خبر
أخبار ملهلبة

كنوز الملك سليمان (3) | قصص عالمية


سيدنا الملك سليمان يستقبل بلقيس ملكة سبأ في قصره المليء بالكنوز والذهب والجواهر

كنوز الملك سليمان  (3)



وعندئذ صوبت البندقية نحو الحيوان وأطلقتها فخر صريعاً على الفور .. فازداد الرجال رعباً وخوفاً .. وعلت الدهشة وجوههم المذعورة .. وقال العجوز في النهاية: لقد اقتنعنا بكم .. إن جميع الساحرات في قبيلتنا لا يستطعن أن يفعلن شيئاً كهذا .. والآن .. اسمعوا يا أبناء النجم الساطع .. يا أبناء العيون التي تلمع في صوء الشمس والأسنان التي تخرج منلافم وتدخل .. يا من تستطيعون القتل بهذا الصوت المرتفع كالرعد .. أنا اسمي "إنفادوس" .. وأنا ابن "كافا" الذي كان ملكاً على شعب "كوكوانا" .. أما هذا الشاب فاسمه "سكراجا" .. وهو ابن "توالاط" الملك العظيم .. سيد "كواكوانا" وحارس الطريق العظيم .. وباعث الرعب في قلوب أعدائه .. وقائد مائة ألف من الجنود الشجعان .. "توالا" المرعب .. صاحب لاعين الواحدة!

قلت للرجل العجوز إننا نريد أن نقابل الملك "توالا" .. فالتفت الرجل العجوز إلى رفاقه وأمرهم بحمل جميع أمتعتنا وحاجياتنا فيما عدا البنادق التي لم يجسروا على الاقتراب منها أو لمسها .. وحملوا أيضاً ثياب "الكابتن جود" التي كان قد خلعها ليغسلها .. ولكن الكابتن صاح بهم أن يتركوا ملابسه ليرتديها .. ولكن الرجل العجوز قال في دهشة: لا يا سيدي .. هل يريد سيدي أن يغطي ساقيه البيضاوين؟ .. هل فعلنا شيئاً شريراً حتى يقوم سيدي بتغطية ساقيه؟!

وهنا تقدم "سير هنري" إلى "الكابتن جود" وقال له: لقد ظهرت في هذه البلاد بشخصية خاصة متميزة .. ويجب عليك أن تستمر في تمثيل هذه الشخصية .. ومن الآن فصاعداً يجب أن تبقى هكذا .. لا تلبس سوى القميص والحذاء .. وتظل محتفظاً بالمونوكل فوق عينك .. لأنك إذا غيرت أي شيء من مظهرك هذا .. فسوف يتوقفون عن تصديقنا .. وسيقتلونا جميعاً في لحظة واحدة!

وفي أثناء الطريق دار بيني وبين "إنفادوس" العجوز حديث طويل بلغة الزولو .. سألته: من ذا الذي بنى هذا الطريق يا "إنفادوس"؟ فقال: لقد بُني في عصور قديمة يا سيدي .. ولا أحد يعرف كيف ولا متى بُني .. حتى الساحرة العجوز "جاجول" التي عاشت مئات السنين وظلت تعيش حتى الآن لا تعرف ذلك.

وَظَلَلْتُ أوجه أسئلتي إلى "إنفادوس" حتى عرفت منه الكثير من الأسرار .. عرفت أن جنود الملك "توالا" يعدون بالآلاف .. وأن حرباً أهلية قد دارت رحاها بين العائلة المالكة في قبيلة "كوكوانا" .. وكان سبب هذا النزاع هو عادات وتقاليد القبيلة التي تقضي بأن أية أمرأة إذا ولدت طفلين توأمين فيجب أن يُقتل الطفل الأضعف.

وكان للملك السابق "كافا" أخ توأم ولد معه .. ولكن أم الملك أخفت وليدها الآخر حتى لا يتعرض للقتل .. وعندما مات الملك "كافا" تولى العرش أخوه الأصغر "إيموتو" .. ولكن "جاجول" الساحرة العجوز المرعبة، أيدت "توالا" الأخ التوأم للرجل الميت .. وقام "توالا" بقتل الملك "إيموتو" وتولّى العرش بدلاً منه .. ولكن أرملة "إيموتو" هربت وحملت معها طفلها الرضيع "أجنوسي" .. ومنذ ذلك الحين لم يرها أحد.

