خبر
أخبار ملهلبة

لقد هَرِمنا.. إرحمونا بقي (2) | فضائح مصر المهروسة لابن النكدي


حشد كبير من رجال وسيدات مسنين يقفون في طوابير طويلة على الرصيف خارج مكتب بريد أو بنك انتظاراً لقبض المعاش الشهري

لقد هَرِمنا.. إرحمونا بقي  (2)

 

 

- ف الأوقاف.. بس أصلاً أصلاً كنت مساعد.. مساعد أوّل ف الجيش بس أحالوني للإستيداع بعد ما انصبت ف حرب تلاتة وسبعين وقطعوا لي رجلي الشمال.. ما هي رجل خشب.. إمسك كده.

- ألف سلامة عليك.

- لا بس الجيش ما سابنيش.. شغّلوني ف الأوقاف وادّوا لي مكافأة ميتين وخمسين جنيه.. انت عارف أيّاميها كانوا مبلغ محترم.. دفعت منّه مهر مراتي الله يرحمها وجبت الدبلتين وبارك الله فيما رزق.

- أنا بقى كنت أمين مخزن ف الجمعيّة الزراعيّة ف "محلّة مرحوم" ومعاشي صفصف على تلتميّة واربعين جنيه.. الحمد لله.. رضا.. فضل وعدل.

- ويا ترى بيكفّوك انت وعيالك؟.. ده انا مرتّبي بيكفّيني بالعافية وانا بطولي.. حاكم عيالي كلّهم مسافرين بلاد برّه.. ما فيش غير ابن واحد قاعد هنا ف "مصر".

- ما هو ما فيش غير مراتي اللي معايا.. أصلها ما بتخلّفش.

- بيني وبينك أحسن.. العيال ده الوقت مش زيّنا واحنا صغيّرين.. ده انا كنت متجوّز ومخلّف وأوّل ما اشوف أبويا أو أمي أرمي السيجارة اللي ف إيدي وانزل أبوس إيديهم لحد ما ربّنا افتكرهم.. إنما عيال الزمن ده بقوا لعنة.. تصدّق إن ابني اللي جنبي هنا ف "زِفتى" ما جاش يزورني بقى له أكتر من سبع أشهر ده الوقت.. قال إيه بيعمل زي اخواته اللي برّه وبيطمّن عليّ كل أسبوع بالتليفون.. ده بدل ما ياخدني عنده اقعد معاه واتونّس بيه وبعياله ف آخر أيّامي بدل ما انا قاعد فرداني كده باكلّم نفسي.. ده انا خايف اموت لوحدي وما حدّش يحس بيّ غير لمّا ريحة جتّتي تطلع.. ده انا لو ربّيت كلب كان زمانه تَمَر فيه وقعد تحت رجلي.. منها لله بقى مراته ما بتطيقنيش.. مع إن انا اللي منقّيها له بنفسي.

- معلهش.. كلّه عند ربّنا.. الدور والباقي على شباب اليومين دول كمان.. قال شباب ثوْرة قال.. ما فيش أدب ولا خِشى ولا فيه احترام للكبير ولا فيه سمعان كلام.

- معلوم.. دول كمان بيشتمونا عيني عينك ويقولوا علينا جيل خايب ضيّع البلد بسكوته وخضوعه للحكّام الظلمة.. أومّال لو كانوا حاربوا زيّنا وعاشوا الأيّام الصعبة بتاعتنا وخدموا البلد عمرهم كلّه كانوا قالوا إيه؟

- ربّنا يهديهم.. دول ديك النها..........

وقطع حديثهما عامل النظافة الذي يكنس الشارع والرصيفيْن بعد أن صاح فيهما بعنف :

- يا با مش سامعني انت وهوَّ وانا بازعّق للرجّالة والستّات اللي قاعدين ع الرصيف زيّكم مستنّيين البوسطة تفتح!

- ليه يا بني بس؟

- يا دي النيلة.. اليوم باينّه اسود من أوّله.. قوموا يا با علشان عايز اكنس الرصيف والتراب اللي تحته قبل ما الزفت المُلاحِظ ييجي ويسمّعني كلمتين ما لهمش لازمة أو يخصم منّي يومين.. هوَّ انا كل يوم ح افضل ف الهم ده مش كفاية بتزبّلوا الدنيا مطرح ما انتم واقفين واقعد انا انضّف من تحتكم طول ما انا رايح وجاي.

- خلاص يا بني.. آدينا قمنا أهو.. حاجة تانية؟

- آه.. تعالوا كده على جنب ما تقرفونيش.

وظلَّ الشُيّاب والشيباوات واقفين على أرجلهم يتململون ؛ تارة يتسنّدون على الحائط وتارةً يستندون على بعضهم البعض وتارةً يغافلون عامل النظافة ويختلسون بضع ثوانٍ يجلسون فيها على الأرض التي كانت لحسن الحظ جافة بعد أن صامت السحب عن الإمطار في ذلك الصباح ؛ حتّى حضر الموظّفون المختصون وبدأوا في صرف المعاشات وسط تعنيفهم وتوبيخهم وصراخهم في وجه أصحاب المعاشات المساكين بحجّة فرض النظام وتيسير الأمور، وعندما جاء الدور على عم "ضاحي" بادر الموظّف بسؤاله وهو منكبٌ على الأوراق دون أن ينظر في وجهه :

- اسمك إيه؟

- صباح الخير يا ابني.. اسمي ضاحي السيّد عبد الـ......

- هات كارت الصرف والبطاقة.

- اتفضّل.

- ما للبطاقة قديمة ومهربدة كده!.. أنا المرّة دي بس ح اعدّيها لك إنّما اعمل حسابك المرّة الجايّة لو ما طلّعتش بدل تالف وجيت لي بنفس البطاقة ح ارميها لك ف الشارع.

- حاضر.. كتّر خيرك.

- جبت شهادة مختومة من اتنين موظّفين إنّك لسّه عايش؟

- نعم؟

- جبت شهااادة مختوووومة من اتنيييين موظّفيييين إنّك لسّه عااااااااايش؟

- آه.. أهِه.

- طب ما تدّيني كل أوراقك مرّة واحدة.. إنت ح تنقّطني.

- لا مؤاخذة.

- أُفففففففففف.. امضِ هنا بالاستلام.

- حاضر.. اتفضّل.

- معاك اتنين جنيه وربع فكّة؟

- لأ.

- خلاص يبقى لك عند ربّنا.. شيل فلوسك بسرعة علشان نشوف اللي بعدك.. ياللا.

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent