خبر
أخبار ملهلبة

الفصل الثالث | نهاية العالم (2)


مائدة عشاء يجلس عليها المشاهير والفنانين في إحدى حفلات المهرجانات

الفصل الثالث | نهاية العالم (2)
السبت 3 / 10 / 2020
باقي ثمانية أيّامٍ على النهاية



وفي المساء استيْقظ "باسم" من قيْلولته القصيرة فبادر بحلاقة لحيته واستحمّ ثم ارتدى بِزّةً سوداء أنيقة ورذّ على نفسه كثيراً من عطرٍ غالٍ وأسرع بالانصراف لحضور حفلته المرتقبة في ذلك الفندق الفخم، وحين وصل هناك استطاع الدخول بالكاد نظراً للزحام الطاغي للجماهير والمعجبين بالفيلم وأبطاله، أمّا صالة العرض فحدّث ولا حرج فقد كانت كخليّة نحلٍ تعجّ بالفنّانين والإعلاميّين والصحافيّين والمصوّرين وشرائح أخرى من صفوة المجتمع الذين جاءوا للتجمّع حول الشاشة الفضيّة لمجاملة أصحاب الفيلم ولإثبات حضورهم في الوسط الفني، وكان الرجال يرتدون بِزّات داكنة وأربطة عنق جميلة غالية في حين لم يرتدِ السيّدات غير ما قل ودل من الثياب التي تكشف أكثر ممّا تستر في تنافسٍ واضح لإبداء مفاتنهنّ وتفاصيل أجسادهنّ البضّة ليظهرن جمالهنّ ورقي ذوقهنّ المتطوّر والمتحرّر من قيود الأخلاق الرجعيّة وكذا أيضاً ليلفتن الأنظار نحوهنّ فتجد أكثرهنّ عرياً هنّ أكثرهنّ جذباً للحاضرين ولكاميرات التصوير ولإجراء الحوارات والأحاديث والتصريحات، وبعد وقتٍ من التسليمات والتحيّات والمجاملات بدأ الحاضرون في اتخاذ أماكنهم كلٌ على مقعده المخصّص له وبدأ عرض الفيلم.

لم يكن من الصعب على أي شخصٍ ذي خلقٍ قويم أو إنسانٍ ذي ذوقٍ سليم أو أمرؤٍ ذي جنان مستقيم أو آدميٍ مدركٍ وعليم أن يعي ويلحظ أن هذا الفيلم ما هو إلّا حزمةٌ جامعةٌ لكل ما هو قبيح وقميء ومدمِّر للناس خاصةً الشباب منهم، فقصّة الفيلم تدور حول ثلاث ساقطات يشتركن معاً لتكوين شبكة لممارسة الأعمال المنافية للآداب ولكلٍ منهنّ قصّةٌ وظروف دفعتها مرغمةً على ذلك، فالأولى لها أمٌ مريضة وأبٌ عاجز عن الكسب وأخوات في المدرسة واضطرّت لممارسة الفجور حتّى تتحصّل على المال الكافي للصرف على ذويها، والثانية لم تجد صدراً عطوفاً يحنو عليها بعد وقوع الطلاق بين أبيها وأمها وزواج أبيها بسيّدةٍ قاسية كانت تذيقها صنوف العذاب فهربت من بيت أبيها لتقع في براثن الفحش، والثالثة كانت طالبةً جامعيّةً ثريّة خدعها أحد زملائها بحجّة الحب فأفقدها أعز ما تملك بعد أن سقاها عصيراً من مادةٍ صفراء فاقعٌ لونها تسرّ الناظرين ودفعها لإدمان المخدرات حتّى تنسى ما وصلت إليه من انحطاطٍ وشقاء فأُرغمت على المتاجرة بجسدها لتغطّي مصاريف الإدمان، وكلٌ منهنّ- رغم فجرها- ما زال بها قلبٌ نابض يهفو إلى الحب نادر الوجود ويشتاق إلى الشرف الذي صار مفقود، إلى أن قابلن ثلاثة رجال وسماء فينهش الحب قلبهن ويستبد الغرام بوجدانهن ويقررن التوْبة والزواج من هؤلاء الشباب الذين يصفحون عنهنّ ويسامحون أفعالهنّ ويضحّون بمستقبلهم فيتركون دراستهم- وسط معارضة الأهل- ويتجهون لسرقة السيّارات والإتجار في المخدرات حتّى يجمعوا المال الكافي لبناء مستقبلٍ جديد فيتزوجون من الفتيات أو قل السيّدات الثلاثة ويفتتحون ملهى ليليّاً ملحق به صالةٌ للقمار ويغرقون في حبٍ ووئام وينجبون أولاداً وبناتاً ويعيشون في تباتٍ ونبات، وأثناء سرد الفيلم لهذه الرواية التافهة غير المحبوكة كانت مشاهد الفيلم تدور بين الكباريهات التي تعرض الرقص العاري والغرز الموبوءة بتعاطي السموم وبيوت الدعارة التي يمارس فيها العهر، وجاء هذا كلّه في إطارٍ من الحوار المُسِّف والألفاظ الخارجة عن الآداب والكلمات ذات الإيحاءات الوضيعة، ولم يخلُ الأمر من أن تتخلّل أحداث الفيلم أغاني ماجنة لشعراء إباحيّين ومعارك بين الأشرار والأخيار بالأيدي والمسدسات ومطاردات مثيرة بالسيّارات والدرّاجات الناريّة.

