .. وعندما اقتطعت جزءاً من النواة لأمّها وأرادت أن تخرج به فوجئت بأنها لا تستطيع أن تنفذ من نفس الثقب الذي دخلت منه لأنها أصبحت أكبر منه فاضطرّت أن تمكث حتى اليوم التالي لكي تهضم ما أكلته وتُخرِجه في فضلاتها وتعود نحيلةً كما كانت واستطاعت حينئذٍ أن تخرج من الجوزة وحدها دون أن تأخذ حتى تلك القطعة الصغيرة التي كانت تريد أخذها لأمّها "توتو" .. وعادت خالية الوفاض إلى جحرها فقالت لها "توتو": "تيتي تيتي تيتي .. زي ما روحتي زي ما جيتي".

-       الرواية السابعة:

يُحكى أن سيّدةً فقيرةً تُدعى "تيتي" كانت تقوم بتربية الطيور لتتكسّب من بيْعها في السوق .. وذات يوم فقست إحدى البيْضات عن كتكوتٍ جميل كبير الجسم موفور الصحّة عالي الكتكتة (الصوْصوَة) فاهتمّت به "تيتي" دوناً عن أقرانه وأخذته من العُشّة لترعاه في بيْتها وخصّته بالأكل الوفير والرعاية الفائقة لمدّة شهور فشبَّ ديكاً ضخماً قويّاً ذو ريشٍ زاهي الألوان وكان يصيح في الفجر بصوتٍ عالٍ يوقِظ كل مَن بالجوار .. فأفضت "تيتي" لزوجها بأنها سوف تُهدي هذا الديك المهيب للوالي العثماني والذي لا بُد أنه سيكافئها عليه بأضعاف أضعاف ثمنه في السوق.

وبالفعل استيْقظت في الصباح التالي مبكّراً وذهبت لقصر الوالي وطلبت مقابلته شخصيّاً .. وعندما دخلت في حضرته قدّمت له ديكها وهي تعدِّد ميزاته وأخبرته أنها قضت شهوراً في تربيته بعناية ليصبح جديراً بأن يكون هديّة للوالي المبجّل .. فنزل الوالي (الذي كان بخيلاً) عن عرشه وفحص الديك مليّاً وابتسم سريعاً وقال لـ"تيتي" الطمّاعة: "aferin .. teşekkürler" أي: "عفارم .. تشكّرات" .. وانتظرت "تيتي" أن يمن عليها الوالي بصُرّةٍ من المال ولكنه طلب من حاجبه بأن يأخذ منها الديك ثم أدار لها ظهره وأمر بصرفها من مجلسه دون أن يمنحها أيّة مكافأة فخرجت من القصر وهي واجمة وعادت لزوجها خالية الوِفاض وقصَّت عليه ما جرى فقال لها: "تيتي تيتي تيتي .. زي ما روحتي زي ما جيتي".

-       الرواية الثامنة:

يُحكى أن شركة سياحة عراقيّة اسمها "تاج للسياحة Tag Tours" ويُرمَز لها اختصاراً "تيتي TT" كانت تمتلك في بداية القرن العشرين مجموعة من الحافلات (الأوتوبيسات) التي كُتِب عليها اسم الشركة وتم استخدامها لنقل السيّاح من الموانئ والمطارات إلى الفنادق والمعالم السياحيّة بأنحاء المملكة العراقيّة .. وظلّت هذه الحافلات تجوب المدن ذهاباً وجيئةً وتنقل السائحين فتذهب بهم وتعود إدراجها لتأخذ غيرهم وترجع كما ذهبت .. وأصبح العراقيّون يشبّهون الناس التي تذهب وتعود دون أن يطرأ عليها أي تغيير بتلك الحافلات.

تعليق "ابن أبي صادق":

لا أستطيع أن أمنع نفسي من اختلاق روايةٍ تاسعةٍ من نسج خيالي المريض الذي تأثّر أيّما تأثُّر بثوْرة يناير 2011 التي بدأت عملاقةً واعدةً تنبئ بتحقيق آمالٍ عظيمة ولكن الجميع تكالب عليها - ما بيْن فاسدين ومتآمرين وأصحاب مصالح وسلبيّين ساكتين عن الحق - حتى فشلت فشلاً ذريعاً قبل أن تُكمِل عامها الأوّل .. وهذه الرواية هي:

يُحكى أن مواطناً مصريّاً اسمه "مهاود الساكت" كان يعيش على أرض المحروسة كغيْره من المصريّين الذين لاهَم لهم سوى تدبير لقيْمات العيْش وتربية أطفالهم بهدوء (رغم معاناتهم) دون أن يتورّطوا في رأيٍ معارِض أو نشاطٍ مناهض للحكّام إيثاراً للسلامة وبُعداً عن الندامة وبطش هؤلاء الحكّام الذي ربما يصيبهم أو يصيب أولادهم منتظرين الحل الإلهي من السماء التي أمر ربها وربهم بالسعي ومقاومة الظُلم والجهاد في سبيل الحق.

