خبر
أخبار ملهلبة

صورة واحد إعلانجي | صور مقلوبة | أحمد رجب

 

كاريكاتير بريشة مصطفى حسين عن واحد إعلانجي من القصص الساخرة صور مقلوبة لأحمد رجب

صورة واحد إعلانجي

 

 

الأحـد:

كلما ذهبتُ إلى السينما شعرتُ أنني أسعدُ إنسانٍ في الدنيا .. ففي كل مرّةٍ أرى تأثير إعلاناتي العظيمة على المتفرّجين .. كل المتفرّجين يحفظون إعلاناتي صم .. إذ ما كاد - مثلاً - يظهر إعلاني عن حبر "كومو" على الشاشة حتّى راح الأولاد يردّدون مع ممثّلات الإعلان ومذيعيه:

-       إيه ده اللي على فستانِك؟

-       دی بقعة حبر "كومو" مش عايزة تطلع أبداً.

-       طبعاً .. أصل "كومو" حبر هايل لا يمكن يطلع أبداً.

-       أحط لِك بقعة على فستانك؟ .. ده حبر شكله لطيف خالص .. تحبي؟

-       یا ريت.

هنا تُحضِر الممثلة زجاجة حبر "كومو" فتظهر الزجاجة بين يديْها في لقطةٍ مكبَّرةٍ على الشاشة .. ثم تقول:

-       تعالى اما اوري لِك "كومو" بيعمل ايه.

وتضع لها بقعة حبر على فستانها الأبيض فتقول:

-       الله .. أنا ح ابقّع كُل هدومي بحبر "كومو".

وتنظر للكاميرا وتخاطب المتفرّجين والمتفرّجات وهي ممسكةً بزجاجة الحبر وتقول:

-       أظن انتي كمـان لازم تبقّعى كل هدومِك بحبر "كومو" وتكتبي بيه كمان.

وهنا ينطلق صوتُ مذيعٍ ومذيعةٍ يتبادلان التعليق على الإعلان:

-       المذيع: بُقعة حبر "كومو" لا يمكن تنظيفها أبداً.

-       المذيعة: والكلمة التي يكتبها "كومو" لا يمكن أن تزول من على الورق.

-       المذيع: "كومو" .....

-       المذيعة: ..... يكتب دون مجهودٍ أو تعب.

-       المذيع: إملأ قلمك ثلاث مرّاتٍ بحبر "كومو".

-       المذيعة: وفي الحال يجري القلم من تلقاء نفسه على الورق .. حتّى ولو كنت لا تعرف القراءة والكتابة.

-       المذيع: "كومو" وحده يقوم بكل العمل.

-       المذيعة: "كومو" .....

-       المذيع: ..... حبرٌ متعلّم.

-       المذيعة: "كومو" .....

-       المذيع: ..... حبرٌ مثقّف.

-       المذيعة: "كومو" .....

-       المذيع: ..... حبرٌ مثلّجٌ صيْفاً .. ساخنٌ شتاءً.

-       المذيعة: "كومو" .....

-       المذيع: ..... يكتب أكثر سواداً.

شعرتُ ـ كما أشعر كل مرّةٍ ـ بالسعادة الممتعة وأنا أسمع الأولاد يردّدون كلام الإعلان أثناء عرضه .. وشعرتُ بسعادةٍ أكبر وأنا أسمع أحد المتفرّجين يصرخ بشِدّةٍ ثم يصاب بالانهيار العصبي بسبب مطاردة هذا الإعلان له سنينٌ طويلةٌ بنفس الصور ونفس الكلمات .. شعرتُ بمتعةٍ عظيمةٍ وأنا أرى متفرّجاً آخر يصاب بحالة جنون هياجي ويستل سكّيناً ويعدو نحو الشاشة لتمزيقهـا أثناء عرض الاعلان .. سعدتُ بمنظر الرجل الذي أخذ زوجته وأولاده وهم يهرولون خارج السينما وهو يحلف بالطلاق ما هو داخـل سينما طول ما هـذه الإعلانات وراه .. فرحتُ وأنا أسمع تعليقاتٍ كثيرةً حوْلي كلّهـا قرف وزهق وشكوى لطوب الأرض من هذا الإعلان .. فإن معنى هذا كلّه أن إعلاني قد حقّق نجاحاً جباراً وأن فلسفتي الإعلانيّة هي أعظم فلسفةٍ إعلانيّةٍ في العالم .. فالإعلان لا يمكن أن يحقّق نجاحاً عظيماً إلّا إذا حطّم أعصاب الناس وأوْرثهم الجنون بسخافته وتلامته وإلحاحه وتكرار صورِه وكلماته سنة وأربع سنينٍ وعشر سنين .. في السينما والتليفزيون والشارع وكل مكان .. صُبحاً وظُهراً وعصراً وليْلاً وفي كل زمان .. حتّى يستسلم له الناس اتقاءً لشرّه ودفعاً لاضطهاده المستمر الذي يسبّب الجنون الهياجي والجنون الذهولي والنورستانيا والبارانويا والملانخوليا والصرع والهلاوس.

الثلاثاء:

زارني اليوم مدير دعاية شركة صابون "المكوك الأصلي" للحلاقة .. طلب مني أن أتولّى القيام بحملةٍ إعلانيـّةٍ شاملة في السينما والتليفزيون لصابون "المكوك الأصلي" .. قال لي أنه درس الفـن الاعلاني في الخارج ثم راح يحدّثني عن التطور الهائل الذي وصل إليه هذا الفن وكيف أن الإعلان قد أصبح متعةً حقيقيّةً للنـاس بعد أن تحوّل إلى عملٍ فنّيٍ متكامل .. ثم قال حضرته ـ بكل جهل ـ أنه يريد أن تكون الإعلانات سريعةً ومشوّقةً وجذّابة ولا تخلو من الابتسامة ومتجدّدةً باستمرار لتغري الناس بالمتابعة دون أن تدفعهم إلى القرف.

أفهمت هذا الولد الساذج الحمار أن ما يقوله وما يطلبه هو ضد مبادئي الإعلانيّة التي تستهدف تعذيب الناس .. ورفضت التعامل معـه نهائيّاً.

الأربعـاء:

عكفت اليوم على وضع فكرة الفيلم الإعلاني لصابون "منقرع" المخصّص لغسل الصحون.

الخميس:

أنا في منتهى السعادة .. إذ حضرت اليوْم العرض الأوّل للإعلان الذي وضعته عن أحمر الشفاه "شفاشيفو" .. كنت في منتهى المتعة وأنا أتابع أفكاري الإعلانيّة العظيمة مجسّمةً على الشاشة .. وكنت أكثر متعةً وأنا ألاحظ تأثيرها القوي الفعّال في المتفرّجين

كان الفيلم قد بدأ بدايةً رائعةً حقّاً وانتهي نهايةً أكثر روْعة:

# المشهد الأوّل:

الزوج يدخل من باب الشقّة كالثور الهائج وهو يصرخ:

-       فين الأكل؟

الزوجة ترتعد وهي تشير إلى المائدة التي أعدّتها كاملةً تماماً فيجلس الزوْج إلى المائدة صارخاً:

-       فين الملوخيّة؟

بيدٍ مرتعشةٍ تكشف الزوجة طبق الملوخيّة فيصب الزوْج بعضاً من الملوخية في طبقه وهو يشتمها بلا سبب:

-       جاتِك النكد .. جاتِك خابِط .. حمارة .. حيوانة .. طورة .. سفوخس.

وعندما يرتشف الزوج أوّل معلقةٍ من الملوخيّة يصرخ:

-       دى ناقصة ملح .. الله لا يكسّبِك.

تمتد يد الزوْجة الى الملّاحة لتناولها له ولكن قبل أن تتمكّن من ذلك يدلق الزوْج طبق الملوخيّة الساخنة على رأس الزوجة .. ثم يعقب طبق الملوخيّة بطبق الرز فيلقيه في قفاها .. ويمسك بها بعد ذلك ويضربها ضرباً شديداً مع ما تيسّر من اللكمات والشلاليت ويجرّها من شعرها وهي مغمىً عليها حتّى الحمام ليضعها تحت الدُش فتفيق .. ثم يصرخ فيها:

-       قومي کلّمي أمك الغنيّة تبعت خُمسميت جنيه.

تحاول الزوْجة النهوض ولا تستطيع فيتعجّلها وهو يجذبها من شعرها المليء بالملوخيّة والرز:

-       باقول لِك قومي .. أنا عندي بَرتيتة قُمار الليلة وعاوز الفلوس.

# المشهد الثاني:

الزوج يخسر الخمسمائة جُنيْهاً على مائدة القُمار.

# المشهد الثالث:

الزوج يدخل البيت سكران طينـة ويصرخ من عند الباب:

-       إنتي يا زفتـة.

نتقدّم نحوه الزوْجة فيضربها شلّوتين ثم يحملها بيْن ذراعيْه ويلقي بها من نافذة الدور الأوّل إلى الشارع .. تأتى الاسعاف لتحملها إلى المستشفى بيْن الموْت والحياة.

# المشهد الرابع:

على سريرٍ بالمستشفى ترقد الزوْجة ملفوفـةً بالشاش من أوّلها لآخرها .. المأذون يحضر لإتمام الطلاق .. وعندما يطلب من الزوْج التوْقيع على وثيقة الطلاق يُخرِج الزوْج من جيبـه قلم أحمـر "شفاشيفو" ويقدّمه إلى الزوْجة لتوقّع هي الأخرى فما أن ترى الزوْجة قلم الشفاه "شفاشيفو" حتّى يتهلّل وجهها وتبدو عليهـا سعادةٌ جنونيّة وقالت وهي تُمسِك بالقلم وتنظر إليه في لهفة:

-       يای .. يای.

وترتمي على صدر زوْجها في حُضنٍ غرامي:

-       يا حبیبي .. یا روحي .. یا قلبي .. سامحني .. إهيء إهيء إهيء .. أنا بـاعيّط من فرحتي بـ"شفاشيفو".

وبينما المأذون يجمع اوراقه وينصرف تقول الزوْجة في هيام:

-       إضربني .. إحرقني .. إرميني من فوق البرج .. بَس كل مرّة صالحني بـ"شفاشيفو".

وهنا تتوقّف الصورة على الشاشة ويبرز صوتيْ المذيعة والمذيع قائليْن:

-       المذيعة: أحمر شفاه "شفاشيفو" .....

-       المذيع: ..... هو سر السعادة الزوجيّة.

-       المذيعة: "شفاشيفو .....

-       المذيع: ..... يجعل شفتيْكي أكثر احمراراً.

أنني أتوقّع لهذا الإعلان مستقبلاً عظيماً بعد تكراره على الناس ليْلاً ونهاراً فقد استقبله المتفرّجون بمنتهى القرف والضيق.

السبت:

طلب مني مدير دعاية شركة صابون "منقرع" لغسل الصحون أن أبتكر عبارةً في الإعلان تجري على كل لسان للإجهـاز على أعصاب الناس بتكرارها.

الأحـد:

توصّلت اليوْم إلى العبارة الخالدة التي سيحفظها الناس عن ظهر قلب بعد أن يُعرَض إعلان صابون "منقرع" في دور السينما والتليفزيون .. إذ كتبت في هذا الإعلان هذا المشهد العظيم:

قطعة صابون "منقرع" تقف بباب المطبخ بينما سِت البيت أمام الحوض وهي تحاول عبثاً تنظيف الأطباق القذرة .. تدق قطعة صابون "منقرع" باب المطبخ فتقول سِت البيت:

-       من قـَرَع؟

فترد الصابونة:

-       أنا "منقرع".

واللهِ عبارة تساوي مليون جنيه.

الاثنين:

ذهبتُ اليوْم مع الأستاذ المخرِج الكبير "خميس فجلة" لنشـاهد عرض إشارة فيلمه الجديد "فاجعة في البلكونة" .. وهي الإشارة التي توليْتُ أنا القيام بعملها وكتابة التعليق عليها .. كانت تعليقاتي مع الـمَشاهِد في منتهى الروْعة .. إذ بدأت الإشارة بمشهد البطلة وهي تضحك في بيْت أسرتها بينما انطلق صوت المذيع:

-       "فاجعة في البلكونة": (أوّل مشهد) قصّة فتاةٍ بريئةٍ كانت تعيش بيْن أسرتها آمنةً مطمئنة .. (مشهدٌ آخر) وفجأة سقطت بها البلكونة .. (مشاهد متعاقبة) دراما مؤثّرة .. فاجعة تهز المشاعر .. دموع .. حزن .. غَم .. (مشاهد متعاقبة) لقد فقدت عمودها الفقري وأُصيبت بالخَرَس والطَرَش والعَمى والسُل والشَلل .. (مشاهد متعاقبة) ولم يكتفِ القدر بذلك بل طعنها طعنةً نجلاء فأصاب حبيبها بحادث قطارٍ فَصَل رأسه عن جسمه .. (مشاهد متعاقبة) مأساةٌ ستبكيكم ساعتان متواصلتان من الدموع والنكد .. (مشاهد متعاقبة) إن هذه العذراء البريئة تعيش على الأمل فبعد أن شُفيَت من كل أمراضها انتظرت الشاب الذي ضحّى من أجلها ولكن القطار أطاح برأسه في مكانٍ مجهول .. (مشاهد متعاقبة) وفاء .. إخلاص .. إنسانية .. (مشاهد متعاقبة) فقد انطلق أهل القرية يبحثون عن رأس حبيبها الذي طيّرته عجلات القطار حتّى يعيدوا الرأس إلى جسمه .. (مشهد للبطل وهو يضع يده في يد البطلة) وعثروا على الرأس ووضعوها على جسمه فرُدَّت إليه الحياة بمعجزة .. فيلم المعجزات: "فاجعة في البلكونة" .. (مشهد للبطل وهو يُقبِّل البطلة) فيلم الحب والغرام: "فاجعة في البلكونة" .. (مشهد للبطل وهو يجلس في الكوشة مع عروسه) فيلم السعادة والهناء: "فاجعة في البلكونة" .. (مشهد للبطل وهو يمشي في الزفّة فيقع رأسه على الأرض) ولكن القدر كان بالمرصاد .. فقد وقع رأس البطل من فوْق جسمه مرّةً أخـرى .. (مشهد للبطلة وهي تبكي) ماذا تفعل "نَفّوسة" (اسم البطلة )؟؟ .. هذا ما سيجيب عليه الفيلم العالمي الكبير : "فاجعـة في البلكونة" الذي يُعرَض يوم الإثنيْن القادم بسينما "بوبي".

هنأني الأستاذ "خميس فجلة" بحرارة على إشارة الفيلم .. وعندما اعترض أحد الموجودين على أن الإعلان يحكى كل قصّة الفيلم قال له الأستاذ "خميس فجلة" أن الإشارة عال قوي كده لأن الجمهور عاوز كده.

السبت:

قرأتُ اليوْم أسعد خبر في الدنيا .. الخبر منشور بالصحف .. وكل صحيفةٍ أفردت له مساحةً ضخمة .. يقول الخبر أن الأستاذ "أحمد بطيخة" اصطحب زوجته وأولاده إلى السينما وترك السيّدة حماته - وهي عجوزٌ قعيدة - أمام التليفزيون في البيت وفجأة خرج عليها من الشاشة الصغيرة إعلان حبر "كومو" فاستغاثت السيّدة العجوز بالجيران ولكن أحداً لم يسمع استغاثتها فلم تجد بُدّاً من مخاطبة الإعلان وهي تتوسّل إليه:

-       واللهِ عندي حبر "كومو" .. إبعد بقى ربّنا يهديك.

ولكن إعلان "كومو" ظل على الشاشة دون أن ينصرف وهي تُقسِم له في خوْفٍ وفزع:

-       واللهِ باشتری حبر "كومو" .. كفاية.

ويبدو أن الإعلان قد شعر بأن السيّدة وحيدة في البيت فتقـدّم منها قائلاً:

-       طب ورّيني فين هوَّ حبر "كومو"؟

ولمّا كانت السيّدة عاجزةً عن الحركة فقـد راحت تطلق صرخات رعبٍ متواصلة دون أن يسمعها أحد حتى فاضت روحها متأثرةً بالإعلان .. أسعد خبر يؤكّد نجاحي المهول في الفن الإعلاني.

google-playkhamsatmostaqltradent