خبر
أخبار ملهلبة

صورة واحد مذيع | صور مقلوبة | أحمد رجب


رسم كاريكاتيري كوميدي بريشة مصطفى حسين لإعلامي يقأ النشرة الإخبارية أمام ميكروفون الإذاعة من قصة صورة واحد مذيع ضمن قصص صور مقلوبة للساخر أحمد رجب

صورة واحد مذيع

 

 

الأحـد:

يا فتّاح يا عليم ..صدر نقد عنيف جداً من الكاتب الصحفى "حسن حسن" بسبب أخطائي في قراءة نشرة الأخبار .. فقد قال أننى أُخطِىء في نُطـق الأسماء الأجنبيّة .. واستشهَد على ذلك بأنني نطقتُ اسم الملاكم "محمد علي کلای": "محمد علي کولای" .. ونطقتُ اسم مدينة "شارلروا": "شارلرو" باعتبار أن الواو الأخيرة هی واو الجماعة .. ونطقتُ اسم الجنرال "هو شي مِنْه": "هو شي مِنُّهُ" باعتبار أن "مِن" حرف جر والهاء ضمير مجرور .. ونطقتُ اسم مدينة "بومباي": "بامباي" علی وزن باي باي .. وكتب "حسن حسن" أن السين تنقلب في فـمّي إلى الصـاد والصاد تنقلب إلى سين، وضرب لذلك مثلاً أنني قلت "صان فرانصصكو" و"السين" الشعبيّة" و"الكومنولص" و"باريص" .. واستمر الرجل في نقده القاسي فقال إنني أُخطىء في النحو: فأجُر الفاعل وأرفع المفعول وأصرف الممنوع من الصرف على مزاجي .. ولكن الحمد لله لم يذكر اسمي لأنني لا أزال غير معروف.

الإثنيْن:

نصحني زميلي المذيع القديم "صبحي الناصح" بتشكيل النشرة قبل قراءتها مع التدريب المستمر على نُطق الأسماء الأجنبيّة من أصول البرقيات الواردة من وكالات الأنباء.

الثلاثاء:

قبل أن أقرأ النشرة اليوم توجّهتُ إلى قِسم الأخبار وذاكرتُ النشرة خبراً خبراً .. وشكّلتُ الكلمات بالقلم الأحمر كما أخذتُ بالي من حكاية السين والصاد .. وعدتُ إلى الأستديو عازماً على أن أثبت لكبير المذيعين "عصفور عصفور" أنني مذيع مهم جداً .. وفتحت الميكروفون وبدأت العمل قائلاً:

-       صیّداتی آنصانی صادتی .. سباح الخير .. إليكم نشرة الأخبار الأولى لهذا اليوْم.

وبدأتُ في قراءة الخبر الأوّل لكنني ما كِدتُ أصل إلى السطر الثاني منه حتّى لمحتُ مهندس الصوْت يشير لي من وراء الحاجز الزجاجي إشاراتٍ لم أفهمها فأمهلته بإشارةٍ من يدي حتّى أُتِم قراءة الخبر ومضيْتُ أقول:

-       هذا وقد سرّح الرئيص الأمريكيّو في مؤتمرٌ سحفي بأن أمريكا صتضاعِف قوّاتها في "فيتنامي الجنوبيّتي" للردي على هجمـاتي "الفيتي كونجي" .. هذا وقد أعلن "هارولد ويلصون" رئيصو الوظرارتي البریطانیّتي أن مبعوثهو الخاس إلى "فيتنامي" قد فشل في مهمّتهي.

وعندما انتهيْتُ من قراءة الخبر أغلقت الميكروفون لأخاطب المهندس في الميكروفون الداخلي وقلت له:

-       فيه حاجة يا أخ؟

وجاءني صوْته:

-       الأسماء الأجنبيّة ما بتتشكِّلش .. إنطقها زي ما هيَّ.

ابتسمت في سخريةٍ واستخفاف دون أن أعني بالرد على هـذا الساذج الجاهل الذي لا يعرف ما الذي كتبه الكاتب الظالم.

الأربعـاء:

مُدهش .. زميلي "صبحي الناصح" جلس معي اليوْم جَلسةً طويلةً يمدّني بنصائحه وخلاصة تجاربه .. قال لي أن المذيع الناصح يجب أن تكون له شخصيّةٌ مستقلّة فلا يقلِّد أحداً مَثَلاً في العبارات التقليدية التي تتكرّر كل يوم مِثل: "سیداتي آنساتي سادتي صباح الخير" أو "أسعد الله مساءكم" أو "تُصبِحون على خير"  .. فعلى المذيع الشاطر أن يبتكر العبارات الجديدة دائماً .. فبدلاً من أن يقول: "صباح الخير" يقول: "سیّداتي آنسـاتي سادتي صباحنا فُل بإذن الله" أو "سيّداتي أنساتي سادتي نهارکوا قِشطة" .. وبدلاً من أن يقول: "أسعد الله مساءكم" يجب أن يُجـدّد قائلاً: "يا مساء الورد" أو "يا مساء العندليب" .. وبدلاً من أن يقول: "تُصبِحون على خير" يقول: "سیداتي آنساتي سادتي فُـتُّكوا بعافيـة" أو "سیداتي آنساتي باي باي".

السبت:

اليوْم "وفاء النيـل" .. قبل أن أذهب إلى الأستديو مررتُ في الصباح المبكّر على أرشيف الإذاعة واطّلعتُ على مكتبة الاغاني فوجدت 5666 أغنيـة من مختارات الإذاعة مدرجة تحت بند أغاني عن النيل ووفاء النيـل .. فاخترتُ بعض الأغاني غير المعروفة لأذيعها كي أكون فريداً ومختلفاً عن غيْري واستبعدتُ الأغاني التي تكرّرت إذاعتها كثيراً حتّى حفظها المستمعون مثل أغنيتيْ "شمس الأصيل" لـ"أم كلثوم" و"النهر الخالد" لـ"عبد الوهاب" .. وتذكرتُ نصيحة زميلي المذيع المحنّك "صبحي الناصح" الذي قال لي أن المذيع الناجح يجب أن يجدِّد في تقديم الأغاني فلا يكتفي بأن يقول: "إليكم أغنية كذا من كلمات فلان الفلاني وألحان علّان العلّاني وغناء ترتان الترتاني" .. فكلّهم يقولون هذه العبـارة المستهلكة.

وفتحتُ الميكروفون وبصوْتٍ رقيقٍ منغوم قُلتُ تحيّة الصباح التي توصّلتُ إليها بعد تفكيرٍ طويل:

-       صیّداتی آنصاتی صادتي .. يصعدني أن أسحبكم طوال اليوْم بأكمله .. وإن شاء الله تكونوا بخير وجميع مَن بطرفنا يهدي إليكم السلام.

ثم بدأتُ أقدِّم أغنية المطربة "فتكات رِمش العين" تقديماً جديداً وأنا أقول:

-       صیّداتی آنصاتی صادتي .. من المطربة "فتكات رِمش العين" التي عوّدتكم أن تُغني في السباح المبكّر وأنتم نيـام لتزدادوا نوْماً صعيداً نُقدِّم إليكم أغنية "مرحب" .. صاغها الشاعر الغنائي الملهَم "أحمد بطاطا" ووضع ألحانها السماويّة "عجمي النشوان".

وبدأ الدويتّو الغنائي بين "فتكات" وكورال المجموعة:

-       فتكات: مرحب .. أهلا يا وفاء النيل. ـ

-       المجموعة: أهلاً يا وفاء.

-       فتكات: يا سلام عليك يا وفاء النيل.

-       المجموعة: يا سلام یا وفاء.

-       فتكات: إنتَ جميل يا وفاء النيل.

-       المجموعة: يا جميل يا وفاء.

-       فتكات: ترلم لم .. ترليل.

-       المجموعة: ترلم لم يا وفاء.

فتحت الميكروفون وصدحت بصوْتي:

-       وإلى هنا أيّها الصادة تنتهي تِلك الأنشودة العَذبة التي غنّتها لكم "فتكات رمش العين" .. أمّا الآن فنستمع إلى مطربة السباح المبكّر "نِسمة العصاري" تشدو بأغنيةٌ حالمةٌ .. ألهم النيل معانيهـا الرفيعـة للشاعر "حبشي المشمش" ورصحها بالنغم اللامع الملحن "برعي العايق".

وانطلقت "نسمة العصاري" تغني:

حبیبي عنده حمّو النيل  

ورُحنا يوم على شط النيل

سرح حبیبي

يا .. یا .. يا حبیبی

قلت له مالك سرحان ليه

قال لي باحب النيل وعنيه

وسرح حبیبي

یا .. یا .. یا حبیبي

قال لي حبیبي أینعم يا جميل

باحب النيل ووفاء النيل

سلامو عليكو .. أنا ح ابقى قتيل

ونط ما بانشي جوّه النيل

غرق حبیبي

یا .. یا .. یا دھوتی

وبعد انتهاء الأغنية عُدت أقول:

-       وإلى هنا تنتهي أغنية "عاشق النيل" غنّتها لكم "نِسمة العصاري" .. أمّا الآن فتستمعون إلى "نزاكة الكروان" في أغنية "نیلي یا نیلي.

وضعتُ الأغنية الشاعريّة الرقيقة جانباً قبل تشغيلها وردّدتُ مقطعاً منها بإلقاءٍ شِعريٍ جميل لأُلفتُ النظر إلى روْعة المعاني في مناجاة النيل وقلت:

-       وفيك البلطى والقراميط

وعلى شطّك بيض وصميط

بعد ذلك عُهِد إلىَّ بإذاعةٍ خارجيّة .. وهي حضور الاحتفال بعيد "وفاء النيل" .. ولمّا كنتُ قد وصلتُ إلى المكان قبل أن يبدأ الاحتفال أمسكتُ بالميكروفون وانطلقتُ أقول ببطءٍ شديد وأنا أمط كل كلمة:

-       أيّهـــا السيّـــدات والســـادة .. أنا الآن على شاطيء النيـــل .. النيـــل العظيـــم .. النيـــل الكريـــم .. فهو عظيـــمٌ وكريـــم .. النيـــل العظـــيم .. فيه نسيـــمٌ عليـــل .. وفيه أيضاً نخيـــلٌ أراها أمـــامي .. والنيـــل هو صـــاحب نخيـــلٌ بـــاسقة .. ولـــكن ليس فيهـــا بلحٌ أحمـــر .. فكل البلح الذي أراه أخضـــر .. أخضـــر أيّهـــا الســـادة .. نعم .. أخضـــر .. والنيـــل هو صـــاحب الفضل في هذه الخُضـــرة الجميـــلة .. فهو الذي يسقـــي هذه النخيـــل أيهـــا الســـادة .. والنخيـــل يمتص المـــاء ليحوّله إلى بلح .. بلحٌ زغلـــول .. وبلحٌ سمـــاني .. وبلحٌ حيّـــاني .. وبلحٌ أَمْهـــات .. وبلحٌ أبريـــمي .. وبلحٌ برحـــي .. فنأكله هنيـــئاً مريـــئاً أيّهــا الســـادة .. ما زِلنا أيّهـــا الســـادة والسيّـــدات في انتظـــار إلقـــاء عروس النيـــل في المـــاء .. أنني أرى هـــنا جَمْعـــاً من النـــاس يطلّـــون من ســـور الكورنيـــش ويشـــاهدون وفـــاء النيـــل .. ذلك النهـــر الخـــالد الذي شـــابت على أرضـــه الليـــالي وضيّعـــتْ عٌمرهــا الجبـــالُ .. مسكيـــنةٌ هي الجبـــالٌ .. ومسكيـــنةٌ هي الليـــالي التي شيّـــب النيـــل شَعرهـــا .. كـــرأس تـــلك السيّـــدة المٌطِلّـــة أمـــامي الآن مـــن الســـور وهي تقـــزقـــز التِرْمِـــس وإلی جوارهـــا زوْجهـــا العجـــوز .. ليْتـــكم معـــي أيّهـــا الآنســـات والسيّـــدات والســـادة لتـــروا تـــلك الصـــورة الجميـــلة من صـــور الحـــب والوفـــاء والسيّـــدة تقـــزقـــز الترمـــس لزوْجهـــا الأهـــتم .. إنهـــا تعطيــــه التِرْمِـــس في حنـــان .. في حـــب .. في وفـــاء .. ما أجمـــله مِـــن وفـــاء ولا عَجَـــب .. نعـــم ولا َعَجـــب أيّهـــا الســـادة فان النيـــل يعكـــس وفــــاءه عـــلى الجميــــع .. أيّهـــا الســـادة لا تـــزال أمامـــنا خمـــس ســـاعـــاتٍ لإلقـــاء عـــروس النيــــل .. فدعـــونا نقضـــي تِلك الفـــترة البسيـــطة في حـــديثٍ إليْـــكم .. إننـــي أقـــف الآن علـــى الشاطـــئ أيّهـــا الســـادة .. بيـــدي ميكروفـــون .. والميكروفـــون به سِـــلك والحـــبل طويـــل .. وفـــي أذنـــي سمّـــاعـــات .. وفـــي عـــيْني نظـــرة شُـــكرٍ للنيـــل علـــى وفـــائه .. فلـــوْلا ذلـــك الوفـــاء ما استطعنـــا أن نشــرب المـــاء .. بـــل ولا الكـــوكـــا كـــولا أو البيبســـي كـــولا أو الخـــروب أو السوبيـــا .. فكلهـــا أيّهـــا الســـادة مِـــن المـــاء ... والمـــاء مِـــن الولاء .. والولاء من الوفـــاء .. والوفـــاء مِـــن النيـــل .. فألف شُكـــر أيّهـــا النيـــل الكريـــم .. لا تقُـــل لـــي العفـــو أيّهـــا النيــــل .. لا تقُـــل لـــي الله يحفظــــك .. لا تقُــل لـــي أي شـــيء .. دى حـــاجـــات بسيطـــة .. أيّهـــا السيّـــدات والســـادة أنـــي ألمـــح عـــلى الضِفّـــة الأخـــرى مَرْكَبـــاً محمّـــلاً بالبلاليـــص .. لعلّهـــا بلاليص عســـل .. أوْ لعلّهـــا بلاليـــص مِـــش أوْ لعلّهـــا بلاليـــصٌ فـــارغـــة .. لاشـــك أن كثيـــراً منكـــم لم يـــروْا البلاليـــص .. إنه إنـــاءٌ فخّـــارٌ كبيـــر .. لـــه رأسٌ كـــرأس القُـــلّة وأذنـــان كبيرتـــان .. وجسمـــه في شـــكل الفُستـــان الترابيـــز .. لعـــل الكثيـــر منكـــم لا يعـــرفـــون شـــكـــل الفُـــســـتـــان التـــرابـــيــــز .. إنـــه فُـــســــــتــــــــان .....

مضيْتُ أصِف الفُستان الترابيز لأقرِّب إلى أذهان المستمعين شكل البلّاص الذي هو محمّلٌ فوْق المركب الذي هو يمضي فوْق النيل الذي نحتفل بوفائه.

كنتُ موفّقاً جداً وأنا أنتقل في حديثي من موضـوعٍ لموضوع بلباقة .. فتحدّثتُ عن العسل الذي ريمـا يكون في تـلك البلاليص .. ثم كان لابد بعد ذلك أن أتحـدّث عن الطحينة لأن الكثيرين يأكلون العسل معها .. وجرّتنا الطحينة إلى سـلاطة الطحينة .. وما دُمنا قد ذكرنا سلاطة الطحينة فلابُد من الحديث عن الكَباب والكُفتة .. وجرّتنا الكُفتة إلى الحديث عن اللحم .. اللحم البتلّو والشَمبري والكندوز والضـاني والجملي .. وكان لابُد أن نعود إلى النيـل فتحدّثت عن البروتينات الموْجودة بلحم البهائم ولحم الدجاج ولحم السمك .. ثم تكلّمت عن أنواع السمك .. سمك المياه المالحة وسمك المياه العذبة كالسمك الذي يعيش في النيل .. ومن هنا عُدتُ بعد ذلك إلى الحديث عن النيل ووفاء النيل.

الإثنيْن:

وقعتُ اليوْم في غَلْطةٍ وِحشة وأنا أقرأ النشرة الإخباريّة .. لا أعرف لمـاذا سرحتُ وأنا اقرأ .. فدفعني عقلي الباطن إلى أن أغلط في اسم المستشار الألماني "لودفيج إیر هارد" وأنطقه: "لودفيج إیر کوندیشن" .. تنبّهتُ فوْراً إلى هذه الغلطة وتذكّرتُ نصيحة صديقي "صبحي الناصح" الذي قال لي:

-       إذا وقعت في زَلّة لسان وأنت تقـرأ النشرة فلا تقول متأسّف أو آسف ثم تُصحِّح الغلطة .. فإن كلمة آسف سوف تلفت نظر المستمع إلى أنك غلطت .. بل استمر في قراءة الكِلمة أو الاسم بالشكل الذي نطقته به حتى لا يلتفت أحدٌ إلى خطأك.

فعلاً مذيع محنّـك ونصائحه ثمينة .. وعلى هذا الأساس مضيْتُ أقرأ مردّداً:

-       وأضاف "إير كونديشن" قائلاً .... واستطرد "إیرکونديشن" يقول .... وأجاب "إيركونديشن" بصِدق .... وهكذا.

الثلاثاء:

منعوني من قراءة النشرة وأوْقفوني عن العمل .. وحتّى الآن لا أعرف السبب!!!

google-playkhamsatmostaqltradent