فسألته باهتمام: معنى ذلك إذا كان "أجنوسي" لم يزل حياً .. فسوف يكون هو الملك الحقيقي لشعب "كوكوانا" ..؟

فأجاب على الفور: هذا صحيح .. وهناك علامة "الوحش الزاحف" التي نوشم بها الابن الأكبر للملك حين يولد .. فإذا كان "أجنوسي" حياً فسوف يصبح الملك صاحب الحق الشرعي على شعب "كوكوانا" .. ولكن من المؤكد أن "أجنوسي" قد مات.

كان "أمبوبا" يسير خلفي مباشرة .. وسمع كل هذ الحديث الذي دار بين وبين "إنفادوس" .. ولاحظت أنه مهتم بسماع هذا الحديث كلمة كلمة ..

ونظراً لأن "إنفادوس" كان قد أرسل بعض الرسل للإعلان عن قدومنا .. فقد لاحظنا ونحن نقترب من القرية أن هناك فرقاً كثيرة من الرجال كانت تتجمع على جانبي الطريق وهم يحملون في أيديهم حراباً ذات سنون لامعة ودروعاً رمادية اللون .. وأفهمني "إنفادوس" أن هؤلاء الجنود إسمهم "الرماديون" وهم من خيرة الجنود في شعب "كوكوانا" .. وأنه هو القائد الآمر لهؤلاء الرماديين.

واجتزنا القرية حتى أصبحنا على مشارف مدينة "لوو" عاصمة أرض "كوكوانا" .. وهي مدينة صغيرة تقع بالقرب من تل له شكل غريب يشبه حدوة الحصان أو شكل هلال القمر .. وخلف المدينة كانت هناك ثلاثة من الجبال لها شكل وتكوين غريب، وتتوج قممها الثلوج .. ولاحظ "إنفادوس" أننا نركز أنظارنا على تلك الجبال .. فقال يوضح لنا أمرها: إنها جبال مملوءة بالكهوف .. وعندها ينتهي الطريق .. وجميع ملوكنا الذين ماتوا مدفونون هناك .. في أرض الموت!

وهنا قلت لرفاقي باللغة الإنجليزية: إن كنوز الملك سليمان مخبأة في تلك الجبال ..

وكان "أمبوبا" واقفاً بالقرب مني وهو مستغرق في تفكير عميق، ولكنه قال فجأة: نعم .. الكنوز موجودة هناك .. وما دمتم تحبون هذه الأشياء فسوف تحصلون عليها.

واستمر سيرنا وسط صفوف لا حصر لها من الأكواخ .. إلى أن وصلنا إلى مجموعة صغيرة من الأكواخ بنيت على شكل دائرة تتوسطها ساحة واسعة .. وأعدوا لنا كوخاً مستقلاً لكل واحد منا .. وزودونا بالطعام وبالماء .. ولكننا آثرنا أن نبقى جميعاً في كوخ واحد حتى نكون مجتمعين سوياً عند حدوث أي خطر .. ثم استغرقنا بعد ذلك في نوم عميق لأننا كنا في غاية الارهاق والتعب.

وفي صباح اليوم التالي، ذهبنا لمقابلة الملك "توالا" .. الذي كان يعيش في كوخ كبير شديد الضخامة .. أمامه ساحة واسعة اصطف فيها آلاف من الجنود مدججين بالرماح والدروع، وقفوا جامدين كما لو كانوا قد نحتوا من صخور صلبة .. وجلسنا على بعض المقاعد أمام بوابة الكوخ الملكي انتظاراً لظهور الملك وحاشيته.

وعندما فُتحت بوابة الكوخ، ظهر رجل ضخم الجثة كالعملاق، وخلفه صبي صغير هو "سكراجا"، ومخلوق آخر غريب يبدو كما لو كان قرداً مجففاً يرتدي ملابس من فراء الحيوانات.