وعقب انتهاء الفيلم ضجّت صالة العرض بالتصفيق الذي طغى على التصفير والصراخ الذي صمّ الصماخ من شدّة إعجاب الحاضرين بجودة الفيلم أو قل من شدّة نفاقهم لزملائهم صنّاع الفيلم، ووسط كل هذه الجلبة بدأ "باسم" ينشط في عمله على الأرض ويجري الحوارات مع النجوم مستعيناً في ذلك بمسجّل الصوت بهاتفه المحمول:

- وبعد انتهاء عرض فيلم "شهوة متحرّكة وصراع للأبد" يسعدني أن أحاور مؤلِّف الفيلم الروائي المبدع والقصّاص الكبير "عجيب محفور".. مساء الخير يا فندم.

- مساء الخير على كل الناس الجميلة اللي شرّفتنا بالحضور الليلة دي و باشكرهم من أعماق قلبي على تشجيعهم المستمر لينا.

- تحب تهدي النجاح ده كلّه لمين؟

- مش عايزة كلام طبعاً لمراتي حبيبتي اللي اتجوّزتها بعد سبع جوازات فاشلة طول الخمس سنين اللي فاتوا.. والحمد لله ربّنا هداني أخيراً لنُصّي التاني اللي ورا نجاحي المذهل ده.

- يا سلام.. يا سلام على العرفان بالجميل.

- طبعاً.. مش بيقولوا وراء كل رجل عظيم إمرأة.

- ربّنا يديم عليكم السعادة يا رب.

- يا رب يا رب يا رب.. وانا الحمد لله متفائل جدّاً لإننا متجوّزين بقى لنا تلات شهور بحالهم ما حصلش بيننا أي خلاف غير الحاجات اللي بتحصل بين أي زوجين.

- عقبال تلات قرون إن شاء الله.

- يا رب يا رب يا رب.. وعلى فكرة من مصادفات القدر إنها ممثّلة كمان.. وانا ناوي أألف لها قصّة تتعمل فيلم قريّب ح يهز صناعة السينما ف "مصر".

- نقدر ناخد سبق صحفي من سيادتك ونعرف طلّة سريعة كده ع القصّة؟

- لا.. خلّيها مفاجأة.. بس هيّ بتحكي عن مغامرات رقّاصة غاوية رجّالة من كل صنف ولون.. ومن خلال استعراض قصص الرجّالة دول باستعرض المشاكل الحقيقيّة اللي بيواجهها المجتمع زي قضايا المخدرات والجنس والفساد.

- باين عليه ح يبقى فيلم تحفة.

- ربّنا يسهّل.. ح يكون تعاون مثمر بيني وبين مراتي فنيّاً.. وح يبيّن قد إيه إحنا متناغمين ومتفاهمين رغم فرق السن البسيط اللي بيننا.

- مش كتير قوي يا أستاذ "عجيب".. دول حوالي تلاتين سنة بس.

- لأ.. تمانية وعشرين بالظبط.

- ربّنا يديك الصحّة ويقوّيك.

- يا رب يا رب يا رب.

- باشكرك جداً على الحوار الممتع ده.

**********

- ومعانا ده الوقتِ ملكة الشاشة.. نجمة الموسم وكل موسم.. بطلة الفيلم.. الفنّانة "أناناس الزغيدي".. إيه النور ده يا ست الكل.

- ده نورك يا "سمسم".

- بسم الله ما شاء الله.. عيني عليكي باردة.. كل يوم بتزيدي حلاوة وجمال عن اليوم اللي قبله.. يا ترى إيه سر الشباب الدائم ده؟

- الله يخليك.. أبداً أنا باحافظ على صحّتي ومش باكل كتير وبالعب رياضة وبانام بدري الساعة ستّة الصبح وما باتقّلش ف الشرب.. يعني.. الواحدة مننا لازم تتعب وتضحّي علشان خاطر تبقى عند حسن ظن جمهورها اللي له الفضل عليها بعد ربّنا طبعاً.

- ونعمَ بالله.. بصراحة أنا باحب أهنّيكي على التطوّر الرائع في مستواكي التمثيلي والدرامي.. الفيلم النهار ده قمّة ف الأداء التمثيلي.. يمكن ده أحسن دور شفناكي فيه من ساعة ما بدأتي تظهري مع الفنّان الكبير "علي الكسّار".

- ما تكبّرنيش قوي كده.. ده انا كنت طالعة مع "علي الكسّار" و"سراج منير" ف دور أختهم الصغيّرة.. بس الحمد لله تطوّري في التمثيل ده ناتج عن خبرة وتراكمات لتجارب فنيّة كتير.

- بس فيه بعض الناس.. وباقول "بعض".. بتنتقد فنّانتنا الجميلة في المشاهد الجريئة اللي بتصوّرها.. تردّي عليهم تقولي لهم إيه؟

- لأ.. دول ما يستاهلوش إني أرد عليهم.. دول ناس معقّدين بيفكّروا بنصّهم التحتاني بس.. اللي همّ مش فاهمينه إن السينما دي فن جميل بيرصد الواقع بتاعنا اللي بنعيشه.. يعني مثلاً مش عيب أبداً إني أطلع عريانة ف الحمّام وانا باستحمّى.. ما هو ده زي ما باطلع ف المطبخ وانا باكل.. ده بيحصل فعلاً وواقعي وده بيحصل فعلاً وواقعي.. ما فيش فرق.. ما احنا كلّنا بنستحمّى.. إيه الغريب ف كده.. ولّا الناس دول جربانين ما بيستحمّوش.. قيس على كده بقى باقي المشاهد اللي همّ بيقولوا عليها.. ح تلاقيها كلّها واقعيّة.. واحدة نايمة مع جوزها.. واحدة بتغيّر هدومها.. واحدة بتعوم ف البحر ولابسة مايوه بكيني.. أومّال ح تنزل تعوم بمَلَس.. دول ناس عايشين ف العصر الحجري.. يروحوا يشوفوا أفلام برّه المحترمة اللي بتكسب جوايز ف المهرجانات.. الأفلام دي بتبقى فيها علاقات كاملة ما حدّش بيقول لهم تلت التلاتة كام.. علشان كده متقدّمين وبيحافظوا على حق المشاهد في المعرفة.. مش زي المتخلّفين اللي عندنا.  

- ويا ترى فيه أعمال جديدة ح تمتّعينا بيها؟

- إن شاء الله فيه سيناريوهات كتيرة حاخد فيها قرار بس لمّا ارجع "مصر" بعد ما اجي م العمرة.

- عمرة مقبولة إن شاء الله.. بصراحة الواحد ما بيشبعش من الكلام معاكي بس ح ادّي الفرصة لزمايلي علشان يتحاوروا معاكي.. وألف مبروك.

**********

- أبو الجدعنة كلّها.. وصاحب أكبر رصيد من الأفلام الناجحة اللي كسّرت الدنيا في تاريخ السينما المصريّة.. أبو الكل.. المنتج "أحمد السونكي".. مساء الفل.

- مساء الورد ع الناس الحلوة.

- مبروك يا عمّنا ع الفيلم العظيم ده.

- الله يبارك فيك يا حبيبي.. يا ذوق.

- نمسك الخشب.. فيلمك اللي فات "الأسد ومراته" حطّم الأرقام القياسيّة بمراحل.. والنهار ده أنا شايف إن "شهوة متحرّكة وصراع للأبد" على نفس المستوى بل أرقى.. تتوقّع إيه؟

- يا مسهّل.. متهيّأ لي إننا ح نتخطّى حاجز الميت مليون جنيه.. وده كلّه بسبب إن الناس بتُقْبِل على شبّاك تذاكر الأفلام اللي فيها التوْليفة اللي بتحبّها.. يعني الفيلم دوكهوّ فيه كل اللي بيكيّف المشاهد.. فيه رقص وغُنا وأكشن وحب ودلع لا مؤاخذة.. ولو عايز دراما ح تلاقي.. تراجيديا ماشي.. حكم ومواعظ موجودة.. ضُحك وهزار بالهبل.. مصايب وفواجع ما يضرّش.. أيّتها حاجة من أصناف الفن ح تشوفها ف الفيلم.. أصلي ما بابخلش ع الأفلام بتاعتي بتاتاً.

- سمعت عن حملة مقاطعة أفلامك؟

- طظ.. طول ما ده (و أشار إلى قلبه) أبيض ومعايا دُعا الوالدين ما يهمّنيش حاجة.. خلّيهم يقاطعوا زي ما همّ عايزين.. ده قصر ديل لا مؤاخذة.. أنا عارف مين اللي ورا الحملة دي.. فنّانين فاشلين أفلامهم ما بتجيبش رُبْع مصاريفها وبتتشال م السيما بعد إسبوعين تلاتة.. أنا مش ح اشغل نفسي بيهم.. طول ما قدّامي هدف باسعى له ربّنا ح يكرمني.. وعلى رأي الشاعر: سيب الكلاب تهوْهوْ والقافلة ماشية.. قال حملة قال.. تقولش حملة "نابليون" يا خَيْ.

- الرك ع النيّة يا سيد الكل.. قول يا رب.. وبنشكرك قوي.

**********

google-playkhamsatmostaqltradent