وبعد أعوامٍ من زواجه أنجب "مهاود" طفلة أسماها "توبة" وكان يدلّلها أحياناً كثيرة ويناديها بـ"تيتي" (اسم الدلع) .. وترعرعت "تيتي" وتفوّقت في دراستها حتى التحقت بكليّة الحقوق ونضجت كثيراً وانضمّت - بعد التخرّج - لمنظّمةٍ حقوقيّة ترعى أُسر المعتقَلين وتبحث عن الحريّة والعدالة الاجتماعيّة.

وأخيراً وجدت "تيتي" ضالتها المنشودة عندما قامت ثوْرة 25 يناير فشاركت فيها بفاعليّة حتى تم القبض عليها واحتجازها في أحد المعتقلات حيث قام زبانية الطاغوت بتعذيبها وإخضاعها لكشوف العذريّة مع بعض الفتيات والسيّدات الأخريات بهدف إذلالهن وتعزيرهن وتأديبهن لمشاركتهن في الثوْرة حتى يفكّروا ألف مرّة قبل القيام بأعمالٍ مماثلة مستقبَلاً .. وبعد شهورٍ تم الإفراج عن "تيتي" فعادت لأسرتها وسط تعليق جيرانها: " تيتي تيتي تيتي .. زي ما روحتي زي ما جيتي".

وبعد سقوط "حسني مبارك" تم الإعلان عن إجراء انتخاباتٍ برلمانيّة حرّة فتقدّمت "تيتي" للترشُّح لها ظناً منها بأن الأمور قد انصلحت والوعي الشعبي قد زاد .. وقبل أيّامٍ من إدلاء الناس بأصواتهم فوجئت "تيتي" بمجموعةٍ من الشباب الملتحين يقتحمون منزلها ليْلاً ويضربونها بعنفٍ وقسوة ويهدِّدونها بالقتل ما لم تتنازل عن الترشُّح ضد أميرهم السلفي الذي أفتى لهم وأمرهم بهذه الفِعلة لأن اقتحام المرأة للمجال السياسي وسعيها للمشاركة في الحُكم حرامٌ شَرْعاً وأن الانتخابات أصلاً حرام لأن الحكم كله لله ولا يحل للبشر الانتخاب على الطريقة الديمقراطيّة الغربيّة الكافرة ولكنه مضطر لخوْض تلك الانتخابات ليصل لما يريد .. وبعد حجزها عِدّة أيّام بإحدى المستشفيات للعلاج من أثر الضرب الـمُبَرَّح الذي تعرّضت له خرجت "تيتي" فأجبرها والدها "مهاود الساكت" على التنازل عن الانتخابات فعادت لمنزلها ووصلت لمسامعها تلك المقولة المشؤومة من إحدى الأقارب: "تيتي تيتي تيتي .. زي ما روحتي زي ما جيتي".

ومرّت السنوات حتى شاركت "تيتي" ثانيةً في ثوْرة 30 يونيو 2013 التي أطاحت بحُكم الإخوان المسلمين .. وعادت "تيتي" لمشاركة أهلها في رحلة البحث عن العيْش والحريّة والعدالة الاجتماعيّة .. ولكنها اعتُقِلت مرّةً أخرى في أبريل 2016 عندما شاركت في التظاهُر ضد تسليم "مصر" جزيرتيْ "تيران" و"صنافير" للـ"سعوديّة" .. ثم قضت الدائرة "21 إرهاب" بسجنها لمدّة خمس سنوات بتهمة إثارة الشَغَب والبلبلة بين جموع الشعب .. فخضعت "تيتي" لتنفيذ العقوبة حتى جاء اليوْم الذي تابت فيه عن سلوكها وخرجت فيه من السجن إلى بيتها لتواجه ذلك الشعب الذي هي منه وهو يردِّد لها ولـ"مصر" كلها مقولة: " تيتي تيتي تيتي .. زي ما روحتي زي ما جيتي" .. وكل ثوْرة وانتم طيّبون.

google-playkhamsatmostaqltradent