كان الملك "توالا" ذا وجه مخيف يثير الرعب .. وله شفتان غليظتان وأنف ضخم مفلطح وعين واحدة يطل منها الشر .. وكان يزين رأسه بعديد من الريش الأبيض، وجسمه كله مغطى بدرع لامع، ويمسك في يده اليمنى رمحاً ضخماً، وحول رقبته حلقة سميكة من الذهب .. وفي منتصف جبهته تتلألأ ماسة ضخمة لم نر من قبل مثلها.

ولكي يرينا الملك قوته وجبروته، أمر بإعدام جندي لا يحمل درعه بطريقة جيدة .. فتقدم ابنه "سكراجا" وغرس رمحه في قلب الجندي المسكين .. وهنا سمعنا صوتاً حاداُ يخرج من المخلوق الذي يشبه القرد المجفف: خذوا هذا القتيل بعيداً .. وغطوا آثار الدماء .. قال الملك أوامره .. وأطيعت أوامر الملك!

أوشك "السير هنري" أن ينهض محتجاً على تلك القسوة الظالمة .. ولكن أشرت إليه بأن يلزم الصمت حتى لا نتعرض للمشاكل .. وأخيراً تحدث إلينا الملك قائلاً: هى جئتم حقاً من النجوم البعيدة؟ .. هل تعرفون إني قادر على جعل مصيركم مثل هذا الجندي الذي مات في لحظة خاطفة..؟

وعندئذ قلت للملك وأنا أضحك ساخراً: ألم يخبروك بأننا قادرون على القتل ونحن نقف في مكان بعيد ..؟!

قال الملك: لقد أخبروني بذلك ولكني لا أصدقه .. أروني كيف تقتلون رجلاً من هؤلاء الجنود الواقفين هناك.

قلت: نحن لا نقتل الرجال إلا إذا كان ذلك من أجل عقاب عادل .. أحضر لنا فيلاً أو أي حيوان آخر ودعه يقف عند تلك البوابة البعيدة .. وسترى بنفسك أني سأسقطه ميتاً وأنا واقف في مكاني هنا.

وأمر الملك بإحضار فيل .. وهمست إلى "السير هنري" بأن عليه أن يطلق النار على الفيل فور ظهوره عند البوابة حتى يعرف الجميع أنني لست الساحر الوحيد في جماعتنا .. وما أن ظهر الفيل عند مدخل البوابة البعيدة، حتى صوب "السير هنري" بندقيته نحوه، وأطلق النار فسقط الفيل صريعاً .. وانطلقت على الفور همهمات التعجب من آلاف الجنود ومن جميع الموجودين الذين شاهدوا ما حدث.

وظهرت ملامح الخوف على وجه الملك، فانتهزت هذه الفرصة وقلت له: أنظر الآن .. إني أستطيع أن أكسر رمحك وأنا واقف في مكاني .. وصوبت بندقيتي نحوه وأطلقتها فتناثر سن الرمح إلى قطع صغيرة .. وانطلقت همهمات الدهشة والتعجب مرة أخرى.

وهنا رأينا المخلوق الذي يشبه القرد المجفف يزحف على أربع من مكانه في الظل، واتجه إلى حيث كان الملك .. وعندئذ هب هذا المخلوق الغريب واقفاً على قدميه الخلفيتين وأزاح الغطاء عن وجهه .. وكم كانت دهشتنا حين رأينا وجه امرأة عجوز معمرة، كله تجاعيد متغضنة، وليس في رأسها شعرة واحدة .. كانت هذه المرأة هي "جاجول" الساحرة الشهيرة الشريرة التي لا يعرف عمرها أحد .. والحقيقة أن الخوف قد اعترانا جميعاً بسبب منظرها المرعب .. ومدت "جاجول" عظام يدها حيث تظهر أصابعها ذات الأظافر الطويلة ووضعتها على كتف الملك "توالا" وقالت:

"اسمع أيها الملك .. اسمعوا يا كل الموجودين هنا .. إني أرى أنهاراً من الدم ستسيل في كل مكان .. وأنتم أيها الرجال البيض القادمون من النجوم البعيدة .. هل تبحثون عن شخص مفقود كما تقولون؟ .. لن تجدوه هنا .. فمنذ آلاف السنين لم تطأ هذه الأرض قدم بيضاء .. وإذا كنتم قد جئتم من أجل الأحجار البيضاء فسوف تعثرون على تلك الأحجار بعد أن يجف الدم .. (ثم تقدمت إلى "أمبوبا" وقالت له) .. وأنت يا صاحب الوجه الأسمر الفخور .. من أنت؟ .. إني أعرفك وأستطيع أن أشم رائحة الدماء التي تجري في قلبك وعروقك .. اخلع ملابسك لأرى!" .. وعلى الفور سقطت الساحرة العجوز مغشياً عليها ..

وقام الملك وكل عضو فيه يرتعش .. وأصدر أمراً بانصراف الجنود .. وقال لنا في صوت خافض: اذهبوا في سلام .. الليلة ستقام حفلة رقص أدعوكم لمشاهدتها .. وغداً سوف أفكر ..!

وقام "إنفادوس" بمصاحبتنا حتى وصلنا إلى كوخنا ..

تلاحقت بعد ذلك أحداث هامة .. وقال لنا "إنفادوس" بصراحة أن الملك "توالا" مستبد ظالم .. وأن الأرض تصرخ من قسوته وشهوته للقتل .. وأن حفلة الرقص التي سيقيمها الليلة ستشترك فيها الساحرات الصيّادات .. وستقوم الساحرات بِشَمِّ بعض الحاضرين لاختيارهم للقتل .. فإذا كان الملك يريد أن يستولي على القطيع المملوك لأحد الرجال .. أو يريد أن يستولي على زوجة أحد الرجال .. أو إذا كان يخشى من سلطة رجل معين، فإن الساحرات الصيّادات اللواتي درّبتهن "جاجول" سيقمن بشم هؤلاء الرجال .. وهذا معناه أن الساحرات قد اختارت هؤلاء الرجال للقتل فيقتلون في الحال .. إن الأرض كلها تعاني من ظلم "توالا" وأساليبه الدموية.

وعندما سألت "إنفادوس" لماذا لا تتخلصون من هذا الملك الظالم .. قال: إننا إذا قتلنا "توالا" فسوف يتولى العرش ابنه "سكراجا" وهو يحمل قلباً أكثر سواداً من قلب أبيه .. (ثم قال بعد فترة صمت قصيرة) .. لو لم يقتل الملك "إيموتو" .. أو لو كان ابنه "أجنوسي" ما زال حياً، لكان الأمر مختلفاً .. ولكن "إيموتو" و "أجنوسي" قد ماتا ولم يعد هناك أمل.

وهنا هب "أمبوبا" واقفاً وتقدم إلى "إنفادوس" وقال له وسط دهشتنا جميعاً: لا يا عمي "إنفادوس" .. إن "أجنوسي" لم يمت .. إنه ما زال حياً .. أنا "أجنوسي" يا عمي .. لقد هربت أمي بعد مقتل زوجها الملك "إيموتو" وحملت معها ابنها .. واستطاعت أن تعبر به الجبال والصحاري .. وعاشت في أرض تنبت فيها الأعشاب والأشجار .. ولقنت ابنها كل المعلومات عن وطنه الأصلي وعن مكانته في هذا الوطن .. لقد عشت يا عمي واستطعت أن أكسب عيشي بنفسي .. عملت خادماً .. وعملت جندياً واشتركت في معارك وحروب كثيرة .. وكنت أحلم دائماً بالعودة إلى وطني لأطالب بحقي حتى ولو لقيت حتفي .. وعندما تقابلت مع هؤلاء الرجال البيض الشجعان، وعلمت أنهم سيذهبون إلى وطني في تلك الأرض البعيدة، التحقت بخدمتهم وجئت معهم .. !

كان "إنفادوس" ينصت إلى هذا الكلام وهو مذهول لا يستطيع أن يصدق نفسه .. ولكنه تماسك وقال: إذا كنت أنت "أجنوسي" كما تقول .. فهيا اخلع ملابسك لأرى شيئاً ..



(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent